مقدمة لا يختلف اثنان بخصوص الدور المحوري للمهندس والمهندسة في السياسات العمومية. وعندما نتكلم عن الهندسة نتكلم عن الجانب العلمي والتقني في مجال التنمية والتطور. إنهما ذلك العقل المبدع والمنفذ للعمل التنموي. دورهما سيبقى دائما دورا ومطلبا اجتماعيا محوريا لكونه يمثل مركز الثقل لاستراتيجيات التنمية في مختلف الميادين وخاصة في المجالات العمرانية والصناعية والزراعية. الأهمية التاريخية للهندسة تتجلى في كونها القاطرة التي جرت العالم إلى التطور والتحديث وما بعد التحديث. بالنسبة لنا في المغرب، إبراز أهمية الهندسة، بتراكماتها العلمية والتكنولوجية، يجب أن تكون أولوية نظرا لارتباطها بحاجتنا الماسة إلى تقوية اقتصادنا الوطني، وترسيخ العقلانية الثقافية والنجاعة في السياسات العمومية والخاصة. وتبقى هذه الحاجة مرهونة إلى حد بعيد بمدى ارتقاء المهن الهندسية ببلادنا إلى مستوى يمكنها من أن تلعب الأدوار المنوطة بها في مختلف المجالات. بالطبع هذا الهدف يتطلب كأولوية إعادة الاعتبار المعنوي والمادي للمهندس والمهندسة. إعادة الاعتبار هذه يجب أن تتحول إلى دعامة أساسية لمسار تقدم بلادنا نحو الحداثة، وإلى مقوم أساسي موجه لمختلف المجهودات في اتجاه تحقيق التنمية الاجتماعية الضامنة لكرامة المواطن. وعليه، وعلى غرار الدور التاريخي للهندسة في بناء الحضارات، يبقى تمكين الهندسة ببلادنا من لعب الأدوار السالفة الذكر هدفا ساميا لكل مهندس ومهندسة، هدف يحتاج إلى خلق هيئة هندسية بمقومات معنوية ومادية قادرة على إدارة التكنولوجيا الجديدة، وعلى الابتكار العلمي والتكنولوجي في مختلف ميادين البحث الهندسي، وعلى الاجتهاد في أنماط التدبير الجديدة في مختلف المرافق العمومية والخاصة، وبالتالي تنمية القدرة على مواجهة تحديات الحاضر والتقدم في تحقيق رهانات المستقبل. الوضع الهندسي القائم ببلادنا يحتاج اليوم إلى إجلاء الغموض عن الصفوة الذهنية المطلوبة، والتي يجب أن تترسخ مجتمعيا بدعم سياسي ونضالي مهما حاول البعض تجاهلها وعرقلتها. وفي هذه النقطة بالذات، لا بد من الإشارة أن التاريخ أكد عدم نجاح أي قوة ولا نزعة من النيل من وضوح أو لزوم الهندسة، هذه الأخيرة التي كان لها الفضل في الحيلولة دون تحويل النسبية إلى فراغ العدمية وظل بها القياس والعقل أساسيين في بناء الاختلاف. لمحة تاريخية بشأن مكانة ودور الهندسة في حياة البشرية من المعلوم أن الهندسة، بمختلف شعبها العلمية واختصاصاتها البحثية، قد مكنت الإنسانية عبر التاريخ من نبذ العبودية والاعتقاد بالخرافة وإضعاف مفعول سلطات الاعتقادات الميتافيزيقية المبتدعة (ما وراء الطبيعة)، ودعمت بالموازاة الفكر الفلسفي المبني على العقل، إلى درجة أصبحت الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، من خلال تحويل العالم إلى قرية صغيرة، تعترف بالاختلاف وبحقوق الثقافات، والأنواع، والجنسين، واللغات، والعادات الأخرى، وأن تحترمها. أكثر من ذلك، أصبح اليوم بمقدور الإنسانية أن تتواصل وتتفاعل في حينه (En temps réel) من مراكز متباعدة تفصلها مسافات كبيرة، بل وتتبادل أمورا من شتى الأنواع والأصناف. لقد عبرت صفحات التاريخ بجلاء كون العلوم الهندسية الصحيحة لم