يقال بأن الظلام يمثل 96% من الكون ، وتصديقا لقوله تعالى فإن الله خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور. هذا النور الذي يأتي حتما بعد الظلمات وكما يأتي اليسر بعد العسر. هناك ظلمة في مستوى الصورة(أسفله) ترمز كما أراد مُشكّل الصورة، لكن هناك نور يأتي من لحية عبد ربه. كثرة الظلمة لا تجذب العين وكما يجذبها نور اللحية. فهل في ذلك حكمة؟ كنت أنظر إلى صورة وجه رئيس الحكومة السيد بنكيران وهو يتوسط إطارا أسود ، فطرحت السؤال تلو السؤال عن القصد من جعل الخلفية أوالسطح أسود وليس بلون الربيع؟ أو لماذا كان بلون الظلام عوض اللون الأبيض؟ فتذكرت وقتها الحديث القدسي:« يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا » وحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر« اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دمائهم، واستحلوا محرماتهم» رواه مسلم. وبما أن لكل صورة هدف ومرمى فيا ترى ما هو الهدف الذي كان يبتغيه واضعها حينما سرب صورة رئيس الحكومة داخل الإطار الأسود لون الظلام؟ فإن كان اللون الأسود يستعمل للدلالة عن الجهل والخطيئة والشقاوة والبؤس والخوف والرعب والموت فما الذي يجمع أي عنصر من هذه العناصر مع بنكيران ؟ هل يريد مُشَكّلُ الصورة إحالة المتلقي على مرجعية رئيس الوزراء الإسلامية أو إيديولوجيته المتناغمة مع الدين الإسلامي والتي أصبح " البعض" يعرّفها على أنها سبيل التأخر والرجعية والنكوص والفساد والظلام ؟. ولأن ذلك البعض يرى بأن رجوع الإسلاميين لتدبير الشأن العام بعد غياب طويل جدا هو انحراف عن محطة عصر التنوير التي كان قطار التغيير والحداثة يستعد للمرور منها ، فحدث ما لم يكن في الحسبان، وكان الحدث التاريخي الذي غير شيئاما مجرى التاريخ ومجرى تلطلعات وانتظارات قوى معينة . فالربيع العربي كما يحلو للبعض تسميته ، أو ربيع الكرامة كما يحلو للبعض الآخر،جاء بمفاجآت قلبت جميع التوقعات . فعوض أن تصعد قوى يسارية للحكم ، كانت في السابق تناضل من أجل ذات الهدف ، صعدت قوى إسلامية كانت إلى وقت قريب تعد مشاكسة في نظر اليساريين ونظام الحكم . فكان وقع المفاجأة على الأنظمة قويا ، وعلى اليسار عنوانا للخيبة والفشل في استمالة الرأي العام. صعود الإسلاميين بعد فوزهم في الانتخابات ،والتحاق اليسار الذي كان مكونا من مكونات الحكومة السابقة بالمعارضة لم يستسغه أصحاب تيار التجديد الذين كانوا يريدون الاحتفاظ بالسلطة لوقت أطول، معتمدين على برامج إصلاح ،رأى فيها الناخبون أنها برامج تنويم مغناطيسي ،لن يروها تقوم على أرض الواقع يوما ،لأن الآمال و التخطيط و الوعود غير كافية، فهي تحتاج لإرادة سياسية صادقة غير متوفرة بشكل كاف من أجل تحقيق إصلاح عميق يمس المؤسسات ومن يديرها ، والاقتصاد ومن يتحكم فيه، والفقر ومن يكرسه، والجهل ومن ينشره، والأمراض ومن يزرعها في جسم المجتمع العليل. انتخابات 25 نونبر2011 منحت الضوء الأخضر لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعم الحكومة التي لم تكن سهلة الولادة، فهي جاءت بعد أخذ ورد ونقاش مستفيض مع زعماء أحزاب . فلم تصاحب نشوة النصر طويلا أعضاء حزب العدالة والتنمية ووزرائه ورئيس الحكومة المنبثق منه ، حيث سارع اليسار بكل مكوناته إلى الضغط على الحكومة بافتعال مطالب جديدة تروم حرية الجنس وتوسيع الحريات الفردية والجماعية ، وفتح ملفات تشغيل حاملي الشهادات وجبهات أخرى لإحراج الحكومة أمام الرأي العام الوطني والدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان خاصة " شأن المهاجرين جنوب الصحراء" المؤازرين – ضد الحكومة – من طرف جمعيات حقوقية وطنية. واليوم كالأمس تماما . ففي عهد حكومة السيد عباس الفاسي كانت الأصوات تتعالى ، تندد وتستنكر تماطل الحكومة وابتعادها عن طموحات الشعب في التغيير.وحرمان شرائح من أبناء هذا الشعب من الشعور بالكرامة بعدما سدت أمامهم أبواب التشغيل، وحرم أخرون من استشفاء حقيقي يتجاوز فعل الحصول على بطاقة "الرميد" التي لا تساوي ثمن الورق الذي صنعت منه عندما يتعلق الأمر بالفحوصات، حيث يوجّه حاملوها للمصحات الخاصة لإجراء اسكانيرمثلا، وهم في حالة اقتصادية وصحية لا تحتمل التأخير ولا التماطل . هو مشهد من مشاهد مرحلة مع حكومة السيد بنكيران الذي كان إلى وقت قريب بالنسبة للشباب رمز الجهاد ضد الفساد والاستبداد ، فبدأ البعض منهم يرونه فترة حكمه رمادية وحلقة أخرى من حلقات مسلسل طويل ممل اسمه" تعاقب الشخصيات وتشابه الحكومات". لقد يعد – في نظر المواطن- أي فرق بين اليساري وبين اليميني أو بين المسلم وغير المتدين عندما يتعلق الأمر بالسياسة. وأصبح " كاع أولاد عبد الواحد واحد" شعارا يردده الصغار والكبار. فالأحزاب تشابكت مصالحها وأصبح همّها التحكم عوض الإصلاح والتغيير، لأن كل من يريد التغيير يصطدم بمن يرفض هذا التغيير وهو يتقوقع بين أنصاره. لقد أصبحت ألوان الأحزاب تشكل لونا واحدا يستغل ضعف الشعب وتشرذمه وكما تشكل جميع الألوان اللون الأسود الذي يعبر ويرمز للمشهد السياسي المصبوغ بلون واحد يتوسطه رئيس حكومة يزعم أنه يملك حلولا لأزمات متعاقبة ومتنوع. الصورة قد تحمل تلك الدلالة :فالخلفية السوداء تعبير عن فقدان الأحزاب لما يميزها عن بعضها البعض ، وانحناؤها أمام تشابهها في محتويات برامجها ، ومخططاتها ، وتبعيتها لمنظريها شرقا وغربا. ويبدو أن اللون الأسود معبر عن تمازج وتلا قح السياسات رغم الاختلاف في الظاهر، ثم وجه بنكيران بلحيته البيضاء ودورة رأسه على الصورة على شكل هلال تحمل دلالة تعني الكثير. فبنكيران رغم ما يقال عنه ، يعد رجل المرحلة دون منازع، اختاره الشعب بتلقائية لأنه لم يكن هناك أي منافس له - ولا لحزبه زمن الأزمة الربيعية -يحمل ما كان يحمله بنكيران من وعود كسَب بها ثقة الشعب في مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب ، كان فيها الشعب نفسه محتاجا لمن يساعده على اجتياز الصراع بأقل الخسائر. فتاريخ حزب العدالة والتنمية على طول تواجده بالمعارضة خَلَقَ منه حصان الرهان الذي راهن عليه المغاربة لتحقيق الاستقراروالتغيير النوعي الذي كانوا ينشدونه والذي تعمل الحكومة على تحقيقه رغم الاكرهات الدولية وارتفاع المطالب الداخلية. السؤال الآن هل فَشَلَ السيد بنكيران في قيادة الحكومة نحو كسب رضا المؤسسة الملكية ورضا الشعب ؟ يبدو أنه مازال هناك متسع من الوقت قبل النطق بحكم نهائي بنجاح أو فشل بنكيران في تحقيق الحلم المغربي ، مع العلم أن أمامه تحديات وإكراهات قد يجد أي رئيس حكومة صعوبة وتعقيدا في رفعها، والعالم يمر من أزمة اقتصادية حقيقية تأثرت بها دول لها باع وثقل عالميين. فبنكيران يواجه موجات متتالية من الانتقادات والتظاهرات والأحداث يصعب تحديد الهدف منها . فهل هي – يا ترى- من أجل دفع بنكيران للعمل أكثر أم هي من أجل دفعه للاستسلام والفشل وبالتالي إعطاء صورة مغايرة – عن حزب العدالة والتنمية والإسلاميين – تثبت ضعف تجربة الإسلاميين وقصر نظرهم فيما يخص تسيير الشأن العام؟. ففي حالة فشل بنكيران واضطرار الشعب إلى سحب الثقة منه ، وبقاء المشهد السياسي على ما هو عليه، وارتفاع وثيرة الاحتجاج والمطالبة بالإصلاح ، هل يوجد على الساحة شخصية سياسية أخرى لها تاريخ مجيد ، ومتشبعة بالوطنية، لها برنامج طموح ، وخطة مدروسة ، وبعيدة عن الديماغوجية وتشابك المصالح ، تحمل همّ شعب وهمّ وطن ؟ وهل الناخبون مهتمون بالبحث عن بديل بنكيران وحكومته في حالة عدم اقتناعهم بمنجزات تلك حكومة من بين الذين يقدمون أنفسهم عبر الشاشات ؟ وهل هناك من يقدم نفسه – أصلا- على أنه مشروع رئيس حكومة أو وزير عبر اللقاءات ، وهو يعزز مكانته بالنقد البناء لرئيس الحكومة ،وبالكشف عن ثغرات خطته في تدبير الشأن الوطني؟ فما هو موجود اليوم هو ضجيج هنا وهناك . ليس هناك موضوعا محترما يُطرَح من طرف مختصين في السياسة أو الاقتصاد لتنوير الرأي العام لتحويله إلى مساند قوي لمشروع التغيير. فعوض تسيير وضبط المشهد السياسي لمساعدة الحكومة على التفكير وإيجاد الحلول يتم التشويش عليها بمواضيع ثانوية ،لا تعطيها تلك القوة لانتزاع التغيير ممن يتحكم في الإرادة السياسية . لقد أصبحت الساحة السياسية وكأنها سوق عكاظ " كل يلغي بلغاه" ، هناك من يريد تغيير البروتوكولات ، وهناك من يريد أكل رمضان، وهناك من يريد أن يشتغل، وهناك من يطالب بالزيادة . كل فرقة لها دستورها وتتشبث بمفاصيله وطريقة فهمه،وكل جمعية لها ملفها تلوح به – وعدا ووعيدا- في وقت كان من المفيد للجميع اختيار ملفات قابلة للتحقيق ثم بعدها تأتي ملفات أخرى وهكذا تجنبا للضجيج وإشهار العضلات. على أساس أن يكون هناك مختصون يجنون مطالب المتظاهرين القابلة للتحقيق وآخرون يشرفون على الحوار والتواصل ، تجنبا للقلاقل التي تعطي صورة مشوهة عن المغرب وتجعل المستثمرين يغيرون وجهة استثماراتهم نحو بلدانهم الأصلية وهو المراد الذي تسعى إليه الدول الغربية نفسها – التي تمر من أزمة اقتصادية أو التي تحتاط منها- ونراها تدعم التظاهر إعلاميا وتظهر بمظهر الشريك..