ربما كانت الخطوة الإيرانية المتوقعة بإلغاء اسم خالد الإسلامبولي الذي أطلق على أحد شوارع العاصمة طهران لتخليد تسمية قاتل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات عام 1981 ردا على توقيعه اتفاقية كامب ديفيد بداية التوجه الجديد في السياسة الخارجية الإيرانية على نحو عام، وإشارة إلى تطبيع العلاقة الباردة مع مصر على نحو خاص. لا شك أن مثل هذه الخطوة ليست بالخطوة الاستراتيجية التي تقاس بها التوجهات الكبرى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن رمزيتها السياسية قد تسمح بالاستنتاج بأن إيران الحاضر ليست إيران الماضي، وبأن هناك في الداخل توجها سياسيا تبلور أو في طريقه إلى التبلور، سواء على جبهة التيار الإصلاحي أو على جبهة التيار المحافظ المقابل ثم على صعيد حالة التقاطب بينهما فيما يتعلق بملفات عدة في السياسة الخارجية الإيرانية. ويقول المسؤولون الإيرانيون، وعلى رأسهم علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس الأسبق لإيران والرئيس الحالي لمجمع تشخيص مصلحة النظام، أن شارع الإسلامبولي ليس هو العقبة الرئيسية التي تمنع من عودة العلاقات بين طهرانوالقاهرة وإنما المشكلة في اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها القاهرة مع تل أبيب عام ،1979 ولكن القاهرة تتشبث بموقفها الداعي إلى إلغاء تسمية الشارع المذكور، وترى أن الاتفاقية المشار إليها لم تعد عقبة بعد أن انجرت عدة دول عربية إلى عقد اتفاقيات مماثلة مع الدولة العبرية منذ اتفاقية أوسلو العام 1993. سيف التهديد الأمريكي! لقد حال اسم خالد الإسلامبولي خلال أزيد من عقدين من الزمن دون أي اتصال أو تمثيل ديبلوماسي بين القاهرةوطهران، وظل باستمرار السور المنيع الذي يعترض أي تطبيع في العلاقات حتى عندما بدأت الديبلوماسية الإيرانية بعد مجيئ عهد محمد خاتمي عام 1997 في تحقيق بعض الاختراقات الديبلوماسية في العالم العربي مكنتها من إعادة تطبيع العلاقات مع عدد من البلدان العربية. وكانت الحكومة الإيرانية في بداية الثمانينات من القرن الماضي قد أقدمت على إطلاق إسم قاتل السادات ردا على استقبال القاهرة للشاه بعد الإطاحة به في ثورة ,1979 وخلال الفترات اللاحقة عاشت إيران في وضع لا تحسد عليه مع جيرانها، كان أبرز تعبيراته الحرب العراقية الإيرانية التي دامت من 1980 إلى 1988 والتي وقفت فيها مصر إلى جانب العراق، وهي المرحلة التي عاشت فيها إيران أصعب مرحلة في تاريخها الحديث بسبب العزلة الإقليمية التي مردها إلى عدم القبول أو التعايش مع النظام الجديد. بعد أحداث 11 شتنبر2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت إيران وكأنها الشخص الذي يوجد في فم الأسد، فكان طبيعيا أن تبادر إلى توجيه إشارات معينة إلى واشنطن تدل على الاعتدال ، حيث تعاونت معها أثناء الحرب على حركة طالبان واحتلال أفغانستان، بل إنها سمحت للطائرات الأمريكية بأن تهبط في مطارات إيرانية في جنوب البلاد في الحالات الطارئة، وبعد الاحتلال الأمريكي منحت تأييدها لحكومة أفغانية موالية للإدارة الأمريكية في جوارها بزعامة حامد قرضاي. وبالرغم من ذلك وضعت إدارة جورج بوش إيران مع دول محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، الأمر الذي كان يعني بأن المواجهة مع الولاياتالمتحدة لم تعد مستبعدة، ودفع ذلك إيران إلى أن تبدي نوعا من المرونة لتظل بعيدة عن الحرب على العراق في شهر مارس الماضي، وأن تحافظ على مسافة بينها وبين شيعة العراق بشكل يرضي واشنطن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، على الرغم من أن الوجود الأمريكي للمرة الأولى في تاريخ المنطقة أصبح عامل تهديد قوي للأمن الإيراني على حدودها مع العراق وأفغانستان. رهانات مشتركة شكل اللقاءالتاريخي الذي جمع بين الرئيسين الإيراني محمد خاتمي والمصري حسني مبارك قبل أيام على هامش القمة العالمية الأولى للمعلومات في جنيف برأي عد كبير من المراقبين قفزة نوعية في العلاقة بين البلدين منذ الثورة الإيرانية ومقتل السادات، وأعطى ذلك اللقاء مؤشرا قويا على قرب التطبيع بين الدولتين الذي يرى البعض أنه لم يعد سوى مسألة وقت فقط، تنتظر إقدام المحافظين المسيطرين على بلدية طهران بإلغاء تسمية الشارع الذي طالما رسم فجوة واسعة بينهما، والزيارة الرسمية للرئيس المصري إلى إيران التي ستكون الأولى من نوعها منذ أكثر من ربع قرن من الزمن. إن الرهانات تبدو متقاربة لدى الطرفين. فالتقارب المصري الإيراني يمكنه أن يعطي عمقا استراتيجيا للدولتين هما في أمس الحاجة إليه في هذه