"ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثيو- ديمقراطية السلفية
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2012

"المطلق عندي هو الله، أما معرفتي به فليست مطلقة ولا يمكن أن ألزم أحدا بها". فحص
تنادت بعض الأصوات الإسلامية (السلفية) مؤخرا من أجل تجنب الديمقراطية والعودة إلى الشورى كأسلوب في الحكم السياسي، على أساس أن للديمقراطية مثالب عديدة وأن للشورى مزايا لا تنكر، مما يرجح كفة الشورى على الديمقراطية. غير أن هذه الأصوات لم تتجاوز، في دعوتها لتطبيق الشورى، مسألة الشعار، إلى تبيان كيفية تطبيق مبدأ الشورى والأساليب التي يجب نهجها لتكريسه ضمن أنظمة الحكم في الدول الإسلامية، بل تجد من يدعو إلى الشورى يتوسل بالوسائل الإجرائية التي أبدعتها الديمقراطية طيلة أكثر من 2500 سنة، كأن تجد من يقول " بأنه لا حرج من الاستفادة من آليات الديمقراطية؛ كالاقتراع والانتخاب والاستفتاء والمجالس النيابية واللجان البرلمانية وغيرها" مع تفضيل نظام الشورى، الذي هو "نظام إسلامي أصيل يمنع كل أشكال الاستبداد والطغيان، كما يتجنب كل العيوب التي انتقدت على النظام الديمقراطي".( هذا هو التعبير الحرفي الذي استعملته ورقة مذهبية لحركة سلفية أطلقت على نفسها " الحركة المغربية للإصلاح"). مما يطرح السؤال على هؤلاء : ماهي الديمقراطية المرفوضة في نظرهم؟ وماهي الشورى التي ينادون بها؟.
يواجه الباحث في تاريخ الأفكار أو سوسيولوجية الفكر مشكلة تحديد المفاهيم بصورة حادة وملحة باعتبار أن المفاهيم هي المكونات الأكثر تجريدا التي يقوم عليها أي بناء فكري. وهذا ما يشمل في النهاية التيارات أو الأيديولوجيات أو الحركات الفكرية. ولب المشكلة هي أن المفاهيم تتسم بكونها عرضة لتغيرات في الدلالة والمعنى تفرضها ظروف المكان والزمان، وتخضع بالتالي لنسبية شاسعة ترهق الباحث الذي يحاول الوصول إلى مفاهيم محددة ودقيقة يسترشد بها.
فالوقوف على حقائق مفهومي الديمقراطية والشورى، من خلال مصادرها الأصلية، سيساعد على تحديد الموضوعات وحصر الأفكار في دائرة التعريفات والحقائق المتفق عليها.
وإذا انطلقنا من تحديد مفهوم الديمقراطية، نجد أن من الأمور الشائعة كون بلاد اليونان هي مهد الديمقراطية، بينما يرى بعض المؤرخين أن هذه المقولة خاطئة، فقد برهن مانغلابوس في كتابه " إرادة الشعوب" أن الديمقراطية كانت منذ قديم الزمان هي الحالة السائدة في أغلب بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، إذ كانت الديمقراطية الهندية حقيقة واقعة خلال حياة بوذا قبل 26 قرنا من الزمن، وكان الصينيون يمارسون الديمقراطية، حيث كان الشعب هو المصدر الفعلي لسيادة السلطة، وينسب إلى كونفوشيوس ( 551-749 ق م ) قوله: إذا كان الناس لا يرضون بحكامهم، فليس من مكان للدولة" (مورغان).
وبما أننا لسنا في معرض التأصيل التاريخي للديمقراطية فإنه يمكن القول بأن للديمقراطية جذور موغلة في التاريخ، فلقد كانت أمرا مذموما ومرفوضا لدى أفلاطون وأرسطو وكانت تصنف كنظام سياسي، إلى جانب الأوليغارشية والطاغوتية وغيرها من أنظمة الحكم، وكان انطباعهما عن الديمقراطية سيئا، فأفلاطون كان يهاجم الديمقراطية بقوة أكبر، في حين كان أرسطو؛رغم اعتباره إياها في جملة النظم السياسية؛ رافضا لها ولا يرى فيها نظاما مقبولا.
