سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأستاذة لطيفة بناني سميرس رئيسة الفريق الاستقلالي بمجلس النواب في مناقشة القانون المالي لسنة 2009 أي قراءة لمشروع المالية القادمة تمر بالضرورة عبر قراءة دقيقة لمنجزات السنة التي نشرف على توديعها
شهد مجلس النواب بين الاربعاء والجمعة الماضيين المناقشة العامة لمشروع القانون المالي لسنة 2009 في جزأين ثم التصويت عليه، وقد ثمنت فرق الاغلبية مضامين هذا المشروع ونوهت بالاستراتيجية الجديدة للحكومة وخاصة رفع اعتمادات بعض القطاعات الحيوية. وقد تدخلت الاستاذة لطيفة سميرس رئيسة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب بدورها لتؤكد الجدية في عمل الحكومة والاسس الرامية للحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في اتجاه دعم الدخل الفردي والقدرة الشرائية، كما سجلت بايجاب مختلف المبادرات القطاعية للدفع بالتعليم والصحة ومردودية الادارة والحوار الاجتماعي والتنمية الفلاحية والمقاولاتية قصد تمتين اسس واركان الاقتصاد الوطني وانجاح سياسة الاوراش الكبرى لما لها من دور استراتيجي وطني واقليمي ودولي. وفيما يلي النص الكامل للتدخل: السيد الرئيس، السيد الوزير الأول، السيدات والسادة الوزراء المحترمون، السيدات والسادة النواب المحترمون، يطيب لي أن أقف أمامكم باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية لتقديم قراءة الفريق في هذا المشروع وتقديم ملاحظات واقتراحات في شأنه. وأود في البداية أن أتقدم باسم الفريق بالتهنئة الخالصة للحكومة على طابع الجدية والمصداقية اللذان طبعا ممارساتها التدبيرية للشأن العام خلال هذه السنة. لقد أبانت عن قدرات عالية في مواجهة الظرفية العصيبة التي عرفها العالم في غضون هذه السنة و التي كان عنوانها الأكبر هو الأزمة المالية العالمية المتحولة تدريجيا إلى أزمة اقتصادية، وما اكتنفها من تراجع وقصور في الأداء العالمي الاقتصادي والمالي ومن انعكاسات سلبية على مجموعة من المؤشرات المالية والاقتصادية في أداء الاقتصاد الدولي. الإصلاح المؤسساتي وسياسة القرب لقد تمكنت الحكومة المغربية من أن تحافظ على وضعية المؤشرات الأساس وذلك بشهادة مختلف المنظمات الاقتصادية والأممية الدولية. ويتأكد ذلك من الموقع المتميز الذي ما فتئ المغرب يحتله في مصاف الدول التي تسير في اتجاه تركيز الإصلاحات الجذرية، سواء على الصعيد السياسي حيث مسيرة الإصلاحات في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وتفعيل مبدأ المساواة بين الجنسين وأجرأة المؤسسات الدستورية والعمل على تفعيل حقيقي للفصل بين السلطات ودعم مسار حرية التعبير. وكذلك الوتيرة المتسارعة في مجال الإصلاح المؤسساتي وتركيز سياسة القرب وإشراك المواطنين في اتخاذ القرار (مبادرة الحكم الذاتي في أقاليمنا الجنوبية، والإصلاحات المرتقبة في الميثاق الجماعي ومدونة الانتخابات من قبيل الرفع من تمثيلية المرأة في الجماعات المحلية. وتخفيض سن الترشيح، وإدماج الشباب في العمل التنموي وبما جاء به الخطاب الملكي فيما يتعلق بضرورة التعجيل قي ميدان الجهوية). وعلى الصعيد الاقتصادي تسير وتيرة الإصلاحات نحو بناء الاقتصاد الوطني على أسس جديدة تمكنه من رفع وتيرة النمو وتدفع به في اتجاه الاستقرار وتطور الناتج الداخلي بعيدا عن الارتباط بالناتج الفلاحي، وإنشاء قطاعات حيوية جديدة محركة للاقتصاد الوطني وباعثة على استقلاليته وضامنة لعدم التبعية للخارج بما يهيئ لمناعته والرفع من وتيرة النمو ودعم وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين. وعلى الصعيد الاجتماعي، تتسم المرحلة بتكريس الإصلاحات المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين والرامية إلى تحقيق تنمية بشرية تخلق ثقافة جديدة وتعمق من ثقة المواطنين في بلادهم. ويتجلى ذلك في الإصلاح الجذري الذي عرفته مدونة الأسرة، والاهتمام المتواصل بالمسألة الأساسية المتعلقة بالتربية والتكوين والبرامج الجديدة سواء في ميدان الصحة أو في مجال التنمية الإجتماعية أو العمل على محاربة الفقر والهشاشة إلى غير ذلك من المجالات. بالإضافة إلى أن أهم ورش إصلاحي دشنته البلاد، يتعلق بالمفهوم والممارسة الجديدة التي أصبحت تطبع الشأن العام، ألا وهي سياسة الحوار والتشخيص الموضوعي للأوضاع بعيدا عن التقديرات السياسوية للمشاكل العامة، وكذلك الشفافية الكاملة في عرض الإشكالات وبسط طرق وآليات مواجهتها وحلها. ثقة متنامية للمنظمات الدولية في المغرب هذا الوضع هو الذي دفع إلى الثقة المتنامية للمنظمات الدولية في المغرب، الذي أصبحت إصلاحاته وتجاربه مثالا يشاد به في المحافل الدولية ويقتدى به كنموذج للإبداع والتغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إن ظفر المغرب بالوضع المتقدم للشراكة مع الاتحاد الأوروبي أحسن دليل على ذلك واختياره كشريك لإعداد برنامج مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من أجل رفع الاستثمار في مناطق الشرق الأوسط يركز هذه الثقة في