تخطئ في حق الإنسانية لا سياسيا ولا أخلاقيا كما أخطأت بعض العلوم الأخرى، بل ساهمت في تحقيق التقائية عالمية، تطورت بشكل كبير، وساهمت في بناء ما يسمى ب «الإنسية العالمية». بالعلوم الهندسية، تمكنت الإنسانية من التقدم بخطى ثابتة في بناء «الجسور» العالمية التي لعبت دورا كبيرا في تطوير التواصل الكوني بين البشرية، حيث تم تجاوز مرحلة العيش في «علب متفرقة» في مرحلة أولى، وتمت الدعوة إلى الاعتراف بالاختلاف والتنوع البشري والثقافي في مرحلة ثانية، ليفتح المجال في مرحلة ثالثة لتفاعلات حقيقية بشأن النضال من أجل الاعتراف بما يسمى ب«المواطن العالمي» وإخراج مفهوم «المجتمع الدولي» إلى الوجود بميثاق حقوقي دائم التطور والتجديد. بالعلوم الهندسية المنتجة للأشكال والتصميمات والتقنيات، والمخترعة لأنواع من المنتوجات الاستهلاكية والخدماتية والترفيهية، تجاوزت البشرية منطق الغزوات المحلية الطموحة والقاسية للفضاء الشامل زمن الإمبراطوريات التاريخية (مصر، روما، انجلترا، أمريكا،...)، واستمر التجاوز للظواهر غير المقبولة إنسانيا إلى أن أصبح اليوم بالإمكان التكلم عن الإرادة السياسية عند كل الفاعلين المجتمعيين الدوليين (الحقوقيون على الأخص) لبناء مجتمع دولي يدعو إلى السلام والانفتاح، بناء بلا حرب ولا سيطرة يسعى إلى تطوير علومه الهندسية العلمية من أجل تطوير منتوجاته المختلفة بشكل يضمن العيش الكريم لكل الشعوب والأمم، والسير في اتجاه الحداثة العالمية عبر الاعتراف التدريجي للشعوب، خصوصا في العالم الثالث، بالبرهان الرياضي والهندسي ( كلمة مهندس بقيت دائما وازنة في الثقافات الشعبية). الأهم في هذا الأمر هو الإشارة إلى كون انتشار البرهان في «عروق» الأمم الكونية لم تعرقله أي سلطة سياسية كانت أو مجتمعية أو ثقافية، ولم تقف أمامه الاختلافات وموازين القوى المنبثقة منها مهما كانت لسانية، أو دينية، أو عرقية، أو اقتصادية أو عسكرية. فمهما اختلفت الشعوب، بأقويائها وضعفائها، فهي تحسب وتستدل وتعتمد نفس البرهان لحساب قطر المربع مثلا. إضافة إلى ذلك، لا يمكن لأحد أن ينكر أن الهندسة والعلوم المرتبطة بها هي التي تتعولم بسرعة فائقة وتبني بذلك العالمية الحقيقية التي تخدم الأمم والشعوب. إن التطور الدائم للعلوم الهندسية بمكتسباتها أعفى الإنسانية من سؤال مصدر ظهورها، وأصبحت في وضعها المتطور ملكا متعدد المصادر، فلا هي يونانية، ولا مصرية، ولا بابلية، ولا صينية، ولا هندية،... إن لغتها، والأفكار التي أثيرت حولها، والاختراعات التي انبثقت عنها، ليست في عموميتها مرجعا لأي أرض معينة، شرقية كانت أم غربية، شمالية أم جنوبية، . لقد تمددت إلى درجة أصبحت منتوجا عالميا يساهم في تطوير العالم بأسره. إن الهندسة تكتب اليوم بلغة عالمية. فبعدما حرثت أجيال بدوية متدينة الأرض على مرأى من صور لآلهتها الوثنية، أصبحت هذه الأرض تتضمن كل المعدات العالمية الممكنة وتطبيقات الفيزياء، وعلم الفلك، والكيمياء، والبيولوجيا، والأنظمة المعلوماتية، والإلكترونيات،...