تتصاعد الحملة الإعلامية والسياسية والنفسية المكثفة، وتشير أغلب التحاليل والتقارير الاستخبارية إلى أن التحرك العسكري الإسرائيلي جاهز ضد إيران. وليست هذه هي المرة الأولى التي تدق فيها إسرائيل طبول الحرب وتنهج فيها سياسة «شد الحبال» مع إيران، فهي أعلنت أكثر من مرة، وبصوت عال وعنيف، أن «ساعة الصفر» اقتربت لتتحرك عجلات الحرب و«تقصم ظهر إيران العنيد». وتعترف إسرائيل مع باقي الدول الغربية بأن حدة العقوبات الاقتصادية على إيران ونافذة فرص الآلة الدبلوماسية الغربية شبه عاجزة عن «تركيعها» وتوشك على الانغلاق، لهذا رفعت إسرائيل من لهجة التهديد ووعدت بترجمتها إلى حرب مفتوحة، فتسابق الرعب مع هذه التقارير إلى حد الاعتقاد من طرف بعض المسؤولين الأوربيين والأمريكيين والمحللين العسكريين أن الهجوم على إيران أصبح وشيكا. السبب في كل هذا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذكرت مؤخرا، في تقرير لها، أن هناك مؤشرات واضحة تدل على أن إيران قامت بالعديد من التجارب، خلال العام الماضي، من أجل تطوير سلاح نووي. والتقرير في الحقيقة مبني على معلومات استخباراتية مزيفة قدمتها المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي لإشعال نار الفتيل ضد إيران بالادعاء الخاطئ بأن لها برنامجا لتطوير السلاح النووي، وهو الشيء غير المسموح به لأن إيران «دولة مارقة». كما تتهم إسرائيل إيران بالتدخل في الشأن اللبناني عبر تصدير السلاح إلى حزب الله وتدريب «شبكات من المرتزقة لقتل المدنيين الإسرائيليين»، وتضيف أن إيران تتاجر في الإرهاب الدولي.. هذه الذرائع تخفي حقيقة ما تبطنه إسرائيل. النفوذ الإيراني إن الملف النووي الإيراني يخفي الحقيقة الأساسية ألا وهي النفوذ الإيراني المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، وتندرج الأزمة النووية الإيرانية الراهنة في هذا السياق. ويصطدم الطموح الإقليمي الإيراني بمصالح دولية، كما بمخاوف إقليمية. لهذا تريد إسرائيل وقف البرنامج النووي الإيراني، بذريعة إمكانية خروجه عن مساره السلمي باتجاه تصنيع أسلحة نووية، الأمر الذي يشكل خطرا يتمثل في انتشار التسلح النووي في الشرق الأوسط، وإمكانية استعماله بطريقة عدوانية ضدها. ولن نضيع وقتنا في توضيح المواقف الإيرانية التي تتمسك بحرفية نصوص معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والسماح بتفتيش منشآتها النووية، والتعاطي بإيجابية مع فرق التفتيش. وبرنامج إيران النووي بدأ في الخمسينيات على عهد حكم الشاه المخلوع بدعم من الولاياتالمتحدة والدول الأوربية لتوليد الطاقة الكهربائية، لكنها انقلبت عليه بعد الثورة عام 1979. وتحول الحلم النووي الإيراني إلى كابوس بخروج إيران من فلك الدول الإمبريالية التي توجه إليها اليوم تهمة تصنيع القنبلة الذرية. إلا أن إيران تشدد على أن لها الحق في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية باعتبارها موقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتفتح المجال للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من ذلك. ونذكّر هنا بأن إسرائيل تمتلك أكبر ترسانة من السلاح النووي في الشرق الأوسط، وترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، مما يجعلها لا تتمتع بأي جانب أخلاقي أو قانوني في حظرها امتلاك هذه الطاقة على الغير. هذا مع العلم بأن الكل ينسى أو يتجاهل أن الهند وباكستان دولتان نوويتان ولا تخضعان لأي ضغوط من طرف إسرائيل أو الغرب، على العكس، فالدول الغربية تكافئهما بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية وحتى النووية! والمتتبع لتاريخ إسرائيل يستخلص جيدا أنها لم تعلن أبدا، على مر كل تاريخها الاستعماري، خوضها أو قدومها على حرب ضد أية دولة عربية، بل فقط استعملت عامل المفاجأة لشن الحروب إلى جيرانها حتى تخرج المنتصرة. إذن، لماذا تعلن الآن تصويب السهام إلى الهدف؟ إنها ثرثرة لسان، لا تعدو أكثر من حملة دبلوماسية وحرب نفسية وسياسية، ولن تقدر إسرائيل أبدا على شن أي حرب على إيران لأنها أصغر من مؤخرة نملة وأضعف ما تكون من الإقدام على الهجوم على إيران. ولن تأتي «الضربة المتوقعة» أبدا، لا منها ولا من أمريكا ولا من أوربا ولا من كل هذه الدول مجتمعة، لأنها تدرك وضع إيران كقوة إقليمية في المنطقة ذات وزن اقتصادي وسياسي واستراتيجي. وتقع إيران في قلب إحدى أهم المناطق في الاستراتيجيات العالمية بسبب موقعها الجغرافي، وتُعتبر هذه المنطقة «مخزن الطاقة الاستراتيجي». وإطلالة إيران الجغرافية الكاملة على الخليج، بما فيه مضيق هرمز، يجعلها قادرة على التحكم في مداخله ويخولها التأثير على الاقتصاد الدولي، ومن يسيطر على مياه الخليج يستطيع أن يتحكم في خطوط الملاحة الدولية وإمدادات النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد العالمي. هذا الطول البحري الكبير جعل إيران -في الموازين الاستراتيجية- قوة بحرية كبيرة، خاصة مع بناء النظام الإيراني عدة قواعد بحرية على طول هذه الشواطئ. وهذا الوضع خلق لإيران أهمية جغرافية سياسية عظمى، فهي تمتلك القدرة على وقف الملاحة في الخليج العربي وإغلاق مضيق هرمز الذي يعبره يوميا أكثر من 15 مليون برميل من النفط، وبالتالي خنق اقتصاد دول الخليج العربية، هذا إلى جانب خطر توقف إمدادات النفط من الخليج وما ينجم عن ذلك من إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد العالمي، المتضرر أصلا بفعل الأزمة الحالية، وبالاستقرار السياسي والأمني في العالم، حيث تستورد أوربا واليابان 70 في المائة من احتياجاتهما من النفط من دول الخليج. بيت من زجاج وتدرك إسرائيل أن بيتها من زجاج وصواريخ «شهاب 3» الإيرانية مصوبة نحو محطة «ديمونا» النووية الإسرائيلية. وإسرائيل تعرف عين اليقين أنها إذا ما أقدمت على ضرب إيران، فمن المؤكد أنها ستقع تحت طائلة ضربات الصواريخ الإيرانية الموجعة والقاسية. ومن هنا، يمكننا القول إن الحكومة الإسرائيلية تجد نفسها في مأزق خطير وحقيقي تجاه الملف الإيراني النووي، فلا هي قادرة على مواجهته بالحل العسكري ولا هي قادرة على فرض شروط سياسية نظرا إلى سجلها العدائي في المنطقة، ولن ينفع إسرائيل سلاحها النووي لأنها إذا فجرته فكأنما تفجره على نفسها. وفي حال ما إذا حصلت الحرب، فإن إيران سترد على إسرائيل، دون أدنى شك، كما جاء في كلام مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله محمد علي الخامنئي حين هدد بأن إيران ستضرب جميع المصالح الإسرائيلية والأمريكيةوالغربية في العالم إذا تعرضت لاعتداء عسكري. وحذرت طهران من أنها ستعتبر أي إجراء عسكري إسرائيلي ضد منشآتها النووية بمثابة إعلان حرب عليها، مؤكدة أن منفذي هذا الإجراء المفترض سيدفعون ثمن أي مغامرة لا تتحمل المنطقة عواقبها. هذا يعني أن مجال الرد الإيراني سيصل إلى حيث يمكن أن تطال الذراع الإيرانية مباشرة أو بالواسطة. كما هدد وزير الدفاع الإيراني، العميد أحمد وحيدي، بأن رد إيران على أي مغامرة عسكرية ضدها سيكون «سريعا وحازما ومدمرا للغاية»، وأضاف أنه في وسع إيران إطلاق 11 ألف صاروخ بعد دقيقة واحدة من بدء أي هجوم ضدها. يعني هذان الموقفان أنه لا خطوط حمراء في المواجهة العسكرية إن وقعت، وستكون إسرائيل في مرمى النيران الإيرانية الصاروخية. كما أن إيران ستستخدم كل قوتها العسكرية الرادعة والتي يمكنها استهداف المصالح الغربية الاستراتيجية في منطقة الخليج بحكم علاقاتها المؤيدة لإسرائيل. باختصار، القدرات الصاروخية الإيرانية ستتضافر مع جغرافية إيران المحيطة بالخليج من أقصى الشمال وحتى بحر العرب، لتحقيق أقصى قدر ممكن من إيذاء المصالح الغربية. هكذا، تملك إيران أوراقا أساسية، بفعل جغرافيتها السياسية وقدراتها العسكرية وامتلاكها للطاقة، وتصبح طرفا في المعادلات الإقليمية والدولية في رسم الاستراتيجيات السياسية-العسكرية المحلية. ونحن نتفق ونعي جيدا أن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران من طرف إسرائيل وشركائها ليس بالأمر الصعب، إلا أن ما سيترتب عن ذلك من نتائج كارثية هو الأخطر. فهل يستطيع صناع قرار الحرب الصهاينة الإقدام على المغامرة؟