العالم على كف عفريت كما يبدو هذه الأيام. فتصاعد الحملة الإعلامية والسياسية والنفسية المكثفة، والتقارير الاستخبارية تشير أن التحرك العسكري ضد إيران جاهز من قبل الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وجنرالات الحرب تقرع الطبول بصوت عال وعنيف وتقر أن "ساعة الصفر" اقتربت لتتحرك عجلات الحرب و"تقصم ظهر إيران العنيد". فحدة العقوبات الاقتصادية ونافذة فرص الآلة الدبلوماسية الغربية شبه عاجزة وتوشك على الانغلاق، ونصف الأساطيل الأمريكية تحتشد في مياه الخليج قبالة الساحل الإيراني، وقواعدها العسكرية تنتشر على أراضي دول الجوار العربي والعالم بسرعة البرق، ولغة التهديد الإسرائيلية بدأت تترجم عملياً على لسان رئيس وزرائها بنيامن نتنياهو. هكذا يتسابق الرعب مع تصريحات الرئيس الأمريكي باراك اوباما الأخيرة في نظر بعض المسؤولين الأمريكيين والمحللين العسكريين للهجوم على إيران حيث هدد اوباما بشكل مباشر إيران بقوله: "إن أمريكا تحتفظ بجميع الخيارات العسكرية على الطاولة" في إشارة واضحة باللجوء إلى استعمال السلاح النووي. وجاء رد إيران على هذا التهديد سريعا على لسان رئيسها محمود احمدي نجاد حين نصح اوباما "بعدم ترك هذه الخيارات العسكرية طويلا على الطاولة لأنها قد تتعفن". السبب في كل هذا، ادعاء أمريكا أن لإيران برنامجا لتطوير السلاح النووي، الشيء غير المسموح به لان إيران "دولة" غير مسؤولة. كما تتهم أمريكا إيران بالتدخل في الشأن العراقي عبر تصدير السلاح إليه وتدريب "شبكات من المرتزقة" لمحاربة القوات الأمريكية، وتضيف أن إيران تتاجر في الإرهاب وتمد حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية والنظام السوري بالأسلحة والدعم المعنوي. هذه الذرائع تخفي حقيقة ما تبطنه أمريكا. المشروع الأمريكي في مواجهة المشروع الإيراني إن الملف النووي الإيراني يخفي الحقيقة الأساسية للصراع الأمريكي-الإيراني. فالصراع استراتيجي-إيديولوجي محض نتناوله بالتحليل لاحقا في الجغرافية السياسية. وهذا الصراع يتجذر ويترسخ كل يوم وبقوة بين أمريكا وإيران في المنافسة السياسية. فأمريكا تسعى إلى التفرد في إدارة الشؤون العالمية ومصادرة جميع الأدوار الدولية والإقليمية لمصلحة هيمنتها المستجدة بعد انتهاء الحرب الباردة. والنفوذ الأمريكي يعتبر نفسه القطب الأوحد والأجدر في تسيير العالم. وتندرج الأزمة النووية الإيرانية الراهنة في هذا السياق. فواشنطن تريد وقف البرنامج النووي الإيراني، بذريعة إمكانية خروجه عن مساره السلمي باتجاه تصنيع أسلحة نووية، الأمر الذي يشكل خطرا في انتشار التسلح النووي في الشرق الأوسط، وإمكانية استعماله بطريقة عدوانية ضد إسرائيل. وفي الوقت نفسه توقع الولاياتالمتحدةالأمريكية اتفاقية مع الهند تقوم واشنطن بموجبها بتزويدها بأجهزة لبناء مفاعلات نووية لتوفير الطاقة إليها. هذا مع العلم أن الهند كانت على القائمة السوداء للولايات المتحدة منذ أن أجرت أول تفجير نووي في العام 1974. ولعل الجانب الأكثر ضررا في هذه الاتفاقية أنها تنتهك واحدا من أهم أهداف المعاهدة الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية التي صدرت في العام 1970. فهذه الاتفاقية تكافئ الهند بمساعدات نووية برغم رفضها التوقيع على المعاهدة وامتلاكها أسلحة نووية. أما إيران فهي تتمسك بحرفية نصوص معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتسمح بالتفتيش لمنشآتها النووية، وتتعاطى بايجابية مع فرق التفتيش. هذا إذا ما أضفنا لذلك ازدواجية المعايير للموقف الأمريكي تجاه كل من باكستان و إسرائيل اللتان تمتلكان بالفعل السلاح النووي. فأمريكا تصر على تعليق إيران لتخصيب اليورانيوم إذا أرادت كسب ثقة العالم وتغض الطرف على إسرائيل والباكستان. أما طهران فتشدد على طموحاتها النووية السلمية وتقول إن لها الحق في تخصيب اليورانيوم باعتبارها موقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتفتح المجال للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من ذلك. وتذكر إيران أن الولاياتالمتحدة تمتلك ترسانة هائلة من السلاح النووي وتعتبرها أول وآخر دولة غير "مسؤولة" إلى يومنا هذا، في استعمال هذا السلاح ضد اليابان. وتستنتج أن أمريكا لا تتمتع بأي جانب أخلاقي أو قانوني في حظرها