بلادنا. وهذا مكسب يجب استثماره من أجل دعم سياسات عمومية داخلية موازية ومؤكدة لهذه الثقة الدولية. إن المشروع الذي نحن بصدد مناقشته اليوم جاء في إطار تحديات وإكراهات صعبة. بالإضافة إلى ظروف الأزمة العالمية المالية والتي خلقت اختناقا في الاقتصادات الدولية وأدت إلى الارتفاعات في الأسعار وعلى الخصوص أسعار المواد الأولية بما فيها الطاقية والاستهلاكية وخاصة لدى شركائنا الأساسيين. فإن المغرب تعرض لمخاطر ولخسائر كبيرة نتجت عن الفيضانات التي سببتها أمطار الخير والتي أسفرت عن مجموعة من الأضرار البشرية والمادية وخسائر في البنيات الأساسية، تمكنت الحكومة من مواجهتها من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير وإجراءات ذات أبعاد مالية، اقتصادية واجتماعية. بعد هذه المقدمة القصيرة التي حاولنا من خلالها وضع المشروع المالي في إطاره العام وتبيان مدى تفاعله مع محيطه الداخلي والخارجي. سنحاول في ما تبقى من هذه المداخلة أن نقف عند بعض تفاصيل المشروع المالي لسنة 2009 من خلال بعض المحاور وتخص على التوالي تحديات تدبير الشأن العام الوطني ورهاناته وانتظاراتنا من الأداء الحكومي للسنة المقبلة. إن التأكد من رؤية الحكومة وطرق عملها وجدية توقعاتها لسنة 2009 تتطلب منا إعطاء نظرة عن إنجازات السنة المالية الحالية والإكراهات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لبلادنا. وذلك قبل أن نتوقف عند رهانات المشروع الحالي وانتظاراتنا في الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في محور آخر. I.الإنجازات والإكراهات: إن ربط الرهانات والتوقعات التي ينبني عليها هذا المشروع بالإنجازات المحققة إلى اليوم، تعتبر منهجية قمينة بتمكينها من قراءة موضوعية لتوقعات هذا المشروع. لذلك نرى أن أي قراءة متأنية في مرامي المشروع الخاص بالسنة المالية القادمة، تمر بالضرورة عبر قراءة دقيقة في منجزات السنة التي نشرف على توديعها .وكذلك بسط الإكراهات وتشريحها وتقييمها تقييما موضوعيا. 1.1. المنجزات: نتوقف في هذا الباب عند الانجازات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. وذلك بشكل مختصر وعلى الشكل التالي: 1.1.2. على المستوى الماكرو اقتصادي: يكون استقرار الإطار الماكرو اقتصادي الوطني أهم إنجاز حققته بلادنا إلى حدود اليوم، وقد تأتى ذلك من خلال تحقيق نمو اقتصادي مرتفع. ساعد عليه التحكم في معدل التضخم في حدود 1.8% وعجز الميزانية في 3% وضبط المديونية العمومية في حدود 55%. إن هذه الدينامية لم تأت من فراغ بل جاءت نتيجة مواصلة الإصلاحات الهيكلية والقطاعية الرامية إلى تحرير أكبر للنسيج الاقتصادي الوطني وتحسين تنافسية وبالتالي تمنيعه وجعله قادرا على مواجهة الصدمات الخارجية والداخلية المرتبطة بالتقلبات المناخية وغيرها. 1.1.3. على مستوى التنمية الاجتماعية: إن أحد نتائج التحسن والاستقرار الذي عرفه الإطار الماكرو اقتصادي لا بد وأن تتجلى بديهيا على مستوى المعطيات الاجتماعية، وهو أمر يمكن أن تؤكده أو تنفيه النتائج والأرقام المسجلة على مستوى دخل الساكنة وأمد الحياة والتمدرس وولوجية الخدمات الصحية... وهي مؤشرات تسمح لكل متتبع للشأن العام من قياس مدى استفادة مختلف شرائح المجتمع من النمو الاقتصادي الوطني وعدالة توزيع ثمراته. 1.1.4. فعلى مستوى الدخل الفردي المتوسط: سجلت الإحصائيات الرسمية، أنه ارتفع بحوالي 6.1% سنويا ابتداءا من سنة 2002. وان القدرة الشرائية تسير في اتجاه التحسن بحوالي 4.3% سنويا، ابتداء من نفس السنة. وتبعا لهذا التحسن النسبي في مستويات الدخل المتوسط، تسجل بعض الدراسات تراجعا ملحوظا لمستوى الهشاشة ومعدلات الفقر. هكذا وبحسب نتائج البحث الوطني حول مستوى معيشة الأسر لسنة 2007، فقد تراجع معدل الفقر النسبي من 15.3% إلى 9% مابين 2001 و2007. ودائما بحسب نفس الدراسة، ونتيجة لذلك فقد خرج – لنفس الفترة- أكثر من 1.7 مليون مغربي من حالة الفقر وأكثر من 1.2 مليون من حالة الهشاشة. وأن هذا التحسن شمل بمعدلات مختلفة الوسط الحضري والقروي، حيث انتقل في الأول من 7.6% إلى 4.8% مابين 2002 و2007. وانتقل بوتيرة أسرع، في الوسط القروي من 25.1% إلى 14.5% خلال نفس الفترة. على مستوى ولوجية الخدمات الصحية: تسجل بعض المؤشرات المتوفرة عن الخدمات الصحية الأساسية تطورا ملحوظا على مستوى التأطير الطبي وشبه الطبي. وكذلك على مستوى البنيات التحتية الصحية. حيث تقر هذه الإحصائيات بزيادة في عدد المؤسسات العلاجية الصحية الأساسية بنحو 2.3% في المتوسط سنويا، ما بين 2001 و2007، وبالتالي تقلص في عدد السكان لكل مؤسسة صحية، من 13790 أواخر التسعينات إلى 11826 مواطن لكل مؤسسة استشفائية. وارتباطا بسياسة التجهيز والتأطير الطبي، نجد مؤشرات أخرى تؤكد التحسن النسبي، من سنة إلى أخرى، فيما يخص الوفيات وصحة الأمهات والأطفال وأمد الحياة. فعلى مستوى التربية والتكوين: تؤكد الإحصائيات المتوفرة أن هذا القطاع يعرف طفرة كمية ونوعية مهمة وذلك رغم استمرار الاختلالات. وهكذا يكون