كما عالج الفارابي بدوره هذا الموضوع، وسمى الديمقراطية مدينة الأحرار أو المدينة الجماعية، ولكنه تبني ما أسماه بالمدينة الفاضلة والتي وضعها مقابل المدن الأربع وضدها، وإحدى تلك المدن المقابلة سماها بالجاهلة، والتي تندرج تحتها أنواع و أهمها المدينة الجماعية، الأمر الذي يعني معارضته للديمقراطية ورفضه لها.
ومع أن أرسطو والفارابي يعتبران الديمقراطية أقل سوءا، بالمقارنة مع رأي أفلاطون، فأرسطو يقول بأن أقرب المدن إلى مدينته المنشودة هي المدينة الديمقراطية، و الفارابي يرى إمكانية لتولد المدينة الفاضلة من المدينة الديمقراطية أو مدينة الأحرار، حيث إن الديمقراطية، كما عرفها هؤلاء الثلاثة قديما، هي النظام السياسي الذي يكون فيه كل فرد حرا في فعل أي شيء.
من هنا التركيز على كون مفهوم الديمقراطية مفهوما واسعا وفضفاضا، ساهم في إثرائه، عبر عقود طويلة من الزمن كثير من المفكرين السياسيين، كل حسب نظرته له، فجاء إطارا كبيرا يجمع في داخله العديد من التيارات الفكرية، التي تتفق في بعض الخطوط العامة، وتختلف في معظم التفاصيل، بيد أن الديمقراطية تبلورت بمرور الزمن في الديمقراطيات الحديثة المطبقة بشكل أو بآخر- في الغرب، وعرفت بالديمقراطية التقليدية الغربية والتي تستند على نظرية العقد الاجتماعي وهي ليست نظرية حديثة في تاريخ الفكر السياسي ولكنها اكتسبت شكلها الأخير وظهرت بوضوح على لسان كل من توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو، أما هوبز فقد توصل من خلالها إلى تبرير الحكم المطلق، وأما لوك وروسو فقد اتخذاها آلية للثورة وتحطيم الحكومة المستبدة.
وحتى لا يذهب الاعتقاد إلى أن الديمقراطية على مشارف قفزة نهائية وحاسمة أو أنها نظام أنجز ولم يعد في حاجة إلى تطوير كما يعتقد البعض، فإننا ننوه إلى أن الديمقراطية تعرضت إلى كثير من النقد الذي يهدف إلى تطويرها وتجاوز سلبياتها وليس إلى إلغائها كما ينادي التيار السلفي، من هنا انبرى مجموعة من المفكرين الذين ينتمون إلى نفس البيئة التي انبعثت منها الديمقراطية، للقيام بهذا الدور التصحيحي والتقويمي.
يعتبر دوفرجي أن النظام الديمقراطي ليس بناء مصطنعا من طرف منظرين أو قانونيين أو مفكرين سياسيين، إنه نتيجة لتطور تاريخي بعيد المدى...استمدت كثير من قوانينه من الأنظمة السياسية التي سادت في أوربا في القرون الوسطى وتحولت تدريجيا حتى أصبحت أساسا لنظام جديد مستفيدة عناصر قديمة بما يتفق مع منطقها، وإذا كان دوفرجي يحسب للديمقراطية الغربية أن أقامت المساواة وحذفت الامتيازات فإنه يحسب عليها أنها ولدت بالتدرج اللامساواة الاقتصادية التي تتجه إلى إيجاد أرستقراطية جديدة تقوم على الملكية والاحتكارات الكبرى التي تمارس نفوذا واسعا على الأحزاب والصحافة والرأي العام.
