تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال (بوريطة)    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات الأزمة الاقتصادية على المهاجرين المغاربة بإسبانيا
نشر في طنجة 24 يوم 25 - 01 - 2012

محمد سعيد أرباط – طنجة 24: كان للأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة تأثيرا كبيرا على جل الدول الأوروبية، وعلى رأسهم جارة المغرب جغرافيا اسبانيا، إذ تضرر اقتصاد هذه الأخيرة بشكل كبير وظهرت انعكاساته على باقي الميادين، فكانت النتيجة فقدها لأزيد من مليون منصب شغل وارتفاع عدد البطالة إلى 4 ملايين.
تعد اسبانيا من أولى البلدان العالمية التي توجد بها نسبة كبيرة من المهاجرين المغاربة، وعندما أصابت سهام الأزمة العالمية الاقتصاد الاسباني، كان المهاجرون المغاربة أول جالية أجنبية لحقها شبح الأزمة والمتضررة بشكل أكبر، وهو الضرر الذي جعل الجالية المغربية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، كتقسيم فرض نفسه دون سابق إنذار وبتدخل مباشر من الأزمة الاقتصادية التي انطلقت شرارتها في 2007.
العائدون قبل فوات الأوان
يُطلق عليهم وصف العائدون قبل فوات الأوان والمقصود به فئة من المهاجرين المغاربة الذين عادوا إلى أرض الوطن، بعدما استشعروا أن الأزمة لن تترك لهم أي خيارات كثيرة في الجارة الأوروبية، وأن طول البقاء هناك قد ينعكس سلبا عليهم، فقرروا أن يعودوا إلى المغرب وفتح مشاريع صغيرة ما دامت جيوبهم لا زالت ساخنة بأوروهات محترمة، وأغلب المشاريع التي يقدمون عليها، هي عبارة عن مقاهي ومطاعم صغيرة، ودكاكين البيع المتنوع، ومقاهي الانترنيت، وما يجاور مثل هذه المشاريع، التي لا تتطلب موارد مالية ضخمة.
"اسبانيا ما بقى فيها مايدَار" يقول (محمد، ج) الذي عاد من اسبانيا منذ عامين بعد هجرة عمل دامت 4 سنوات في مجال البناء، ويضيف وهو جالس على أحد كراسي مطعمه الذي فتحه منذ عودته إلى طنجة، " ملي وقعت الأزمة عرفت بلي الخدمة مابقاتش فسبانيا، فقررت نرجع مادام كنت جمعت شي بركة دلفلوس".
أغلب العائدين "قبل ما يفوت الفوت" شبابا، ويؤمنون أن زمن الكسب في إسبانيا قد ولى، وأن الأزمة ستفرض على الحكومة الاسبانية طرد عدد كبير من المهاجرين، إضافة إلى أن فرص الشغل ستنعدم تماما، وسيسقط المهاجرون في البطالة التي ستستنفذ منهم كل ما عملوا على جمعه خلا سنوات ثم يعودون بخفي حنين.
ومن مميزات هذه الفئة التي عادت قبل استفحال الأزمة الاقتصادية، أن أغلب ممثليها لم يمضي على هجرتهم إلى اسبانيا سنوات طويلة، " المغاربة اللي رجعوا وفتحوا مشاريع، أغلبهم قضو ما بين 4 سنوات و 6 سنوات فسبانيا" يقول (جمال، ز) الذي يدير مقهى للإنترنيت بطنجة، وهو بدوره عائد من اسبانيا منذ سنة، بعدما عمل في أحد المطاعم بمدريد لمدة 5 سنوات.
يعد أنفسهم هؤلاء العائدون إلى أرض الوطن لفتح مشاريع صغيرة خاصة بهم، أنهم أحسنوا اتخاذ القرار، ولا يعتقدون إطلاقا أنهم أضاعوا بضعة سنوات من عمرهم بإسبانيا بدون فائدة، بل يرون أن المغاربة الذين لا زالوا في اسبانيا وينتظرون أن تتحسن الأمور واهمون في ذلك.