إلخ. وفي مجال دعم العلوم الهندسية لمسيرة التحديث والعقلانية والتطور، لا يمكن للمرء تجاهل بعض المحطات التاريخية لمسار الإبداع العلمي في مسار التاريخ البشري. لقد عرف هذا التاريخ نظريات حولت رأسا على عقب مسار الحياة البشرية. لقد جاء جاليلو ونيوتن بنظرية السرعة الميكانيكية والقدرة على تفسير كثير من الظواهر الطبيعية والتنبؤ بها، واعتبرا الروح والفكر نتاج الدماغ، وّأن هناك توازن ما بين ما هو فكري وما هو جسمي. وبعدما كان شائعا أن الذرة هي أصغر جزء في المادة، تم اكتشاف كونها تتكون من الشحنات والالكترونات، وفندت بذلك فكرة كون المادة أساس كل شيء. وتم اكتشاف بعد ذلك أن المادة تتلاشى وتصبح عبارة عن طاقة، أو عبارة عن كائنات أشبه بالكائنات الروحية. كما تم استنتاج أن الزمان والمكان، وبالتالي الحركة، لم يعودا مطلقين كما تصور نيوتن، بل لقد اتضح مع النظرية النسبية أنهما نسبيتان ويتعلقان بالسرعة،....إلخ. لقد تطورت بعد ذلك النظريات العلمية إلى أن وصلنا اليوم إلى زمن التكنولوجيات الحديثة وإمكانية تحقيق الاستنساخ البيولوجي الحيواني والنباتي. دور الهندسة في العالم الغربي كنموذج بفضل رجال هذا القطاع، عرف الغرب الثورة التكنولوجية والصناعية وتقوت دوله ومجتمعاته سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا. فمنذ القرن التاسع عشر، برزت بالملموس الحاجة إلى المهندسين والتقنيين ورجال العلوم بدءا من المجال العسكري لتشمل بعد ذلك مجالات الصناعة، والفلاحة، والميكانيك، والهيدروغرافيا، والكهرباء، والأشغال العمومية، والإحصاء والاقتصاد، والإعلاميات، والبريد والاتصالات،...الخ. ففي فرنسا كنموذج، تم خلق مؤسسات هندسية كبرى وتسخير خبرتها في العمليات الاستعمارية في مرحلة أولى من أجل تشخيص وضع المستعمرات لتسهيل الدخول إليها، وفي مرحة ثانية تنمية واستغلال ثرواتها. هكذا، فقد أنشأت المؤسسة الفرنسية للمهندسين المعمرين سنة 1895، ومدرسة الأشغال العمومية العامة سنة 1898، واللتان تحولتا إلى مؤسسات ذات توجه استعماري بالمغرب ابتداء من 1912. ومع بداية الحماية الفرنسية للمغرب، تخصصت المؤسسة الأولى في التوسع العمراني وبدور المهندس في البلدان المستعمرة مع الاستثمار أكثر في قطاع السكك الحديدية كوسيلة للتهيئة الترابية للمستعمرات الفرنسية. نستنتج مما سبق أن المهندس الفرنسي كان دائما محور عمل الدولة، وأداة التعبير التي تقودها عزيمة لا تكل، فهو المعماري والمحافظ على السلامة، والميكانيكي والكهربائي والقائد وزعيم المجموعات البشرية التي توكل لها مهمة الإبداع والتنفيذ. واقع الهندسة بالمغرب ومتطلبات المرحلة بالرغم من إعلان الإرادة السياسية المبكرة لإعطاء الهندسة المكانة التي تستحقها في العمل العمومي، بقيت الوضعية المعنوية والمادية دون مستوى تطلعات المهندسين. بل أكثر من ذلك، بالرغم من المجهودات والنضالات المستمرة التي بذلت من طرف رجال هذه الهيئة، عاش المهندس في وضعية غموض حالت دون تمكينه من خدمة وطنه باحترافية ومهنية منذ الاستقلال. إن الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب تفرض اليوم تجاوز كل الاعتبارات المناوئة للعقلانية والتدبير العلمي الجاد للشأن العام. وهذا لن يتأتى إلا باتخاذ قرار تجاوز الحيف الذي يعاني منه قطاع المهندسين وتبوئه المكانة الطبيعية التاريخية التي يستحقها. إن المغرب لا زال لا يتوفر على استراتيجية