في الوقت الذي اقترح هابرماس النموذج الثالث للديمقراطية المسمى ب"الديمقراطية التداولية" التي تتضمن سياسية حوارية وسياسة أذاتية كفيلة بخلق فضاء تداولي معين داخل المجتمع الواحد المتعدد التشكيلات الاجتماعية والثقافية، فالديمقراطية التي ينادي بها هابرماس تحمل بعدا معياريا وبعدا أذاتيا استراتيجيا، حيث يعتبر تحول الدولة اللبرالية إلى دولة اجتماعية تهديد للديمقراطية، وذلك على أساس أن «ضرورات العدالة الاجتماعية التي أنتجتها الآثار السلبية لمنطق السوق الرأسمالي، أعطت للدولة المتدخلة كامل الحرية في خلق حقوق جديدة للمواطن ودفع هذا الخير لكي يتلاءم معها، فالدولة أصبحت تحتكر كلية الحق في تأويل كل أنساق الحقوق التي تتماشى مع تصورها في العدالة السياسية من خلال آلية العدالة التوزيعية» .
فبمقاربته التاريخية لمفهوم "الفضاء العمومي"منذ عصر الأنوار حتى عصر الديمقراطية الجماهيرية الحاضرة، يخرج هابرماس بخلاصة تحول هذا «الفضاء من تجمع للأفراد يحتكمون إلى العقل إلى فضاء تسيطر عليه الآن الشبكات التجارية وصناعة الثقافة التي تتلاعب بالأفراد وباستقلاليتهم من خلال التأثير فيهم على مستوى اتخاذ القرارات والآراء السياسية» .
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب النقد الذي تناولناه سالفا لم يطرح أن الديمقراطية نظام يجب استبداله أو الكفر به، وإنما تدارك الأخطاء التي التبست بالنظام الديمقراطي. مثلا كارل بوبر في مجتمعه المفتوح، لا يعرض الديمقراطية على أنها فلسفة سياسية، بل إنها نموذج قابل لإخضاعه للتجربة.
ويمكن الخلوص مع " آلان تورين" إلى تعريف أولي للديمقراطية يقوم على القول بثلاث مبادئ مؤسساتية هي:
أولا، أنها مجموعة من القواعد الأساسية التي تحدد من هو المخول حق اتخاذ القرارات الجماعية ووفقا لأية إجراءات؛
ثانيا، أن النظام المعين إنما يتصف بالمزيد من الديمقراطية كلما ازداد عدد الأشخاص الذين يشاركون بصورة مباشرة أو غير مباشرة باتخاذ القرار؛
وثالثا، أن الاختيارات ينبغي أن تكون فعلية.
إذا كان هذا حال الديمقراطية التي يرفضها التيار السلفي فما هي الشورى المحتفى به؟
تجمع معظم المصادر الإسلامية التي عنيت بمسألة نظام الحكم في الإسلام عند السنة على أن الشورى من أهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها الدولة الإسلامية.
ويرجح الفقهاء المسلمون (السنة) وجوب قيام الحاكم الإسلامي بمشاورة الأمة بأمور الحكم. فالشورى عند السنة تعني مشاورة أهل الرأي في الأمر وإتباع رأيهم، ويقابلها الإنفراد والتسلط بالرأي. وقد استند الفقهاء في قولهم بوجوب الشورى على القرآن والسنة النبوية.
أما موقف الشيعة بعامة فيقوم على نقض أطروحة السنة القائلة بان نظام الحكم بعد وفاة الرسول كان يقوم على أساس الشورى؛ فقد تبنى الشيعة القول بأن الحكم قد أوكل بالنص والتعيين من الله إلى الرسول ، ومنه الأئمة من بعده حتى الإمام الثاني عشر، وبالتالي فإذا كان بالإمكان أن نتصور نظاما للشورى عندهم، فليس ذلك إلا في عصر الغيبة الكبرى؛ فالإمام عند الشيعة وهو القائم على الشريعة والحافظ لها، المعصوم عن الخطأ، سهوا وعمدا وهو الذي يوحى إليه، والموصى له بالولاية، ولا يستمد سلطته من الناس. وبذلك يكون غير محتاج لمشورتهم، وعلى هذا الأساس يفترض الشيعة بأن كل أنظمة الشورى لا تكفي لتوفير السعادة جمعاء.
