لا يزال مثول السيد رئيس الحكومة أمام أعضاء مجلسي البرلمان، من أجل الإجابة عن أسئلتهم المتعلقة بالسياسة العامة، يثير العديد من الإشكاليات الدستورية التي تتعلق بهذا النوع الجديد من الأسئلة البرلمانية، وبطريقة تنظيمها في الدستور الجديد، وكذلك من خلال النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان. الأمر الذي يكشف عن وجود بعض الثغرات البينة التي لا تزال تعتري النص الدستوري، والتي لم يفسرها النظامان الداخليان لمجلسي البرلمان بشكل قويم ييسر التنزيل السليم للمقتضيات الدستورية، حيث نص المشرع الدستوري في الفصل المائة من دستور 2011، وهو بصدد حديثه عن العلاقة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، على وجوب أن يخصص كل مجلس من مجلسي البرلمان بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء البرلمان وأجوبة الحكومة، التي عليها أن تدلي بجوابها خلال العشرين يوما التالية لإحالة السؤال عليها، كما أكد على وجوب مثول رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مرة كل شهر من أجل الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة. وهي إضافة دستورية جوهرية و نوعية، تستدعي منا معرفة ماهية هذه الأسئلة المرتبطة بالسياسة العامة (أولا)، و أهم الإشكاليات الدستورية التي تثيرها (ثانيا)، ثم دور رئيس الحكومة في تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بها(ثالثا). أولا: ماهية الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة لقد سجل الفصل 100، من الدستور الجديد، إضافة مهمة تتعلق بالأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، والتي تقدم عنها الأجوبة من قبل رئيس الحكومة أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة ، وتخصص لها جلسة واحدة كل شهر، وتعتبر هذه الإضافة بمثابة إلزام لرئيس الحكومة للحضور أمام مجلسي البرلمان، للإجابة عن الأسئلة التي يطرحها النواب والمستشارون، حول السياسة العامة التي تنهجها الحكومة خلال مدة معقولة، وذلك حسب كل مجلس على حدة. لقد نص القانون الداخلي لمجلس النواب في المادة 157 على أنه:"لكل نائبة أو نائب الحق في توجيه أسئلة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة أو الوزراء حول السياسات الخاصة القطاعية للحكومة. تحدد باتفاق مع الحكومة جلسة واحدة كل شهر للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة، وتقدم الأجوبة عنها خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة وفقا لأحكام الفصل المائة من الدستور. تخصص نسبة من الأسئلة الشفوية للمعارضة لا تقل عن نسبة تمثيليتها. يجب أن يتميز السؤال بوحدة الموضوع، وأن لا يهدف إلى خدمة أغراض شخصية أو يتضمن توجيه تهمة شخصية إلى الوزراء الموجه إليهم السؤال". وقد علق المجلس الدستوري على المادة 157، بما يلي:" حيث إن ما تضمنته الفقرة الثالثة من هذه المادة من أنه تخصص نسبة معينة من الأسئلة الشفوية للمعارضة دون تحديد لتلك النسبة مخالف للدستور الذي يستفاد من فصله العاشر أن إسهام المعارضة النيابية في العمل النيابي ينبغي أن لا يقل عن نسبة تمثيليتها، أمّا ما ورد فيها من أنه تخصص جلسة واحدة كل شهر للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة فليس فيه ما يخالف الدستور، مع مراعاة أن تحديد الجلسة المذكورة يكون باتفاق مع الحكومة". وبالتالي يبقى مضمون المادة 157، من القانون الداخلي لمجلس النواب هو نفس مضمون الفصل 100، من الدستور، أما المادة 158، فتوضح إجراءات طرح السؤال و توجيهه لرئيس الحكومة، موقعا من لدن واضعيه، حيث يحيل رئيس المجلس السؤال على الحكومة، التي يجب أن تدلي بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال عليها من لدن المجلس، وفقا لأحكام الفصل المائة من الدستور. وتعتبر الأسئلة البرلمانية من أكثر