ببرودة دم هادئ اعترف الجميع بإخفاق برنامج الميثاق الوطني، دون ذكر الأسباب الحقيقية لكل الانكسارات والتعثرات التي عرفتها مشاريع الإصلاح، ليجد قطاع التربية والتكوين نفسه مجددا أمام برنامج استعجالي ترتكز منهجيته على ثقافة الإقصاء والمنظور الأحادي متمثل بعدم إشراك الأطر التعليمية والفاعلين التربويين والفرقاء الاجتماعيين في صياغة المشروع، بل لم يطلب منها حتى بعد الصياغة قراءته، القراءة التربوية والمعرفية المطلوبة بغاية المساهمة في بنائه وتبنيه والانخراط في تنفيذه لأن الإشراك الحقيقي والتشاور الفعلي شرعية ثقافية وسياسية، ولأن قوة الدولة من قوة المجتمع، لذلك فالمحاولات الرامية إلى إضعاف تنظيمات المجتمع المدني ماهي إلا إضعاف للدولة، لذا فنحن كمغاربة مطالبون بتجديد وعينا الجماعي، وذلك باعتماد مقاربة شمولية محمولة على مشروع مجتمعي من جهة، والإشراك الواسع لكل مكونات المجتمع في بلورة برنامج وطني لإصلاح المدرسة العمومية ،حتى لاتخضع التربية والتعليم لعملية التسليع. ولعل جميع المقاربات لمشاريع إصلاح المدرسة لم تضعنا أمام برنامج استعجالي، بل أمام مخطط استراتيجي ممنهج لإعادة بناء المنظومة بكاملها بناء جديدا، على الأسس والمقدمات الكفيلة بتفويت قطاع التربية والتكوين عبر النهوض بالعرض التربوي الخصوصي بغية التخفيف من العبء المالي للدولة في تمويل المنظومة،والتخلي عن التربية والتعليم كحق أساسي وجوهري من حقوق المواطنة؛ الأمر الذي تسعى من ورائه الجهات الوصية إلى خلق مجموعات مالية جديدة وصاعدة للهيمنة على قطاع التربية والتكوين والاستثمار فيه بأدوات الدولة وبدعم منها في كافة المجالات ( العقار، تفويت المؤسسات العمومية القائمة ،وتجهيزاتها وأطرها التربوية،الإعفاءات الضريبية). إن هذا النهج المعلن سابقا ما هو حقيقة إلا ضرب حقيقي للمدرسة العمومية وتعميق للفوارق الاجتماعية والتربوية الحاصلة في المجتمع، والذي أدى حقيقة إلى انكسارات وتوترات اجتماعية ،وهذه الرؤية النسقية تعد ترجمة عملية للاتفاق الإطار بين الحكومة والتعليم الخصوصي يوم 8 ماي سنة 2007 بقصر المؤتمرات بالصخيرات تحت إشراف الوزير الأول السابق إدريس جطو. وقد شكل موضوع الموارد البشرية عنصرا مركزيا في بناء نسق البرنامج الاستعجالي الذي حكمه منطق مقاولاتي، تدبيري ،تقني ،هاجسه إداري محض ومالي في الهدف وهكذا نقرأ في ص55مايلي: "وسوف تتم مراجعة أشكال التوظيف وفق نظام تعاقدي على صعيد الجهة"وهو الأمر الذي يعني التراجع الكلي عن نظام الوظيفة العمومية والقوانين المنظمة لها ،ولعل خطورة هذا الاقتراح تكمن في نقل المنظومة التربوية من مجال إلى آخر مغاير تماما، إنه مجال المقاولة الذي يختلف موضوعها عن موضوع المدرسة والمدرس ألا هو المجتمع، هكذا اختار البرنامج الاستعجالي إثقال كاهل الشغيلة التعليمية وتحميلها فاتورة وتكلفة تنفيذه. وهو ما يتناقض كلية مع مضامين الندوة الدولية لليونيسكو ومنظمة العمل الدولية 1966 حول ظروف عمل المدرسين، ولعل جميع الهواجس المقاولاتية المتحكمة انعكست سلبا على المر دودية والجودة.. لذا فإن مشروع البرنامج الاستعجالي ضرب ممنهج للمدرسة العمومية في العمق، وإطاحة بالمجانية وتكافؤ الفرص وتعميم التعليم، وتطويق للمدرس وتحويله إلى أداة منفعلة متحكم فيها إداريا، ولعل هذه اختيارات غير تربوية ترمي إلى الإقصاء حتى لفئات واسعة من التلاميذ الحاصلين على الباكالوريا والذين لهم الحق في متابعة الدراسات الجامعية … والسؤال: ترى هل تملك الوزارة الجديدة الجرأة لفتح نقاش وطني جاد حول المدرسة العمومية لأجل صياغة مشروع برنامج كفيل بإصلاح أعطاب وثقوب منظومة التربية التكوين ببلادنا؟