(زكرياء، أ) بدوره واحد من هذه الفئة التي ترى أنها أحسنت الاختيار بالعودة في الوقت المناسب، عاد إلى تطوان بعد خمس سنوات من العمل في اسبانيا، وتحول إلى تاجر في القطع الأرضية، يقول والسرور باد على ملامح وجهه " أنا ملي رجعت لتطوان هادي عام ونوص جيبت معايا 14 مليون سنتيم ملخدمة فالبناء فبرسلونة"، ويضيف وعلامات نشوة المنتصر لازالت تعلو ملامح وجهه، أنه اشترى بها قطعة أرضية بمدينة المضيق المجاورة لمدينة تطوان، ثم عاد وباعها مرة أخرى بعدما ارتفعت أسعار الأراضي ب 27 مليون سنتيم، ويعلق "زدقت حسن من هادوك لباقين في اسبانيا".
العائدون قبل فوات الأوان بعضهم قطع صلته بالمهجر نهائيا، في حين أن بعضهم يعود مرة كل شهر للتأشير على أنه لا زال باسبانيا، أو لتجديد أورق إقامته، حتى لا يتم الشطب عليه من قائمة المهاجرين، بينما أن أغلب أيامهم أصبحت ببلدهم الأصلي، الذي لم يجدوا صعوبة كبيرة في العودة والاندماج بين أبنائه مرة أخرى، بل يعتبرون أنفسهم أنهم لم يهاجروا إلى إسبانيا إلا لجلب المال من أجل انطلاقة حقيقية في أرض الوطن، لكن تبقى هذه الفئة من الفئات القليلة التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية من حيث العدد.
التائهون بين المغرب وإسبانيا
الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم في السنوات القليلة الماضية، فاجأت العديد من الفئات الطبقية في كل دول العالم، وكان انعكاسها كبيرا على أصحاب الدخل المحدود، وبالنسبة للمهاجرين المغاربة، كان الضرر قاسيا للفئة التي لم تضرب أي حساب لما يخفيه المستقبل من مفاجآت، وعندما خيمت الأزمة العالمية على الاقتصاد الاسباني كانت هذه الفئة هي أول المتضررين وأكثرهم تأثرا.
أغلب هذه الفئة هي التي توجهت إلى اسبانيا رفقة الفئة السابقة الذكر أي مع بداية ومنتصف الألفية الثالثة، لكن الفرق بين الفئتين، هو أن هذه الفئة وجدت نفسها في موقف لا تُحسد عليه عندما حلت الأزمة الاقتصادية سنة 2007، بمعنى أخر لم تجد أي مورد مالي كبير يمكنها من العودة إلى أرض الوطن لطمأنة المستقبل بمشروع يعفيها من "الإفلاس".
"ملي توقف الشغل فاسبانيا في 2008 بقينا حاصلين" هكذا قال (سعيد، ج) الذي توجه إلى اسبانيا في 2004 للعمل في قطاع البناء في مدينة "خيرونا" بإقليم كطالونيا، وهو القطاع الذي تعمل فيه شريحة كبيرة من المهاجرين المغاربة، نظرا لضعف تكوينهم الدراسي والمهني، ويضيف سعيد المقيم بطنجة حاليا" أنا وبزاف ديال الدراري آخرين مضربناش الحساب للأزمة، في الأخير حصلنا"، يشرح سعيد بمزيد من التفصيل، أن الأزمة أثرت بشكل كبير في قطاع البناء في إقليم الكطالان، وتوقفت العديد من المشاريع، وأغلب المهاجرين المغاربة الذين كانوا يعملون بهذا القطاع، وجدوا أنفسهم في عطلة عن العمل.
