من يتابع الصحافة الاقتصادية ويقرأ عن المشروعات هنا وهناك وعن نمو الأرباح المالية لجملة من الشركات يعتقد أن اقتصادنا بخير، وإذا صح التعبير عما يقال هنا وهناك، فمن المفروض أن يكون مغربنا واحة للرفاهية والسعادة، وأن حلم المغربي البسيط يمكنه أن يتحقق، وأن مواطني هذه "الأرض السعيدة" محسودون على ما لديهم من نعم. كم نتمنى أن تكون هذه هي الحقيقة المعاينة على أرض الواقع، لكن حين نحاول "رؤية" جزء من انعكاسات تلك المشاريع وما درته من أرباح على أوضاع عموم الناس وباقي المواطنين العاديين، يستعصي علينا الأمر، فهل القصد مما يقال أو يكتب بهذا الخصوص مجرد تلميع صورة البلد محليا ودوليا؟ أم أنها مجرد متمنيات وأحلام يمكن أن تتحقق في الزمن المنظور؟ أم أن ما يقال هو فعلا واقع يعيشه المغرب، لكنه مغرب آخر غير مغرب 99 بالمائة من المغاربة؟ الكثير من المواطنين يتساءلون ويتمنون أن يفهموا معنى الأرباح المالية التي تحققها جملة من الشركات والمؤسسات، ولكنهم لا يرون لها أثرا في حياتهم اليومية، اللهم إذا كانت القاعدة هي أنه ينبغي على عموم الناس بهذا "البلد السعيد" أن يقنعوا بالتلذذ برائحة المال والأرباح ومجرد التمتع بالنظر إليها. "" كم من ظروف قاسية يعانيها العديد من المغاربة إذا تحول كل شيء بالنسبة لهم إلى مجرد حلم، عليهم أن ينتظروا تحقيقه حتى في أبسط الأمور، فالسكن حلم قد ينتظره المواطن البسيط طول حياته، وكذلك الشأن بالنسبة للشغل لدى الشباب، فحتى التطبيب واقتناء الدواء أضحى حلما عندنا وجب انتظار تحقيقه. لقد قيل إن الإنسان هو رأسمال التنمية والحضارة، وإن "المبادرة" بلورت لهذا الغرض باعتبار أن النهضة الحقيقية تبدأ من الاهتمام بالإنسان أولا، لكن نستغرب كثيرا حينما نعاين أن إنسان هذا الوطن هو آخر ما تفكر فيه الحكومة والدولة حاليا، إلى حد أنهما أبقياه على قائمة الانتظار في كل شيء. وكأن الهموم والمصاعب غير كافية بالنسبة للمواطن الصابر منذ منتصف الخمسينات، من فوارق اجتماعية صارخة وعدم المساواة التي تسير في تزايد غير مسبوق، وبطالة مزمنة ومشاكل أخرى حتى تكتسح البلاد حرارة الغلاء لتزيد من حمى المواطن المنكوب، والغريب أن هناك من القائمين على الأمور من مازال يقول "بلا حشمة ولا حيا" أن على الناس أن يقنعوا بما عندهم ويشكروا عليها بدلا من التذمر، في حين أن مختلف المؤشرات تفيد أن المنحى هو نحو المزيد من التذمر، باعتبار أن وزارة المالية أخطأت التقدير، وأنه من المحتمل جدا حلول أزمة خانقة مع اقتراب الصيف بفعل العجز والخلل الكبيرين اللذان تعيشهما الآن صندوق المقاصة، ولا طريق لتجاوز الوضعية، كما جرت العادة، إلا الزيادة في أسعار المحروقات وبالتالي ارتفاع أسعار كل المواد. وصندوق المقاصة هذا، يشبه مساره مسار المواطن المغلوب على أمره، الذي يعتبر هو أيضا من ضحايا هجوم الليبرالية المتوحشة، التي وجهت إليه الضربة القاضية سنة 1996 بفعل تحرير الأسعار، وجاءت "حكومة التناوب" وقضت على ما تبقى من دعم، آنذاك كان الوزير المكلف بالشؤون العامة للحكومة قد قال وبحماسة كبيرة، إن الدولة بخصوص صندوق المقاصة، تستهدف دعم الفئات الضعيفة من المستهلكين وذلك على طريق مبادرات أخرى من شانها أن تمنح هذه الفئات موارد، إما عن طريق شغل أو هبات أو بصيغة تخفيف الأعباء التي تعاني منها هذه الفئات، فلا هذا تحقق ولا صندوق المقاصة استرجع عافيته، ولم يحصد المواطن المسحوق إلا التذمر. فبشرى للمتذمرين في انتظار المزيد من التذمر، والسبب أن حكومتنا الموقرة أخطأت التقدير. إدريس ولد القابلة-رئيس تحرير أسبوعية المشعل-