المعدل الصافي للتمدرس بالنسبة للتلاميذ الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و11 سنة قد تعدى نسبة 9% ما بين 2000 و2007 منتقلا بذلك من 84% إلى 93.5% على العموم، ومن 76.7% إلى 92.6% بالوسط القروي ومن 86.6% إلى 91.6% بالنسبة للفتيات على المستوى الوطني. رهانات أساسية للحكومة خلال السنة المقبلة إن وقوفنا عند بعض المؤشرات الاجتماعية الخاصة بالتربية والتكوين والمجال الصحي، لم يكن من باب الكفاية أو التعبير عن الرضى، بل بهدف رصد التطور الكمي والنوعي في هذين القطاعين إلى جانب المستوى المعيشي للمواطن المغربي وبالتالي قياس قيمة المجهودات الحكومية في هذا المجال. وإن كنا لا ننكر المجهودات على المستوى الكمي في هذه القطاعات لن يفوتنا التأكيد على أنها تبقى من الرهانات الأساسية للحكومة خلال السنة المقبلة. وربما تكون هذه الرهانات هي أهم مميزات هذه الميزانية التي نعتبرها اجتماعية ونوعية بامتياز في هذا الباب. وسنعود إلى هذا الموضوع، في مكان آخر من هذه الكلمة، بعدما نقف عند بعض الانجازات على المستوى المالي والضريبي. على المستوى المالي والضريبي: نود أن نركز حول هذه النقطة على الانجازات المتوصل إليها فيما يخص بنية الميزانية العامة وعلى دور الآلية الجبائية في تمويلها وتمنيع التمويل العمومي عن المداخيل الاستثنائية. على مستوى الآداء الضريبي: لقد أصبحنا نسجل تزايدا في المداخيل الجبائية، فاقت بشكل كبير توقعات قانون المالية. فبالنسبة لتوقعات سنة 2007، وصلت هذه النسبة إلى 21.5% وهو حجم تجاوز بشكل كبير مقدار النفقات الإضافية لنفس السنة الذي بلغ 11.3 مليار درهم. إن تجاوز التحصيلات للتوقعات خلال هذه السنة، والذي وصل إلى 23.9 مليار درهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال إرجاعه إلى الصدفة أو إلى ظرفية معينة، بل إلى عمل حكومي وإداري جاد، والدليل على ذلك أن هذه التحصيلات مقارنة مع التوقعات لم تنحصر على نوع محدد من الضرائب بل سجلت، بنسب معينة على مستوى كل الضرائب. منها 48.7% بالنسبة للضرائب المباشرة و33.4% من الضرائب غير المباشرة و10.2% من الرسوم الجمركية و7.7% من موارد التسجيل والتنبر. إن هذا المنحى الجديد الذي أصبحت تحققه الميزانية العامة من خلال الموارد الضريبية يرتقب أن يستمر في الزمان. فبالرجوع إلى بعض الدراسات المرتبطة بالأداء المالي لسنة 2008، حيث بلغ معدل إنجاز هذه الموارد 87.4% عند نهاية شهر غشت من السنة الحالية، يتوقع أن تتجاوز الإنجازات التوقعات بأكثر من 25 مليار درهم عند متم السنة التي سنودعها. الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية: كما سبق التأكيد على ذلك، إن وقوفنا عند بعض المؤشرات العامة كان من باب التذكير بمدى حيوية الاقتصاد الوطني ومدى سيره في المسار الصحيح. غير أن هذا الطرح لا يمكن أن يثنينا عن التأمل في الرهانات والتحديات التي تعيها الحكومة جيدا ومعها باقي مكونات المجتمع المغربي. وبالتالي فمجابهتنا لها لن تتأتى إلا بالتآزر والتعاون البناء وبعيدا عن المقاربات الذاتية أو السياسية الضيقة. ذلك ان الهدف في البداية والنهاية هو إنجاح التحولات الجارية وتعزيز أسس اقتصاد قوي وتنافسي، وضمان توزيع تعادلي لثروات البلاد. إن أهم رهان عام يفرض نفسه علينا، في هذه المرحلة هو المحافظة على استمرارية نمو الاقتصاد الوطني من خلال دعم العمل التنموي الشامل وتحسين مستوى العيش ورفاهية المواطنين وتجهيز البلاد. إن العمل في هذا الاتجاه لا يمكن ربطه بإرادية أو عدم إرادية الحكومة. ذلك لأن أية سياسة ومهما كانت نجاعتها، لا يكفي أن تنصب على الإكراهات الهيكلية الكبرى والعمل على تصحيحها من خلال سن سياسات جديدة في مجال الاستثمار والتمويل وتحسين الإطار المؤسساتي وتدعيم البنيات التحتية.... ولكن بالأساس، العمل على تحقيق كل هذا في منظور متكامل، مع إجبارية الحفاظ على التوازنات الأساسية. وهذا أهم إكراه تواجهه أية حكومة وكيفما كانت نوعيتها وبرامجها وجرأة عملها، وبالتالي فهذا الموضوع لا يتحمل أية مزايدة ومن أي جهة أو نوع كانت. هذا بالإضافة إلى إكراهات قطاعية عديدة لا يستقيم الحفاظ على نمو اقتصادي جيد من دون العمل على تصحيحها مجتمعة. وسنحاول التركيز على بعضها وخاصة تلك المرتبطة بشكل مباشر بالدورة الاقتصادية واخرى مرتبطة بتأهيل العنصر البشري. فبالنسبة للقطاعات المرتبطة بالدورة الإنتاجية كالماء والطاقة والفلاحة، لا زالت تطرح أكثر من إشكال وتعقيد عملي وميداني يتحدى كل الخطب الشعبوية والنظريات السطحية. ففلاحتنا لا زالت مرتبطة بالتقلبات المناخية، وعدم انتظام التساقطات، وندرة مياه السقي وانقسامية البنية العقارية الفلاحية وقلة رؤوس الأموال وتردي الإنتاجية وبالتالي عدم قدرة منتوجاتنا الفلاحية على التنافسية في السوق العالمي. ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للموارد المائية والطاقية. فبالنسبة للقطاع الأول أصبحنا نعيش عدم التوازن بين العرض والطلب على هذه المادة. نتيجة لندرة وتدني مستوى الجودة على المستوى الأول. ووتيرة النمو الاقتصادي والديمغرافي وتطور الأنشطة الاقتصادية على المستوى الثاني. واعتبارا لهذا، فالرهان في هذا القطاع لا يمكن أن يقتصر على عقلنة استغلال هذه الموارد وحسب، بل من خلال البحث العلمي والاستثمار المادي من أجل استغلال الموارد غير التقليدية... وفي مجال الطاقة، حيث يستورد المغرب 96% من احتياجاته. واعتبارا لهول الفاتورة لا يبدو هنالك من خيار آخر لبلدنا سوى البحث والاستثمار في سبيل تنويع مصادره الطاقية بما في ذلك الخيار النووي المدني. الرفع من جودة الرعاية الطبية الإكراهات الاجتماعية: رغم وجود مؤشرات وإحصائيات تؤكد تحسن الوضعية الاجتماعية بصفة عامة، في بلادنا فإننا نعي جيدا مع الحكومة أن العجز لا زال يشكل إكراها حقيقيا في وجه التنمية والديمقراطية على حد سواء. وتبقى قطاعات التعليم والصحة والأمية والهشاشة والفقر بصفة عامة أكبر هذه الإكراهات على الإطلاق. ففيما يخص قطاع التربية لا زال تدبير النظام التربوي وجودة التعليم ومستوى الهدر المدرسي، يطرح بحدة أكثر من إكراه وتحدي. تشير آخر الإحصائيات المتعلقة بسنة 2007 أن فقط 50% من تلاميذ التعليم المدرسي استطاعوا استكمال دراستهم بالتعليم الإعدادي. و50% من التلاميذ يدرسون في المستوى التعليمي المناسب لفئة عمرهم في المسار البيداغوجي. وأن نسب التكرار تستقر في 13% بالتعليم الابتدائي و17% بالتعليم الثانوي وتفوق 30% في السنة الثالثة من التعليم الإعدادي وفي السنة الثانية من الباكالوريا. وأن 13% فقط من تلاميذ التعليم الابتدائي يتمكنون من الحصول على هذه الشهادة. أما بالنسبة لمحاربة الأمية والتربية غير النظامية، فبالإكراه الذي تواجهه بلادنا لا يقل عن ما هو مطروح على نظامنا التربوي والذي يبقى في ارتباط عضوي به. فمن خلال المقاربة العمرية للشرائح المجتمعية، لازالت الأمية تستقر في حدود 38.45% بالنسبة للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم عشر سنوات وما فوق. لتظهر هذه الآفة أكثر حدة في صفوف النساء حيث أن 47% منهن أميات مقابل 31% من الرجال. وتصل إلى 64% في أوساط النساء بالوسط القروي مقابل 54% بالنسبة للرجال. وفي مجال التطبيب والصحة، تبقى التحديات المطروحة مهمة، من أجل الرفع من جودة الرعاية الطبية عن طريق تعزيز البنيات الاستشفائية والمراكز الصحية، بالموارد البشرية المتخصصة الكفؤة والتجهيزات الطبية الدقيقة وكذلك توسيع قاعدة الاستشفاء، وخاصة بالوسط القروي نظرا للمستوى المرتفع لوفيات الأمهات والأطفال عند الولادة أو لسوء الرعاية الطبية بعد الولادة. إن حديثنا في هذا المحور عن الانجازات والإكراهات بشكل موازي، كان ضرورة منهجية لفهم مرامي رهانات وتوقعات مشروع ميزانية 2009. II. الرهانات والتوقعات التنموية للمشروع المالي 2009: أثبت هذا المشروع انه مشروع متفائل وأنه يتجاوب مع الواقع. لأنه ينبني أولا، وكما قلنا سابقا، على التطورات الهيكلية للاقتصاد الوطني. هاته التطورات والتي وإن كانت قد بدأت منذ أكثر من عقد من الزمان قد اعتمدت الرفع من وتيرة النمو وتنويع مصادره والتحكم في نسبة التضخم وتحسين شروط تمويل الاقتصاد وتخفيض الفائض في الحساب الجاري رغم العجز في الميزان التجاري وارتفاع وتيرة النمو رغم الظرفية غير الملائمة. إن هذه التحديات والتطورات هي التي أعطتنا وتيرة في النمو غير خاضعة كما قلنا سابقا للناتج الداخلي الفلاحي الذي لا يزال يتأثر بتفاعلات المناخ وتقلباته. فهذا التحول الهيكلي أصبح يرتكز من جهة وبشكل كبير على القطاع الثالث الذي أصبح يمثل 50% من الناتج الداخل الخام وكذلك على تطوير القطاع الثاني باعتباره ركيزة أساسية لهذه الاستقلالية الاقتصادية عن التبعية للخارج والذي يتطور في حدود 28% ,و ذلك رغم أهمية القطاع الأول الذي أصبح لا يمثل إلا 14% من هذا المنتوج. إن انبثاق قطاعات حيوية جديدة كمحركات جديدة للاقتصاد الوطني كالبريد والاتصالات والخدمات المقدمة للمقاولات والتأمين وقطاع البناء والأشغال العمومية. أصبحت موجهة ومرتكزة على الطلب الداخلي، وهذا كله يصب في اتجاه تنمية داخلية ترفع مستوى معيشة الساكنة وتهيئ لمغرب المستقبل ومن ذلك أيضا تطور الادخار الشيء الذي سيمكن من تغطية الاستثمارات وتمويلها. وهنالك هذا المعدل الذي أصبح لا يتفاوت كثيرا ومعدل الادخار هو 32.5% بينما معدل الاستثمار هو %32.4 إذن هنالك إمكانية لهذا التمويل مما يؤثر بطبيعة الحال على تحول نوعي في تمويل الاقتصاد كما أننا نسجل تراجعا مستمرا لمعدلات الفائدة. وإذا كان الميزان التجاري لازال يعرف تفاقما في العجز فإن ذلك لا يرجع بالضرورة إلى محدودية صادراتنا بقدر ما يرجع إلى الطلب على مجموعة من الواردات التي أصبحت تأخذ مكانا متميزا في مبادلاتنا الخارجية مناعة السياسة المالية وفي نفس الإطار نسجل أن احتياطي العملة قد أصبح يتجاوز ويفوق الدين العام الخارجي مما سيسمح بتغطية فترة سنوية كبيرة للواردات والخدمات. أضف إلى ذلك ما يتعلق بالتحكم في توازن المالية العمومية فرصيد الميزانية وتحسن