فالشورى في اللغة هي: المشورة، والمشاورة: استخراج الرأي، يقال شاورته في الأمر، استشرته، وطلبت منه المشورة.
أما في الاصطلاح: فقد ذكر الراغب الأصفهاني أنها« استخراج الرأي، بمراجعة البعض إلى البعض» ، و هو الاجتماع على الأمر، ليستشير كل واحد منهم صاحبه، ويستخرج ما عنده، وقال الطاهر بن عاشور: «هي أن قاصد عمل يطلب ممن يظن فيه صواب الرأي والتدبير، وأن يشير عليه بما يراه في حصول الفائدة المرجوة من عمله» .
وعرفها جابر الأنصاري- من المعاصرين- بقوله: « هي استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها ». التعاريف السالفة تتفق على معنى واحد للشورى المتمثل في قيما الشورى على تبادل الآراء؛ للتوصل إلى الرأي الأصوب.
وبقدر ما يمتاز به موضوع الشورى من الوضوح، كما ورد ذكره في القرآن والحديث ، فإنه يلفه نوع الغموض أيضا؛ بسبب العلماء حول الشورى،حيث اختلفوا في وجوبها، وفي حدودها، واختلفوا في آثارها العلمية وبقي هذا الاختلاف يكتنف الشورى حتى يومنا هذا،كما اختلفوا حول إلزامية الشورى بالنسبة للحاكم من عدمها، فالفقه السلفي التقليدي نظر دائما إلى الحكم بشكل فردي، وأن مشاورة الحاكم ( الخليفة) لأهل الحل والعقد غير ملزمة له، على اعتبار أن الحق ليس دائما مع الأغلبية.
مما فع المفكر الإسلامي محمد عمارة إلى أن يصرح «لقد كاد الإجماع ينعقد على أن " الشورى" هي الفلسفة الإسلامية للحكم في الدول الإسلامية والمجتمع الإسلامي(...) لكن الإجماع يكاد ينعقد أيضا على أنه بمقدار الحظ الوافر والغني لمنابعنا الفكرية ولأصول مواريثنا الحضارية في هذه الشورى كان الفقر والجذب الذي أصاب " تاريخنا " و'تطبيقاتنا" في هذا الميدان» .
لذلك نرى أن مؤسسة الشورى التي دعا إليها بعض الباحثين الإسلاميين المعاصرين، تحت عنوان «مجلس الشورى» قد عرضت على أنها بديل إسلامي للمؤسسة الديمقراطية، وعلى الرغم من أن مبدأ الشورى المقترح يرتكز نظريا على النص القرآني وممارسات الصحابة، إلا أن المنهج المتبع في تحليل وفهم النص أو استقراء الواقع التاريخي حال دون تطوير نظرية عامة تتألف من قواعد ومبادئ كلية متماسكة، تمكن الباحث من تجاوز التناقضات النصية أوالفعلية دون الاعتماد على رأي شخصي أو نزعة ذاتية .
هذا التنوع من حيث الموقف من الشورى داخل المذهب الواحد أو بحسب كل مذهب ،يمكن إرجاعه إلى كون الفكر الإسلامي قد خلط بين المبادئ والقواعد، الشيء الذي من شأنه أن يقود إلى تجاهل الفرق بين مبادئ أخلاقية غايتها ضبط سلوك البشر داخل جماعاتهم الخاصة، وبين القوانين التي تشكل بحق أنساق تنظيم سياسي واجتماعي، ومثال ذلك الشورى ومبدأ الطاعة اللذين ذكرا في القرآن من جملة فضائل ينبغي أن توجه سلوك المسلمين الذين يعيشون في جماعة. ومع ذلك نجد أن الطريقة التي ينبغي بها لهذين المبدأين( الشورى والطاعة) أن يتحققا في الواقع، لم تكن محددة بالنصوص المقدسة،فالخلط بين هذين المستويين: مستوى المبادئ، ومستوى تطبيق هذه المبادئ، هو ما قاد جمعا غفيرا من المسلمين إلى الاعتقاد بان الإسلام يوفر أو يمتلك، وإن بصورة ضمنية دستورا حقيقيا ويعرف ويحدد نمط تسيير الدولة الإسلامية .
