مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثيو- ديمقراطية السلفية
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2012

"المطلق عندي هو الله، أما معرفتي به فليست مطلقة ولا يمكن أن ألزم أحدا بها". فحص
تنادت بعض الأصوات الإسلامية (السلفية) مؤخرا من أجل تجنب الديمقراطية والعودة إلى الشورى كأسلوب في الحكم السياسي، على أساس أن للديمقراطية مثالب عديدة وأن للشورى مزايا لا تنكر، مما يرجح كفة الشورى على الديمقراطية. غير أن هذه الأصوات لم تتجاوز، في دعوتها لتطبيق الشورى، مسألة الشعار، إلى تبيان كيفية تطبيق مبدأ الشورى والأساليب التي يجب نهجها لتكريسه ضمن أنظمة الحكم في الدول الإسلامية، بل تجد من يدعو إلى الشورى يتوسل بالوسائل الإجرائية التي أبدعتها الديمقراطية طيلة أكثر من 2500 سنة، كأن تجد من يقول " بأنه لا حرج من الاستفادة من آليات الديمقراطية؛ كالاقتراع والانتخاب والاستفتاء والمجالس النيابية واللجان البرلمانية وغيرها" مع تفضيل نظام الشورى، الذي هو "نظام إسلامي أصيل يمنع كل أشكال الاستبداد والطغيان، كما يتجنب كل العيوب التي انتقدت على النظام الديمقراطي".( هذا هو التعبير الحرفي الذي استعملته ورقة مذهبية لحركة سلفية أطلقت على نفسها " الحركة المغربية للإصلاح"). مما يطرح السؤال على هؤلاء : ماهي الديمقراطية المرفوضة في نظرهم؟ وماهي الشورى التي ينادون بها؟.
يواجه الباحث في تاريخ الأفكار أو سوسيولوجية الفكر مشكلة تحديد المفاهيم بصورة حادة وملحة باعتبار أن المفاهيم هي المكونات الأكثر تجريدا التي يقوم عليها أي بناء فكري. وهذا ما يشمل في النهاية التيارات أو الأيديولوجيات أو الحركات الفكرية. ولب المشكلة هي أن المفاهيم تتسم بكونها عرضة لتغيرات في الدلالة والمعنى تفرضها ظروف المكان والزمان، وتخضع بالتالي لنسبية شاسعة ترهق الباحث الذي يحاول الوصول إلى مفاهيم محددة ودقيقة يسترشد بها.
فالوقوف على حقائق مفهومي الديمقراطية والشورى، من خلال مصادرها الأصلية، سيساعد على تحديد الموضوعات وحصر الأفكار في دائرة التعريفات والحقائق المتفق عليها.
وإذا انطلقنا من تحديد مفهوم الديمقراطية، نجد أن من الأمور الشائعة كون بلاد اليونان هي مهد الديمقراطية، بينما يرى بعض المؤرخين أن هذه المقولة خاطئة، فقد برهن مانغلابوس في كتابه " إرادة الشعوب" أن الديمقراطية كانت منذ قديم الزمان هي الحالة السائدة في أغلب بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، إذ كانت الديمقراطية الهندية حقيقة واقعة خلال حياة بوذا قبل 26 قرنا من الزمن، وكان الصينيون يمارسون الديمقراطية، حيث كان الشعب هو المصدر الفعلي لسيادة السلطة، وينسب إلى كونفوشيوس ( 551-749 ق م ) قوله: إذا كان الناس لا يرضون بحكامهم، فليس من مكان للدولة" (مورغان).
وبما أننا لسنا في معرض التأصيل التاريخي للديمقراطية فإنه يمكن القول بأن للديمقراطية جذور موغلة في التاريخ، فلقد كانت أمرا مذموما ومرفوضا لدى أفلاطون وأرسطو وكانت تصنف كنظام سياسي، إلى جانب الأوليغارشية والطاغوتية وغيرها من أنظمة الحكم، وكان انطباعهما عن الديمقراطية سيئا، فأفلاطون كان يهاجم الديمقراطية بقوة أكبر، في حين كان أرسطو؛رغم اعتباره إياها في جملة النظم السياسية؛ رافضا لها ولا يرى فيها نظاما مقبولا.