مداخيلها وارتفاع المداخيل الجبائية كل هذا له انعكاسات إيجابية على مسار اقتصادنا الوطني. وحسب كل الدراسات المتوفرة وعلى الخصوص تلك الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط فإن هذه المؤشرات ستنعكس بشكل إيجابي على وضعية المواطنين حيث يتحسن الدخل الفردي ليس فقط تدريجيا بل بوتيرة متسارعة. وهو أمر لا يجانب الصواب، حيث البطالة لم تعد تسجل إلا 9% وتنبئ بإثمار المجهودات وبالتالي بروز النتائج، وهذا هو المقصود من الإصلاحات الجذرية والجادة . هذه كلها مؤشرات تؤكد صلابة ومناعة السياسة المالية للدولة وبالتالي تكون من الانجازات الماكرو اقتصادية التي يجب التذكير بها هنا. إن استمرار الاختلالات لا يمكن أن ينفي النتائج فظهورها التدريجي يعني أن هنالك عمل جاد ووتيرة متقدمة. لن أتحدث عن منتوج الحبوب والصيد البحري والأشغال العمومية ومبيعات الاسمنت والقروض العقارية وارتفاع إنتاج الطاقة وطريقة الوصول إليها وارتفاع مبيعات الفوسفاط والتحويلات المالية. والصناعات التحويلية وغيرها من الأرقام المرصودة في الميزانية ولن أتحدث عن ارتفاع القروض المقدمة من طرف البنوك للقطاع العقاري وللتجهيزات ولن أتحدث عن الشهادات السلبية الخاصة بإحداث المقاولات وعائدات السياحة والتي لا تزال مرتفعة رغم ما شهدته من امتصاص جزئي. إن هذه القطاعات تؤشر على نمو مضطرد. إن ما يهمنا أن الميزانية المعروضة علينا تتحدث عن ضرورة التحول النوعي الذي يعرفه الاقتصاد المغربي والذي هو موجه إلى الارتقاء بالمستوى المعيشي للإنسان المغربي. ويشير المشروع إلى أن كل هذه التطورات لا تزال تعرف عوائق متمثلة على الخصوص في التنمية المجالية غير المتوازنة وفي ضعف نمو بعض القطاعات منها قطاع الصناعة التقليدية وضعف بعض المؤشرات الاجتماعية. إن المشروع الذي نحن بصدده يحمل في طياته أكثر من ميزة. فأكثر من أرقامه وجرأته وواقعيته في التعاطي مع الإكراهات التي وقفنا عندها في المحور الأول. تكون أكبر ميزة تطبعه مقارنة مع سابقيه، تتمثل في المنهجية المتبعة من طرف الحكومة في إعداده قبل عرضه على التصديق والمناقشة البرلمانية. فإن اعتماد أسلوب الحوار والإقناع في مرحلة الإعداد والتهييئ تكاد تجعل من هذا المشروع مشروع التوافقات حيث أعدت الحكومة أكثر من مسودة ودخلت في مشاورات قبلية موسعة مع كل الفرقاء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين. وتجاوبت مع عدد من المقترحات والمطالب. إن وضع مسودة المشروع المالي على طاولة التشاور مع الفرقاء لم يكن من باب المحاباة السياسية وإنما يتعلق الأمر بفلسفة وأسلوب في العمل السياسي يجد روحه في دعم الديمقراطية والمشاركة. وهي نفس الفلسفة التي دفعت بالحكومة إلى الاستجابة لمطلب النقابات الرامي إلى مأسسة الحوار الاجتماعي في دورتين كل السنة. إذن هذا المشروع بالرغم من وجود الوضعية الدولية غير المستقرة لحد الآن والتي لايستطيع أحد أن يتنبأ بمسارها فإنه قرر أن يحافظ على مستوى من النمو المرتفع يتوقع أن يصل إلى 5.8% وهو مؤشر هام جدا على تطور عمل الحكومة في إطار ميزانية تفاعلية . مدرسة لكل المواطنين هذا المشروع بالاضافة إلى ما يؤدي إليه من تكثيف للاستثمار العمومي الذي زادت نسبته ب 16%.فإنه يذهب إلى تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين ويذهب إلى دعم التصدير وإلى تنويع مصادر النمو عبر تفعيل وتطوير القطاعات الأساس وتحسين نتائج الأعمال ولكن أهم ما في هذا المشروع هو أنه يقدم التفاتة هامة للمجتمع عن طريق اهتمامه بالقطاعات الاجتماعية والقطاعات البنيوية والخالقة للمناعة ومنها على الخصوص قطاع التربية والتعليم الذي هو محك لتطور الدولة أو عدم تطورها. بطبيعة الحال هذا القطاع لا نتحدث فيه عن الميزانية الكبرى التي خصصت له ولكن على الخصوص عن وقع برنامجه الإستعجالي لاستكمال رؤية واضحة من أجل تصحيح مجموعة من الإختلالات التي يعرفها هذا المجال والتي لها تأثير كبير على مستقبل البلاد ليس فقط فيما يتعلق بضرورة تعميم التعليم والحد من الهدر المدرسي ولكن فيما يخص إعادة الهيبة للمدرسة العمومية من أجل خلق مدرسة لكل المواطنين. إن وقوفي عند هذا القطاع الحيوي إلى جانب قطاع الصحة أمر ضروري في هذا التدخل العام وكان الأجدر أن أترك هذين القطاعين للمناقشات الفرعية كما تعودنا على ذلك. إن أهمية هذين القطاعين تكمن في كون المؤشرات المرتبطة بهما تؤثر سلبا أو إيجابا على ترتيب بلادنا في مجال التنمية البشرية العالمية، وبالتالي فإن المؤشرات التربوية والصحية لا تقل أهمية عن المؤشرات المالية والماكرو اقتصادية التي تضمن لبلادنا مكانة تنافسية في السوق العالمية المفتوحة. ولن تستوقفني هنا لا الأرقام ولا حجم المشاكل التي يعرفها هذا القطاع بقدر ما تشدني جرأة الحكومة في التعامل مع هذا الملف سواء في ما يخص التشريح الدقيق للمشاكل والمعوقات خاصة والإرادية والمجهود الكبير في توفير الاعتمادات المالية اللازمة لإطلاق البرنامج الاستعجالي للوزارة الوصية في السنة المالية 2009. هناك جانب