يتضح لنا من خلال ما تقدم، أن الدعوات المتتالية والهادفة إلى " الكفر" بالديمقراطية، وتبني الشورى، تقع في مجموعة من التناقضات والأخطاء المنهجية، كما تتجاوز واقع حال البلدان الاسلامية سواء الواقع الحالي أو الواقع التاريخي حيث سيادة الشورى و غياب الديمقراطية، فهذا الواقع يبين بالملموس أن تاريخ تطبيق الشورى كنظام حكم لم يفرز إلا مجموعة من الاخطاء السياسية، وهو الامر الذي، ربما، جعل المفكر الاسلامي أحمد الريسوني إلى الجزم بأن الشورى لا تعني نظام الحكم الاسلامي بل تهم المجتمع الاسلامي، بينما تهدف الديمقراطية، عبر حكم الأغلبية، إلى تدبير أمور الناس سياسيا. وفي هذا الصدد نجده يقول الريسوني «الشورى من شؤون الجماعة برمتها، هي مالكتها وصاحبة الحق فيها وفي تفويضها، وفي تقييدها وتنظيمها، والدليل على هذا، كلام الله وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الله عز وجل :{ والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } الشورى: 38. فأولا هذه الآية نزلت في المسلمين قبل أن يكون لهم دولة فهي تتحدث عن جماعة المؤمنين مباشرة وأصالة. فلفظ الآية، والواقع الذي تتحدث عنه، يتعلقان بعموم المسلمين، وليس بدولتهم ولا برئيسهم ولا بهيئة حاكمة فيهم». ثم يردف«الديمقراطية هي الطريقة المثلى للتعبير عن إرادة الشعب وتصريف إرادة الشعب »،
رب قائل، إنك تستنجد بالرمداء من النار، عندما أنتقد التيار السلفي بشخص إسلامي كأحمد الريسوني، الذي يكفر بدوره بمجموعة من القيم الديمقراطية كحرية الاعتقاد ومبدأ العلمانية وغيرها. و للرد على هذا القول نشدد على مسألة أساسية وهي أننا بصدد تيار ارتدادي نحو الخلف، يتجاوز في ردته سرعة أي تيار آخر، يظهر فيها الريسوني و أمثالها، بمظر البروتستانتية بالنسبة للكاثلوكية. وللتأكد أكثر من هذا الامر أترك القارء للتدبر في قول أكبر منظري التيار السلفي وأشدهم تطرفا وهو صاحب التعبير الغريب (ثيو- ديمقراطية) ، فهو يفترض وجود شكلين للحكومات: الأولى ديمقراطية والثانية ثيوقراطية، فبعد تحديده لخصائص الديمقراطية يقول «من هنا يتضح لنا أن الدولة الإسلامية لا تعد ديمقراطية بالمعنى الشائع لأنها لا تجعل إرادة الشعب هي أصل التشريع، ولكنها حكومة " ثيوقراطية " مع اختلاف جذري في المدلول الأوربي للكلمة، لأن الحكومة الإسلامية لا تعرف طبقة السدنة "رجال الدين" الذين يتولون وحدهم في الدول الثيوقراطية بالمفهوم الأوربي التقنين أو التفسير طبقا للشريعة الإلهية، ومن هنا فإن الثيوقراطية الإسلامية يمكن أن تكون (ثيو- ديمقراطية) أو الحكومة الإلهية الجمهورية، وذلك لأنها خولت للمسلمين حاكمية (أو سيادة) شعبية محدودة تحت سلطة الله القاهرة".
*باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.