هذه أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد بالمملكة    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري            اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في حملة النظام ضد جماعة العدل والإحسان المغربية
نشر في هسبريس يوم 10 - 09 - 2008

تكاد عجائب المخزن لا تنتهي، فغالبا ما تضيع محاولات فهم آليات اشتغاله في غابة من الأسئلة المحيرة ، وتحاصر بأغرب المتناقضات.. خصوصا حينما يتعلق الأمر بتدبير ملف شائك على شاكلة ملف جماعة العدل والإحسان ، ولا يتعلق الأمر هنا بتوصيف كرونولوجي لأحداث الحملة التي يقودها ضد الجماعة ، فالحملات أصلا لم تتوقف يوما ما على ما يبدو ، ولا تكاد تنتهي واحدة إلا لتبدأ أخرى، غير أن الحديث سيتركز حول الجديد في هذه الحملة ، وبمعنى أدق : ما هي ملامح سياسة النظام في تدبير ملف جماعة العدل والإحسان في المرحلة الراهنة ؟ ""
لا يمكن بتاتا للمنطق السليم أن يستسلم لما يروجه النظام من أطروحة تفيد أنه إنما يقوم بردود أفعال اتجاه استفزازات الجماعة له ، فالأمر أعمق من ذلك بكثير ، لأن الحملة الأخيرة اتخذت أبعادا أخطر، وسلكت سبلا جديدة وتوسلت بوسائل أكثر جرأة وعنفا..
فما هو أفق هذه الحملة ؟ وماذا يريد المخزن من جماعة العدل والإحسان ؟
لنظام الحملة منطق داخلي وحمولة دلالية تمتد لخمسة قرون في جذور التاريخ ، فالحكم المخزني في المغرب كان يقسم القبائل المغربية إلى قسمين ، فهناك "قبائل المخزن" ، أي تلك التي خضعت للحكم المركزي وبايعت "السلطان" طوعا أو كرها ، وهناك "قبائل السيبة" ، وهي تلك التي رفضت الخضوع وقاومت الحملات المخزنية التي كانت تعرف ب "الحركات" ، فسياسة "الحركات" لا زالت السياسة الرسمية بامتياز ، ففي غياب الإستراتيجيات والخطط الفعالة لتسيير دواليب الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..، يلجأ المخزن لسياسة الحركات/ الحملات ، حملة لمحاربة الفقر ، حملة لمكافحة الفساد ، حملة ضد المخدرات ، حملة للتسجيل في اللوائح الانتخابية ...وهلم جرا .
ولعل المخزن الحديث لازال يقسم الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى "أحزاب الطاعة" و "أحزاب التمرد"، ويبدو أن جل الأحزاب العصية و"التيارات المتمردة" قد خضعت ودخلت اللعبة بشروط المخزن، ولم يبق في ساحة الممانعة إلا جماعة العدل والإحسان التي تصنف على أنها أكبر تنظيم سياسي في البلاد، فهل تتمكن "الحركات" التي أطلقها المخزن على هذه الجماعة من إخضاعها أم أنها الصخرة التي سيتحطم عليها منطق "الحملة ."
أعترف أن الذي استفزني لإمعان النظر في هذه الأسئلة هو صدور أحكام عديدة في حق أعضاء الجماعة وقيادييها تجرم اجتماعاتهم وتفرض عليهم غرامات عدت بملايين الدراهم، وفي نفس الوقت برأت محاكم أخرى أعضاء من نفس التهمة ( عقد اجتماعات بدون ترخيص ). فهل يتعلق الأمر باجتهادات قضائية مختلفة أم أن الأمر يحتمل قراءات أخرى تكشف دخول المخزن مرحلة "حيص بيص" في التعامل مع هذا الملف ؟ فالجماعة إذن في نظر المخزن قانونية وغير قانونية ، ولسنا ندري متى يقرر إخراجها من المنزلة بين المنزلتين .