كما عالج الفارابي بدوره هذا الموضوع، وسمى الديمقراطية مدينة الأحرار أو المدينة الجماعية، ولكنه تبني ما أسماه بالمدينة الفاضلة والتي وضعها مقابل المدن الأربع وضدها، وإحدى تلك المدن المقابلة سماها بالجاهلة، والتي تندرج تحتها أنواع و أهمها المدينة الجماعية، الأمر الذي يعني معارضته للديمقراطية ورفضه لها.
ومع أن أرسطو والفارابي يعتبران الديمقراطية أقل سوءا، بالمقارنة مع رأي أفلاطون، فأرسطو يقول بأن أقرب المدن إلى مدينته المنشودة هي المدينة الديمقراطية، و الفارابي يرى إمكانية لتولد المدينة الفاضلة من المدينة الديمقراطية أو مدينة الأحرار، حيث إن الديمقراطية، كما عرفها هؤلاء الثلاثة قديما، هي النظام السياسي الذي يكون فيه كل فرد حرا في فعل أي شيء.
من هنا التركيز على كون مفهوم الديمقراطية مفهوما واسعا وفضفاضا، ساهم في إثرائه، عبر عقود طويلة من الزمن كثير من المفكرين السياسيين، كل حسب نظرته له، فجاء إطارا كبيرا يجمع في داخله العديد من التيارات الفكرية، التي تتفق في بعض الخطوط العامة، وتختلف في معظم التفاصيل، بيد أن الديمقراطية تبلورت بمرور الزمن في الديمقراطيات الحديثة المطبقة بشكل أو بآخر- في الغرب، وعرفت بالديمقراطية التقليدية الغربية والتي تستند على نظرية العقد الاجتماعي وهي ليست نظرية حديثة في تاريخ الفكر السياسي ولكنها اكتسبت شكلها الأخير وظهرت بوضوح على لسان كل من توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو، أما هوبز فقد توصل من خلالها إلى تبرير الحكم المطلق، وأما لوك وروسو فقد اتخذاها آلية للثورة وتحطيم الحكومة المستبدة.
وحتى لا يذهب الاعتقاد إلى أن الديمقراطية على مشارف قفزة نهائية وحاسمة أو أنها نظام أنجز ولم يعد في حاجة إلى تطوير كما يعتقد البعض، فإننا ننوه إلى أن الديمقراطية تعرضت إلى كثير من النقد الذي يهدف إلى تطويرها وتجاوز سلبياتها وليس إلى إلغائها كما ينادي التيار السلفي، من هنا انبرى مجموعة من المفكرين الذين ينتمون إلى نفس البيئة التي انبعثت منها الديمقراطية، للقيام بهذا الدور التصحيحي والتقويمي.
يعتبر دوفرجي أن النظام الديمقراطي ليس بناء مصطنعا من طرف منظرين أو قانونيين أو مفكرين سياسيين، إنه نتيجة لتطور تاريخي بعيد المدى...استمدت كثير من قوانينه من الأنظمة السياسية التي سادت في أوربا في القرون الوسطى وتحولت تدريجيا حتى أصبحت أساسا لنظام جديد مستفيدة عناصر قديمة بما يتفق مع منطقها، وإذا كان دوفرجي يحسب للديمقراطية الغربية أن أقامت المساواة وحذفت الامتيازات فإنه يحسب عليها أنها ولدت بالتدرج اللامساواة الاقتصادية التي تتجه إلى إيجاد أرستقراطية جديدة تقوم على الملكية والاحتكارات الكبرى التي تمارس نفوذا واسعا على الأحزاب والصحافة والرأي العام.