لامتلاك هذه الطاقة. هكذا يحاول المشروع الإيراني انتزاع دور المؤثر إقليميا تجاه القطب العالمي الأوحد، الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي. فإيران تبلورت كقوة عظمى إقليمية ولاعب جديد ومؤثر في المسرح الدولي بسبب الفشل والإخفاق المتكرر للمشروع الإقليمي العربي المتذبذب والغامض وغير القادر على حل مشاكله وأزماته دون الاعتماد سياسياً وعسكرياً واقتصادياًً على العامل الدولي. كما أن تخبط وتناقض السياسة الأمريكية في نزاعات المنطقة زاد من قناعات إيران أن تقوم بدور إقليمي متميز. فالرجوع إلى الخلف مليا يوضح لنا جذور الصراع الحالي. فبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الإدارة الأمريكية، بتنسيق مع الاتحاد السوفيتي، بصياغة الخطط للسيطرة على العالم. وهكذا ظهر النظام الدولي ثنائي القطبية على قاعدة أن الدول الإقليمية قد تمتلك بالفعل المقومات الأساسية للعب دور ما في الميزان السياسي، ولكن بالتحالف مع أحد القطبين الدوليين. ويأتي المشروع الإيراني بعد الحرب الباردة ويواجه القطب النظامي الأحادي الراهن في العالم ويحاول قلب الأوراق والتخلص من هذا اللون من التفكير ويطرح بديلا استراتيجيا جديدا و متكاملا وعلى قاعدة إيديولوجية مختلفة بسبب احتياطاتها من الطاقة والقدرات الذاتية والبشرية والقدرات العسكرية في منطقة هامة في الإستراتيجيات العالمية. الحقيقة، إن التقرير الذي أصدرته وكالة الاستخبارات الأمريكية في العام 2005 ولاحقا هذه السنة، هو مسودة تتناقض مع فرضيات البيت الأبيض حول مدى قرب إيران من صنع قنبلة نووية. ويوضح التقريران أنهما لم يتوصلا إلى أي دليل على وجود برنامج نووي إيراني سري، مواز للعمليات النووية السلمية التي صرحت بها طهران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتابع التقريران وقالا بالحرف أن إيران لا تمتلك برنامجا نوويا عسكريا سريا. وختما أن إيران توقفت عن كل التجارب النووية العسكرية منذ العام 2003. وفي تقديرنا، يأتي هذان التقريران، فقط لغسل ماء وجه الوكالة التي زيفت الحقائق في الماضي ضد العراق في شأن وجود أسلحة دمار شامل وهيأت الأرضية لغزوه. وكل هذا يصب في قالب إستراتيجية بث بذور الفرقة والتشويش والتعتيم التي تغطي الدوافع والنيات الحقيقية للسياسة الأمريكية لتروج لمنطق الحرب مع إيران. متى تبدأ الحرب؟ إن الحرب الأمريكية على إيران بدأت بالفعل منذ أزيد من ثلاثين سنة، أي بعد قيام الثورة الإسلامية ورجوع آية الله الخميني إلى إيران وخلع الشاه، الذي كان يضطلع بدور الشرطي المفضل والأقوى في حماية المصالح الأمريكية، والمنفذ المعتمد للسياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. فالديمقراطيون والجمهوريون المتناوبون على السلطة منذ الثمانينيات مرروا سياسة واضحة يتم بمقتضاها استرجاع إيران إلى معسكر واشنطن ونفوذها بالتخلص من النظام الإسلامي في طهران. فمسألة تغيير النظام في إيران قد تم وضع حلول لها منذ قيامه وبقي الأمر يقتصر على الزمن والكيفية والوسائل الممكنة لتنفيذ الخطة. )يمكن تصفح التقارير السرية للإدارة الأمريكية في إسقاط النظام الإيراني على موقع –(National Security Archives. وتيقظ ذهن المخابرات المركزية إلى أن خير من يمكن أن يقوم بهذه المهمة هو صدام حسين. وهكذا خططت الولاياتالمتحدة لتلك الحرب المجنونة (19801988-) نفذها صدام بالنيابة. ولم يفطن صدام أن تلك الحرب كانت بداية نهايته. فلو كان حذقا و قرأ مجلدا واحدا عن المخابرات المركزية الأمريكية لتنبه أن أمريكا تصنع الديكتاتوريات وتسقطهم. مزق صدام اتفاقية الجزائر لعام 1975 التي عينت خط الحدود في منتصف شط العرب المائي واندفع لتنفيذ المخطط الأمريكي باجتياح منطقة خوزستان الإيرانية الغنية بالنفط والاستيلاء عليها تحت ذريعة أنها منطقة عربية تدعى عربستان وتستولي عليها إيران. وصرح في إحدى القمم العربية أن العراق يحارب نيابة عن الأمة العربية وشرفها، ووصف "العدو" انه فارسي مجوسي يهدد وجود الأمة العربية! وبدأ الهجوم المعاكس من الجانب الإيراني الذي استطاع إلحاق الهزيمة بالجيش العراقي ومن ورائه من أمريكيين وصينيين وسوفيات وفرنسيين وعرب ومرتزقة من كل أنحاء العالم بما فيهم البرازيليين والإسرائيليين. و حررت إيران مدنها وأراضيها