تنكب الاستخبارات الإسرائيلية دون ملل أو كلل على متابعة التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، بصفته جوهر ولب التهديد الأكبر على تل أبيب، ولإدراكها المسبق أيضا بأن منظمة حزب الله وحركة حماس وغيرهما من الحركات الإسلامية، ليست سوى أذرع استراتيجية لطهران في المنطقة وهو ما ألمح إليه التقييم السنوي الاستخباري الذي عرض على رئيس الوزراء إيهود أولمرت في جلسة الحكومة الأسبوعية يوم الأحد الماضي، وأكد التقييم كذلك ما أعلنه العام الماضي، هو وأن طهران ستتمكن مع نهاية عام 2009 من الحصول على القنبلة النووية. "" وفي ظل هذه المعادلة، ترى قراءات عديدة وتحليلات في الخيار العسكري الإسرائيلي الاستباقي ضد إيران، سيناريو محتمل الحدوث لطي حلقة الجدل حول هذا الملف المشتعل منذ بضع سنوات مضت. ولا تكاد الصحف العبرية اليومية تخلو من مقالات وتقارير تتحدث عن الخطر الإيراني الداهم، وسبل مواجهته دبلوماسياً وعسكرياً، متطرقة لاحتمالات الخسارة والربح في السيناريوهين. وبدورها لا تنكر القيادة الإسرائيلية بأن أحد السيناريوهات المتواجدة في الجارور، تتمثل في الخيار العسكري، وهو ما لوح به أكثر من مسؤول إسرائيلي في عدة مناسبات هذا العام. ولكن لهذا الخيار من المخاطر والارتدادات الكثير بما يجعل تل أبيب غير قادرة على احتماله، وهو ما يدفعها في الوقت الراهن لإعطاء الجهود الدبلوماسية والعقوبات الدولية الأولوية لكبح نووي إيران. وكحل قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل جدار دولي يدعم خيارا عسكريا. وبالتوازي مع ذلك، تحاول إسرائيل أيضا الوصول لعقل النووي الإيراني، وتجمع أيضا المعلومات والمعطيات لحشد مد عالمي لإحباط مشروعها بكل السبل الممكنة. حتى وصل الأمر بها للمطالبة بالعلماء الإيرانيين الذي يشرفون على برنامجها النووي. وأبرزهم بحسب التقارير الإسرائيلية د.محسن فخري زادة والذي يعتقد أنه المسؤول المباشر عن بناء مفاعل طهران النووي، والذي تبحث الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ زمن. وحسب وثائق استخبارية استندت إليها، صحيفة يديعوت الصادرة اليوم الأربعاء فإن فخري زادة يقف في العقد الأخير على رأس مجموعة تطور أجزاء مركزية في جهاز التفجير الإيراني. ومن ناحيتها، أشارت صحيفة "واشنطن بوست" الصادرة أمس بأنه في السنتين الأخيرتين دعت الوكالة الدولية فخري زادة للشهادة أمامها في عدة مناسبات. ولكن طهران منعت كل قدرة للوصول إليه. وتقول يديعوت: "حسب معلومات وصلت الى الدول الغربية فقد نقل فخري زادة الى مختبر محروس في مكان غير معروف محظور دخوله على مراقبي الأممالمتحدة". وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن فخري زادة هو خريج مركزي في نشاط "مجموعة السلاح" المسؤولة عن تطوير جهاز التفجير الذري، وهو يعمل في مكانين بالتوازي مع كونه محاضرا في الجامعة. احد المكانين اللذين يتواجد فيهما العالم محسن فخري، موقع التجارب في برتشين، قرب طهران، وفي هذا الموقع يطور الإيرانيون "عدسة تفجير"، الجهاز الذي سيحول لباب القنبلة الى كتلة حرجة ويبدأ رد الفعل المتسلسل الذي يؤدي الى الانفجار النووي، كما تشير الصحيفة الإسرائيلية. ولبناء قنبلة نووية، لا بد من إجراء رد فعل متسلسل يتطلب تفجير سلسلة من العبوات حول لباب القنبلة، والانفجار يجب أن يكون بالضبط بأجزاء من الثانية كي "يدفع" كتلة اللباب الى الداخل، والعملية غير بسيطة، وبحسب معلومات استخبارية نقلت الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجري العلماء الإيرانيون في برتشين تجارب على تفعيل متزامن لمواد متفجرة عادية شديدة الانفجار. "وحاول مراقبو الوكالة الدخول الى الموقع في أعقاب هذه المعلومات، ولكن رجال الاستخبارات الإيرانيين منعوهم من ذلك. وعندما جرى الفحص أخيرا، قيدت حركة المراقبين. ومع ذلك فقد عثروا على كاميرا من النوع الذي يستخدم في التجارب في الانفجارات المتزامنة، كما تقول يديعوت. أما المكان الثاني الذي يعمل فيه فخري زادة فهو لويزان، شمال طهران، وهو معسكر للجيش الإيراني. وتشير التقارير الإسرائيلية إلى أنه في الموقع جرت معظم التجارب والتطويرات على صواريخ شهاب الإيرانية. وابتداء من 2005 يدير هناك فخري زادة مشروعا هدفه ملاءمة القنابل الذرية مع الرأس المتفجر لصواريخ شهاب. وبحسب هذه التقديرات التي أوردتها يديعوت فإنه وبعد وقت قصير من طلب مراقبي الوكالة الدولية زيارة الموقع ورفض طلبهم لأعذار مختلفة، بدأت الأقمار الصناعية للتجسس بتوثيق أعمال هدم وحفر على نطاق واسع في الموقع. الإيرانيون أزالوا المباني، اخلوا الحطام وحفروا في المكان حفرة هائلة وابعدوا الى أماكن بعيدة كل بقايا النبات والتراب التي كانت هناك، واغلب الظن كانت مصابة بإشعاع أو بمواد محظورة أخرى. وعندما سمحوا أخيرا للمراقبين بالوصول، تبين أنه لم يعد هناك شيء يمكن فحصه. ومن جانبه، قال يوسف (تومي) لبيد وزير العدل الإسرائيلي الأسبق اليوم الأربعاء إن خوض حرب واسعة مع إسرائيل أمر لا يجرؤ أحد عليه، وكتب لبيد يقول في مقال له في صحيفة معاريف تحت عنوان "ميزان الرعب": "من المعقول الافتراض انه ينتظرنا المزيد من الحروب. سيكون دمار وندفن ضحايا. ولكن يوجد حدود لا يمكن لأي زعيم عربي أو رئيس إيراني أن يجرؤ على الوصول إليها". وأضاف لبيد: "كان سيسر الأسد هدم تل أبيب، واحمدي نجاد يهدد بشطب إسرائيل عن الخريطة. ولكن الأسد ليس معنيا بان تباد دمشق، وكذا احمدي نجاد لن يخاطر باختفاء طهران، مهما كانا مجنونين، متعطشين للدماء، متزمتين، فإنهما لن يضحيا بكل عزيز عليهما كي يبيدا "الكيان الصهيوني". وتابع الوزير الإسرائيلي الأسبق حديثه قائلا: "هذا يسمونه "ميزان رعب". وقد نجح هذا في المواجهة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي في عهد الحرب الباردة، وهذا سينجح أيضا في المواجهة بيننا وبين أعدائنا"