في الوقت الذي اقترح هابرماس النموذج الثالث للديمقراطية المسمى ب"الديمقراطية التداولية" التي تتضمن سياسية حوارية وسياسة أذاتية كفيلة بخلق فضاء تداولي معين داخل المجتمع الواحد المتعدد التشكيلات الاجتماعية والثقافية، فالديمقراطية التي ينادي بها هابرماس تحمل بعدا معياريا وبعدا أذاتيا استراتيجيا، حيث يعتبر تحول الدولة اللبرالية إلى دولة اجتماعية تهديد للديمقراطية، وذلك على أساس أن «ضرورات العدالة الاجتماعية التي أنتجتها الآثار السلبية لمنطق السوق الرأسمالي، أعطت للدولة المتدخلة كامل الحرية في خلق حقوق جديدة للمواطن ودفع هذا الخير لكي يتلاءم معها، فالدولة أصبحت تحتكر كلية الحق في تأويل كل أنساق الحقوق التي تتماشى مع تصورها في العدالة السياسية من خلال آلية العدالة التوزيعية» .
فبمقاربته التاريخية لمفهوم "الفضاء العمومي"منذ عصر الأنوار حتى عصر الديمقراطية الجماهيرية الحاضرة، يخرج هابرماس بخلاصة تحول هذا «الفضاء من تجمع للأفراد يحتكمون إلى العقل إلى فضاء تسيطر عليه الآن الشبكات التجارية وصناعة الثقافة التي تتلاعب بالأفراد وباستقلاليتهم من خلال التأثير فيهم على مستوى اتخاذ القرارات والآراء السياسية» .
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب النقد الذي تناولناه سالفا لم يطرح أن الديمقراطية نظام يجب استبداله أو الكفر به، وإنما تدارك الأخطاء التي التبست بالنظام الديمقراطي. مثلا كارل بوبر في مجتمعه المفتوح، لا يعرض الديمقراطية على أنها فلسفة سياسية، بل إنها نموذج قابل لإخضاعه للتجربة.
ويمكن الخلوص مع " آلان تورين" إلى تعريف أولي للديمقراطية يقوم على القول بثلاث مبادئ مؤسساتية هي:
أولا، أنها مجموعة من القواعد الأساسية التي تحدد من هو المخول حق اتخاذ القرارات الجماعية ووفقا لأية إجراءات؛
ثانيا، أن النظام المعين إنما يتصف بالمزيد من الديمقراطية كلما ازداد عدد الأشخاص الذين يشاركون بصورة مباشرة أو غير مباشرة باتخاذ القرار؛
وثالثا، أن الاختيارات ينبغي أن تكون فعلية.
إذا كان هذا حال الديمقراطية التي يرفضها التيار السلفي فما هي الشورى المحتفى به؟
تجمع معظم المصادر الإسلامية التي عنيت بمسألة نظام الحكم في الإسلام عند السنة على أن الشورى من أهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدولة الإسلامية.
ويرجح الفقهاء المسلمون (السنة) وجوب قيام الحاكم الإسلامي بمشاورة الأمة بأمور الحكم. فالشورى عند السنة تعني مشاورة أهل الرأي في الأمر وإتباع رأيهم، ويقابلها الإنفراد والتسلط بالرأي. وقد استند الفقهاء في قولهم بوجوب الشورى على القرآن والسنة النبوية.
أما موقف الشيعة بعامة فيقوم على نقض أطروحة السنة القائلة بان نظام الحكم بعد وفاة الرسول كان يقوم على أساس الشورى؛ فقد تبنى الشيعة القول بأن الحكم قد أوكل بالنص والتعيين من الله إلى الرسول ، ومنه الأئمة من بعده حتى الإمام الثاني عشر، وبالتالي فإذا كان بالإمكان أن نتصور نظاما للشورى عندهم، فليس ذلك إلا في عصر الغيبة الكبرى؛ فالإمام عند الشيعة وهو القائم على الشريعة والحافظ لها، المعصوم عن الخطأ، سهوا وعمدا وهو الذي يوحى إليه، والموصى له بالولاية، ولا يستمد سلطته من الناس. وبذلك يكون غير محتاج لمشورتهم، وعلى هذا الأساس يفترض الشيعة بأن كل أنظمة الشورى لا تكفي لتوفير السعادة جمعاء.
