قراءة عرضية في المواقف الدولية اتجاه إعلان استقلال منطقة أزواد من طرف "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" يبرز حقيقة القضية التي لم تكن في يوم من الأيام مجرد مسألة إثنية أو إنسانية أو صراع قبلي بل كانت على الدوام محور التجاذب بين القوى العالمية الكبرى والتصارع بين المحورين الفرنكفوني والأمريكي في إفريقيا الشمالية، بشكل يبرز حقيقة الصراع الهوياتي الإثني داخل دول الجنوب وكيفية استغلاله من قبل القوى الدولية. فهل غياب الاهتمام بالقضية من طرف الفاعلين السياسيين والمجتمعيين راجع إلى انعدام تأثيرها على مسار الأحداث الوطنية؟ وهل سيؤجل الموقف السريع والجريء لوزارة الخارجية المغربية من إعلان استقلال منطقة أزواد الخطر الآتي من الجنوب؟ وهل مفاجئ أن يكون من أوائل المهنئين القلائل للكيان القزمي الوليد بعض الهيئات المغربية المحسوبة على الحركة الأمازيغية؟ نشر الموقع الإلكتروني المعبر عن الحركة المعلنة للاستقلال رأيا خاصا لإحدى الكاتبات تتحدث فيه عن دور المغرب في مساندة "الجمهورية الوليدة"، لأنها بذلك ستساند الطرح المغربي في قضيته الوطنية. وفي نفس الوقت كتب أحدهم أن"استقلال ازواد فى صالح الجزائر" مقارنا إياه بموقفها من قضية الصحراء المغربية. والرأيان اللذان يقفان على النقيض من حيث الرؤية يندرجان في مسار تعبئة دول المغرب العربي لمساندة الكيان الجديد من قبل أشخاص وهيئات رأت في العملية انتصارا لمشروعها التجزيئي. والأكيد أنها واعية تمام الوعي بالمشروع الشمولي الذي لن يتوقف عند مالي وإنما سيعيد تشكيل المنطقة مستغلة انشغال العرب بربيعهم وبمقاوماتهم للمستبد الداخلي، حتى إذا استفاقوا بعد نهاية مسيرتهم وجدوا الوطن المتصارع من أجله قد غدا أوطانا. في غفلة من الجميع تطورت قضية الطوارق بشكل ملفت للنظر حيث توازت في ذلك الصراعات الداخلية لدول الشمال الإفريقي مع الأيادي الأجنبية والحسابات الاستراتيجية للكبار. والأمر ليس جديدا. فمن أجل محاصرة الامتداد العربي في العمق الإفريقي تزعمت فرنسا ساركوزي الدفاع عن فكرة "الهلال السامي" التي تروم تجزئ المنطقة بغية الحفاظ على وجودها المهيمن وإبعاد كل محاولات السيطرة الجديدة تحت مزاعم مواجهة محاولات التطهير العرقي في المنطقة النفوذ الفرنسي. لذا حلم قادة الطوارق منذ وصول ساركوزي إلى الإليزيه بتحقيق حلمهم الموعود وهو إنشاء ليس فقط دولتهم بل إمبراطوريتهم الموعودة التي تمتد من قلب تل أبيب ووصولا إلى المغرب الكبير: الهلال السامي. لذا قررت التحالف مع اللوبي اليهودي في أمريكا بعد تراجع القوة الفرنسية والرهان على العلاقة مع إسرائيل بغية تشكيل قاعدة خلفية لقطع الصلات بين العرب وإفريقيا وذلك لتماثل المعاناة والمصالح كما يقول أحد نظارهم في تعبير صريح لمواجهة "مؤامرات أنظمة عربية تناصب الشعبين الطوارقي والإسرائيلي ضحايا المحارق والتجارب النووية ومؤامرات ودسائس الحكام العرب الفاسدين مصلحة عليا أمريكية يضاف إليها المصلحة البترولية التي يقدمها الطوارق لإسرائيل والقواعد الخلفية لإسرائيل ومقر للقيادة الأمريكية الأفريقية في تمبكتو عاصمة أزواد دولة الطوارق". لذا فمالي التي اتخذت على الدوام من معاداتها للكيان الصهيوني ذريعة للبقاء في الفضاء العربي الإسلامي قد ووجهت بالقضية الطوارقية خاصة حين استعملت الأيباك رئيس المؤتمر الوطني لتحرير أزواد أبو بكر الأنصاري لمناهضة التدخلين المصري والجزائري في اللعبة والتحكم فيها بغية خلق محمية إسرائيلية في ظهر القوى العربية على شاكلة السودان الجنوبي. إن فكرة الهلال السامي التي جعلت العمق الاستراتيجي للطوارق يتحول من القاهرة ومكة نحو تل أبيب وواشنطن يبرز جوهر القضية الحقيقي الذي لا يتعلق بالبعد الإثني أو الحقوقي كما يحلو لبعض الأصوات ترداده بل لها أبعاد جيوستراتيجية تروم تغيير بنية الدول العربية. وليست أزواد إلا البداية. وإذا كانت بعض الدول الأوربية قد غيرت موقفها وأعلنت رفضها لاستقلال الكيان الجديد وربطته بموقف الدول الإفريقية كما قال وزير الخارجية الفرنسي، فليس ذلك عن موقف مبدئي وإنما بعد أن بدا لاعب جديد في الصورة هو الجماعات الإسلامية التي تنطلق من صحراء مالي لمواجهة الغرب. ففهم القضية في عمقها الاستراتيجي وخطرها على استقرار دول المغرب العربي يبرر الرد الجرئ لدول المغرب العربي والذي يرفض بمنطق نادر القبول بالكيان القزمي الذي يهدد المنطقة برمتها. فنجاح المشروع التجزيئي لن يمس فقط الدولة المحتضنة بل سينعكس على كل دول المنطقة المغاربية. لذا فالتهنئة المتسرعة لبعض فصائل الحركة الأمازيغية يثبت بما لا يدع مجالا للشك رهانها على الانتماء القزمي الذي يناضل من أجل انتماء بديل وأوطان جديدة وارتباطات مغايرة. إن خطر الإعلان عن استقلال أزواد لا يتعلق بقضية الطوارق وشكل تدبيرها الحقوقي والسياسي بل بما سيثيره من قلاقل في المنطقة قد لا تتوقف إلا بنهاية أوطانها.