بما في ذلك منطقة خوزستان. واستمرت الولاياتالمتحدة في تقديم السلاح والمعلومات الاستخبارية العسكرية للعراق وزودت صدام بتكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة الكيماوية عندما بدا الجيش العراقي في حالة من الاندحار. وتوالت سنوات الحرب الثمان إلى أن تحولت الحرب إلى حرب ناقلات النفط، وأصبح تأمين إمدادات النفط بالغ الصعوبة إلى الغرب، وأصبحت إيران تشكل خطرا عسكريا حقيقيا على المنطقة برمتها. عند ذاك أصدر مجلس الأمن قراره بوقف الحرب، واضطرت الحكومة الإيرانية إلى القبول بوقف إطلاق النار وكأنها "تتجرع السم"، بعد أن أدركت أن الولاياتالمتحدة لن تسمح بخسارة العراق في الحرب. ودفع العراق و إيران ثمنا باهظا. كما أن دول الخليج العربي تكبدت الديون المترتبة عن هذه الحرب والتي وصلت إلى 700 تريليون دولار. لكن الخاسر الأكبر كان أمريكا. فخططها فشلت في قتل الإيديولوجية الإسلامية في مهدها وكان لزاما أن تبحث عن البديل وانتظرت المعجزة التي سقطت من السماء في 11 سبتمبر 2001. فهي لا تتوقف عند "حدود" مادام الآخرون يدفعون الثمن. لكن هذه المرة سيكون الأمر مخالفا. ذلك أن واشنطن ألقت بنفسها في مستنقع عندما غزت كلا من أفغانستان والعراق وأصبحت قواتها في متناول الصواريخ الإيرانية. كان لزاما على أمريكا أن تقوم بهذه الخطوة ليس لمحاربة "الإرهاب" والقاعدة، ولكن لان الاستراتيجيين الأمريكيين يعتقدون، وفق "خطط مسبقة التنفيذ"، أن الوصول إلى آبار النفط والهيمنة على أكبر قدر من احتياطي الطاقة العالمي، له أهمية استراتيجيه خاصة لأنه العنصر الأساس في حسم التفوق الأمريكي في أية صراعات مستقبلية. وسيمكنها في النهاية من تركيع اقتصاد العالم، والتحكم في معدلات النمو ومحاصرة الاقتصادات المنافسة للاقتصاد الأمريكي مثل الصين والهند وروسيا وربما أوروبا واليابان. وكان هذا من أظهر الأسباب التي دفعت أمريكا لغزو العراق واحتلاله والتحكم في نفطه والتخلص من صدام. كما اجتاحت من قبله أفغانستان لمحاصرة إيران من الجهتين للاستعداد لغزوها والاستيلاء على طاقتها. بعدها مررت أمريكا فكرة "الشرق الأوسط الكبير" لرسم المعالم السياسية الجديدة لشرق أوسطي كبير، وطمس إيران من الساحة والتفرد بالقرار في الشرق الأوسط. إلا أن حزب الله وقف في وجه الفكرة حاجزا مانعا وأعلنت أمريكا الحرب عليه عن طريق ربيبتها إسرائيل في تموز من العام 2006، وخسرت بطريقة مخزية. إذن، حاربت إيران بالفعل الولاياتالمتحدة مرتين: مرة في حرب الخليج الأولى، ومرة في حرب تموز وانتصرت وفشلت السياسة الأمريكية في إسقاط النظام الإيراني الإسلامي وتمرير سياسة الشرق الأوسط الكبير وكان ذلك بمثابة صدمة كبيرة لها. وبعد إخلاء الجمهوريين من البيت الأبيض جاء الرئيس باراك أوباما ليجد نفسه ملزما بان ينهي الرسالة التاريخية و"الإلهية" التي وضعها الرئيس السابق جورج بوش الابن، بإزالة النظام الإسلامي في إيران مهما كلف الثمن. وتتميز إدارة اوباما الحالية عن إدارة سلفه التي سيطر عليها المحافظون الجدد والصقور الذين أسسوا لسياسة خارجية قائمة على فكرة أحادية تتعلق بمبدأ "الأخلاقية"، بتطبيق فكرة ثانية تتعلق بمبدأ "الواقعية" ومفادها التعامل مع الوضع كما هو وضبط الاستقرار بالاستعانة بتحالفات "مؤقتة" لتمرير الإستراتجية الأمريكيةالجديدة دون الدخول في مواجهات مع أطراف معينة. ويريد الواقعيون "الجدد" في إدارة اوباما تحقيق مصالح الولاياتالمتحدة بشكل أساسي من خلال النظر إلى العالم وإلى الساحة الدولية من منظور صراع القوى لا صراع المبادئ، ويرفضون الإفراط في الحديث عن الأهداف الفكرية والمثالية لسياسة الولاياتالمتحدة الخارجية. وينتمي إلى هذا المعسكر عدد كبير من صناع السياسة الخارجية القدامى، وعلى رأسهم شخصيات مثل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي السابق، وزبغنيو برجنسكي مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جيمي كارتر. إلا أن القاسم المشترك بين الإدارتين هو البغض الشديد للإسلام والعرب والمسلمين، وتشويه الثقافة الإسلامية وتدميرها، والإبقاء على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة. لكن ثمة حقائق بدأت تطفو على السطح أثرت على فكرة الحرب مع إيران. فالقلق من طبيعة الرد الإيراني افرز وجود