نشفق أشد الإشفاق على وضعية القضاء المغربي الذي يقف بين المطرقة والسندان ، فبينما يضج الفضاء بخطاب حقوق الإنسان وطي صفحة الماضي، واستقلال القضاء ، يجد الكثير من القضاة المغاربة أنفسهم أمام نفس العقلية المخزنية التي تريد أن تملي عليهم التعليمات الجاهزة وتحدد لهم الخطوط الحمر ..فهل هو "النفس العبثي" الذي اعتدنا عليه ، أم أن المخزن يجيد الرقص على حبال كثيرة ؟ هذه أيضا من ملامح الحملة الأخيرة ، ومن إبداعاتها العجيبة .
حملة القمع الشامل : -1
تتخذ الحملة الأخيرة طابعا شاملا وجريئا طويل المدى على ما يبدو ، فمنذ سنة 2006 ظهرت بوادر ها الأولى، ولم تتوقف لحد كتابة هذه السطور.
أ – سياسة الضرب المباشر أو خطة كسر العظام :
وتتجلى في العنف المبالغ فيه الذي تلجأ إليه القوات العمومية لتفريق جموع الأعضاء وعامة الناس والنيل منهم بالضرب العشوائي العنيف ، واقتحام البيوت وإلحاق الخسائر المادية والمعنوية .
إضافة، للاعتقالات الجماعية والمتابعات التي تنتهي غالبا بأقصى الغرامات في اتجاه واضح نحو إثقال كاهل الجماعة وإفراغ جيوب أبنائها، ثم تفتقت عبقرية المخزن عن إجراء جديد تمثل في تشميع عدد من بيوت الأعضاء وهدم أخرى في تماه غريب مع ما يحدث بالأراضي الفلسطينية المحتلة .
ب:التسييج الممنهج للحقل العام :
-حصار المجتمع المدني :
منذ التوافق الذي حصل بين النظام وأحزاب المعارضة خلال موسم 1996_1997 حول إقصاء الحركة الإسلامية والتراضي على تهميشها، وناعورة المخزن تدور في اتجاه تحييدها وعزلها بشكل كامل.
انطلقت الفكرة مع حملة الجلد القاسي للطلبة مع الدورية الثلاثية التي عسكرت الجامعات ثم المذكرة التي حرمت استغلال الفضاءات العمومية لتصل إلى التضييق على العمل الجمعوي ، وذلك عبر منع عدة جمعيات من التأسيس وأخرى من النشاط أو تجديد المكتب بسيف التعليمات وساطور الأوامر العليا..
_تسييج الحقل الديني :
افتتح النقاش بمركزة الفتوى وهيكلة المجالس العلمية بالعناصر التي يأمن الخزن جانبها ويراها وديعة ومتعاونة .ثم تطور الأمر لتنقية المساجد من كل صوت يغرد خارج جوقة العزف الرسمي .وهكذا تم توقيف العشرات من الأئمة والوعاظ والواعظات (حوالي 84 خطيب وواعظ وواعظة) .تحت تهديد السجن والعقوبات الزجرية بل وصل الأمر إلى اقتحام المساجد أثناء صلوات الجمعة كما حدث في خنيفرة وسوق أربعاء الغرب .
وكانت الخاتمة برفض قبول الناجحين في مباريات وزارة الأوقاف أو المرشحين لذلك بتعليمات من الأجهزة الإستخباراتية، ثم تضييق الخناق على بناء المساجد، وأصبح الأمر- حقيقة- مرعبا أن تفكر في المساهمة في بناء بيت من بيوت الله مخافة أن تجد نفسك في السجن .
ج:الحرب الإعلامية :
لا يخفى على كل ذي لب سليم ما للإعلام من دور وأهمية في نشر المعلومة وصناعة الرأي العام ، وهو أخطر سلاح يستعمل في الإغارة على الخصوم السياسيين، سواء ببث الإشاعة أو تحريف الحقائق، أو بالتجريح والتسفيه، وما دمنا في دولة متخلفة ترزح تحت حكم شمولي يحتكر كل السلط، فلا عجب أن يكون الإعلام سلاحا محتكرا من طرف النظام، يصول به ويجول .
