يبقى "مجال السيبة"رغم كل ما يميزه من معارضة وقلاقل، مرتعا مهما لتزويد المخزن بأوفياء جدد..... محمد الطوزي" الملكية و الإسلام السياسي بالمغرب" فكرت طويلا، قبل أن أقرر كتابة هذه السطور، وأنا أتساءل وحائر جدا من جدوى الكتابة في موضوع أو مسألة أو بعبارة أدق عن تصرفات أشخاص أرادوا الصعود إلى الحلبة عبر مدرجات الأبطال، إلا أنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم وسط الجبناء والوصوليين. في الحقيقة، إن الذي جعلني اكتب عن انتهازية ووصولية أعضاء من "العصابة" الامازيغية للحقوق الإنسان، لا تربطه أية صلة بالنزوات المادية و الشخصية المعروفة لدى هؤلاء الذين سارعوا إلى تقديم القرابين لحزب البلاط الجديد، وإنما يعود الأمر إلى نقطتين أساسيتين: أولا: إقدام السيد الزاوي على تقديم استقالته من حركة المطالبة بالاستقلال الذاتي لسوس الكبير، وهو من بين الأعضاء الثلاثة المشكلون للعصبة الامازيغية، والذي يؤيد كل التصرفات الطائشة التي يقوم بها رفاقه في منطقة بويزكارن. ثانيا: يتعلق الأمر بالتعليق على الصورة الفوتوغرافية التي نشرتها بعض المواقع الالكترونية التي تظهر السيد بوبكر أنغير رئيس "العصابة" الامازيغية بجانب أو بالأحرى ملتصقا مع "عالي الهمة"، ربما تبدو للبعض مسألة عادية جدا، إلا أنها قد توحي إلي شخصيا بالعديد من الرموز و الدلالات، في واقع الأمر إنها صورة كاريكاتورية تعبر بعمق عن أزمة الفاعل الجمعوي أو الحقوقي، وان لم نقل أزمة المثقف و علاقته بالسلطة في المغرب الراهن. وبعيدا عن التراشق الكلامي و السياسي في هذه الفضيحة السياسية الكبرى، و التي تناولتها العديد من المقالات من مختلف زوايا النظر. وليسمح لي القارئ الكريم إلى أن نغير بوصلة السؤال و التحليل باتجاه التساؤل حول الأسباب و العوامل التي دفعت هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم مناضلون حقوقيون امازيغ، إلى التقرب إلى حدود التماهي مع رجل القصر الذي اقتحم عالم السياسة و المجتمع المدني، في ظرفية جد حساسة، وبطريقة سريعة أهم ما يميزها العشوائية و الفوضى و الغموض. التقرب و الخدمة و الولاء: أعطاب النسق السياسي المغربي لقد فتحت" العصابة" الامازيغية في ممارستها و أشكالها السياسية و الثقافية التي أضحت تعتبرها كآلية من آليات اشتغالها داخل النسق السياسي المغربي عامة، وداخل الحركة الامازيغية بشكل خاص، وتتشبث بها في العديد من بياناتها خاصة التي أعقبت فضيحة لقاء أعضائها مع فريق "الهمة"، ورشا كبيرا أمام الباحثين و المهتمين بالعلوم السياسية و الأنتروبولوجيا السياسية، والسوسيولوجيا-التاريخية، لطرح أسئلة جديدة أو على الأقل تجديد طرحها، حول أشكال ممارسة السلطة بالمغرب، وعن طبيعة العلاقة التي تحكم بين النظام السياسي و باقي المكونات السياسية و الجمعوية. لان النظريات والأفكار عادة ما تحتاج إلى نماذج وومشاهد أو إلى ظواهر ميدانية تعطي للباحثين المزيد من الواقعية و المصداقية، وفرص حقيقية للتراكم المعرفي و البحث العلمي الرزين. إذا كان بعض الانتروبولوجيين و خاصة