مقاومة ضد مهاجمة طهران داخل البانتاغون. فثلاثة من العسكريين الأمريكيين المتقاعدين من الرتب العالية، القائد الأسبق للقيادة الأميركية الوسطى جوزف هوارد والمدير السابق لمركز المعلومات الدفاعية الأميركية جاك شانهان والجنرال روبرت غارد، من مركز السيطرة على الأسلحة ونشر أسلحة الدمار الشامل في واشنطن، حذروا من أي هجوم عسكري على إيران. وحذر قائد القيادة الأميركية الوسطى السابق الجنرال جون أبي زيد من أن إيران تمتلك الوسائل غير التقليدية لإلحاق الهزيمة بالقوات الأمريكية. إضافة إلى الأميرال البحري الأمريكي مايكل مولن الذي أعلن أن أي هجوم على إيران سيكون بمثابة "حماقة". وفي أوروبا، يجاهر البريطانيون بعدم تقبلهم لفكرة هجوم على إيران لانها تعي الدمار الذي ستلحقه الحرب إذا ما اشتعلت. وأوربا تفهم جيدا انه في حال نشوب مواجهة عسكرية فإنها ستتجاوز في تداعياتها الرقعة الجغرافية في الشرق الأوسط، لتشمل العالم بأسره، من حيث الآثار الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية. لكن يبدو أن هذه الحقائق لم تستطع إقناع اوباما ورعيل المحافظين بالتوقف عن تنفيذ مغامراتهم المروعة في المنطقة، حيث لم تغير من جوهر توجهات اوباما بشأن تسديد ضربة عسكرية قاسية لإيران، وبخاصة إذا ما أخذنا تلميحاته الأخيرة في خطابه أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية "ايباك" حيث بدأ يهيئ الرأي العام العالمي لحرب عالمية ثالثة. وانطلاقا من هذا التصور الجنوني، هل يستطيع اوباما وإدارته المتطرفة أن يقدما على مغامرة جديدة في المنطقة تحقق أهدافهم تلك، بعد الحرب التي شنتها أمريكا على كل من العراق وأفغانستان، بدعوى محاربة الإرهاب؟ الضربة الجوية والبحرية نسقط من حسابنا إسرائيل والهجوم على إيران اضعف ما تكون للإقدام على الهجوم على إيران. فبيتها من زجاج وصواريخ "شهاب 3" الإيرانية مصوبة نحو محطة ديمونا النووي الإسرائيلي، وإسرائيل تعرف عين اليقين أنها إذا ما أقدمت على ضرب إيران فمن المؤكد أنها ستقع تحت طائلة ضربات الصواريخ الإيرانية الموجعة والقاسية. ومن هنا يمكننا القول أن الحكومة الإسرائيلية تجد نفسها في مأزق خطير وحقيقي تجاه الملف الإيراني النووي. فلاهي قادرة على مواجهته بالحل العسكري ولاهي قادرة على فرض شروط سياسية نظرا لسجلها العدائي في المنطقة. وتتفوق إسرائيل على إيران في حالة واحدة، وهو استعمال السلاح النووي ضدها الشيء المستبعد والمستحيل لتداعياته الدولية والإقليمية. أما التورط العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان فقد استنزف الطاقة البشرية العسكرية وبالتحديد القوة البرية للجيش الأمريكي. ورغم أن اوباما يعتقد أن الحرب المقبلة المحتملة ضد إيران ستقتصر على القوات الجوية والبحرية، فمن الأرجح أن القوات الإيرانية ستستدرج الولاياتالمتحدة إلى حرب برية. ويبقى سيناريو شن سلاح الجو الأميركي ضربات جراحية وسريعة على المنشآت النووية الإيرانية هو الأكثر تداولاً في الأروقة العسكرية الأميركية. إلا أن التقارير العسكرية تتجه نحو حسم فشل نظرية الضربة الجوية الخاطفة، ليس فقط بسبب الثغرات في المعلومات الاستخبارية حول المواقع الدقيقة للمنشآت النووية الإيرانية، ولكن بسبب إضافي ومهم هو أن حزب الله اللبناني أسقط في عدوان تموز 2006 فعالية سلاح الجو الإسرائيلي والصواريخ البعيدة المدى التي استخدمت، وكان لابد من اجتياح الأرض من قبيل المشاة. فاستنتج الإسرائيليون والأميركيون أن نمط تفكير حزب الله العسكري مستمد من المدرسة الإيرانية. وحتى لو قررت أمريكا بالمغامرة الجوية، تحت وطأة الضغط، فلابد من استعدادات مسبقة تسهل تحقيق الأهداف. فأول ما يجب أن يقوم به سلاح الجو الأمريكي هو قصف مواقع الحرس الثوري القريب من العراق والكويت بشكل كثيف والذي يشكل تهديدا مباشرا على القوات الأمريكية في العراق، وبعد ذلك تدمير قدرات إيران الصاروخية ودفاعاتها الجوية وبعض قطعها البحرية على الساحل الخليجي، التي قد تشكل خطرا على ممرات النفط، سيما مئات الزوارق السريعة المزودة بصواريخ عالية التقنية وأحد نماذج هذه الصواريخ هو الصاروخ "كوثر" المتوسط المدى الذي دمر البارجة الإسرائيلية المتطورة من طراز "ساعر" قبالة بيروت خلال عدوان تموز. فإغراق بارجة أمريكية واحدة يشعل شرارة الحرب قبل الوصول إلى المحطات النووية الإيرانية وبذلك تكون إيران استدرجت أمريكا فعليا، إلى حرب شاملة تملك أمريكا قرار بدئها ولا تملك قرار إنهائها. لكن ماذا سيحصل إذا ما قررت أمريكا توجيه ضربة مباشرة إلى المنشآت النووية الإيرانية دون المواجهة مع أي طرف آخر من قوات الدفاع الإيرانية؟ الجواب في هذه الحالة سهل: إن ضربة من هذا النوع لن تكون ذات فعالية، لأن المنشآت النووية موزعة على الجغرافية الإيرانية الضخمة وتتمتع بالسرية الكاملة. وإيران التي تشعر على الدوام أن برنامجها النووي معرض للاستهداف من قبل أمريكا وإسرائيل استعدت للاحتمال الأسوأ، ونشرت منشآتها النووية الحساسة على امتداد مساحتها ووضعتها في أماكن محصنة ومحمية. المواجهة البرية لم يأخذ الحديث عن مواجهة برية حيزاً مهماً في الخطط العسكرية للإدارة الأميركية، ذلك أن إدارة اوباما تعي أن المعطيات الميدانية ليست في صالحها وتعي أن إيران في موقع عسكري عتيد أقوى منها وان إيران تجيد اللعبة في أراضيها وأراضي الآخرين من دون ترك أثر، وبحنكة دبلوماسية تفوق ما اعتادته واشنطن في المنطقة. فهي تدرك أنها لن تستطيع الدخول إلى الأراضي الإيرانية وتقاتل قوات نظامية مدربة ومستعدة للمواجهة، بعدما فشلت فشلا ذريعا في العراق، البلد الذي تكبره إيران ثلاث مرات والأقل مناعة وقوة والفاقد "للإرادة" للدفاع عن نظام صدام المقبور. وفي هذا الإطار، اصدر أنطوني كوردسمان، الخبير في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية “C.S.I.S” تقريراً أخيراً عرض فيه القدرات العسكرية الإيرانية ومن بينها البرية. ونبه، إضافة إلى تقارير أخرى، أن إيران تمتلك أكبر قوة عسكرية في منطقة الخليج، فلديها نحو 540 ألف مقاتل في الجيش النظامي، و125 ألف مقاتل في الحرس الثوري وأكثر من 350 ألف جندي احتياط ، ونحو 1600 دبابة قتال مع الإشارة إلى أن 480 من هذه الدبابات هي من طراز "تي 72" الروسية المتقدمة، و1500 مركبة قتال مدرعة، و3200 قطعة مدفعية، و319 طائرة مقاتلة، و527 طائرة هليكوبتر مسلحة، و3 غواصات، و59 سفينة حربية. ويضيف التقرير إلى أن القوات الجوية الإيرانية تتألف من 52 ألف عنصر، أما عدد القوات البحرية فيصل إلى 30 ألف وحدة مقاتلة، علما أن هذه الإحصائيات ترجع إلى سنة 1999. ويذكر التقرير أن إيران تستورد الصواريخ المضادة للمدرعات من روسيا والصين وأوكرانيا، وتصنعها محلياً طبقاً للنماذج السوفيتية التي تمتلكها. وتنتج المصانع الحربية المحلية قاذفات الصواريخ المتعددة، مع ملاحظة أن بنية القدرات الدفاعية الإيرانية تقوم على تجربة جيدة ومعرفة لأرض القتال اكتسبتها خلال الحرب العراقية-الإيرانية. وبناء على هذا، حذر كوردسمان أن إيران قادرة على القيام بهجمات ذات تأثير استراتيجي يتناسب مع إمكاناتها وقدراتها العسكرية، حيث يمكنها مهاجمة أهداف على ساحل الخليج الفارسي وخليج عمان، مستغلة في ذلك الجزر التابعة لها مثل قشم وطنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى والقاعدة البحرية والجوية التي تمتلكها في بندر عباس بالقرب من مضيق هرمز. لو وقعت الحرب، فلن يكون الغرض الأميركي مجرد توجيه ضربة إلى إيران لأنها لا تأتمر بأوامرها فقط، بل ستهدف إلى تحقيق أمرين: إسقاط النظام الإيراني، كما فعل مع العراق، و تدمير البنية التحتية النووية والعسكرية لبسط السيطرة على مصادر الطاقة وهما هدفان كبيران وبعيدا المنال ولا يمكن تحقيقهما بالسهولة التي حصلت في العراق، لأن قدرات إيران المادية والمعنوية أكبر بكثير، ولأن مستوى النقمة الشعبية ضد النظام العراقي غير موجود في إيران. فالرهان على تفكيك البيئة الشعبية الإيرانية وعزلها عن قيادتها السياسية يبدو تبسيطا مغاليا فيه، والمناعة الداخلية الإيرانية تبدو هي الأخرى عقبة في وجه المخططات الأمريكية والإسرائيلية، لان البرنامج النووي الذي تسعى واشنطن وتل أبيب لتدميره وحد الإيرانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية وأصبح مركز فخر وطني. الجغرافية السياسية تقع إيران في قلب إحدى أهم المناطق في الإستراتيجيات العالمية بسبب موقعها الجغرافي. والمتفحص في خريطة إيران يلاحظ أنها تمتد وسط منطقتين، الخليج الفارسي وبحر قزوين، وتعتبر هاتان المنطقتان "مخزن الطاقة الاستراتيجي". وهذا