غيرت الأزمة الاقتصادية في اسبانيا ملامح حياة المهاجرين المغاربة. الحكومة الاسبانية طرحت بديل العودة إلى المغرب كحل لبعض الفئات من المهاجرين، وبدأت فعلا رحلة هجرة معاكسة إما صوب المغرب أو دول أوروبية أخرى، لكنها صعبة. يوم اجتاز ياسين مضيق جبل طارق لأول مرة في حياته، شعر أن أبواب الجنة قد فتحت في وجهه، كانت نظرته الى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط وردية، لكن تلك الصورة الحالمة التي كانت تتملكه صارت مختلفة تماما الآن، فاسبانيا لم تعد "جنة الله على أرضه وحاضنة الطامحين"، فمع مرور الوقت ارتطمت أحلامه الصغيرة بصخرة الأزمة الاقتصادية التي دخلت شبه الجزيرة الإيبيرية دون استئذان، وغيرت حياة المهاجرين المغاربة باسبانيا إلى بشكل عميق. ويقول ياسين جباري، مهاجر مغربي، قضى أزيد من عشر سنوات من الإقامة بمدريد ل DW : "في السنوات الأولى لهجرتي إلى اسبانيا لم يكن من الصعب الحصول على عمل، كانت شبه الجزيرة الإيبيرية، نموذجا حقيقيا للنمو الاقتصادي السريع وحياة الرفاه التي شملت أيضا المهاجرين المغاربة"، بيد أن الأوضاع تغيرت "جذريا وبسرعة كبيرة منذ عام 2008، وفجأة وجدت نفسي عاطلا عن العمل مثل الآلاف من المهاجرين الذين شاهدوا الاقتصاد الاسباني يهوي بسرعة كبيرة" كما يروي ياسين تفاصيل معاناته وهو يجلس بمقهى في حي لافابيديس بمدريد، الذي يقطنه عدد كبير من المهاجرين المغاربة. ويواجه ياسين في رحلة هجرته في إسبانيا متاعب لا تتوقف، بينما اضطر آلاف من مواطنيه إلى العودة إلى المغرب. ويصل عدد المهاجرين المغاربة في اسبانيا إلى 1.6 في المائة من سكان اسبانيا كما يعدون من أقدم المهاجرين. هل هي نهاية الحلم الاسباني؟ عمل ياسين في شركة للأدوات الكهربائية لأزيد من ثلاث سنوات، لكنه فوجئ، كما يقول، بالشركة وهي "تنهي تعاقدها معي دون إخطار بسبب الأزمة، والتفسير الذي تلقيته هو أن الشركة تكبدت خسائر كبيرة دفعتها لنهج سياسية تقشفية" وأوضح أن تأثير الأزمة على قطاع العقار، نتج عنه خسائر تقريبل لجميع الشركات التي لها علاقة بهذا القطاع، مثل شركات مواد البناء أو المواد الكهربائية. وسيجد ياسين نفسه في عالم مختلف "الواقع أنه بعد التحاقي بطوابير العاطلين، وجدت نفسي محتاجا إلى بعض الوقت من أجل التأقلم مع واقعي الجديد". ويضيف "أشعر حاليا بالندم، وهو احساس نابع من عدم استغلالي لفترة الازدهار الاقتصادي من أجل متابعة دراستي واكتساب مهارات معرفية ومهنية جديدة، خصوصا أن اسبانيا كانت وقتها توفر إمكانيات جيدة لمتابعة الدراسة أو تعلم مهن جديدة بثمن بخس". أما الآن "فقد توقفت كل تلك المشاريع، ولم يعد أمامي غير التأقلم مع واقعي الجديد، والبحث عن أي عمل مؤقت لمواجهة مصاعب الحياة" . لكن المهمة صعبة، كما يوضح ياسين قائلا: "فرص العمل صارت ضئيلة، ووسائل الإعلام الاسبانية لا تتحدث أبدا عن معاناة المهاجرين المغاربة التي تتجاوز بكثير معاناة المواطنين الإسبان". ويرى ياسين أنه من البدائل المطروحة على المهاجرين المغاربة باسبانيا هي العودة إلى بلدهم الأصلي واستثمار مدخراتهم في مشروع معين أو الهجرة إلى البلدان الأوروبية التي تضررت بشكل أقل من تداعيات الأزمة الاقتصادية و المالية، لكن هذا الأمر يبقى مستعصيا على فئة من المهاجرين الذين لا يتوفرون على الجنسية الاسبانية. جيل الأزمة الاقتصادية باسبانيا ويقول محمد الظهيري، رئيس جمعية ضفتان بمدينة قرطبة، جنوبي اسبانيا، ل DW أن "تقارير الحكومةالاسبانية تعتبر المهاجرين المغاربة الفئة الأكثر تضررا بسبب الأزمة"، ويضيف الظهيري