ولعل المعركة الإعلامية من أشرس المعارك التي أشرف عليها المخزن لتقويض الصيت الطيب والسمعة النضالية النظيفة للجماعة، ولعل المخزن أخرج كل ما في جعبته من كذب وبهتان وتجريح وتكفير.. وقد شارك في هذا الهجوم الكبير جيش من الأقلام المعادية، ودخلت على الخط منابر كان لها بعض المصداقية، ورغم كل ذلك فالعبرة بالخاتمة، حيث لم تفلح هذه الحملة إلا في استثارة الناس لمعرفة الجماعة ومحاولة فهمها عن قرب حسب استنتاجات قيادييها .
فهل بقي للمخزن شيء لم يفعله بعد ؟ هل حقق أهداف حملته أم أنه لم يفلح سوى في تشنيع قمعه ومنعه، وكشف قوة معارضة ضاربة ؟
ماذا يريد المخزن من جماعة العدل والإحسان ؟ -2
سعى المخزن منذ البداية إلى محاولة إقبار مبادرة الأستاذ عبد السلام ياسين التي كانت خطوة في منتهى الجرأة (رسالة" الإسلام أو الطوفان" الموجهة للملك الراحل سنة 1974) ، ثم تتالت الضربات العنيفة لاستئصال هذا الصوت المتفرد في بداية انتشاره بالسجن والمنع من الخطابة والنشر، وكذا بالترغيب عبر مفاوضات كان النظام يستتر منها كما تستتر المرأة من دم الحيض ، ربما خوفا على هيبته أن تهان بتهمة (الحوار) .
وبعد يأس المخزن من هدفه الاستئصالي، حاول على الأقل أن يوجه بعض الضربات العنيفة لجسم الجماعة الفتي آنذاك في اتجاه إعاقة حركتها والحد من فاعليتها، لكن سرعان ما تأكد أن ضرباته لا تزيد ذلك الجسم إلا قوة وصلابة ومصداقية، وهو الشيء الذي دفعه للتفكير في السلاح الإعلامي.
بعد نجاحه في إدخال جزء من الحركة الإسلامية للعبته السياسية المرسومة بعناية فائقة
راهن المخزن على العامل الزمني ليتخلخل الجسم التنظيمي للجماعة، خصوصا مع فصيل طلابي قوي يبحث عن مجال حيوي ليستثمر طاقاته الهائلة، ومن تم يمكن تفسير ترخيص المخزن للجريدة الشبابية (رسالة الفتوة) طوال سنة كاملة، غير أن سعيه سوف يخيب ليعود إلى عادته القديمة .
ومع مطلع صيف 2006 دخل على الخط عاملان أساسيان شكلا نقطة تحول في سياسة المخزن اتجاه الجماعة .
العامل الأول :
نظام يائس من سياسته، تتضاعف من حوله الأخطار السياسية والاجتماعية والاقتصادية (الفشل في دعاوى حماية الوحدة الترابية(الصحراء، جزيرة ليلى..) – التهديد الإرهابي – مشكل الهجرة – إرهاصات الإنفجارات الاجتماعية(الهجرة الجماعية نحو الجزائر، الاصطدامات العنيفة والمشاكل الأمنية) – مشكل البطالة والفساد الإداري الفاضح (اختلاسات صناديق المال العام) -...
العامل الثاني :
جماعة ثابتة على خطها السياسي لم تلن لسياسة القمع ولا الحصار، ولم تنجح معها سياسة التدجين والاحتواء.
لكن النقطة التي أفاضت الكأس هي الخطوة التي أقدمت عليها الجماعة في محاولة لكسر طوق الحصار، وهو ما أطلق عليه (الأبواب المفتوحة)، وهي محاولة تبدو مشروعة للتعريف بالنفس وبالمشروع، وللتواصل كحق طبيعي يجب أن يكون مكفولا لجميع المكونات السياسية .