آخر لا يقل أهمية عن هذا القطاع ويتمثل في قطاع الصحة الذي يبرز كضرورة حيوية ليس فقط لمعالجة المرض والمرضى، ولكن تبقى الصحة في النهاية هي العنوان الأبرز لوجود مجتمع سليم يستطيع أن يساهم في التنمية الشاملة. تحسين حكامة القطاع الصحي إن الاهتمام الذي أولته الحكومة لهذا الموضوع هو اهتمام يتعلق أيضا بالمساواة وتكافؤ الفرص لذلك فالإستراتيجية الحكومية في هذا المجال ذهبت إلى أبعد الحدود من خلال العزم على تعميم إمكانية الصحة للجميع بانتهاج سياسة علاجية تغطي جميع المواطنين وعلى الخصوص الفئات المحرومة والمعوزة. لذلك نجد أن الاعتمادات المهمة الموجهة لهذا القطاع برسم السنة المالية 2009 تِؤكد المكانة التي توليها الحكومة لتعزيز دينامية الإصلاح الاستراتيجي الخاص بالقطاع والرامية بالأساس إلى توسيع شبكة البنيات التحتية الاستشفائية من خلال انطلاق بناء مستشفيات جديدة وتأهيل أخرى وكذلك تحسين حكامة القطاع الصحي بصفة عامة، وعلى الخصوص تعبئة أغلفة مالية إضافية للتفعيل التدريجي لنظام التغطية الصحية الأساسية ونظام المساعدة الطبية لذوي الدخل الضعيف. ارتباطا دائما بالملف الاجتماعي الذي أولته هذه الميزانية أهمية خاصة، يبقى نظام المقاصة أحد المرتكزات الأساسية لهذه السياسة الاجتماعية وذلك لما لها من دور أساسي في ضبط أثمنة المواد الاستهلاكية ومن وقع أكيد على القدرة الشرائية للمواطنين. فنظام المقاصة، يبقى رغم كل ما يمكن أن يقال، أحد أهم المؤشرات المرقمة على اهتمام الحكومة بالمعيشة اليومية للمواطنين. لقد وقفنا مطولا في السنة الماضية عند هذا الملف، من خلال مناقشتنا للقانون المالي للسنة الجارية. أكدنا من خلاله على تقادم الإطار القانوني للموازنة وقلة نجاعة نظام المقاصة في عقلنة دعم المواد الأساسية وترشيدها وعلى الخصوص عدم دقة الاستهداف في توزيع مواد الدعم حيث تبين بالدراسات أن أكثر من 43% من غلاف الدعم تستفيد منه فئات اجتماعية ميسورة. وبناءا عليه وجهنا نداءا من هذا المنبر إلى الحكومة من أجل إعادة النظر في شمولية النظام وجعله أكثر استهدافا لمستحقيه من ذوي الدخل الضعيف وعديمي الدخل. إن عودتنا إلى هذا الموضوع هذه السنة، ليس من باب التكرار ولا الإلحاح ولكن من أجل إظهار التفاعل الإيجابي للحكومة مع مطالب الإصلاح والتصحيح لنظام المقاصة وذلك من خلال إبداء إرادة سياسية قوية في هذا الاتجاه من خلال تحديد الفئات التي تستفيد من الدعم ووضع نظام دقيق لتتبع شروط الدعم وتقييم نتائج الاستهداف وخاصة ربط الدعم المباشر بشرط تمدرس أطفال الأسر المستهدفة والانخراط في البرامج الصحية والأنشطة المدرة للدخل، إلى غير ذلك من الإجراءات التي تروم ربط مصاريف المقاصة والدعم بالإنصاف الاجتماعي وتقوية الحماية الاجتماعية في مفهومها الشامل وليس الغذائي وحسب. الوسط القروي خزان بشري للمغرب على صعيد آخر نعتبر أن مباشرة أي إصلاح في المغرب ولو هيكلي لن يأتي أكله من دون الاهتمام بالوسط القروي كأولوية إستراتيجية، لأنه يبقى خزانا بشريا للمغرب في تقاليده وفي اقتصاده وفي هويته بطبيعة الحال. نحن نريد أن نؤكد على أننا بلد فلاحي أولا وأخيرا. ذلك حتى نخرج من مقولة أن المغرب ليس بلدا فلاحيا ونراهن على قطاعات أخرى قد لا تأتي أكلها إلا على الأمد البعيد. إن العالم الآن يسير في اتجاه الخروج من الاقتصاد المتخيل إلى الاقتصاد الواقعي وواقعية اقتصادنا ترتبط بتنمية وسطنا القروي وتحسين إنتاجية فلاحتنا وضمان تنافسيتها. ذلك أن العالم يغير وجهته من المضاربات إلى الإنتاج الحقيقي المباشر. واعتبارا لهذه المعطيات نؤكد على أهمية مخطط المغرب الأخضر حيث أولته هذه الميزانية أهمية قصوى بتخصيص غلاف مالي إضافي ب 150% لأجل تنفيذه. وبغلاف مالي إضافي يرفع الميزانية المخصصة إلى العالم القروي إلى 16 مليار درهم، وهذا كله يدخل في إطار الإستراتيجية التي يريدها هذا المخطط من تحويل الزراعات على مساحات أكبر وتجهيز الأراضي الزراعية وتكثيف تكوين صغار الفلاحين وإدخالهم في تأهيل تضامني للرفع من إنتاجيتهم. أولا لضمان الأمن الغذائي الوطني وثانيا لجعل المغرب في مصاف كبار المصدرين الفلاحيين. الصيد البحري أساسي كذلك في سياسة المغرب الأخضر وحيث أعطيت له أيضا إمكانية لكي يتطور عن طريق إضافة عالية إلى ميزانيته تقدر ب 70% وهذا توجه أساسي بالنسبة لتدعيم القدرة الشرائية للمواطنين عن طريق تنمية وتنويع الثروة السمكية من أجل استعمالها ليس فقط للتصدير ولكن أيضا في التغذية الداخلية كمادة ضرورية في التغذية السليمة. الملاحظة الأساسية من الناحية المالية في هذا المشروع هو هذا التوازن بين نفقات الاستثمار ونفقات التسيير، حيث ظلت الهيكلة العامة لميزانية الدولة تتسم بتغليب حجم الاستهلاك على الاستثمار، غير أن ما حصل مع هذه الميزانية هو عكس هذه القاعدة إذا ما اعتبرنا حجم الغلاف المرصود للاستثمار العمومي الموزع بين الميزانية العامة وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والجماعات المحلية والحسابات الخصوصية والمؤسسات