ويشير سعيد إلى أن التعويض الذي يتقاضونه لمدة سنة بعد التوقف عن العمل لا يكفي لجمع مبلغ مهم للعودة إلى المغرب لإنجاز مشروع شخصي، خاصة أن أغلب المهاجرين المغاربة تتبعهم فاتورة ايجار السكن، وفاتورة العيش المرتفعة بإسبانيا، وهما الفاتورتين اللتين تبقيان من أهم معيقات كسب رأسمال مريح هناك.
سعيد يستعد خلال الأيام المقبلة إلى العودة إلى اسبانيا لمعرفة تطورات الأحداث في مجال البناء، وهو على هذه الحالة منذ سنة، مرة بإسبانيا ومرات بالمغرب، أمثال سعيد يؤمنون أن لا عمل في المغرب، المكان الوحيد الذي يمكن أن يعملوا فيه هو اسبانيا.
وتتميز هذه الفئة عن باقي الفئات الأخرى بالتفاؤل بأن الأوضاع ستتحسن من جديد في اسبانيا اقتصاديا، وهذا التفاؤل يدفعهم إلى الجلوس بالمغرب دون عمل أو حتى محاولة بحث عن عمل، يقول (خالد،أ) الذي تماثل حالته حالة سعيد، بأن المشاريع التي توقفت لا يمكن أن تبقى متوقفة دائما في إقليم كاطالونيا الذي توجد به أكبر نسبة من الجالية المغربية بإسبانيا، "باقي غدرجع الخدمة فاسبانيا، وغيعيطو لنا نرجعو نخدمو" أما في المغرب، فإن خالد يرى أنه من الصعب على من عمل باسبانيا أن يعود إلى المغرب للعمل، "إلا إذا عمل شي مشروع ديالو خاص" يضيف خالد.
من جهة أخرى يعطي هؤلاء التائهون بين المغرب واسبانيا أهمية كبيرة لمحيطهم في بلدهم الأصلي، إذ أن أغلبهم يعتقد أن العودة إلى العمل أو البحث عن العمل بالمغرب سيجعل محيطهم ينظر إليهم بنظرة الاستهزاء والسخرية، وهو ما لا يتقبلونه، " إذا فتشت على الخدمة هنا غيضحكو عليا صحابي" هكذا يكشف بلامبالاة (مصطفى, م) الذي يقضي هذا الشهر في تطوان في انتظار العودة إلى اسبانيا للبحث عن عمل، بعدما سُرح من عمله في أحد المزارع الفلاحية بمنطقة الأندلس باسبانيا وبالضبط في ضواحي اشبيلية.
"مستغليناش الفرصة ملي كانت الخدمة موجودة" يقول مصطفى بحسرة، لكنه أضاف بتجهم" ولكن وخا هكداك منخدمش فالمغرب، باش ميقولوش عليا طلع ورجع خاوي"، وأنهى كلامه بأنه سينتظر حتى تتحسن الأوضاع في اسبانيا ليعود للعمل هناك، مع تفاؤله الكبير من تحسنها في المستقبل القريب.
(المفضل، أ) تعد حالته من أسوأ الحالات داخل هذه الفئة التائهة، التي لا تعرف ما الذي سيأتي به المستقبل، توجه المفضل إلى اسبانيا في سنة 2005 بعقد عمل في البناء في العاصمة الاقتصادية الاسبانية برشلونة، وعمل لمدة سنة، وفي 2006 عاد إلى تطوان وتزوج، لكن الأزمة الاقتصادية في 2007 ستقلب كل ما كان يخطط إليه.
"ملي تزوجت سرحوني ملخدمة، حيت الشغل قلال"، الآن يعيش على التعويض الشهري الذي يكفي حاجيته إلى هذه اللحظة، خاصة بعدما رزق بولد باسبانيا عندما التحقت به زوجته، إذ يحصل طفله الصغير علاوة على تعويضه الشهري، 80 أورو لصالح الطفل كل شهر لمدة ثلاث سنوات حسب القانون المتبع باسبانيا، لكن ما يؤرق المفضل، هو ماذا سيفعل عندما ستنتهي مدة التعويض الشهري؟ هل يبقى في إسبانيا يعيش على "شهرية" طفله التي لن تكفيه لشيء؟ أم يعود إلى المغرب وهو ما لا يتقبله على الإطلاق.