النتيجة :
هذان العاملان كانا الحاسمان في ظهور بوادر سياسة جديدة انتهجها المخزن، وهي وإن توسلت بأساليب جديدة (كتشميع البيوت أوهدمها وطرد أهلها للشارع، وكنسف بعض المشاريع الإنمائية والطرد الغير قانوني من الوظائف..)، فإن الجديد هو ظهور اضطرابات واضحة فيها، فبين الحكم بالإدانة أو البراءة في نفس القضايا وبنفس الحيثيات، وبين الترخيص في منطقة والمنع في أخرى، وبين صدور سلوكات غير موزونة تماما من المخزن ( قضية سجن الخطباء بتهم ملفقة و قضية رشيد غلام ) وبين تضاربات تصريحات المسئولين والفاعلين، بين كل هذا وذاك يمكن للعاقل أن يستنتج دخول المخزن مرحلة العبث والضرب اليائس، واليائس يفقد سلطة المنطق والحسابات، وتكون كل خطواته بالتالي وبالا عليه، وهكذا فالمخزن لا يجلد إلا على ظهره بتعبير فتح الله أرسلان (الناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان) .
إذن هناك مخزن يهيمن على الحياة العامة ويلتف كأخطبوط على كل شيء، ولا يريد لأي كان أن يزاحمه على السلطة أو الثروة، وهناك قوة اجتماعية وتنظيم سياسي قو ي إسمه جماعة العدل و الإحسان بقي خارج جبة النظام ، لا يعارض الحكم القائم معارضة سياسية على مستوى التدبير فقط، ولكن معارضة شرعية تسائل الأساس الديني والتاريخي للنظام في محاولة لبناء ميثاق جامع يؤسس لانطلاقة سليمة وثقة متبادلة وإشراك حقيقي للشعب كما تلح على ذلك أدبيات الجماعة، بينما لا يريد المخزن من الجماعة سوى إعلان السمع والطاعة في صفقة تبدو مجانية، تضيع معها حقوق المسلمين في اختيار حكامهم ومحاسبتهم على تدبيرهم البشري الذي يصيب ويخطئ .
يريد المخزن أن تكف الجماعة عن المطالبة بالإصلاحات العميقة وتنخرط في لعبة التزوير والكذب على الشعب، حيث تمرر اليد المحترفة الوديعة المرهم الترقيعي على الجراح النازفة في إيهام بنجاعة الدواء، بينما تنسج مؤامرة الصمت والتحريف والهضم لحقوق الشعب ومطالبه الأساسية .
المخزن ولعبة شد الحبل اتجاه الجماعة : -3
اتضح حجم المعركة التي يخوضها المخزن اتجاه أعصى تنظيم سياسي على التدجين والترويض بخروج نجلة الأستاذ عبد السلام ياسين السيدة ندية ياسين بحوار ساخن مع جريدة "الأسبوعية الجديدة" في عددها 30يوم : 02-06- 2005، صرحت فيه بأنها تفضل النظام الجمهوري، وأنه الأصلح للمغرب حسب رأيها الأكاديمي، وأن الدستور الحالي لايليق إلا بمزبلة التاريخ ...
وهكذا تم تحريك المتابعة القضائية في حقها وفي حق الصحافيين اللذين أجريا الحوار، وكذا رئيس التحرير السيد عبد العزيز كوكاس ، وقد أسالت القضية الكثير من المداد في الصحافة الوطنية والدولية ، ورسمت ما يشبه فرزا في الساحة السياسية بين من يؤيد حرية الرأي وبين من يمجد الوضع الحالي ويعتبره من أزهى فترات الديمقراطية، وبين من اكتشف موهبته في التنديد بعد سنين عجاف من الصمت و"قولوا العام زين"، وليس يهمنا الآن النبش في ثنايا الموضوع سلبا ولا إيجابا، ولكن نلتقط الإشارات الممكنة في سبيل تحليل السلوك المخزني وأبعاده الممكنة.
حوكمت الأستاذة ندية ياسين لأنها عرت واقع الهشاشة في فضاء ضيق للحريات، و مفصل على المقاس، يحاول النظام أن يوهم من في الداخل والخارج أنه في طريق الانفتاح .