الوضع خلق لإيران أهمية جغرافية سياسية عظمى. والمقصود بالجغرافية السياسية إبراز القيمة الفعلية للموقع الجغرافي الذي يعطي للدولة ثقلا خاصا ويوجه سلوكها السياسي باتجاهات معينة لتحقيق المصالح الحيوية وتحديد وتوجيه السياسات الدولية وحتى الاقتصادية والعسكرية تماما كما تؤثر قناة السويس أو قناة باناما في القرارات السياسية والاقتصادية الدولية. و إيران بهذا الموقع تطل على أهم مياه البحار وهي الخليج الفارسي والبحر العربي والمحيط الهندي في الجنوب وبحر قزوين في الشمال. فإطلالة إيران الجغرافية الكاملة على الخليج بما فيه مضيق هرمز يجعلها قادرة على التحكم في مداخله ويخولها التأثير على الاقتصاد الدولي. ومن يسيطر على مياه الخليج يستطيع أن يتحكم في خطوط الملاحة الدولية وإمدادات النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد العالمي .هذا الطول البحري الكبير جعل إيران في الموازين الإستراتيجية قوة بحرية كبيرة خاصة مع بناء النظام الإيراني عدة قواعد بحرية على طول هذه الشواطئ. كما أنها تطل كذلك على دول الاتحاد السوفيتي السابق، التي تمتلك ثروة نفطية مؤثرة، وهذه الدول تدين بالإسلام، فضلا عن حدودها المتلاشية من الشمال إلى الجنوب مع كل من العراق وأفغانستان. وتبقى إيران المفتاح الأساس في عامل الاستقرار أو الاهتزاز للوجود الأمريكي في كلتا الدولتين. هكذا تملك إيران أوراقا أساسية، بفعل جغرافيتها السياسية وامتلاكها للطاقة وتصبح طرفا في المعادلات الإقليمية والدولية في رسم الاستراتيجيات السياسية-العسكرية المحلية. نضيف إلى كل هذه العوامل، العامل الطبيعي. فجغرافية إيران هي واحدة من أشد البلدان الوعرة، جبالها التي تحميها من الشمال والغرب والشرق ساعدت على تشكيل كل من الحالة السياسية والتاريخ الاقتصادي للبلد لعدة قرون. ويكون غزو إيران من قبل القوات الأمريكية مستبعد وشبه معدوم. ومع التخلي عن رهان الضربة الجراحية الجوية والغزو البري للقوات الأمريكيةلإيران بدأت أمريكا تمارس الخنق الاقتصادي عليها لاسيما في فترة ما بعد أحداث 11سبتمبر 2001 التي اتخذت منها الولاياتالمتحدة ذريعة لاتخاذ موطئ قدم ثابت في هذه المنطقة الغنية استراتيجيا وبتروليا. فأمريكا تدرك أن أسهل واقصر واسلم طريق واقل تكلفة لنقل نفط وغاز بحر قزوين إلى البحار المفتوحة ثم إلى الأسواق الدولية هو عبر الأراضي الإيرانية. إلا أنها لا تقبل بأي حال من الأحوال تدخل إيران في شئون بحر قزوين إلا إذا ركعت لإرادتها السياسية التوسعية. والحقيقة انه لا يوجد أي بديل منافس لإيران. فهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بالاستقرار ولا توجد بها أي نزاعات أو حروب داخلية، أو حركات انفصالية مثلما الحال في كل دول آسيا الصغرى والقوقاز ومنطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى بالإضافة إلى أفغانستان والوضع السياسي غير المستقر في باكستان والشرق الأوسط عموما. وتضرب الولاياتالمتحدة عرض الحائط بكل هذه الاعتبارات الاقتصادية اللازمة لتصدير الطاقة، وتبحث عن بديل لإيران. وتفرض سياستها على الدول الإقليمية عن طريق توقيع الاتفاقيات المتعددة ذات الطابع السياسي أكثر منه اقتصادي. هكذا تسهل أمريكا لتركيا دخول حلف الناتو وتعدها بخط أنابيب باكو جيهان مقابل التطبيع الدبلوماسي والعسكري مع إسرائيل يخول بمقتضاه استعمال إسرائيل للقواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في تركيا للهجوم على إيران. وحاولت أمريكا نقل الطاقة عبر خطوط أنابيب وهمية تمر بكل من تركمانستان أفغانستان باكستان. ولهذا ألقت بقنابلها العملاقة من طائرات B52 على جبال أفغانستان في بداية الحرب، ليس لقتل أسامة بن لادن، ولكن لتسهيل الطريق لهذا الأنبوب. وتراجعت أمريكا عن الفكرة لاستحالة تحقيقها ودفعت دول الخليج ثمن الفاتورة للمرة الثانية! وتم تعليق خط أنابيب باكو-جيهان نظرا للحروب الداخلية أو الحركات الانفصالية أو العوامل الطبيعية. وجاء مشروع البحر الأبيض المتوسطي بزعامة القيصر الفرنسي نيكولا ساركوزي ليعوض عن خسارة أمريكا وسياستها الشرق الأوسطية الجديدة وآسيا الوسطى. ويحاول هذا المشروع استدراج الدول العربية الرافضة (إن بقي منها أحد) وإقحام إسرائيل فيها كأمر واقع. وفجأة تحولت سوريا التي اعتبرت ضمن محور