كاريكاتير خالد كدار فصل جديد من فصول المواجهة المفتوحة بين الدولة وجماعة العدل والإحسان المحظورة دشن مؤخرا، بعد سلسلة الاعتقالات والمتابعات القضائية التي طالت أتباعها في عدد من مدن المغرب. فعلى امتداد الأسابيع الثلاثة الماضية، عاشت الجماعة على وقع موجة من الاعتقالات في صفوفها بلغت، نحو 600 فرد من أنصارها، على خلفية مشاركتهم في وقفات مسجدية" تضامنية مع سكان غزة، إلى جانب اعتقال آخرين خلال اجتماعات ما يسمى ب"مجالس النصيحة". وبدأت الشرارة الأولى للمواجهة عندما شرع أتباع الجماعة في تنظيم وقفات انطلاقا من المساجد تضامنا مع الشعب الفلسطيني استجابة لنداء ما يعرف بالهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، ووجهت بالمنع والتفريق. وفي أعنف اصطدام بين الجماعة وأجهزة الأمن المغربية، تحولت ساحة مسجد"للا أمينة"وعدد من المناطق بالناظور، عشية يوم الأحد 9 مارس الجاري، إلى ساحة معركة حقيقية أسفرت عن اعتقالات وإصابات في صفوف أتباع جماعة الشيخ عبد السلام ياسين. وبدا واضحا أن التعامل بحزم وصرامة مع أنشطة الجماعة هو ما سيحكم علاقة الدولة بالجماعة الموصوفة ب"الراديكالية" على الأقل في الأسابيع القادمة، ولاسيما بعد أن أصدر وزير الداخلية شكيب بنموسى مذكرة موجهة إلى الولاة والعمال يحثهم فيها على عدم التساهل مع أعضاء الجماعة في أي نشاط يقومون به مهما كان حجمه، وأن"يتحلوا بالصرامة المطلوبة إزاء أنشطة الجماعة، وألا يترددوا في اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية من أجل منع تلك الأنشطة تطبيقا للمقتضيات القانونية التي ينظمها ظهير التجمعات العامة". "" امتداد لمسلسل فاشل وبالنسبة لمحمد سلمي مسؤول الهيأة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، فإن حملة الاعتقالات والمحاكمات في صفوف الجماعة ليست" جديدة ، بل هي امتداد لمسلسل فاشل، رحل بعض أبطال حلقاته الماضية إلى الدار الآخرة، وشهد الناس نهايتهم، وخاتمة أيامهم، وحضروا مراسيم وداعهم"، مشيرا إلى أن ازدياد حدة الخروقات والانتهاكات وعودة الاختطافات ومداهمات البيوت وتلفيق التهم، يؤكد أن دار المخزن ما زالت على حالها. ويوضح سلمي في تصريحات خاصة ل"الرأي" أن الامتداد الجماهيري لقواعد الجماعة وسرعة تجاوب المغاربة مع خطابها، يشكل مصدر إزعاج للجهات الحاكمة، وأن كل ما تقوم به السلطات من تدابير تعسفية يندرج في سياق تخوفها من قوة الجماعة، مشيرا إلى أن تزامن الهجمة الأخيرة مع الاحتقان الاجتماعي بسبب غلاء المعيشة، جعل الجماعة تبدو وكأنها الضحية السهلة التي بضربها يلقن الدرس لباقي الشعب. ويؤكد عبد العالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، في بداية حديثه ل"الرأي أنه" ليست هناك مواجهة بين الدولة وجماعة العدل والإحسان، لأن المواجهة تعني أن هناك طرفان يواجهان بعضهما على قدم المساواة، والحاصل أن الدولة هي التي تواجه العدل والإحسان، بينما يكتفي الطرف الآخر بالاحتجاج السلمي المدني والقانوني عن طريق بلاغات صحافية وتصريحات إعلامية تدين الانتهاكات التي ترتكبها الدولة في حق نشطاء الجماعة، سواء منها ما تعلق بتنظيم وقفات احتجاجية للتضامن مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة، أو ما تعلق بعقد ما يسمى بمجالس النصيحة وهي اجتماعات خاصة تعقد في بيوت خاصة لأغراض تربوية وروحية محضة". ويذهب حامي الدين في تحليله لسياق الفصل الجديد من المواجهة بين الدولة ممثلة في وزارة الداخلية وجماعة الشيخ عبد السلام ياسين، إلى القول بأن السياق العام الذي يطبع اللحظة السياسية في المغرب، هو الشعور بهشاشة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي من شأنه أن تكون له انعكاسات سياسية، لذلك فإن كل شكل من أشكال الاحتجاج في الشارع يأخذ صبغة جماهيرية، يمكن أن يواجه بقمع السلطات. وهذا الوضع ليس خاصا بجماعة العدل والإحسان وحدها، ولكنه يهم جميع التنظيمات بما فيها تلك الموجودة داخل المؤسسات كما هو الشأن بالنسبة لاعتقال الكاتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بابن سليمان على خلفية التضامن مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة، والاعتداءات التي يتعرض لها المعطلون. إستراتيجية الاستبعاد تصعيد الدولة والعودة إلى نهج سياسة المواجهة المفتوحة في صراعها مع أكبر تنظيم إسلامي بالمغرب، يثير أسئلة حول إن كان ذلك مؤشرا على تحول في التعامل مع جماعة كان يسمح لها بقدر من حرية العمل وممارسة نشاطها خارج العمل الحزبي، بالرغم من أنها مصنفة كجماعة محظورة. وبرأي حامي الدين أستاذ العلوم السياسية " ليس هناك تحول جذري، بقدر ما هناك استمرار لنفس الإستراتيجية السابقة أي إستراتيجية الاستبعاد، مع تشديد تنزيلها وتعميمها على كافة المناطق والمدن، واستغلال كافة الثغرات القانونية الممكنة للتضييق على تحركات الجماعة وأنشطتها، وتأويل قانون الحريات العامة بالشكل الذي يتناسب وإرادة الدولة في تحجيم وعزل جماعة العدل والإحسان من الناحية السياسية. لكن الاستثناء يأتي من الجامعة، بحيث نلاحظ أن أغلب الأنشطة المنظمة باسم العدل والإحسان أو باسم هياكل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لا يطالها المنع، وبالتالي فنحن أمام إستراتيجية تضييق جزئي نسبي وغير منتظم". ويرى حامي الدين أنه لا يمكن الحديث عن تحول استراتيجي تجاه الجماعة إلا إذا انتقلت هذه الأخيرة إلى الفعل السياسي المباشر في إطار المؤسسات وحولت قوتها الجماهيرية إلى قوة انتخابية مؤسساتية. وبالرغم من صعوبة إيجاد قراءة منطقية لما يسميه اعتداءات المخزن على الجماعة، يرى سلمي أن التصريحات الرسمية تدل على خلل كبير وعداء غير مبرر، وأن الأشكال الاعتداء تنم عن تهور مفضوح يسيء إلى المخزن ذاته، ويؤرخ لسلسلة من المخازي تجاوزت في خطورتها مااصطلح عليه بسنوات الجمر والرصاص. ويتابع موضحا الوسائل المعتمدة لا تخدم الأهداف الممكن افتراضها. فإذا كان من أهداف المخزن تأكيد انخراطه في ما سماه جورج بوش بالحرب على الإرهاب، فالغرب أدرى من المخزن ببعد الجماعة عن هذه المتاهات، سواء الحقيقية منها أو المصطنعة. أما إذا كان البعض يستهدف المكاسب الشخصية والترقيات المهنية بتعذيب المستضعفين ومحاكماتهم والتضييق عليهم، مغتنما الفراغ الذي تعرفه مؤسسات المخزن في غياب المشاريع والبرامج والإرادة والقدرة الكفيلة بتوفير الأمن الغذائي والتغطية الصحية، والمسكن اللائق، والتعليم الجاد، والشغل...فهذا دليل على أن أكبر خطر يهدد الوجود المخزني هو رجاله وأعوانه. وإذا كان من الأهداف استباق الأحداث، وضرب الجماعة رسالة موجهة لعموم الشعب، فإن اختيار الضحية لم يكن موفقا، والظرف غير مناسب". عزل الحالة السياسية الإسلامية ولئن كان بعض المتتبعين للشأن السياسي يعتبرون حملة الدولة على جماعة الشيخ ياسين يندرج في إطار خطة معدة مسبقا لإعادة جني ثمار الحرب التي شنتها بعد "الأيام المفتوحة" التي نظمتها الجماعة سنة 2006، فإن حامي الدين يرى أن الهدف الرئيس منها هو عزل الجماعة سياسيا وتحجيم دورها من الناحية الجماهيرية، ومنعها من استثمار حالة الاحتقان الشعبي. ويؤكد المصدر ذاته أن"هناك إرادة لضبط تحركات الجماعة والتحكم في