الوسائل التي نص عليها المشرع الدستوري استعمالا في مراقبة البرلمان للحكومة، وذلك راجع لسهولة مسطرة تفعيلها، ولمحدودية تأثيراتها السياسية إذ لا يصل الأمر فيها إلى مستوى إثارة المسؤولية السياسية للحكومة، كما هو الشأن بالنسبة لسحب الثقة أو لملتمس الرقابة. ولم يكتف الدستور الجديد بالأسئلة البرلمانية العادية، وإنما أورد نوعا جديدا منها يتعلق بالأسئلة حول السياسة العامة التي تتيح لأعضاء البرلمان متابعة وتتبع العمل الحكومي بشكل مستمر، وممارسة المراقبة البرلمانية على الحكومة برمتها ممثلة في شخص رئيسها، ذلك ما أفضح عنه الفصل المائة من الدستور المغربي الجديد الذي كان منطقيا في غايته، لكنه معيبا في صياغته، وهو ما جعله يثير عدة إشكاليات دستورية كلما اقترب الموعد الشهري للأسئلة الشفوية حول السياسة العامة. ثانيا: أهم الإشكاليات الدستورية المرتبطة بالأسئلة البرلمانية حول السياسة العامة. لقد حاول الدستور المغربي الجديد لسنة2011، تجاوز كل تلك الانتقادات التي وجهت لمسألة السؤال البرلماني كأحد أهم وسائل رقابة البرلمان على عمل الحكومة، فابتكر واضعوه نوعا جديدا من الأسئلة البرلمانية التي من شأنها تقوية رقابة الجهاز التشريعي على السلطة التنفيذية في نوع من إعادة الاعتبار له، ويتعلق الأمر بالمساءلة في مواضيع السياسة العامة، حيث فرض على رئيس الحكومة المثول أمام البرلمان في امتحان شهري لاطلاعه على المدى الذي وصلت إليه حكومته في تدبير الشأن العام بمختلف مجالاته، وهكذا تنص الفقرة الثالثة من الفصل 100 من الدستور الجديد على أنه "تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة٬ وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر٬ تقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة". وتنص المادة 157 من النظام الداخلي لمجلس النواب على الخصوص على أنه "تحدد باتفاق مع الحكومة جلسة واحدة كل شهر للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة٬ وتقدم الأجوبة عنها خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة وفقا لأحكام الفصل المائة من الدستور". أما المادة 160 من نفس النظام الداخلي فتؤكد على أنه "تخصص جلسة واحدة كل شهر لتقديم أجوبة رئيس الحكومة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة". وهكذا فقد أصبح رئيس الحكومة ملزما بالمثول أمام البرلمان في كل مجلس على حدة مرة كل شهر، ليعرض عليه حصيلة عمل الحكومة المؤقت، ويطلعه على وثيرة العمل الحكومي وآفاقه، ويعتبر انعقاد هذه الجلسة العمومية من ضمن أهم المستجدات الدستورية التي تهدف إلى تعزيز و إغناء نوعية الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة عن طريق التتبع الدائم والمستمر لخطة عملها، بحيث أقر النظام الداخلي لمجلس النواب مقتضيات جديدة تتعلق أساسا بحضور رئيس الحكومة مرة كل شهر إلى ذات المجلس، ومناقشة تقارير بعض المؤسسات والهيئات الوطنية سواء في اللجان الدائمة أو في الجلسات العامة، وتعزيز الدور التشريعي للمؤسسة البرلمانية من خلال الجلسة الشهرية المخصصة لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة. و قد شكلت أول جلسة عامة عقدها مجلس النواب يوم الاثنين 14 مايو2012 ٬ والتي خصصت للأسئلة الشفهية الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، التي يجيب عنها رئيس الحكومة٬ لحظة استثنائية في العمل الرقابي البرلماني. كما شكلت هذه الجلسة٬ التي تعد الأولى من نوعها منذ تنصيب حكومة عبد الإله ابن كيران٬ لحظة لتبادل الآراء والنقاش العمومي حول بعض القضايا الراهنة التي تهم المجتمع٬ وكذا لما تمثله من تنزيل فعلي لمقتضيات الدستور الجديد وربط المسؤولية بالمحاسبة وفرصة سانحة للتواصل المثمر بين الحكومة ونواب الأمة ومن خلالهم المواطنين. وقد خص السيد رئيس الحكومة مجلس المستشارين بنفس اللقاء، حيث مثل أمامه يوم الأربعاء 07 يونيو2012، للإجابة عن أسئلة المستشارين حول السياسة العامة تطبيقا لمقتضيات الفصل 100، من الدستور "...وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة." وقد اتضح أن هذا المقتضى المتعلق بالجلسة الشهرية للأسئلة حول السياسة العامة لا يزال يحتاج إلى بعض الضبط الدستوري، سواء فيما يتعلق بالموعد الشهري لهذه الجلسة، أو من حيث المدة التي يجب تخصيصا للحكومة و للنواب أو المستشارين، أومن حيث الآجال التي يجب احترامها و طريقة توجيه الأسئلة إلى السيد رئيس الحكومة، فالفصل الدستوري نفسه جاء غامضا "وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة"، كما أن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان نفسهما لم يوضحا هذا الأمر، فالمادة 157، من النظام الداخلي لمجلس النواب اكتفت بالنص على أنه:" تحدد باتفاق مع الحكومة جلسة واحدة كل شهر للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة الموجهة إلى رئيس الحكومة، وتقدم الأجوبة عنها خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة وفقا لأحكام الفصل المائة من الدستور". لقد أثارت جلسة الأسئلة حول السياسة العامة التي يخص بها رئيس الحكومة مجلسي البرلمان عدة خلافات وإشكاليات دستورية، سواء فيما يتعلق باحترام أجل المثول أمامهما، أو فيما يخص الوقت الذي يجب أن تستغرقه هذه الجلسة، وطريقة توزيع الحصص على مختلف الفرق البرلمانية، والوقت الذي يجب تخصيصه لرئيس الحكومة للإجابة عن مجموع الأسئلة الموجهة إليه، وكذلك للمعارضة. وكلها مسائل لا نجد لها إجابات واضحة في المقتضيات الدستورية الجديدة الحالية، و لا في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، لذلك فإننا نورد الملاحظات التالية: • إن ما ورد في الفصل المائة من الدستور من مقتضيات يعتبر غير واضح تماما، إذ كيف يمكن لرئيس الحكومة أن يمثل أمام كل من مجلسي البرلمان مرة كل شهر للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، وذلك خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة عليه، فالآجال الواردة في هذا الفصل الدستوري يستحيل احترامها، بحيث لا يمكن أن نتصور أن يتم استقبال أسئلة النواب والمستشارين و الإجابة عنها خلال شهر واحد . • صعوبة تحقيق التزام رئيس الحكومة بالحضور مرة كل شهر أمام أعضاء غرفتي البرلمان في جلسة مطولة للإجابة عن أسئلتهم المتمحورة حول السياسة العامة، وذلك نظرا لالتزاماته الكثيرة والمتنوعة، وهو ما يطرح سؤال عريضا حول جدوى إدراج مقتضيات في صلب الدستور المغربي يصعب تنزيلها، وحول مدى الإلزامية الدستورية لرئيس الحكومة لحضور هذه الجلسة الشهرية من عدمه. • عدم تحديد الفصل الدستوري للمدة التي ستستغرقها جلسة الأسئلة حول السياسة العامة ولطريقة توزيعها، وهو ما من شأنه أن يثير أزمة داخل أروقة مجلسي البرلمان بين الحكومة والمعارضة في حالة ما إذا قررت هذه الأخيرة الانسحاب من البرلمان أو استغلال هذه المناسبة لتجريح الحكومة، ومحاولة تبيان فشلها في إدارة الشأن العام، خاصة في ظل الظروف الراهنة . • إغفال القانونين الداخليين لمجلسي البرلمان لمسألة تنظيم الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، واقتصارهما على إعادة نفس المقتضيات الدستورية في هذا الشأن، خاصة النظام الداخلي لمجلس النواب الذي تم تعديله وفق مقتضيات الدستور الجديد، أما مجلس المستشارين فلا يزال يشتغل بمقتضيات النظام الداخلي القديم لسنة1998. ولتجاوز كل هذه الإشكاليات المتعلقة بالأسئلة حول السياسة العامة التي من المفترض أن تشكل أداة فعالة وموضوعية لتتبع ومراقبة عمل الحكومة، ونظرا لاستحالة تصور تعديل الدستور على الأقل في الوقت الراهن، فإننا نقترح ما يلي: 1- تعديل المقتضيات المتعلقة بالأسئلة حول السياسة العامة في القانونين الداخليين لمجلسي البرلمان من أجل شرح وتوضيح المقتضيات الدستورية، وذلك بتضمينها طريقة توزيع سليمة لحصة هذه الأسئلة بين تدخلات الفرق البرلمانية وخاصة المعارضة من جهة، ورئيس الحكومة من جهة أخرى، مع أخذ مبدأ المناصفة بعين الاعتبار. 