هذه بعض الأمثلة فقط لفئة لا يستهان بها من المهاجرين المغاربة الذين أصبح مستقبلهم غامضا بعد الأزمة الاقتصادية التي لا زالت تداعياتها مستمرة إلى حدود كتابة هذه السطور، وبالأرقام تنذر هذه الفئة بمشاكل كبرى قد تهدد مستقبل الأجيال القادمة من المهاجرين، فبالعودة إلى الإحصائيات الأخيرة، فإن الهجرة نحو اسبانيا من المغاربة، قد نمت من 173.000 مهاجر إلى 746.000 مهاجر من سنة 2000 إلى السنوات الأخيرة الماضية، وأغلب هؤلاء المهاجرون يمثلون الفئة العمرية الشابة، وهجرتهم جاءت عن طريق الحصول على عقد عمل مفتوح أو مؤقت، وفي ميادين تنحصر في قطاع البناء والفلاحة والخدمات.
ورغم أن معدل الهجرة انخفض بشكل ملحوظ منذ سنة 2007 إلا أن المهاجرين المغاربة الذين توجهوا إلى اسبانيا انطلاقا من سنة 200 يفوق 800,000 مهاجر، والشريحة الأهم من هذا العدد الضخم هي التي تعيش الآن حالة التيه بين اسبانيا والمغرب.
"المعمرون"المغاربة وتداعيات الأزمة
الهجرة المغربية نحو اسبانيا تعد من أقدم الهجرات مقارنة مع باقي هجرات البلدان الأخرى، نظرا للقرب الجغرافي الذي لعب دورا كبيرا في ارتفاع نسبة عدد المهاجرين المغاربة الذين يمثلون الآن نسبة 1.6 بالمائة من سكان اسبانيا، وكانت أولى الهجرات قد انطلقت مع بداية السبعينيات، وصارت في ارتفاع ملحوظ في الثمانينيات والتسعينيات، قبل أن ترتفع بوتيرة أكبر، عندما أعلن الاتحاد الأوروبي مع بداية الألفية الثالثة، عن اتحاد أوروبي كامل وتوحيد العملة النقدية بعملة موحدة تحت اسم "الأورو"، ليرتفع بعد ذلك مستوى العيش في اسبانيا، وتتحول إلى حلم الآلاف من الشباب المغربي العاطل عن العمل أو التواق إلى ظروف عمل أفضل.
هجرة السبعينيات والثمنينيات لم تكن معقدة بالنسبة للمغاربة، إذ كان يكفي جواز السفر لدخول التراب الاسباني، عكس الحالة الآن التي تتطلب التأشيرة، ومع ذلك فإن الهجرة في مرحلة ما قبل "الفيزا" كانت ضعيفة مقارنة مع مرحلة فرض التأشيرة، والمهاجرون في المرحلة الأولى يمثلون الفئة الثالثة من المهاجرين المغاربة بإسبانيا.
أغلب هذه الفئة من المهاجرين المغاربة، من عمر طويلا بالديار الاسبانية، إذ قضى معظمهم ما فوق 15 سنة من العمل هناك، وعدد كبير منهم تحولوا إلى مزدوجي الجنسية (مغربي-اسباني)، وهم الفئة الوحيدة التي توجد بها نسبة كبيرة مسجلة بالضمان الاجتماعي الاسباني، مع العلم أن العدد الإجمالي من المسجلين المغاربة بالضمان الاجتماعي حسب أخر إحصاء اسباني هو 211.148 عامل مغربي.
(علي،أ) توجه إلى إسبانيا سنة 1987 كما صرح عبر الانترنيت ل"طنجة 24"، ولديه الآن 4 أبناء ولدوا كلهم بإسبانيا، تجنس بالجنسية الاسبانية في سنة 2001 للحصول على كامل حقوقه حسب قوله، يقول أن الجيل القديم من المهاجرين المغاربة، فئة قليلة منهم من تمكن من تحسين ظروف عيشه، وضمان مستقبل مريح، بينما الأغلبية الساحقة، تساير الظروف وتتخبط مع تغيرات الأوضاع.