الظرفية بالذات، عربيا وإسلاميا، خصوصا وأن التهديدات الأمريكية أصبحت هاجسا مشتركا لمجموع دول المنطقة اليوم بعد النموذج العراقي الذي أصبح شارة تلوح بها واشنطن. وتدرك العاصمتان كما العواصم العربية الأخرى أن الملقط الأمريكي يتجه إليها واحدة بعد الأخرى في إطار الإستراتيجية الشاملة التي تتبعها الإدارة الأمريكية لإنجاز المشروع الذي ينادي به المحافظون الجدد في البيت الأبيض لتغيير المنطقة. من ناحية، فإن مصر التي طالما ربطت دورها عربيا بمسلسل التسوية السياسية في منطقة الشرق الأوسط قد بدأت ترى هذا الدور يتراجع بانعدام الحاجة إليها في واقع جديد بالمنطقة يتميز بالتواجد الأمريكي المباشر في الساحة، والرفض الإسرائيلي لأي دور مصري، وأخيرا بالرد الذي تلقته الديبلوماسية المصرية في القدس الشريف يوم الإثنين الماضي بما تعرض له وزير خارجيتها أحمد ماهر، والذي يعني أن هذا الدور المصري ليس مرغوبا فيه فلسطينيا، الأمر الذي بات يملي على القاهرة إعادة النظر فيه وبالتالي البحث عن موقع جديد لها غير موقع وكيل السلام الأمريكي. أما من ناحية إيران، فإن التقارب مع مصر التي تحتضن مقر جامعة الدول العربية سيشكل فرصة لتقوية علاقاتها بالعالم العربي بعد الاختراقات الديبلوماسية التي حققتها مع بلدان عربية أخرى، والتي مثلت قمة منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1997 في طهران بمشاركة جميع أعضائها من العالم العربي بداية انطلاقته الفعلية، خاصة وأن طهران تقدمت مؤخرا بطلب الحصول على عضوية الجامعة العربية بصفة مراقب. تحالف ثلاثي؟ تعتبر دمشق الحليف العربي الطبيعي والأقدم لطهران بعد ثورة ,1979 بسبب تداخل المصالح بين البلدين في لبنان بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982 وما تلاه من تأسيس حركة أمل الشيعية في ظل التواجد السوري في لبنان. وبعد حرب العراق وتهديد واشنطن لسوريا ظهر التنسيق بين البلدين قويا في مواجهة هذه التهديدات، تمثل في تصريح خاتمي الشهير الذي قال فيه بأن العدوان الأمريكي على سوريا لن يدع إيران في موقف محايد، ويوجد البلدان اليوم في موقع الإستهداف الأمريكي والإسرائيلي، سواء بما يتعلق بالملف النووي للدولتين أو بالمواقف من مسلسل السلام وورقةخريطة الطريق الأمريكية ثم اتفاقية جنيف. أما مصر وسوريا فقد حققا تقاربا ملحوظا بينهما في الفترة الأخيرة، وفي القمة التي جمعت بين حسني مبارك وبشار الأسد في الأسبوع الماضي بالقاهرة أعلنت الدولتان ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ودعتا إلى تدمير أسلحة الدمار الإسرائيلية التي تشكل تهديدا لأمن المنطقة. وبدخول الدور الإيراني تكون قد اصطفت جبهة ثلاثية مصرية إيرانية سورية لطرح المشروع النووي الإسرائيلي الذي كانت دمشق أول من أثاره رسميا في أروقة الأممالمتحدة قبل أشهر قليلة. ويبدو أن الخطوة الليبية التي أحرجت هذه الأطراف قد أحرجت أيضا الدولة العبرية التي بدأت ترسانتها النووية تحتل الواجهة، وهو موضوع أصبح اليوم يطرح بشكل جدي في الغرب، كما كتبت صحيفةالغارديان البريطانية قبل أيام في افتتاحيتها، وليس من شك في أنه قد يكون عنوانا لمعركة ديبلوماسية وسياسية أكبر في الفترات المقبلة، وربما كان نجاح التقارب المصري الإيراني بداية في هذا الطريق. إدريس الكنبوري إيران ومصر: مسار علاقات متعثرة 1921م افتتاح أولى سفارات إيران في القاهرة في التاريخ الحديث 1952 انهيار العلاقات بين مصر وشاه إيران بسبب الثورة المصرية التي قام بها جمال عبد الناصر على الملك فاروق الذي تربطه علاقات عائلية مع الشاه. 1960 مصر تقطع علاقاتها نهائيا مع إيران بسبب التطبيع بين الشاه وبين الكيان الصهيوني 1978أنور السادات يوقع اتفاقية السلام مع الدولة العبرية ويقوم بزيارة القدس في العام التالي 1979 قيام الثورة الإيرانية وهرب شاه إيران الذي استقبلته القاهرة 1980وفاة الشاه ودفنه في القاهرة 1981اغتيال الرئيس المصري أنور السادات 1988: وفاة الإمام الخميني زعيم الثورة الإيرانية 1991: عودة مكاتب رعاية المصالح بين القاهرةوطهران. 1997: انتخاب محمد خاتمي رئيسا لإيران أبريل 2000: تأسيس أول جمعية للصداقة بين مصر وإيران منذ الثورة الإسلامية مارس 2001: وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي يزور القاهرة ويعلن أن الخلاف مع مصر هو بسبب اتفاقية السلام التي وقعتها مصر مع تل أبيب وأنالشارع والقبر بريئان إشارة إلى شارع خالد الإسلامبولي وقبر السادات. دجنبر2003: أول لقاء بين الرئيس الإيراني محمد خاتمي ونظيره المصري حسني مبارك في جنيف.