2- توخي عدم المبالغة في الوقت المخصص لجلسة الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، مع التركيز على أهم القضايا التي تشغل بال الرأي العام الوطني، وعدم اللجوء إلى تصفية الحسابات السياسية بين الأحزاب السياسية المشكلة للمعارضة، و الأغلبية التي تقود الحكومة، وذلك حتى لا تصبح تلك الجلسة مملة، وتفقد مصداقيتها لدى المواطن المغربي. 3- إن الغرض من مثول رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان هو اطلاع الرأي العام، قبل المعارضة على المدى الذي وصلت إليه الحكومة في معالجة الملفات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى للبلاد، وليس مجرد إبراز العضلات السياسية لهذا الطرف أو ذاك على شاشات التلفزة وأمام الرأي العام الوطني الذي بات يسترخص مثل تلك الممارسات، ويرى فيها ما لا يسره من عدم الجدية والمصداقية. 4- ضرورة الاتفاق بين الحكومة ومجلسي البرلمان على تحديد حيز زمني لتدخلات الفرق البرلمانية، وكذلك على كيفية استقبال الأسئلة الخاصة بالسياسة العامة، والآجال المفتوحة لذلك مع تيسير التعامل في هذا الشأن إلى حين تعديل النص الدستوري الذي نقترح أن يورد مدة معقولة لمثول رئيس الحكومة أمام البرلمان من أجل الإجابة عن أسئلة أعضاء مجلسي البرلمان المتعلقة بالسياسة العامة، والتي يمكن تحديدها في مرة واحدة كل ثلاثة أشهر على الأقل، لأن المنطق يستدعي أن يخصص الشهر الأول لاستقبال الأسئلة، والشهر الثاني لتفكير رئيس الحكومة في الرد عليها ومناقشتها مع باقي أعضاء الحكومة، ثم في الشهر الثالث يمثل أمام مجلسي البرلمان ويكون في أتم الاستعداد للإجابة على أسئلة نواب الأمة. وهي مسالة مقبولة كذلك نظرا لانشغالات رئيس الحكومة المتعددة، فليس من المنطق الدستوري أن نخضعه مرة كل شهر لحساب عسير قد يتطلب منه الإعداد له الشهر بكامله، لأن النقل المباشر لجلسة الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة على شاشات التلفزة، ومتابعتها من قبل الرأي العام الوطني يفرض عليه ذلك، ونحن نتساءل هنا عما يمكن أن تحققه الحكومة خلال شهر من الزمن، إذا لم تكن تستطيع تحقيق أهدافها خلال خمس سنوات. ثالثا: دور رئيس الحكومة في تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بأسئلة السياسة العامة إن كل ما أسلفنا ذكره من ملاحظات حول الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة التي يوجهها البرلمان للحكومة في إطار نوع من الحوار السياسي الايجابي، لا يمكن أن يشكل بأي حال من الأحوال، تبريرا للسيد رئيس الحكومة للتنصل مما جاء به الدستور من مقتضيات يفترض في الحكومة برئاسة رئيسها أن تكون هي أول من يحترمها، خاصة إذا علمنا أن السيد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية كان من مناصري الدستور الجديد ومن المدافعين عن مقتضياته إلى جانب حزبه الذي يعتلي اليوم كرسي الحكومة برئاسته هذا من جهة. ومن جهة أخرى لابد من تذكير السيد رئيس الحكومة بالأمس القريب الذي كان فيه حزبه في موقع المعارضة منذ سنة 1997، حيث كان يشتكي من إهمال الحكومات السابقة له، ومن تخلف الوزراء عن حضور جلسات البرلمان وعن الإجابة عن أسئلة نوابه، مع ما يمثله ذلك من خرق سافر للمقتضيات الدستورية، وبالتالي فانه بعدم حضور السيد رئيس الحكومة الحالي، الشهري المنتظم أمام البرلمان للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، يكون قد ارتكب إثمين، أولهما دستوري يتجلى في عدم احترام المقتضيات الدستورية الواضحة التي تنص على ضرورة حضور السيد رئيس الحكومة مرة كل شهر إلى قبة البرلمان للإجابة