العمومية. دعم المقاولات والقدرة الشرائية إذن نحن نسير في الاتجاه السليم بالنسبة لسياسة حكومية نؤكد على أنها جادة، مخلصة ووطنية وهذا هو الأساسي. وأنها تسير بخطة ثابتة، دون إفراط ولا تفريط في المجال التنموي وتراعي مجموعة من الثوابت. وذلك من خلال السياسات العامة التي وقفنا عند بعضها وسنعود إلى أخرى، ومن خلال السياسة الضريبية التي تدفع في اتجاهين متكاملين : من جهة الاهتمام بدعم المقاولات بجميع أنواعها الكبرى والصغرى والمتوسطة ومن خلالها دعم القدرة الشرائية للمواطنين عن طريق التخفيض المستمر للرسوم الجمركية وهذا في إطار تدخلات المواد والتجهيزات التي تحتاجها هذه المقاولات على اختلاف أنشطتها (فلاحية، صناعية، تجارية) وعن طريق تدعيم القطاعات في الرفع من قيمة الضريبة على فائض القيمة والتخفيف من الضغط الضريبي في حدود معقولة. رغم أن هذا موضوع يحتاج وكما أكدت وزارة المالية إلى فتح نقاش حوله. فالضريبة على القيمة المضافة أصبحت موضوعا يحتاج إلى دراسة وإلى فتح نقاش من طرف المؤسسات المختلفة. في نفس الإطار هنالك إنشاء لمجموعة من الصناديق، تصب في هذا الاتجاه منها إحداث صندوق دعم الصادرات ومنها إحداث مجموعة من الصناديق التي تدخل في الدعم المباشر كما هو الحال بالنسبة لصندوق التضامن العربي الإسلامي. إن دعم المقاولات بكل أصنافها، يسير في اتجاه تعزيز التنافسية وإعادة هيكلة وعصرنة المقاولات وتشجيع إعادة الرسملة والتكوين لتوفير الكفاءات، كل هذا يسير في اتجاه دعم النسيج المقاولاتي المغربي. ونظرا للوقت غير الكافي لاستعراض باقي السياسات القطاعية الجديدة أكتفي بذكر العناوين الكبرى التي أتى بها هذا المشروع. وأشد على الخصوص على استمرار الحكومة من خلال هاته الميزانية في دعم المشاريع الكبرى ويتعلق الأمر باستمرار الأوراش الكبرى في التجهيز والماء. فمواردنا المائية إن لم تكن ضئيلة فهي تحتاج إلى عقلنة وإلى تدبير مستمر وهو ما نقبل عليه حاليا من خلال الاستمرار في تشجيع سياسة إنجاز السدود سواء منها الكبرى أو على الخصوص السدود الصغرى والتلية التي تحتاجها المناطق البعيدة والوعرة من أجل تدعيم إنتاج الطاقة وتوفير الماء الشروب ومد الفلاحة بما تتطلبه الوضعية الجديدة لبرنامج المغرب الأخضر. وكذلك السياسة الطاقية الجديدة التي تهدف إلى تقوية الطاقات المتجددة والبديلة، والرامية أولا إلى توفير طاقة تتجدد ولا تنضب وتجدد استقلاليتنا عن المجال الآخر، وثانيا إنتاج طاقة تحمي البيئة لأن الطاقة المستخرجة من النفط تؤثر على البيئة وعلى صحة المواطنين، وهذا أيضا دعم لتطوير بلادنا بمواصفات بيئية سليمة. توسيع الجهوية جميع القطاعات استطاعت أن تستفيد من الارتفاع النسبي في الاعتمادات ونريد هنا أن نتحدث عن مجموع القطاعات وعن أخرى مازالت تحتاج إلى عناية من طرف الحكومة. ومنها العالم القروي الذي أصبح يحظى بالأولوية الحكومية بالإضافة إلى الصندوق المخصص له والذي يدخل في إطار التنمية المجالية، لأن هذا المفهوم الجديد سيمكن من تعزيز ما نسعى إليه وما أعلن عنه من ضرورة توسيع الجهوية لأن الجهوية هي المجال التنموي الأنسب لتشجيع ودعم قدرات البلاد وإعادة توزيعها بشكل عادل بين المحلي والوطني. إذن نعتبر هذا الصندوق المخصص للتنمية القروية يدخل في إطار التنمية المجالية ويعزز حضورها ووجودها. وفيما يتعلق بانتظاراتنا بطبيعة الحال، تحدثنا عن المنهجية التي سلكتها الحكومة، حيث بدأت تواصلها مع الفئات الاقتصادية والاجتماعية من خلال الحوار الاجتماعي. ومع ذلك وحتى حينما جاء مشروع القانون إلى البرلمان استمرت هذه المشاورات على جدول التعديلات. حيث عدلت الحكومة بعض المواد من خلال النقاش الذي استمعت إليه داخل اللجنة وقبلت مجموعة من التعديلات لفرق الأغلبية لكن الأهم من ذلك أنها قبلت مجموعة من التعديلات لفرق المعارضة وصلت إلى 22 تعديلا وهذا رقم غير مسبوق على الإطلاق. وهنا نسجل بإيجابية تعاطي الحكومة مع البرلمان بكل مكوناته، حيث أثبتت أنها لا ترى في المعارضة عدوا ماثلا أمامها بقدرما ترى فيها قوة اقتراحية إضافية لدعم الإصلاحات. وفي إطار هذا التعامل الإيجابي وسعيا منا في فريقنا إلى تحسين الأداء الحكومي والمساهمة في تأهيل المقاولة المغربية وتطوير تنافسيتها، خاصة المقاولة الصغيرة والمتوسطة، وفي تطوير الاقتصاد الوطني وتقوية القدرة الشرائية للمواطنين، فقد عمدنا إلى تقديم تعديلات تخص بعض مقتضيات مشروع قانون المالية. وتفاعلت معها الحكومة بشكل إيجابي. تدعيما للقدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقات الضعيفة والمتوسطة، فقد تمكنا من إقناع الحكومة على الإبقاء على بعض المواد التي لها أثر مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين في حدود منخفضة من الضريبة على القيمة المضافة؛ وتماشيا مع السياسة التي تنهجها الحكومة من أجل دعم وتأهيل المقاولة وتحسين تنافسيتها وتشجيع تأسيس الشركات والزيادة في رأسمالها وتقوية هيكلتها المالية والتخفيف من الضغط الجبائي عليها، تمكنا من الرفع من نسبة