واضحة تقوي علاقة تطور التكوين الهندسي ومكانة المهندسين بالحاجيات القطاعية في المرفقين العام والخاص، وتضمن التقابل الموضوعي ما بين العرض والطلب. فبالرغم من تسجيل تحقيق تحسن في مجال المناهج، والرفع المستمر لعدد الخريجين من المدارس والمعاهد العمومية للمهندسين ومن عدد الأطر المتشابهة المتخرجة من المؤسسات التكوينية الخاصة والكليات والجامعات العلمية، والحرص على الاستجابة للتطورات التي تعرفها مجمل القطاعات الاقتصادية (الفلاحة، الصناعة والخدمات، التجارة، السياحة،...)، وخلق مؤسسات تكوينية جديدة، والرفع من عدد الشعب الهندسية التي تتماشى وتطور القطاعات الاقتصادية زمن العولمة (الطيران، والسيارات، والمالية، ونقل الخدمات، والاتصال، والتكنولوجيات الحديثة، والصناعات الدقيقة، واللوجستيك، والميكانيك، وعلوم التدبير، ...)، لا زالت البلاد تعاني من عدة اختلالات في هذا المجال نذكر منها: • ضعف احترام دفتر المعايير والضوابط المتعارف عليها دوليا في مجال التكوين الهندسي، وتطبيق الضوابط البيداغوجية الجديدة المرتبطة بها. • تعاني مؤسسات التكوين من نقص كبير في التجهيزات مثل «الداخليات»، والمكتبات، والمطاعم، وضعف جودة المقررات، والنقص في جودة التكوين، وضعف التتبع والمراقبة في التداريب، وعدم توحيد شروط الولوج إلى الأقسام التحضيرية بين القطاع العام والخاص (ضمان تكوين مفتوح وديمقراطي)،...إلخ. • عدم الملائمة بين هاجس الرفع من مستوى المهن الهندسية عدديا وقدرة سوق الشغل في القطاعين العام والخاص على امتصاص الخبرة الهندسية وتسخيرها لتنمية البلاد في مختلف المجالات، وضعف الارتباط ما بين الخبرة الهندسية وفعالية ونجاعة الفعل الهندسي في التنمية. • عدم توفر الدولة على إحصائيات تتعلق بإدماج المهندسين في سوق الشغل وبوضعيتهم في العمل (المسؤولية والتحفيز والتكوين المستمر)، وبمستوى إسهام الخبرة الهندسية في التنمية، وتقوية الترابط بين الخبرة الهندسية والتكوين والتنمية الترابية ورفع تحديات المنافسة الدولية • عدم توفر الدولة على خطة عمومية محكمة توفر الشروط القانونية المحفزة على تفجير طاقة المهندس العلمية والتقنية والمعرفية والإدارية والتدبيرية. • عدم توفر البلاد على الفضاءات والآليات الضرورية للرفع من مستوى استغلال الخبرات الهندسية، وتقوية الجانب العلمي والمعرفي في مجال تدبير الفعل العمومي والمقاولاتي، ودعم التراكم المعرفي باستمرار لتقوية الترابط بين التكوين والتنمية عبر الاستثمار في البحث العلمي وخلق فضاءات تبادل المعارف والخبرات وتطور المهارات ومشاركة الأفكار. • ضعف الاهتمام الحكومي بضرورة تمكين المهندس من أن يكون الفاعل الأساسي القوي معرفيا وخبرة في المقاولة، والوزارة، والبلدية، والجماعة القروية، والولاية، والعمالة، والجهة، والجامعة،... ومن تفجير طاقاته في دعم وتنظيم الحركة العمرانية والهندسة المعمارية، والصناعة التحويلية، والصناعات الدقيقة، والإعلاميات والتواصل الرقمي، والتدبير التكنولوجي، والبنيات التحتية (الطرق السيارة، القناطر، المسالك، الماء الصالح للشرب، الكهربة، السدود،...)، والفلاحة، والسياحة، والأمن المجالي،...