الانكلوساكسونيين الذين دخلوا إلى المغرب بعد سنة1956، قد ساهموا بشكل وافر في تحليل بعض الخطاطات السياسية و الثقافية التي عبرها ينسج النظام السياسي أو المخزن تحديدا علاقته مع باقي الفاعلون السياسيون و العسكريون على حد سواء، وضبط قواعد التحكيم عن طريق مجموعة من الأسس و المداخل، ومنها الشرعية الدينية و قوة المال و النفوذ إضافة إلى القمع و الجور. فإن بعض الأنتروبولوجيين المغاربة قد استطاعوا بشكل دقيق تحليل و تفكيك دور البنيات الثقافية و السياسية و الاجتماعية، وتحكمها في أشكال ممارسة السلطة في مغرب ما بعد "الاستقلال". ونخص بالذكر هنا دراسة "عبد الله حمودي" الشيخ و المريد سنة 1999، ففي هذه الدراسة القيمة التي حاول الباحث الإجابة فيها عن سؤال واحد و وحيد وهو كيف استطاع النظام السياسي المغربي أن يستمر، في وقت تعيش فيه الأغلبية الساحقة في الحرمان و الإقصاء و التهميش أزيد من 50 سنة. استحضر حمودي عامل العنف و القمع الذي يمارسه النظام السياسي المغربي للردع و القضاء على معارضيه، إلا أنه اعتبره عنصرا غير كافيا، لذلك اقتحم و واجه على حد قوله باقي العناصر و الآليات التي يعتمدها و يستغلها النظام في ضمان استمراريته، وممارسة سيادته المطلقة و المقدسة على باقي مكونات المشهد السياسي حرصا منه على تحقيق ما يسمى بالإجماع. ومن هذا المنطلق، راح الباحث في سبر أغوار تفكيك بنيات المجتمع المغربي، وكيف تم استلهام ما هو ديني و مقدس و توظيفه في السياسي و الثقافي، وكيف استطاع النظام إن يمركز الثروات و النفوذ و الجاه و كل أشكال السلطة، لتكون دار الملك – القصر- مركزا ونقطة توزيع الخيرات و النفوذ والمال والنعم، وبالتالي يصبح المحور الذي يتقرب إليه الجميع والذي يسعى إلى نيل رضاه و بركته، عبر مدخل أساسي يتمثل في تقديم الولاء والطاعة التامين، إضافة إلى الهبات المختلفة والمتنوعة، فالقصر يصبح الموزع الحقيقي للسلط و والمناصب السامية وللأراضي و الامتيازات... وبذلك يستطيع النظام لي ذراع معارضيه و احتوائهم ، واستدراجهم، خاصة وانه يحتكر جميع السلط ، مما يجعل المنافسة تشتد وباستمرار بين النخب و الفاعلين السياسيين و المدنيين، إلى تحقيق أقصى تقرب ممكن نحو المركز، وذلك ما يضمن له الهيمنة. ولكي نختصر الكلام، فإن التقرب و الولاء و الهيبة، تشكل كلها محفزات للتفاعلات التي تهيج الحشود حول دار الملك، وتحدد في نفس الوقت وبدون انقطاع مواقع السيادة و التبعية. وربما يتساءل البعض عن علاقة هذا بموضوع لقاء العصبة الامازيغية بالهمة؟ وكيف تم إدخال لقاء بسيط وتداعياته في هذه المعمعة ؟ الحركة الامازيغية: قناة للمراقبة وتجسيد السلطة إن الحركة الامازيغية باعتبارها أحد الحركات التي تحرج النظام السياسي المغربي، بمطالبها و خطابها الذي يزعزع و يهدد مصالح بعض العائلات التي تمتص خيرات و ترواث هذا الوطن، ونظرا للانتشار الواسع الذي يعرفه هذا الخطاب خاصة في أوساط الشباب، وفي مناطق تدخل ضمن البؤر السوداء في خريطة المغرب وهي مناطق معروفة بخصوصياتها و بمعارضتها التاريخية لمخططات المخزن