"يدٌ تفاوضُ ويدٌ على الزّناد"؛ هكذا كان تمثّل الملك الرّاحل الحسن الثّاني لقضية الصّحراء، يسايرُ المنتظم الدّولي في المرجعيات والقرارات والالتزامات، ويرفعُ التّحدي "عالياً" إذا تسلّل الانفصالُ إلى أدبيات "الصّحراء"، وهو ما جعلَ المغرب يحسمُ هذا النّزاع، سواء في أجواء "السّلم" أو عندما تقرعُ طبول الحرب. شكّل نزاعُ "الصّحراء" أحد ميكانيزمات حكم الملك الرّاحل الحسن الثّاني، ومن أسس العرش "المتينة" التي يبني بها الحاكم علاقته مع الرّعية؛ فعندما تشتدّ الأزمات في الصّحراء، تستنفر الرّباط كلّ أجهزتها ومؤسّساتها لتنزل بثقلها المركزي لحماية التّراب الوطني. وهكذا كان الحسن الثّاني، يُسخّر المركز بوزنهِ وثقلهِ لصونِ رمال الصّحراء. وهكذا رسمَ القصر خطوط تعامل المغرب مع هذا النّزاع الذي عمّر طويلاً، بحيث شكّلت الملكية المؤسّسة الوحيدة المتمتّعة بسلطة "حصرية" في اتخاذ القرارات الخاصّة بالصّحراء. وبهذا المعطى، يصبح أيّ قرار يتخذه الملك ملزماً ويعبّر عن باقي مكونات الدّولة، سواء الدّستورية أو المؤسساتية. الصّحراء.. قضية مغربية جزائرية في علاقتهِ مع أطراف النّزاع، خاصّة الجزائر، ظلّ الملك الرّاحل حتّى قبل حرب الرّمال عام 1963، يعلن وقوفه إلى جانب الجارة الشّرقية للمملكة؛ فخلال لقاء "التضامن مع الشعب الجزائري" عام 1961، أعلن الحسن الثّاني أن "الاستعمار الفرنسي يريد المناورة اليوم بالدهاء والخداع من خلال السعي لتقسيم الجزائر إلى قسمين: جزء للجزائريين والآخر للأوروبيين". وأضاف الملك متحدّثاً عن قضية الصّحراء، وفقاً لما نقلته جريدة "لوموند" في تغطية خاصّة للحدث، قائلا: "أؤكد للشعب الجزائري وحكومته ولشعب المغرب أن قضية الصحراء تهم الجزائر والمغرب وليس القوة المستعمرة، وأؤكد مرة أخرى أن الجزائر تعني لنا التضامن والتحالف حتى النهاية". وشدّد الملك الرّاحل: "أنا والشّعب المغربي نؤمن بوحدة المغرب العربي، هذه الوحدة ستتجسد عاجلاً أم آجلاً، سواء أحبها الاستعمار أم رفضها، لكنني مقتنع بأن هذه الوحدة ستأتي قريبًا". الهجوم على إسبانيا من بين المواقف المثيرة التي طبعت حكم الرّاحل الحسن الثّاني في تعاطيه مع قضيّة الصّحراء، ما كشفته وثائق سرية أصدرتها الولاياتالمتحدة. تشير وكالة المخابرات الأمريكية المركزية (CIA) إلى أن الملك الراحل الحسن الثاني كان "يخطط لشن هجوم مسلح" على إسبانيا في السبعينات بسبب نزاع الصحراء. ووفقاً لوثيقة بعنوان "مذكرة حوار" نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر مدريد بأن الملك الراحل الحسن الثاني كان يخطط لشن حرب ضد إسبانيا في أكتوبر 1975، شهرا قبل المسيرة الخضراء المغربية السلمية. وفي محادثة بين كيسنجر ووزير الخارجية الإسباني السابق بيدرو كروتينا، قال الدبلوماسي الأمريكي إن الولاياتالمتحدة لديها "بعض المعلومات بشأن هجوم مغربي محتمل في الصحراء الغربية". وقال وزير الخارجية الأمريكي السّابق كيسنجر لنظيره الإسباني، وفقاً لنصّ المحادثة: "أريدك أن تعرف أننا قد حثثنا ملك المغرب على عدم القيام بذلك (هجوم عسكري على إسبانيا في الصّحراء)، أي عدم القيام بأي شيء متهور. لقد حذرناه من ذلك وحثثناه على التفاوض مثلما أحثكم على التفاوض". وردت إسبانيا بأنها مستعدة للتفاوض مع المغرب. وأضاف كروتينا أن "تقرير المصير لا يعني الاستقلال، على الرغم من أن هذا أحد الخيارات المدرجة لمنح التّفاوض شيئاً من المصداقية، لكن ما سيُطلب من سكان المنطقة القيام به هو إظهار تفضيلهم إما للمغرب أو لموريتانيا". وزعم المسؤول الإسباني أن المغرب لم يكن على استعداد لمهاجمة إسبانيا فحسب، بل على الجزائر أيضًا، بسبب حقيقة أن الجزائر كانت تدعم الجماعة الانفصالية التي نصبت نفسها بنفسها. تندوف مغربية كان الملك الرّاحل الحسن الثاني دائما يردّد أنّ المغرب لم يكن يطالب بأكثر مما يخصه. يقول الرّاحل: "لذلك كانت تندوف، على سبيل المثال، جزءًا لا يتجزأ من الأراضي المغربية حتى بداية الخمسينات من القرن الماضي، حيث رأيت خلال احتفالات العيد الكبير والعيد الصغير باشا هذه المدينة بأم عيني يأتي ليعلن الولاء لوالدي. لكن عندما ذهبنا إلى المنفى في 20 غشت 1953، نُقلت تندوف إلى الجزائر". وأضاف الملك في حوار مع مجلّة "جون أفريك" خلال عام 1985 أعدّه الصّحافي المغربي حميد برادة: "بعد عودتنا من المنفى، جاء السفير الفرنسي لدى المغرب، ألكسندر بارودي، ليسأل والدي من حيث الجوهر: (الجنرال ديغول يقترح عليك تشكيل لجنة لمناقشة الحدود المغربية)". وتابع الملك الراحل: "أجاب والدي: (هذا غير وارد). وأضاف: (إنني متأكد من أنه عندما تكون الجزائر مستقلة، فإن قادتها سينصفوننا وسيوافقون على مناقشتها معنا). سارت الأمور بشكل مختلف: لم يقتصر الأمر على عدم قيام جيراننا وإخواننا الجزائريين بأي شيء لمناقشة الحدود الشرقية، بل حاولوا، في أول فرصة، منع المغرب من استعادة صحرائه". وشدّد الملك الرّاحل في الحوار الفرنسي على أنّه "لا توجد مدينة، مغربية أو جزائرية، تستحق الحرب. سأخبرك بشيء وهو جديد تمامًا: لم أوقف الجنرال إدريس بن عمر فقط، بل الجنرال الكتاني أيضًا، قال لي: (إذا أراد جلالتك الصلاة في وهران يوم الجمعة المقبل، فسنكون هناك). أجبته لا، ليس علينا ذلك، لأننا لا نستطيع البقاء هناك! لا، حقًا، لم يكن هناك جدوى من حفر قبر صداقة بدت محصنة ضد أي طارئ".