حوكمت لأنها جهرت بالمحضور وكسرت حاجز المحرمات في مغرب "المقدسات"، تكلمت بدون خوف ولا حواجز ، ودعت إلى الوضوح الحقيقي .
حوكمت لأنها ابنة أبيها، ولأنها امرأة، فقد أصابت المخزن في عقدة النقص عنده، جرح غائر أن تبادر امرأة، ويكون المستهدف مخزن خائف ومرتبك، لا يجد ما يواجه به امرأة إلا لغة التهديد وخطاب الأصفاد.
ولعل الكثير قد اهتزت قصبته وعلا صوت نخوته الذكورية الكامنة، وفضحت "الرجلة" الثاوية "حداثته" الملفقة وخطابه المتمسح ب" التقدمية" .
وسواء اتجه الحكم إلى الإدانة أم إلى الهروب، فإن الملف يكتسي طابع الفرصة المواتية للي ذراع الجماعة، لكنه كالشجرة التي تخفي الغابة، خيوطه متشابكة ومعقدة، وربما يريد المخزن كعادته أن يقفز في المجهول، فلم يمض وقت طويل على استباحة سيدي إيفني والتنكيل بأهلها الأحرار، والجراح لازالت تنزف، ولم يرعو بعد رغم أنه أصبح يرى لهيب الغضب الشعبي العارم بشكل جلي، لكن المخزن أعمى ولا يستفيد من التاريخ، ولعل حملته على الصحافيين، من علي المرابط وصولا إلى المدون الشاب محمد الراجي وما ترتب عنها وما سيترتب عنها، لن تستطيع إقناعه بتغيير أساليبه العتيقة، والرجوع إلى جادة الصواب: إلى الديمقراطية الحقة وحقوق الإنسان المكفولة.
إنه الوهم حين يحكم سيطرته على بعض العقول.
وفي هذا الإطار يبقى أمام المخزن اختياران بارزان للتعامل مع الجماعة :
الاختيار الأول :
أن يمضي قدما في حملته مخصصا لها كل الدعم والإمكانيات بدون طائل ولا نتائج تذكر، فلا زالت الجماعة متجذرة في الشارع، ولا زالت تملك زمام المبادرة، وتبين عن مهارة عالية واحترافية متميزة في التعامل مع الكثير من الأحداث والمواقف، حيث توظف مثلا كل حدث أو مظلومية في تقوية نفوذها وكسب التعاطف معها.
هذا الخيار يعد رهانا فاشلا وتضييعا لجهد كان أولى أن يصرف في معالجة الكوارث التي تهدد حياة المغاربة، إضافة إلى أنه رهانا غير مضمون النتائج، خصوصا وأن التجربة أثبتت أن مبادرات هذه الجماعة وخرجاتها غالبا ما تربك حسابات المخزن، بل إن مجرد خطوة صغيرة منها تجعله في حالة استنفار كلي يكاد يشل الحياة في مغرب "الاستقرار" .
الاختيار الثاني :
وهو أن يفهم المخزن أن المغرب في حاجة لكل أبنائه مهما اختلفت مشاربهم الفكرية والعرقية والإيديولوجية... وبالتالي يفتح المجال أمام مبادرة تحاول أن تبني على أساس: دستور تصوغه جمعية وطنية تضم ممثلين عن كل الأطياف السياسية والقوى الوطنية والفاعلين النقابيين والاقتصاديين...عوض دستور ممنوح مفصل على المقاس، يكرس الحكم الفردي المطلق، ويشرعن تقديس الأشخاص، بعيدا عن قاعدة ارتباط المسؤولية بالمحاسبة.
دستور يتيح تعددية سياسية حقيقية ويمكن الشعب من ممارسة وصايته ورقابته وحقوقه الكاملة.
فهل بقي في المربع المخزني من يغلب حساب العقل ومصلحة الوطن،أم ننتظر طوفان المآسي المخزية والانفجارات الاجتماعية الجارفة؟؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.