الشر إلى عنصر سلام وفتحت معها إسرائيل حوارا بوساطة تركية لاسترجاع الجولان، ليس لان إسرائيل تؤمن بفكرة إرجاع الحقوق لأصحابها، وإنما بغية فك التحالف العسكري القائم بينها وبين وإيران. وتسارعت الأحداث على خط غير معهود وحصل تبادل الأسرى مع حزب الله وطرحت مزارع شبعا للنقاش. ووصل هذا الماراتون السياسي إلى خط الوصول إلى التهدئة في قطاع غزة. وبدأ السلام المنشود منذ عقود يلوح في الأفق إلى أن هبت رياح الربيع العربي فاستغلته أمريكا لتجرب حظها من جديد لتحقيق أهدافها الامبريالية بالقوة العسكرية. على أي حال، بات واضحًا أن الولاياتالمتحدة تسعى جاهدة لتقليص مكانة إيران الجغرافية الاستثنائية وتحاول إحداث عثرة أمام الدور الجغرافي الإيراني الحيوي كجسر بري بين الخليج وبحر قزوين. إلا أن هذه العثرات لم تعد ذات جدوى أمام الطلب المتزايد من جانب الهند والصين وجنوب آسيا وغيرها للحصول على النفط والغاز من مصادر مضمونة. وأبرمت الهند مع إيران عقودا لإكمال مشروع سكة حديد يربط الخليج الفارسي ببحر قزوين، ووافقت الدولتان على تأسيس شبكة تربط حقول الغاز الإيراني بحقول الغاز في آسيا الوسطى عن طريق شبكة من خطوط الأنابيب تصل إلى شبه القارة الهندية بطول 4000 كلم. وبات الصينيون منتشرين فوق كل شبر من أراضي إيران ويبنون فيها اكبر سد في العالم ويوظفون رؤوس الأموال الباهظة لتطوير صناعة النفط والغاز. كما أنشأت إيران كونسورسيوم دولي يقوم بتطوير حقل بارس ( (PARSالإيراني الغني بالغاز والنفط تبلغ تكلفته أكثر من عشرة مليارات دولار. كما استثمرت سويسرا أربعين مليار دولار في حقول الغاز الطبيعي مؤخرا ووضعت على قائمة الدول الإرهابية من قبل إسرائيل! أما فرنسا فهي تستثمر بشكل كبير في قطاع السيارات وكذلك النفط والغاز. وإذا كانت الولاياتالمتحدة تعتبر أن بحر قزوين يعد أحد أهم منطقتين للطاقة في العالم في القرن الواحد والعشرون فان روسيا تعيره أهمية قصوى باعتبار المنطقة امتدادا استراتيجيا لجنوبها ولن تسمح لها أبدا بالعبث بالقرب من أراضيها، كما لم تسمح أمريكا من قبل للاتحاد السوفيتي بالعبث بإيران الشاهنشاهية. وتتابع روسيا، التي تربطها بإيران علاقات تعاون عسكري وتكنولوجي، عن كثب، تطور الأحداث في منطقة أصبحت "قنبلة موقوتة". هذا مع الأخذ في الاعتبار أن روسياوإيران تمتلكان أكثر من 70% من احتياطي الغاز الطبيعي على مستوى العالم الشيء الذي يخلق أهمية خاصة لهما في مجال التعاون في تصدير الغاز. إضافة إلى أن روسيا أصبحت تؤمن بعالم متجدد ومتعدد الأقطاب. و يصطدم الطموح الإقليمي الإيراني بمصالح دولية كما بمخاوف إقليمية. ورغم ذلك لن تأتي أبدا الضربة المتوقعة من الرئيس الأمريكي باراك اوباما أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو، وذلك في ضوء وضع إيران كقوة إقليمية في المنطقة ذات وزن اقتصادي وسياسي واستراتيجي. فهي تمتلك القدرة على وقف الملاحة في الخليج العربي وإغلاق مضيق هرمز الذي يعبره يوميا أكثر من 15 مليون برميل من النفط وبالتالي خنق اقتصاد دول الخليج العربية، هذا بجانب خطر توقف إمدادات النفط من الخليج وما ينجم عن ذلك من ضرر بالغ على الاقتصاد العالمي، ولاسيما الأوروبي الذي يمر بأزمة خانقة، وعلى الاستقرار السياسي والأمني في العالم ، حيث تستورد أوروبا واليابان 70% من احتياجاتهما من النفط من دول الخليج . رهانات إيران - الزلزال السياسي: إن أمريكا أمام خيارين: إما أن تعلن الحرب على إيران وتدخل في المجهول، وإما أن تستسلم وتتعايش مع دولة نووية ذات نفوذ إقليمي قوي. ويبدو أن لا خيار لأمريكا إلا أن تغير نهجها في تعاملها مع الملف النووي الإيراني بسلك الطرق الدبلوماسية بإعادة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية-الأمريكية إلى طبيعتها وتعزيز المحادثات السداسية. وفي حال حصلت الحرب، فان إيران سترد على أمريكا بدون شك كما جاء في كلام مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله محمد علي الخامنئي حين هدد بأن إيران ستضرب جميع المصالح الأميركية في العالم إذا تعرضت لاعتداء أميركي. وحذرت طهران من أنها ستعتبر أي إجراء عسكري ضد منشآتها النووية بمثابة إعلان حرب عليها، كما حذرتها كذلك من إشعال فتيل أزمة جديدة في المنطقة، مؤكدة أنها ستدفع ثمن أي