يبدو أن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران لا يملك أجندة سياسية، أو ما يصطلح عليه بالفرنسية ب "الطابلو دو بور"، لتدبير الاستحقاقات المقبلة للمغرب، فما قاله بنكيران أمام المستشارين أول أمس الثلاثاء يكشف أن رئيس الحكومة يخبط خبط عشواء، وكأنه يسير في ظلمة الليل. وحتى وهو يختبئ في جلباب ورش الجهوية الموسعة الذي لا تريد الحكومة الحالية الاقتراب منه لدواع انتخابية محضة، فإن كل مبررات رئيس الحكومة تذهب أدراج الرياح، على اعتبار أن تدبير ورش الانتخابات يجب أن يكون ضمن أولويات الحكومة تفعيلا لمضامين الدستور. فعدم إعلان تاريخ محدد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة يدل على أن بنكيران لا يملك لوحة قيادة يمكنه من خلالها توجيه النقاش والحسم في النقط الخلافية، خصوصا وهو يقول إن إجراء الاستحقاقات المقبلة مرتبط باللوائح الانتخابية وأنماط الاقتراع، وهو ما يؤكد أن رئيس الحكومة يبحث ليس فقط عن التوافق السياسي، ولكن عن كيفية تدبير المرحلة القادمة، لكي تصب في مصلحة حزب العدالة والتنمية. نفهم أن هناك صعوبات قد تحول دون التسريع بإجراء الاستحقاقات في حينها نظرا لوجود دستور جديد، لكننا أيضا نؤكد أن العملية الانتخابية يجب أن تجري وفق أجندة سياسية واضحة وشفافة، يكون متوافقا عليها بين جميع الأطياف السياسية. إن مبررات بنكيران خصوصا ما يتعلق بتفعيل ورش الجهوية، تؤكد الأزمة التي دخلتها الحكومة الحالية، التي فشلت في تدبير خلافاتها الداخلية، والواضح اليوم أن رئيس الحكومة لا يريد أن يغامر بفتح ملف الانتخابات، في ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية هشة، سيدفع حزبه ثمنها. إن تفعيل ورش الجهوية الموسعة التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس كشكل من أشكال تدبير الشأن المحلي، يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لا تتوفر لدى رئيس الحكومة، الذي يبدو أنه بات عاجزا عن تحقيق الإجماع حول طريقة تدبيره للشأن العام، بل إن الحكومة مازالت لم تتمكن من إيجاد الآليات الكفيلة بتفعيل ورش الجهوية والإصلاح المؤسساتي٬ الذي ينبغي أن يمهد لأي استحقاقات مقبلة٬ على اعتبار أن المسلسل الانتخابي يحتاج إلى نقاش سياسي حقيقي بعيدا عن لغة الخشب، والإيحاءات التي تكاد تفقد العمل الحكومي مصداقيته. إن الطريقة التي تدبر بها الحكومة الأوراش المفتوحة، تنم عن قصور في الرؤية، وغياب استراتيجية عمل واضحة، وحين يفشل رئيس الحكومة في تقديم معطيات دقيقة، حول المسلسل الانتخابي، ويتردد حتى في فتح نقاش سياسي بخصوص العملية الانتخابية، فذلك يعني شيئا واحدا، أننا أمام حكومة فاقدة للمبادرة، وغير مؤهلة للفصل في كثير من الملفات التي وضعت أمامها، حيث فضل بنكيران الحديث عن التماسيح والعفاريت والعديان الذين يمنعونه من الانكباب على فتح الملفات العالقة. إن الحكومة لا يمكن تسييرها بالفلتات الشعبوية والخرجات التي تصدر هنا وهناك، ولا من خلال عمليات تبادل الأدوار، ولا تقمص شخصية المعارض داخل البرلمان، ولكن تدار بالحكمة والمسؤولية، والقرارات الجريئة التي تراعي مصلحة الوطن، حتى لو كانت هذه القرارات قاسية في بعض الأحيان، وقد تكون لها تداعيات خطيرة، لكن الواضح أن بنكيران يراعي في كثير من خرجاته منطق "كول وقيس" فهو يتحدث عن التماسيح والعفاريت لكنه لا يشرح للمغاربة من يقصد، وهي طريقة جديدة لم نتعود عليها في أدبيات تدبير الشأن العام. فبنكيران الذي لم يستوعب بعد أنه رئيس حكومة وأنه يتحمل مسؤولية إدارة الشأن العام، عليه أن يفهم اليوم أن هذه الحكومة بكل تراكماتها الإيجابية والسلبية، في ملكيته هو، وأنه لا يمكنه التنصل من تحمل مسؤوليته كاملة وتدبير جميع القطاعات والملفات، وأن عليه تجاوز منطق التصريحات الجانبية التي تعتمد على القفشات وإلهاء الشعب، إلى تدبير الملفات باحترافية وجرأة. فكيف يمكن لهذا الشعب أن يحترم رئيس حكومة يتحدث لغة التماسيح والعفاريت والعديان، ويفرض على الشعب أن يتعلم لغة الكشف عن الإيحاءات، وفك الرموز، وفي أحسن الأحوال الاستعانة بالمشعوذين لفك طلاسم بنكيران الكثيرة جدا. إن رئيس الحكومة هو مسؤول أمام الله، وأمام الملك وأمام البرلمان وأمام الشعب، فماذا سيقول في عجزه عن تدبير الملفات وما أكثرها، وهل سيحيلها جميعا على التماسيح والعفاريت والعديان. في الختام ننصح رئيس الحكومة بالاستعانة بفقهاء قد يساعدوه على فك طلاسم حكومته التي تكاد تغرق في أتون لغة الخشب.