التخفيض المخول لبعض الشركات من 10% إلى 20% في حالة الزيادة في رأسمالها وكذا تمديد مدة الاستفادة من هذا التخفيض إلى 31 ديسمبر 2010. كما تم تخفيض سعر واجبات التسجيل المستحقة على عمليات تأسيس الشركات والزيادة في رأسمالها من 1.50% إلى 1%. وللتخفيف من العبء على بعض مرضى التهاب الكبد الفيروسي، فقد تمكنا من إعفاء الأدوية المضادة لها من الضريبة على القيمة المضافة ومن رسوم الاستيراد. ونظرا للنقص الحاصل في إنتاج الكهرباء، وتفعيلا للسياسة الحكومية الهادفة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية عبر تطوير استعمال الطاقات المتجددة وتثمين القدرة التي يتوفر عليها المغرب في هذا المجال، ودعما للإستراتيجية الوطنية فيما يتعلق بالتحكم في الاستهلاك عبر اعتماد منهجية الترشيد والفعالية الطاقية المتجلية في تعميم استعمال المصابيح الاقتصادية والآليات التي تعمل بالطاقة الشمسية أو غيرها، فقد تمكنا من تخفيض الرسوم الجمركية إلى مستوى 2.5% على المعدات اللازمة لإنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء عبر استعمال الطاقات المتجددة. ولتشجيع الأشخاص الطبيعيين على الاستثمار في أسهم وحصص الهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة، فقد تم إخضاع الأرباح الصافية الناتجة عن تفويت أسهم وحصص هذه الهيئات التي تستثمر أصولها باستمرار في حدود ما لا يقل عن 85% في الأسهم لسعر 15% عوض 20%. لكننا مع ذلك نظل متطلعين إلى أن تعمل وزارة المالية على دراسة باقي المقترحات على الأقل في السنة القادمة وتستجيب لمجموعة من التعديلات التي ظهرت في النقاش لجرأتها وأهميتها خاصة تلك المتعلقة بالرفع من مداخيل الدولة من جهة، وكل المقترحات التي ترمي إلى تحصين سلامة ونقاء المجتمع. لأن مجموعة من الدول تسير في تصحيح الأوضاع بالنسبة لبعض المواد التي لا يكون لتناولها تأثير على صحة المواطنين. وقد ظهر بالنسبة للحكومة أنها حينما اتخذت إجراءات فيما يتعلق بالضريبة على المواد الداخلة في التأثير على صحة المواطنين حققت من جهة مداخيل ومن جهة ثانية حققت تراجعا في بعض المبيعات طبعا لن يبدو هذا بسرعة فائقة لكنه سيظهر مع المستقبل . كذلك نود فيما يتعلق بتشجيع بعض المبادرات أن تسير الحكومة في اتجاه مجموعة من الإعفاءات ويتعلق الأمر بكل ما يمكن أن يؤثر في تربية المواطنين سواء كان الأمر يتعلق بالمساجد وبالخصوص في مجال التعليم بتشجيع القطاع الحر الذي يشكو حاليا من مجموعة من الاكراهات تحد من مسايرته لرغبات الحكومة في الوصول إلى مساهمة في حدود 20% في العملية التربوية. التغطية الصحية للفئات الفقيرة والمعوزة بطبيعة الحال هذا القطاع يحتاج الى تشريع جديد والفريق الاستقلالي تعهد في هذا الإطار بوضع مقترح قانون في هذا الشأن. كذلك بالنسبة للمقاولات الصغرى لايزال هنالك عمل كبير فيما يتعلق بتشجيع مبادرتها عن طريق إعفاءاتها وعن طريق تعامل الأبناك معها فيما يتعلق بالضمانات. طبعا نسجل للحكومة تجاوبها مع مجموعة من القضايا، وأخيرا نسجل أيضا عملها الجبار فيما يتعلق بتشجيع القدرة الشرائية للمواطنين وبالعمل على تكافؤ الفرص. ففي ميدان المقاصة قدمت الحكومة تشريحا دقيقا وعلميا أظهر مدى الظلم الذي يقع في عملية يراد بها تدعيم قدرات المواطنين من الفئات الضعيفة الدخل وبين ما تستفيد منه فئات أخرى، والحكومة حاليا منكبة على إيجاد الاجراءات الواضحة التي تسير من جهة في استمرار دعم المواد الأساسية الأولية مادامت أسعارها عالميا غير مستقرة ولكن في نفس الوقت تغيير طريقة توزيع هذا الدعم عن طريق خلق دعم مناسب بالنسبة للفئات الضعيفة وتقديم الدعم المباشر لفئات معينة. وننتظر من الحكومة إعفاءات أشمل لبقية الأمراض المزمنة بطبيعة الحال وهي إجراءات ورغم وقعها المالي على المداخيل، لكن تبقى أبعادها الاجتماعية أهم على مستوى الصحة العمومية. ولا تقل وقعا من الحلول التي ننتظر تعتيمها وأبرزها ما وقع قبل ايام مع انطلاق تجربة التغطية الصحية بجهة أزيلال لكي تستفيد منها الفئات الفقيرة والمعوزة. دائما في إطار التعامل الإيجابي بين الحكومة والبرلمان، نؤكد أن مساهمتنا إلى جانب الحكومة في الدعم والتفاعل الإيجابي لا يمكن أن تقف عند المصادقة على قانون المالية فقد تقدمنا في فريقنا بعدة مقترحات قوانين وأقتصر على التذكير باثنين لما لهم من علاقة وطيدة بالتشريع والمراقبة المالية، ويتعلق الأمر بمقترح يرمي إلى تعديل القانون التنظيمي للمالية والذي يرمي بالأساس إلى تقوية دور البرلمان في تتبع ومراقبة تنفيذ الميزانية وكذلك تحسين أساليب تحضيرها. ومقترح ثاني يرمي إلى تعديل الظهير المتعلق بالمفتشية العامة للمالية يرمي إلى وضع هذه المؤسسة تحت إشراف الوزير الأول باعتباره رئيس السلطة التنفيذية. وتوسيع مجالات الإفتحاص لتشمل كل المؤسسات والهيئات التي تستفيد من التمويل العمومي. وكذلك فتح مجال للتعاون مع المجلس الأعلى للحسابات. وهما مقترحان سنطلب من اللجنة المختصة برمجتها وننتظر تعاملا إيجابيا في شأنهما من طرف الحكومة..