ركز دستور 2011 على الديمقراطية المواطنة والتشاركية. إضافة إلى الديمقراطية التمثيلية. باعتبار أن الأولى مكملة للثانية والعكس صحيح. لذلك لاديمقراطية بدون مواطنة. ولا مواطنة بدون تربية. لكن ماذا نعني بالمواطنة؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل نستحضر مصطلحي مدنية ووطنية والتي تحتاج إلى تربية وتنشئة وهذا مؤشر على المصاحبة التعليمية. ولقد استطاع الأستاذ الدكتور أدو نيس العكره،في كتابه "التربية على المواطنة" أن يتناول هذا الموضوع بعلمية ويمكن أن نقارب ظلال هذا البحث من خلال مايلي: إن الهدف من التنشئة هو كسب السلوك القويم. وهناك تقاطعات بين الوطنية والمدنية والمواطنة. ولن تعطي مفعولها إلا بالعلم والتعلم. وهذا يتطلب أولا وطنا ذا سيادة وإنسانا يشعر بالمسؤولية. ومن تم فالوطنية تعمق الانتماء للوطن. بناء على وحدات مشتركة.يجب أن نعض عليها بالنواجذ . ولا تنتعش المواطنة إلا في المجتمعات الديمقراطية.التي تعطي قيمة معنوية للوطن والمواطن والتربية. إلا أن ما يميز المواطنة هو تدافعها مع القانوني والسياسي. إنها الإطار القيمي للسلوك السياسي. ويبقى التعريف ورشا مفتوحا بناء على علاقات متداخلة. والمواطنة أشكال ومضامين. لأنها مشروع سياسي كبير للدولة والمجتمع. وفي هذا الإطار أصبحت المواطنة تشكل ضرورة تعليمية، وعالمية، وتربوية. و أخلاقية، وسياسية... إلا أن هذا المشروع الكبير للمواطنة يعرف أحيانا علاقات مضطربة خاصة عندما يغيب القرار السياسي الهادف. و الممارسة الديمقراطية،وعدم الاهتمام بالتربية على المواطنة، والتطبيق غير السليم للدستور والتناقض بين الخطاب والممارسة، وعدم تأهيل المؤسسات التربوية لتكون حضنا للمواطنة، وإذا كان "كانط" قد أكد على أننا نتعلم الفلسفة من خلال التفلسف فإننا نتعلم المواطنة من خلال الوطنية. إذن فالتقليد يقتل المواطنة،والبيروقراطية تقيدها وتبعدها عن الإبداع ومن أجل انجاح مشروع المواطنة فلا بد من وضع استراتيجية تهتم بالفرد والجماعة من المهد إلى اللحد واعتماد مبدأ الحكمة ضالة المواطن حيثما وجدها التقطها... بعد هذا يطرح سؤال حول التزامات المواطن تجاه المواطنة باعتباره طرفا مهما في هذا الاختيار؟ إن المواطنة تفرض على المواطن الالتزام بالنظام العام واحترام القواعد القانونية التي تواضع عليها المجتمع،واحترام المنظومة السياسة السائدة ، واختيارات المجتمع المدني والمساهمة في بناء المجتمع وهذا يتطلب التنشئة على معنى الوجود المدني والوطني. وامتلاك آليات الانخراط المجتمعي، نستنتج مما سبق أن المصطلحات تتداخل لأنها تشكل منظومة متكاملة هادفة إلى البناء الحضاري والعمراني بلغة ابن خلدون. المهم هو شعور المواطن بالمسؤولية تجاه الدولة والمجتمع. وربط هذه المسؤولية بالمحاسبة، ومن المثبطات لهذا الهدف النبيل هو طغيان الأيديولوجية على حساب المنفعة العامة. لأن هذه الأخيرة تؤخذ بقدرها حتى لاتتحول إلى صنم مقدس. أنذاك نغتال التعددية والتنوع ولنا عبرة في مجموعة من الحضارات التي انهارت بالتعصب الايديولوجي... وكون التداخل حاضرا بين المصطلحات فماذا عن المدني والوطني؟ لقد ذهب البعض إلى أن المدنية مشتقة من المدينة إذن فهي فضاء إلا أنه متميز لأنه يستوعب كل ما هو وطني. إن الإطار المدني فضاء مستوعب للمسؤولية الوطنية،والقاسم المشترك هو التربية ومآلات التعلم في هذا الباب. ولا محبة للوطن إلا بالتربية على المواطنة، هذه الأخيرة تستوعب مجموعة من القضايا نذكر منها مايلي: أول محطة في هذا المجال هو الإنسانية حيث هناك فرق بين الإنسان الفرد والإنسان المواطن. ولاغرو أن جمعيات المجتمع المدني تلعب أدوارا رائدة في ربط التواصل بين الإنسان المواطن ومؤسسات الدولة في إطار التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. المهم هو خدمة الصالح العام. والسؤال الإشكال هوكيف نوفق بين مصالح الذات والمصالح المشتركة؟ وغالبا ما تحل هذه الإشكالات باعتماد منطق التعاقدات بين الأطراف معتمدين على دفتر تحملات الذي يرسم خريطة الطريق إذا احترمت بنوده... كل هذا يتم في إطار سيادي متوافق عليه أهم معالمه الإصلاح في إطار الاستقرار. والتعاقد والمشاركة في السلطة، واحترام القوانين خاصة الدستور والتمتع بالحقوق والقيام بالواجبات. ولايمكن أن نحقق المبتغى المطلوب دولة أو مجتمعا إلا باحترام قواعد الفكر السياسي. مع الانفتاح على جميع الحضارات دون الاكتفاء بالمركزية القاتلة. لأن المعرفة سرا لوجود. وعلى ذكر الوجود فإن المواطنة سيرورة وصيرورة لذلك من الواجب أن يكون التاريخ مدرسة للتطور وليس تقليدا أعمى . وهذا يتطلب قراءة التاريخ قراءة سننية وليس قراءة تحنيطية. إذن فالمواطنة التزام قانوني وسياسي ووطني...ومن أهم معالمها التوعية السياسية، المواطن مصدر السلطة، سيادة الوطن والمواطن دمقرطة استخدام السلطة باعتبارها توزيعا عادلا للقيم. احترام إرادة الأمة. إن المواطنة ضامن استراتيجي للديمقراطية. فالعلاقة بينهما علاقة الشرط والاستجابة. بناء على المعطى السياسي والقيمي والحقوقي. إن المواطنة انتماء وهوية،ومن تم فهي الضامنة للحقوق المدنية والسياسية. والمؤهلة للتشريع سواء كان المواطن منتخبا أو منتخبا.. نخلص مما سبق أن المواطنة شكل وجوهر. قاهرة للاستبداد والتمييز،لأن المواطن هو مصدر السلطة، مما يضفي المشروعية على الحياة السياسية، وينمي الاختيار الديمقراطي والانتماء للجماعة، لذلك لابد من اختيار المنهج الملائم للمفهوم المتجدد للمواطنة،المشحون بفلسفة واضحة المعالم. دون الارتهان للأدلجة المنغلقة. أو التبعية غير المبدعة، يعتمد في العمق على التشاركية، ونفخ روح الحداثة في المحتوى. والمتابعة والتقويم..واستحضار البعد الكوني. والبيئي ، وربط الحقوق بالحريات والفكر بالسلوك والإعلام بالتواصل والمنحى السياسي والمدني. وأخيرا نؤكد مع الدكتور أدو نيس العكره على أن المواطنة او كما يسميها المواطنية مجموعة من الخصائص والصفات التي يكتسبها الإنسان بالتربية والتعليم والممارسة وهو يستمر في تحقيقها وتطويرها وتحسين أدائها في جميع مجالات حياته الفردية والعائلية والاجتماعية والسياسية. إذن ما نصيب التربية على المواطنة في بلادنا؟وما درجة الاختيار الديمقراطي في واقعنا السياسي كيف نزرع المسؤولية السياسية داخل المجتمع كيف نؤهل المواطن للمشاركة في الحياة العامة؟ كيف نكون حسا نقديا لدى المواطنين؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تفرض على الجميع التعاون من أجل تنمية الديمقراطية المواطنة والتشاركية.. المكملة للديمقراطية التمثيلية.