فالشورى في اللغة هي: المشورة، والمشاورة: استخراج الرأي، يقال شاورته في الأمر، استشرته، وطلبت منه المشورة.
أما في الاصطلاح: فقد ذكر الراغب الأصفهاني أنها« استخراج الرأي، بمراجعة البعض إلى البعض» ، و هو الاجتماع على الأمر، ليستشير كل واحد منهم صاحبه، ويستخرج ما عنده، وقال الطاهر بن عاشور: «هي أن قاصد عمل يطلب ممن يظن فيه صواب الرأي والتدبير، وأن يشير عليه بما يراه في حصول الفائدة المرجوة من عمله» .
وعرفها جابر الأنصاري- من المعاصرين- بقوله: « هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها ». التعاريف السالفة تتفق على معنى واحد للشورى المتمثل في قيما الشورى على تبادل الآراء؛ للتوصل إلى الرأي الأصوب.
وبقدر ما يمتاز به موضوع الشورى من الوضوح، كما ورد ذكره في القرآن والحديث ، فإنه يلفه نوع الغموض أيضا؛ بسبب العلماء حول الشورى،حيث اختلفوا في وجوبها، وفي حدودها، واختلفوا في آثارها العلمية وبقي هذا الاختلاف يكتنف الشورى حتى يومنا هذا،كما اختلفوا حول إلزامية الشورى بالنسبة للحاكم من عدمها، فالفقه السلفي التقليدي نظر دائما إلى الحكم بشكل فردي، وأن مشاورة الحاكم ( الخليفة) لأهل الحل والعقد غير ملزمة له، على اعتبار أن الحق ليس دائما مع الأغلبية.
مما فع المفكر الإسلامي محمد عمارة إلى أن يصرح «لقد كاد الإجماع ينعقد على أن " الشورى" هي الفلسفة الإسلامية للحكم في الدول الإسلامية والمجتمع الإسلامي(...) لكن الإجماع يكاد ينعقد أيضا على أنه بمقدار الحظ الوافر والغني لمنابعنا الفكرية ولأصول مواريثنا الحضارية في هذه الشورى كان الفقر والجذب الذي أصاب " تاريخنا " و'تطبيقاتنا" في هذا الميدان» .
لذلك نرى أن مؤسسة الشورى التي دعا إليها بعض الباحثين الإسلاميين المعاصرين، تحت عنوان «مجلس الشورى» قد عرضت على أنها بديل إسلامي للمؤسسة الديمقراطية، وعلى الرغم من أن مبدأ الشورى المقترح يرتكز نظريا على النص القرآني وممارسات الصحابة، إلا أن المنهج المتبع في تحليل وفهم النص أو استقراء الواقع التاريخي حال دون تطوير نظرية عامة تتألف من قواعد ومبادئ كلية متماسكة، تمكن الباحث من تجاوز التناقضات النصية أوالفعلية دون الاعتماد على رأي شخصي أو نزعة ذاتية .
هذا التنوع من حيث الموقف من الشورى داخل المذهب الواحد أو بحسب كل مذهب ،يمكن إرجاعه إلى كون الفكر الإسلامي قد خلط بين المبادئ والقواعد، الشيء الذي من شأنه أن يقود إلى تجاهل الفرق بين مبادئ أخلاقية غايتها ضبط سلوك البشر داخل جماعاتهم الخاصة، وبين القوانين التي تشكل بحق أنساق تنظيم سياسي واجتماعي، ومثال ذلك الشورى ومبدأ الطاعة اللذين ذكرا في القرآن من جملة فضائل ينبغي أن توجه سلوك المسلمين الذين يعيشون في جماعة. ومع ذلك نجد أن الطريقة التي ينبغي بها لهذين المبدأين( الشورى والطاعة) أن يتحققا في الواقع، لم تكن محددة بالنصوص المقدسة،فالخلط بين هذين المستويين: مستوى المبادئ، ومستوى تطبيق هذه المبادئ، هو ما قاد جمعا غفيرا من المسلمين إلى الاعتقاد بان الإسلام يوفر أو يمتلك، وإن بصورة ضمنية دستورا حقيقيا ويعرف ويحدد نمط تسيير الدولة الإسلامية .