عن أسئلة أعضائه المتعلقة بالتوجهات الكبرى للسياسة العامة للدولة ، وثانيهما سياسي ويتمثل في تكريس نفس الممارسات السياسية التي كان يعيبها على الحكومات السابقة، والتي كان حزب العدالة والتنمية يبدع في نقدها وانتقادها، فإذا بزعيمه اليوم يأتي بنفس الخلق اللادستوري وهذا أمر غير مقبول. إن قصور النص الدستوري الحالي، أو تكليفه على السيد رئيس الحكومة، لا يمكن أن يعفيه من الامتثال لما هو موجود من مقتضيات دستورية، خاصة وأن التوجه الجديد لملك البلاد يسير في اتجاه الدعوة إلى احترام الدستور، والسهر على تنزيل مقتضياته واحترامها، حسب ما جاء في خطاب العرش الأخير، الذي قال بصدده جلالة الملك محمد السادس:"...وبانخراطنا الجاد في هذه الإصلاحات تمكنا من فتح ورش المراجعة الدستورية وفق مقاربة تشاركية. بيد أن إطلاق هذا المسار الطموح لم يكن هدفا في حد ذاته ٬ وإنما هو سبيل لاستكمال دولة الحق والمؤسسات وتحقيق التنمية الشاملة. وذلك شريطة أن يتحمل الجميع نصيبه من الالتزام المسؤول ٬ حكومة وممثلين للأمة ومنتخبين محليين وأحزابا سياسية ونقابات وفاعلين اقتصاديين ومجتمعا مدنيا ٬ وفاء للميثاق الذي أجمعت عليه الأمة باعتمادها للدستور الجديد...". إن حضور السيد رئيس الحكومة أمام غرفتي البرلمان للإجابة عن أسئلة النواب والمستشارين داخل أجل الشهر، أي متم كل شهر وبانتظام، يعتبر فريضة دستورية عليه، وهو حق دستوري لأعضاء البرلمان، وليس منة من رئيس الحكومة عليهم، كما أن اعتبار كون الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية أول حكومة في ظل الدستور المغربي الجديد، يفرض عليها أن تعطي التنزيل الدستوري السليم حقه، و أن تبلي البلاء الحسن في احترام ما جاء به من مقتضيات، بل وتزيد عن ذلك بسن أعراف دستورية ديمقراطية ومتقدمة، يكون من شأنها تطوير التجربة الدستورية المغربية التي لا يجب الغلو في وصفها بأنها كاملة و مكتملة، وإنما هي أول تجربة من إنتاج مغربي تشاركي يمكن أن تتطور إلى ابتكار نموذج ديمقراطي مغربي خالص وأصيل في الحكم. وأخيرا لقد أحسن المشرع الدستوري صنعا، بإدراجه لمقتضى الأسئلة البرلمانية المتعلقة بالسياسة العامة في صلب الدستور المغربي الجديد لسنة 2011، لكنه أورد في هذا الشأن مقتضيات صعبة التطبيق، يتحتم على القانونين الداخليين لمجلسي البرلمان تيسير تنزيلها على أرض الواقع، مع مراعاة عدم مخالفتهما لمقتضيات الدستور نظرا للرقابة الوجوبية التي يمارسها المجلس الدستوري عليهما، كما أن جلسة الأسئلة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة يجب أن تتسم بالجدية والمعقول في عرض القضايا الهامة التي تشغل بال المواطن المغربي، وأن يتم التفكير بشكل جماعي في إيجاد الحلول الناجعة لانشغالاته، خاصة فيما يتعلق بالقطاعات الحيوية التي مافتئت تعيش النكسة بعد الأخرى، كالتعليم و الصحة، لا أن تتحول إلى حوار عقيم أو تلاسنات مجانية تزيد من رتابة المشهد السياسي المغربي و تستخف بعقلية و كرامة أبناء وبنات هذا الوطن الذين يتابعون هذه المآسي مباشرة على شاشات التلفزة. كما أن هناك ملاحظة أساسية تتجلى في كون مجلس المستشارين من بقايا النظام الدستوري القديم، وبالتالي يجب الإسراع في انتخاب مجلس مستشارين جديد وبمعايير حديثة ونخب متجددة، يكون من حقه مساءلة الحكومة مسايرة لروح الدستور المغربي الحديث، وحتى يتم خلق نوع من التناغم في الحياة السياسية المغربية، بانتخاب مؤسسات تطبيقية لدستور2011. أضف إلى ذلك أن إحداث المحكمة الدستورية بأعضاء ذوي كفاءة ونزاهة عاليتين، أصبح نفسه ضرورة ملحة، فمن المفترض أن تعوض هذه الأخيرة رقابة المجلس الدستوري، وتفضل في كل النزاعات التي قد تثار بين البرلمان والحكومة حول تطبيق بعض المقتضيات الدستورية بشكل سليم، وفي حلة دستورية جديدة. * باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسة