في الصورة الممثلة المغربية الهولندية مريم حسوني في خطوة جديدة تدخل في إطار الحوار الثقافي بين الشرق والغرب، أقام المعهد الهولندي بدمشق قبل أيام تظاهرة سينمائية بعنوان "الشباب والاختلاف الثقافي"، وتناولت الأفلام الثلاثة التي عُرضت ضمن التظاهرة مشكلة المغاربة في هولندا، وصعوبة الاندماج في المجتمع الهولندي، والفكرة الخاطئة التي يمتلكها كل طرف عن الآخر.ورغم أن الأفلام السابقة حاولت الدعوة لإقامة علاقات حقيقية بين العرب والهولنديين على أساس المواطنة، غير أنها بالمقابل أظهرت جهل كل منهما بالآخر، بل إن المشاهد قرأت بين السطور وجود شرخ كبير لم تخفه النماذج القليلة للتعايش السلمي بين الطرفين، والتي سوّق لها المخرجون الثلاثة ضمن أفلامهم التي بدت- نوعا ما تجميلية- وربما متناقضة في بعض جوانبها مع الواقع، لتأتي نهاياتها متفاوتة وتفتقر للحلول العملية لمشكلة بهذا الحجم. "" وربما يعزز أفكارنا السابقة الحوار الذي أجراه مدير المعهد الهولندي تاكو فان دير زواخ مع عدد من الشباب السوريين والهولنديين الذين أكد أغلبهم الاختلاف الكبير بين المجتمعين الغربي-الهولندي تحديدا- والعربي وصعوبة التعايش بينهما، بخلاف ما قدمته الأفلام الثلاثة السابقة. "أنا محمد" أو معاناة شاب مغربي يحاول المخرج الهولندي رودي دامز عبر فيلمه الوثائقي "أنا محمد" إلقاء الضوء على معاناة الشباب العرب- المغاربة- في المجتمع الهولندي، من خلال تقديمه لعدد من الشباب المهاجرين من بلدانهم بهدف تحسين ظروف عملهم، فضلا عن الشباب الذين نشؤوا في هولندا ضمن ظروف معيشية قاسية. حيث يروي الأستاذ "محمد" قصة حياته كشاب مغربي الأصل نشأ في مدينة روتردام، وخلف كواليس المشاكل المختلفة التي تواجه المغربيين الهولنديين يظهر محمد الجهد والمثابرة والقوة العقلية التي تطلبته لإكمال دراسته وإيجاد عمل. غير أن حالة "محمد" تعد استثناء قياسا بالإجحاف والتمييز الكبير الذي يواجه المغربيون الهولنديون نتيجة معضلات عملية ونفسية ناتجة من رغبتهم بأن يكونوا جزءا من المجتمع الهولندي وأن يصنعوا قراراتهم الخاصة جهة أخرى وأن يبقوا مخلصين لأصول ثقافتهم. هذا التشتت الاجتماعي والثقافي والِقيمي في بعض فصوله، يعاني منه "سفيان" الذي شهد مقتل أخيه على يد هولنديين متطرفين، دون أن يتمكن من الدفاع عنه أو عنه نفسه ضد التمييز الذي يتبدّى في بعض فصوله في رفضه من قبل عدة جهات هولندية يطلب العمل لديها. حال "محمد" لن يكون أفضل من "سفيان" القادم من المغرب والذي يتعرض هو الآخر لعدد من المضايقات والضغوط تضطره لترك عمله وفقدان منزله، ليبدأ رحلة البحث عن مأوى التي تقوده إلى منظمة اللاجئين في النهاية. "بولكه": عشق طفولي يتجاوز تباين الثقافات والأعراق ربما يحاول مخرج فيلم "بولكه" أنكه هوتمان التأكيد على أن مشكلة تباين الثقافات والتعايش في المجتمع الهولندي حاضرة بجميع مستوياتها في مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث تنشأ علاقة حب بريء بين طفله هولندية بيضاء تدعى "بولكا" وطفل هولندي من أصل مغربي يدعى "ميمون". حيث تعيش "بولكا" في العاصمة الهولندية أمستردام مع أمها غريبة الأطوار التي هجرها زوجها الشاعر (والد بولكا) بعد إدمانه على المخدرات، فيما يعيش "ميمون" مع عائلته المغربية المحافظة التي تمنعه من الاختلاط بالأطفال الهولندين. وتحدثت تطورات كثيرة في الفيلم الذي يغلف طابع كوميدي في بعض جوانبه، حيث يكتشف معلم "بولكا" إحدى الأوراق التي كتبتها الأخيرة ل "ميمون" وتتضمن بعض الكلمات التي يعتقد المعلم أنها تحوي عبارات عنصرية، فيستدعي والدة بولكا التي تأتي لتوبيخ المعلم لكنها تقع فجأة في حبه لتنشأ لاحقا علاقة غرامية بينهما. تبدو الفتاة الصغيرة "بولكا" أكثر نضجا في الفيلم وربما اندفاعا من "ميمون" الذي يمنعه ذووه مرارا من لقاء بولكا، لكن الأخيرة تصر مرارا على اللقاء به وتنجح في ذلك. ويحاول المخرج في النهاية التأكيد على مسألة التعايش الحتمي بين الجانبين (العربي والغربي)، حيث تأتي عائلة ميمون لحضور حفل زفاف والدة بولكا مع معلمها، فيما ينفرد العاشقان الصغيران بقبلة النهاية التي تأتي تأكيدا للفكرة السابقة وإن بشكل أجمل. "ركلات": تناقضات المجتمعين العربي والغربي تنطلق كاميرا المخرج الهولندي ألبرت تير هيردت لترسم مشهدا عاما لمدينة أمستردام بجماليتها الآسرة التي تخفي وراءها-على ما يبدو- صورة قاتمة، حيث تنتقل الكاميرا سريعا لتنقل أحداث شجار نشب بين عدد من الشباب العرب –المغاربة- والهولنديين ينتهي بهم في مركز الشرطة الذي يبدو أنه مشابها- إلى حد ما- مثيلاته في العالم العربي، وخاصة صورة الملكة الهولندية التي يصر المخرج على إظهارها. تنتقل الكاميرا بعد ذلك لتعرّف بشخصيات الفيلم بتناقضاتها الحادة، حيث يستمر الشاب الهولندي –مغربي الأصل- "سعيد" في نجاحاته على حلبة الملاكمة أمام حشد كبير من الهولنديين ذوي الأصول المتعددة، فيما يخوض شقيقه "رضوان" –مغني الراب الهاوي- مع زميله حوارات عقيمة تكشف حجم التشتت والصراع النفسي الذي يعاني منه الشباب المغاربة في هولندا والذي يقود بعضهم إلى التطرف الديني والعنصري تجاه الآخر. غير أن ذروة الفيلم والحدث الأبرز الذي تبنى عليه بقية أحداث الفيلم تتجلى في فعل إطلاق النار الذي يقوم به شرطي هولندي أبيض على رضوان لاشتباهه بحالة سرقة يقوم بها الأخير، فيما تمتنع زميلته الشرطية السمراء ذات الأصول المغربية من إطلاق النار.الحادثة السابقة التي تؤدي لمقتل رضوان تقسم المجتمع الهولندي إلى طرفين متناقضين، حيث يؤكد رجال الشرطة أن زميلهم أطلق النار دفاعاً عن النفس لاعتقاده بأن الميكروفون الذي كان يحمله رضوان هو عبارة عن مسدس، فيما يرى مجتمع المهاجرين أن الحادثة تأتي في إطار عنصري، مستندين إلى بعض العبارات التي كان يرددها الشرطي حول المغاربة. أهمية الفيلم تأتي من كونه يكشف بشكل دقيق حساسيّة العلاقة التي تجمع بين الهولنديين البيض والمغاربة، حيث نكتشف فيما بعد جهل الطرفين ببعضهما وخاصة في حديث بعض الفتيات الهولنديات البيض عن الهولنديين المهاجرين ذوي الأصول المتعددة، وفي جهل إحداهما للجنسية الأصلية لمحدثها. يسعى المخرج في الفيلم إلى تأكيد حجم الفارق الكبير في الثقافة والتقاليد بين الطرفين وخاصة فيما يتعلق بالحرية الجنسية، حيث يرفض الشاب الهولندي ذوي الأصول المغربية الزواج من حبيبته عندما تخبره بأنها ليست بكرا، فيما يعتبر الزوج الهولندي الأبيض أن علاقة زوجته برجل آخر أمر طبيعي.هذا الفارق الكبير يمنع قيام علاقات ناجحة بين الطرفين، حيث يعتبر الأهل المهاجرون التحاق ولدهم بالجيش الهولندي خِدمة في جيش الأعداء، فيما ينعت بعض الشباب المغاربة "سعيد" بالخيانة لأنه يقيم علاقات مع فتاة هولندية ويرفض أن يأخذ الثأر لأخيه. كما أن المخرج يعود ليؤكد الجانب العنصري في طبيعة العلاقة بين الطرفين، حيث يلجأ الشرطي الأبيض الذي قتل الشاب رضوان إلى إظهار تسجيل يردد فيه الأخير كلمات ذات طابع عنصري، فيما يحاول أحد المخرجين الهولنديين البيض الاستعانة بفتاتين من أصول مهاجرة لاستخدامهما في مشهد مع بعض الكلاب، مستفيدا من أن الأخيرتين لا تستطيعان تقديم شكوى ضده كونهما لا تملكان أوراق رسمية للإقامة.لكنه بالمقابل يطلق دعوة للتعارف بين الطرفين بشكل أكبر، حيث تلجأ فتاة بيضاء للدخول إلى مجتمع المهاجرين لتتعرف على أحد الشباب وتقيم معه علاقة لاحقا.غير أن النهاية تأتي -كما البداية- متناقضة وضبابية حيث يفقد "سعيد" السيطرة على أعصابه في حلبة الملاكمة، فيوسع غريمه ضربا بطريقة وحشية تظهره وكأنه ينتقم من المجتمع الهولندي الذي قتل أخيه، لكنه يعود لاحقا ليقيم علاقة مع فتاته البيضاء التي هجرها قبل فترة، فيما تتوطد علاقة الفتاة البيضاء الأخرى بصديقها المهاجر.