"الأزمة أثرت علينا" هكذا بدون سؤال، يصرح بهذه الجملة، ليكشف بعد ذلك عن حقائق مقلقة تعيشها هذه الفئة التي تمثل الجيل الأول من المهاجرين، عرض "علي" أبرز المشاكل التي تهدد هذه الفئة التي ينتمي إليها، وتعد أولها مشكل السكن، ويقول أن المغاربة الأوائل الذين قدموا إلى اسبانيا أغلبهم عمل على شراء منزل السكن عن طريق الاقتراض، والدفع يكون عن طريق الاقتطاع من المقابل الشهري، لكن الإشكال الذي يكشف عنه "علي" هو أن الأزمة الاقتصادية تسببت في تسريح العديد منهم من العمل، في حين أن دفع ثمن المنزل لم يكتمل بعد، وهو الأمر الذي يهدد ببيع المنزل من طرف الأبناك والعودة إلى الإيجار وضياع سنوات طويلة من الكفاح هباء.
(محمد، ر) واحد من هؤلاء المهاجرين الأوائل الذين هجروا إلى التراب الاسباني، إلتقت به "طنجة24" على صفحات الموقع الاجتماعي العالمي "فايس بوك" أول شيء أصر على تأكيده في حديثه، هو أن المغاربة الأوائل الذين هجروا إلى اسبانيا استفدت منهم اسبانيا أكثر مما استفادوا هم، مضيفا أن أهم البنيات التحتية بإقليم كطالونيا والعاصمة مدريد بنيت على يد المغاربة.
ومن جهة أخرى يقول محمد أن المغاربة الذين عمروا طويلا بإسبانيا لم يستغلوا الفرصة في زمن "البسيطة" قبل مجيء "الأورو"، حيث وفرة فرص الشغل، وانخفاض تكلفة العيش آنذاك، وأردف قائلا أن بعد الأزمة الاقتصادية ساءت ظروف جميع المهاجرين المغاربة، وأغلبهم يتماشى مع التغيرات بحذر، ولولا امتيازات الجنسية لعدد كبير منهم، إضافة إلى التسهيلات التي يحصلون عليها مقابل أطفالهم "إلاسبان"، لكان الجميع يتأهب إلى العودة إلى المغرب.
أغلب هذه الفئة رغم المشاكل التي تتخبط فيها في إسبانيا لا ترى في العودة إلى المغرب قرارا صائبا، وأغلبهم يرى أن المغرب لن يقبلهم، إذ أن هذا الأخير تعود على أن يحصل منهم على العملة الصعبة فقط، أما العودة بخفي حنين، فيعتبرونها "هزيمة" لا يمكن أن تقبلها كرامتهم، هكذا يؤكد العديد من المهاجرين المغاربة ل"طنجة24" عبر الانترنيت.
يقول أحد المغاربة الأوائل، أن الأزمة الاقتصادية تسببت في إقدام العديد من المغاربة على طلب الجنسية، في محاولة للحصول على بعض الامتيازات، لتخفيف أثار الأزمة قليلا، وتجنب المجهول القادم، وبلغة الأرقام فإن عدد المهاجرين المغاربة الذين حصلوا على الجنسية هو 50.400 منذ سنة 2000، وارتفعت الوتيرة بعد الأزمة المالية بشكل أكبر، مع العلم أن الحصول على الجنسية يتطلب من المهاجر أن يكون قد قضى أزيد من عشر سنوات من الإقامة القانونية باسبانيا.
اسبانيا الآن تتخذ إجراءات عديدة للحد من تفاقم مشاكل المهاجرين، وأصبحت تشدد على طرد المهاجرين غير الشرعيين، في حين أن العديد من المقاولات بدأت تعمل على تسريح العمال المغاربة أصحاب العقود المؤقتة والمفتوحة، عن طريق منحهم تعويضات لا ترقى إلى مستوى الخدمات التي قدموها حسب قولهم.