مغامرة جديدة. هذا يعني أن مجال الرد الإيراني سيصل إلى حيث يمكن أن تطال الذراع الإيرانية مباشرة أو بالواسطة. كما هدد وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي من أن رد الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيكون مدمرا جدا و مؤلما للغاية، إذا شنت إسرائيل وأمريكا هجوما عليها وقال إن في وسع إيران إطلاق 11 ألف صاروخ بعد دقيقة واحدة من بدء أي هجوم ضدها وأضاف أن قواته ستضرب جميع القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة. يعني هذان الموقفان أنه لا خطوط حمراء في المواجهة العسكرية إن وقعت، فالمصالح والقواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، والعراق و أفغانستان، ستكون في مرمى النيران الإيرانية الصاروخية. كما أن إيران ستستخدم كل قوتها العسكرية الرادعة والتي يمكنها استهداف المصالح الغربية الإستراتيجية في منطقة الخليج. باختصار، القدرات الصاروخية الإيرانية ستتضافر مع جغرافية إيران المحيطة بالخليج من أقصى الشمال وحتى بحر العرب، لتحقيق أقصى قدر ممكن من إيذاء المصالح الأميركية. وليس مستبعدا أن الهجوم على إيران قد يؤدي إلى إعادة صياغة الخارطة السياسية في المنطقة فتسقط الأنظمة المعتدلة وتقوم أنظمة جديدة على أسس راديكالية وخارج الفلك الأمريكي مما سيؤثر بشكل سلبي على الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي. كما قد تسقط الاختلافات بين الشيعة والسنة وتصبح الحرب على إيران قضية مشتركة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. -المفاجآت العسكرية: إذا كانت إيران لا تخبئ أي مفاجآت قبل الحرب، فإنها أجرت تجربة مؤخرا لإطلاق صواريخ متطورة على دفعتين ونشرت صورا أزعجت الولاياتالمتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي. وتبقى الصواريخ البالستية أبرز أوراق القوة الإيرانية. وتشمل ترسانتها صاروخ "شهاب1" الذي يصل مداه إلى 330 كيلومتراً، و"شهاب 2" الذي يبلغ مداه 700 كيلومتر و"شهاب 3" الذي يبلغ مداه 2000 كلم وهو قادر على ضرب كل الأهداف والقواعد الأمريكية في الخليج، ومداه يصل ليغطي كل إسرائيل. وهناك تقارير سرية تقول أن إيران تسرع في تطوير الجيلين الخامس والسادس من صاروخ "شهاب"، بما يؤمن مدى يصل حتى عشرة آلاف كيلومتر. وبالإضافة إلى تشكيلة الصواريخ هذه، عززت إيران من دفاعاتها الأرضية في مواجهة الطيران المعادي بشراء أنظمة صواريخ "تور-أم 1" المتطور والمضاد للأهداف الجوية والقادر على صد وإسقاط المقاتلات الحربية الأمريكية التي تنطلق من قواعد جوية في أذربيجانوالعراق وتركيا والبحرين ودول أخرى توجد فيها قواعد عسكرية أمريكية. وقد أوضحت وكالة "انترفاكس" الروسية أن نظام "تور-أم 1" هذا "قادر على تحديد 48 هدفاً معادياً، أي طائرة أو صاروخ معادي، وضرب هدفين في وقت واحد على ارتفاع 20 ألف قدم". كما أن إيران حصلت على عدد كبير من صواريخ "سام" المتنوعة الأحجام، بالإضافة إلى مئات المدافع المضادة للطائرات الموجهة بالرادار والمطورة محلياً، وأبرزها " ميثاق 2" القادرة على صد الهجمات الجوية بكفاءة عالية وإسقاط الصواريخ الجوالة. وما يقلق بصورة أساسية صناع القرار في واشنطن وخاصة البحرية الأمريكية هو إنتاج إيران محليا أنظمة دفاع جوية بعيدة المدى من طراز "أس 300" و " أس. أس. أن 22" الروسية الصنع. وفي حال صنعت إيران بالفعل تلك الصواريخ المتطورة فإنها ستكون قادرة على إغراق بعض حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج خلال الساعات الأولى من اندلاع القتال، لان تلك الصورايخ مصممة خصيصا لاختراق نظام التشويش وهو من أهم الأنظمة الدفاعية المتطورة في البحرية الأمريكية. إن توجيه ضربة عسكرية لإيران من طرف الرئيس باراك اوباما وشركاؤه ليس بالأمر الصعب. فالذي أقدم على ارتكاب أبشع جريمة في تاريخ الإنسانية بإلقائه القنبلة النووية على المدنيين العزل من السلاح وإحراق سكان مدينتين عن بكرة أبيهم وهم أحياء، قادر على تكرار نفس الهمجية. إلا أن إشعال فتيل أزمة جديدة في المنطقة سيخلق وضعاً كارثياً دون شك وستدفع دول المنطقة والعالم بأسره ثمن المغامرة. فهل يستطيع صناع قرار الحرب في واشنطن وتل أبيب تحمله؟ *ماجستير في الدراسات الدولية-جامعة أوهايو-الولاياتالمتحدة الأمريكية