أن "الأزمة أثرت على الهجرة المغربية إلى اسبانيا بشكل لم يسبق له مثيل خلال العقود الأخيرة، بل يمكن الحديث عن هجرة معاكسة للمغاربة". وحسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء بمدريد، فقد تراجعت نسبة المهاجرين المغاربة باسبانيا خلال سنة2010 ب 8800 شخص، وهم مهاجرون تتراوح أعمارهم بين 16 و39 سنة، وارتفع هذا الرقم إلى 22 ألف شخص خلال سنة 2011، ويلاحظ الظهيري انه "تم تسجيل هجرة معاكسة لأطفال قاصرين إلى بلدهم الأصلي، لأول مرة في تاريخ الهجرة بين المغرب واسبانيا". بيد أن رحلة الهجرة المعاكسة أو رحلة العودة الاضطرارية بدورها تنطوي على متاعب ومشاكل، يذكرالظهيري منها مثلا:"الفشل دراسي لعدد من أبناء المهاجرين الذين كانوا يتابعون دراستهم بالاسبانية، وبات عليهم الآن تعلم اللغة العربية للدراسة في المدارس الحكومية المغربية". ويضيف ظهيري أن انعكاسات الأزمة مست أيضا الطلبة المغاربة الذين بات عليهم الآن أداء نسبة مائة في المائة من مصاريف التسجيل في الجامعات الاسبانية، بعدما كانوا يؤدون نسبة 10 في المائة فقط فيما تتكفل الحكومة الاسبانية بباقي المصاريف، أما في ظل الوضع الحالي فقد باتت مستحقات التسجيل تتراوح بين 6000 و 10000 يورو في السنة، وهو" مبلغ لا طاقة لهم به، مما يهدد المستقبل الدراسي والمهني لحوالي 3000 طالب مغربي باسبانيا"كما يؤكد الظهيري. وحسب الأستاذ ظهيري، "فقد مست الأزمة الاقتصادية أيضا حقوقا أساسية للمهاجرين مثل حقهم في الصحة الذي صار خدمة مؤدى عنها بعدما كان العلاج الطبي مجانيا في السنوات السابقة". وبدأ الحديث في اسبانيا عن جيل الضياع الذي صار فاقدا لجميع الحقوق وسيعيش ظروفا أسوأ بكثير من تلك التي عاشتها الأجيال الأولى للمهاجرين، رغم أنه جيل ولد في اسبانيا وقضى بها سنوات الطفولة والمراهقة، وهو الآن مهدد بأن يؤدي فاتورة الأزمة المالية والاقتصادية في اسبانيا. المهاجرون وخيار العودة وفي مواجهة تداعيات الأزمة على أوضاع المهاجرين، اتخذت الحكومة الاسبانية برئاسية ماريانو راخوي عدة تدبير من أجل تشجيع المهاجرين على العودة إلى بلدانهم الأصلية، وهو الخيار الذي لم يلق تجاوبا كبيرا من طرف المهاجرين المغاربة وقت طرحه في بداية الأزمة من طرف الحكومة السابقة التي كان يرأسها الإشترا كي خوسي لويس ثباطيررو. وتوجه عدة جمعيات مدافعة عن حقوق المهاجرين انتقادات لسياسة الهجرة التي تتبعها الحكومة الحالية والتي يقودها الحزب الشعبي المحافظ، حيث ترى فيها مزيدا من التشديد على المهاجرين، وخصوصا فيما يتعلق بتعقيد إجراءات تجديد تراخيص الإقامة. وفي رده على تلك الانتقادات، يقول رامون غارثيا هيرانديث، مسؤول العلاقات الخارجية للحزب الشعبي الحاكم بإسبانيا، في تصريح ل DW أن" السياسة الاسبانية في مجال الهجرة تحترم الاتفاقيات الأوروبية في هذا المجال سواء من حيث تدبير الوضع الاقتصادي الراهن في علاقة بقضايا الهجرة أو تطبيق سياسة الاندماج بالنسبة للمهاجرين". واضاف المسؤول السياسي الاسباني أن بلاده "تحترم ما يتم الاتفاق عليه على المستوى الأوروبي فيما يخص الشروط المرتبطة بإقامة الأجانب فوق أراضيها، وبالتالي لا يمكن الحديث عن سياسية اسبانية في هذا المجال دون ربطها بالسياسة الأوروبية بصفة عامة". وبالنسبة للبدائل المطروحة من طرف الحكومة الاسبانية الحاكم يرى هيرنانديث "ان وزارة التشغيل الاسبانية وضعت برنامجا لمساعدة المهاجرين المغاربة الراغبين في العودة الى بلدهم الأصلي ومساعدة أولئك الذين يحتاجون الى دعم اجتماعي عاجل". *عن موقع دويتشه فيله