أحد المغاربة الذي يعمل في مشرفا عاما على أحد شركات البناء في برشلونة، قال في حديث ل"طنجة 24" أن جل مقاولات وشركات البناء توقفت حاليا عن منح عقود العمل للمغاربة، وأصبحت الأولية للإسبان بعدما ضربت الأزمة العالمية اقتصاد اسبانيا.
التأشيرة أصبحت صعبة المنال، إذ بدأت القنصليات الاسبانية على فرض شروط كثيرة على المرشحين للعمل، في حين بدأت تقدم تسهيلات للقادمين للسياحة، وهو الأمر الذي علق عليه أحد المهاجرين المغاربة بالقول، بأن "اسبانيا لم تعود تعطي شيئا بل تريد أن تأخذ".
وهذه الإجراءات تكشف بجلاء على أن اسبانيا تتجه نحو إيجاد حل لمشاكلها الاقتصادية، وسيكون الضحية العديد من المهاجرين، كما أنها إجراءات تؤكد على أن اسبانيا "الحلم" قد أفال نجمها، فيبقى السؤال هو ما مصير المهاجرين المغاربة الذين لا يرون العمل إلا في إسبانيا؟
تأثيرات على هامش الأزمة
كانت تأثيرات الأزمة العالمية التي ضربت العالم في سنة 2007 مختلفة، فإذا كان من أبرزها تسريح الآلاف من العمال من وظائفهم، وتضرر القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة الدخل والضعيف، فإن على هوامشها كان لها تأثيرا قد يكون مباشرا أو غير مباشرا، في بعض الأحداث.
في سنة 2008 ستهتز مدينة طنجة على وقع جريمة قتل بشعة راح ضحيتها فتاتين بحي "الكنبورية"، وتم القبض على المشتبه فيه بعد عدة تحقيقات، وتبين من خلال التحقيق أن المتهم بارتكاب الجريمة، هو أحد المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج، وتم مؤخرا إدانته بارتكابه للجريمة بأحد محاكم طنجة.
مؤخرا أقدم أحد الأشخاص في شهر أكتوبر 2011 على ارتكاب جريمة تعد من أبشع الجرائم التي حدثت في مدينة طنجة على الإطلاق، إذ قام الشخص المعني في أحد الأحياء الشعبية للمدينة باستدراج طفلة الجيران (4 سنوات) إلى غرفته، ثم أقدم على ذبحها من الوريد إلى الوريد قبل أن يعمل على قطعها إلى أطراف ومحاولة طهي جسدها، وخلال التحقيقات تبين أنه احد المهاجرين المغاربة العائدين إلى المغرب بعد استفحال الأزمة الاقتصادية، كما أن محيطه كشف بأنه منذ عودته و"قواه" النفسية ليست على ما يرام.
لم تمضي إلا أيام قليلة على الحدث السابق حتى تعود طنجة إلى أخبار الدم مجددا، إذ أقدم أحد الأشخاص في حي مسنانة، على وضع حد لحياته عن طريق ذبح نفسه بسكين، بعد خلاف عائلي وقع بينه وبين أبيه، قبل أن يتوجه على غفلة من أسرته ويقوم بفعلته.
التحقيق الذي أنجزته الضابطة القضائية في هذا الحادث كشف بدوره على أن المقدم على الانتحار كان مهاجرا بالديار الاسبانية وعاد إلى المغرب بعد الشلل الذي أصاب الاقتصاد الاسباني بعد الأزمة.
كل هذه الأحداث المتقاربة زمنيا وكلها بعد سنة 2007 تفرض طرح العديد من الأسئلة، وأبرزها، هل هذه الحوادث كلها التي كان أبطالها مهاجرون مغاربة عادوا إلى الوطن، جاءت نتيجة تأثير الأزمة الاقتصادية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.