إلخ. خاتمة إن الوضع الذي يميز مغرب القرن الواحد والعشرين يفرض على الحكومة الحالية والحكومات المقبلة تحمل المسؤولية الكاملة لتفادي ضياع الوقت وضياع فرص التنمية الحقيقية للبلاد. فأمام ضغط الدعائم والأهداف المرسومة في مجال التنمية المستدامة (مقابلة الاحتياجات الآنية بدون الإخلال من قدرة الأجيال القادمة من مقابلة احتياجاتهم)، أصبح تطبيق مبدأ الاستدامة وتطوير مختلف مناحي الأنشطة الإنسانية التي لها علاقة ببقاء الجنس البشري وحياته المعيشية، مرتبطا أشد الارتباط بمدى قدرة الدولة والمجتمع لإعادة الاعتبار للمهن الهندسية وللمهندس كفاعل أساسي في مجال إيجاد الحلول المناسبة لتعقيد التناقضات والإكراهات زمن الانفتاح السياسي والاقتصادي، والتي تتطلب التحديد الدقيق للاحتياجات والمستهدفات بالتوازي مع تحقيق الرفاه الاقتصادي المستدام. فبقدر ما تتطلب الرهانات المستقبلية تقوية مكانة رجال الطب والعدل للرفع من مستوى التغطية الصحية والعدالة، تحتاج البلاد إلى تمتيع المهندسين بعناية خاصة للرفع من مستوى قدراتهم الإبداعية والبحثية ومن جودة ونجاعة المشاريع التنموية. تحتاج المهن الهندسية إلى إعادة الاعتبار لدورها المحوري الطبيعي والأساسي والمفصلي في التنمية والتقدم. فالمهندس يحتاج إلى إطار قانوني واضح المعالم يمكنه من تحمل الأعباء الملقاة على عاتقه بضغوطاتها ومسؤولياتها والتي تبدأ من تقديم الاقتراحات مرورا بتطويرها وتصميمها ووصولا إلى تنفيذها تمهيدا لاستعمالها وضمان استدامتها. إنه في حاجة إلى هيئة تصونه، وتحميه، وتشجعه، وتنمي قدراته، وتقوي من كفاءاته ومسؤولياته اتجاه الدولة والمجتمع. إن تنظيم مزاولة المهن الهندسية وتقوية فاعليتها ترابيا يتطلب إعادة الاعتبار لهذه الهيئة، سواء تعلق الأمر بالجانب المادي أو بتوفير الظروف المناسبة لتحقيق الترابط الدائم للمهندس بالمجتمع وإسهامه في التوجيه والتثقيف والتحسيس المجتمعي بأهمية التنمية المستدامة، وارتباطها الوثيق بالمشاريع الهندسية وبالسياسات والاستراتيجيات الهادفة إلى تحقيق الاستغلال الناجع للإمكانيات الترابية. يتطلب الأمر في هذا الشأن كذلك، خلق منظومة دائمة ونشيطة لتدريب وتطوير الأطر الهندسية وتوطيد علاقتهم بالهيئات الهندسية الدولية. إن المطالبة بتحصين قدرات الهيئة الهندسية وتقويتها ليست مطلبا عشوائيا، بل تمليه الإرادة السياسية لدعم التنمية من خلال تكليف الإنسان المناسب في المكان المناسب. إنها إرادة القطع مع البيروقراطية والتدبير الارتجالي للتنمية من خلال الارتقاء بالتشريعات والأنظمة القانونية المنظمة للمهن الهندسية بشكل يرسخ في أدبيات الفعل العمومي والخاص القواعد المضبوطة لمزاولة المهام والمسؤوليات، والمحافظة على أخلاقيات المهنة وآدابها والنهوض بمستواها التطبيقي في القطاعين العام والخاص التحدي الأكبر بالنسبة للمهندسات والمهندسين المغاربة هو أولا الارتقاء بمستوى المردودية الهندسية إلى المستوى المطلوب، وثانيا تقوية النضال من أجل إنصاف دور الهندسة كما هو مسجل في صفحات التاريخ البشري، وثالثا الاحتجاج بكل الوسائل لوضع الحكومات أمام مسؤولياتها التاريخية، مسؤولية إعطاء الهندسة المكانة التي تستحقها لدعم مختلف الإصلاحات في البلاد والحاجة إلى الإبداع وتنميته.