حجمها، وقد زاد هذا التوجه خصوصا بعد اليأس والإحباط الذي خلفته الانتخابات التشريعية ل 7سبتمبرالماضي، بحيث هناك إرادة متزايدة لدى بعض أجنحة الدولة من أجل عزل الحالة السياسية الإسلامية وتلجيم قدرتها على اكتساب شعبية جديدة و"استغلال" الاحتقان الشعبي المتزايد من جراء الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والارتفاع المتزايد للأسعار في المواد الأساسية، وكذا الغضب الشعبي المتنامي من جراء تطورات القضية الفلسطينية والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان". وشكلت الوقفات " المسجدية " للتضامن مع الفلسطينيين على خلفية أحداث قطاع غزة وغيرها من أنشطة الجماعة الداخلية، بحسب متابعين، مناسبة لبعث رسالة إلى من يهمه الأمر مفادها أنها مازالت قوية ولم تفقد " جماهيريتها "، بالرغم من كل الضربات التي تلقتها منذ مايو 2006 بمناسبة تنظيمها ل"الأبواب المفتوحة"، والخسائر التي طالت أسهمها السياسية جراء عدم تحقق رؤى 2006 التي كان يؤولهامعظم أتباع الجماعة بنهاية النظام الحاكم. كما أن تمكنها من الحصول، مؤخرا، على نسبة مهمة داخل تمثيلية هيئة المهندسين يدل على عافيتها وقدرتها على التغلغل إلى فضاءات جديدة بل وداخل المؤسسات الرسمية ذاتها. ويقول عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان" لست أدري أي ثمار جنت هذه السلطات من حربها على الجماعة، لتكرر الجني مرة أخرى، إن لم يكن الأمر يتعلق بالمسروقات التي يختلسها المداهمون للبيوت معتبرين إياها من فيء وغنائم غزواتهم لبيوت أبرياء عزل، في غياب أية مساطير قانونية للحجز أو التفتيش واقتحام حرمات المنازل". ويضيف القيادي في العدل والإحسان "لقد أنفقت الأموال الطائلة من ميزانية الشعب لتلميع صورة المخزن، وتسويق وهم المصالحة وطي صفحات جرائم الماضي، لكن الهجوم على الجماعة هدم ذلك البنيان الوهمي، وفضح عجز المخزن عن الوفاء بالتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان، وزور شعاراته الداخلية. فمن يثق بعد هذه الاختطافات والاعتقالات والمحاكمات والإهانات والتعذيب والمداهمات والتشميع للبيوت...بالمفهوم الجديد والسلطة، وحقوق المواطنة، والتنمية البشرية، والحداثة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان؟ وقد فعل المخزن بنفسه ما لا تفعل الأعداء به. والتمادي في هذه الحملة دليل على عدم تقييم الحصيلة وفق مقاربة شمولية وذات بعد نظر تستحضر الماضي وتستنتج منه الدروس والعبر". تاريخ من الكر والفر تاريخ علاقة الجماعة منذ نشأتها بالدولة، هو تاريخ المواجهة التي ما تكاد تخبو جذوتها حتى تشتعل من جديد، أو كما وصفتها كريمة الشيخ ياسين زعيم العدل والإحسان، في حوار مع مركز كارينغي للسلام الدولي، ما يشبه"حرب العصابات" التي تعتمد نظام الكر والفر. وخلال شهر مايو 2006 وكرد على حصار الدولة أعلنت جماعة الشيخ ياسين عن مبادرة"الأبواب المفتوحة" التي تروم التعريف بالجماعة وهويتها وما تطرحه من بدائل وتصحيح صورتها. وأمام ما لاقته " الأبواب المفتوحة " من نجاح ملفت ردت وزارة الداخلية بإنذار الجماعة بضرورة وقف أنشطتها غير المرخصة، غير أن الجماعة أعلنت التحدي واستمرت في تنظيم أنشطتها بما فيها مجالس النصيحة ورباطات الصيف. وفيما ردت الدولة من خلال وزارتي الداخلية والعدل على " تصعيد" الجماعة بسلسلة من التوقيفات والمتابعات القضائية في صفوفها، عمل أتباع الشيخ ياسين على نقل احتجاجاتهم إلى أمام التمثيليات الدبلوماسية للمغرب بإيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وكندا والولايات المتحدةالأمريكية.