على مر العصور- الريف- الأطلس – الجنوب الشرقي - ايت باعمران... لابد وان تكون هذه الحركة مستهدفة من قبل المخزن و أذياله لتطويعها وخلق البلبلة في أوساطها و تمزيق شرايينها، فكما يستعمل المخزن بعض القبائل في السابق لإشعال فتيل الصراعات و الحروب بينها، لإضعافها من الداخل، ينهج نفس المنطق اليوم مع كل الحركات المعارضة. مثلا خلق و تحريك أذياله داخل الصحراويين و داخلا الإسلاميين و داخل الامازيغيين، ويعتمد على ما يسمى بنظام الأعيان، ينتقي بعض العناصر و يغدق عليها بالامتيازات و أحيانا بالوعود و الأوهام، حيث تتسارع هذه العناصر إلى كسب المزيد من الوفاء و الثقة، من خلال تنفيذ أوامر عليا وتطبيق قرارات المخزن التي تتماشى مع مصالحه. وهذا ما سارع السيد الزاوي في تنفيذه، من خلال استقالته من حركة المطالبة بالحكم الذاتي لسوس، وحسب مصدر مطلع فان فؤاد عالي الهمة وهو المخطط للحكم الذاتي في الصحراء عندما كان يشغل منصب كاتب الدولة في الداخلية، عارض بشدة فكرة الحكم الذاتي بسوس و طالب من أعضاء العصبة العمل على إيقاف مثل هذه الأفكار حتى لا تترسخ داخل الجمعيات، ونفس الشئ ينطبق على الحملة المسعورة التي شنتها العصبة على رئيس الحزب الامازيغي، فهذا الأخير الذي طالبت وزارة الداخلية بحله منذ شهر غشت 2007، أي قبل أن يغادرها "عالي الهمة"،و يلتحق به في الساحة السياسية ليلاحقه. إنها إذن لعبة مكشوفة، لا يتطلب الأمر بذل الكثير من الجهد لفك رموزها، فهي بسيطة جدا فيكفي قراءة التجارب السابقة و الاطلاع على تاريخ المغرب السياسي المعاصر، لفهم إستراتيجية المخزن في مواجهتهه لمعارضيه. إننا نعرف جيدا أن أعضاء العصبة يصعب عليهم فرض آرائهم و شخصيتهم السياسية و النضالية أمام فريق فؤاد عالي الهمة، ويستبعد جدا أن يحصلوا على امتيازات و وعود واكتساب مطالب، ولكننا ندري تمام الإدراك أنهم أصبحوا لقمة صائغة، وتحولوا إلى قفازات في أيادي عالي الهمة لتدويخ الحركة الامازيغية، فهو لايهمه ولا يبالي بمكانة العصبة و لا برصيدها النضالي و لا بامتدادها الجماهيري، بقدر ما يهمه إيجاد منفذ و مدخل إلى الحركة الامازيغية، بأقل الخسائر، فأعضاء العصبة كلهم ينتمون إلى شريحة رجال التعليم الابتدائي، وطموحهم معروف سوسيولوجيا و سيكولوجيا. لقد أمست الحركة الامازيغية في الآونة الأخيرة ترفع شعارات قوية وحادة، نتيجة ما عرفته البلاد من تراجعات خطيرة و أزمات على مستوى الاجتماعي و الاقتصادي و الحقوقي، الأمر الذي حتم على المسؤوليين مراقبتها و العمل على إيجاد منافذ توصلهم إلى أعماقها لتحوير مسارها وتشتيت صفوفها. فوجدت أبواب العصبة مفتوحة على مصراعيها، كما وجدت إرادة جامحة عند أعضائها الذين يتحينون الفرص للتقرب إلى المركز الموزع، إلى الجلوس مع بعض كبار مسئولي الدولة،.... نعم قد تحقق حلمهم و أكثر من ذلك صعدوا إلى السماء و اخذوا صورة مع فريق الأصالة و المعاصرة، فمن يدري قد ينصب بوبكر أنغير تلك الصورة على جدران بيته، مادام أن » المنظمة الحقوقية « لا تتوفر على مقر. بوالحمام الحسين فاعل جمعوي أمازيغي