يتضح لنا من خلال ما تقدم، أن الدعوات المتتالية والهادفة إلى " الكفر" بالديمقراطية، وتبني الشورى، تقع في مجموعة من التناقضات والأخطاء المنهجية، كما تتجاوز واقع حال البلدان الاسلامية سواء الواقع الحالي أو الواقع التاريخي حيث سيادة الشورى و غياب الديمقراطية، فهذا الواقع يبين بالملموس أن تاريخ تطبيق الشورى كنظام حكم لم يفرز إلا مجموعة من الاخطاء السياسية، وهو الامر الذي، ربما، جعل المفكر الاسلامي أحمد الريسوني إلى الجزم بأن الشورى لا تعني نظام الحكم الاسلامي بل تهم المجتمع الاسلامي، بينما تهدف الديمقراطية، عبر حكم الأغلبية، إلى تدبير أمور الناس سياسيا. وفي هذا الصدد نجده يقول الريسوني «الشورى من شؤون الجماعة برمتها، هي مالكتها وصاحبة الحق فيها وفي تفويضها، وفي تقييدها وتنظيمها، والدليل على هذا، كلام الله وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الله عز وجل :{ والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } الشورى: 38. فأولا هذه الآية نزلت في المسلمين قبل أن يكون لهم دولة فهي تتحدث عن جماعة المؤمنين مباشرة وأصالة. فلفظ الآية، والواقع الذي تتحدث عنه، يتعلقان بعموم المسلمين، وليس بدولتهم ولا برئيسهم ولا بهيئة حاكمة فيهم». ثم يردف«الديمقراطية هي الطريقة المثلى للتعبير عن إرادة الشعب وتصريف إرادة الشعب »،
رب قائل، إنك تستنجد بالرمداء من النار، عندما أنتقد التيار السلفي بشخص إسلامي كأحمد الريسوني، الذي يكفر بدوره بمجموعة من القيم الديمقراطية كحرية الاعتقاد ومبدأ العلمانية وغيرها. و للرد على هذا القول نشدد على مسألة أساسية وهي أننا بصدد تيار ارتدادي نحو الخلف، يتجاوز في ردته سرعة أي تيار آخر، يظهر فيها الريسوني و أمثالها، بمظر البروتستانتية بالنسبة للكاثلوكية. وللتأكد أكثر من هذا الامر أترك القارء للتدبر في قول أكبر منظري التيار السلفي وأشدهم تطرفا وهو صاحب التعبير الغريب (ثيو- ديمقراطية) ، فهو يفترض وجود شكلين للحكومات: الأولى ديمقراطية والثانية ثيوقراطية، فبعد تحديده لخصائص الديمقراطية يقول «من هنا يتضح لنا أن الدولة الإسلامية لا تعد ديمقراطية بالمعنى الشائع لأنها لا تجعل إرادة الشعب هي أصل التشريع، ولكنها حكومة " ثيوقراطية " مع اختلاف جذري في المدلول الأوربي للكلمة، لأن الحكومة الإسلامية لا تعرف طبقة السدنة "رجال الدين" الذين يتولون وحدهم في الدول الثيوقراطية بالمفهوم الأوربي التقنين أو التفسير طبقا للشريعة الإلهية، ومن هنا فإن الثيوقراطية الإسلامية يمكن أن تكون (ثيو- ديمقراطية) أو الحكومة الإلهية الجمهورية، وذلك لأنها خولت للمسلمين حاكمية (أو سيادة) شعبية محدودة تحت سلطة الله القاهرة".
*باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.