حبلت الوثائق التي رُفعت عنها السرية أخيرا من أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، والتي تهم الفترة الزمنية بين 1974 و1976، إذ كان هنري كيسنجر على رأس خارجية واشنطن، بكثير من المواقف المثيرة، خاصة في ما يتعلق بموضوعي الصحراء والمسيرة الخضراء. وأوردت مجلة جون أفريك الفرنسية، في عددها الأخير، جزءا من تلك المواقف المدونة في وثائق الخارجية الأمريكية، والتي واجهها كيسنجر مع كل من الرئيس الجزائري حينها الهواري بومدين، ووزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة، وأيضا الملك الراحل الحسن الثاني، والذين كان يجمعهم ملف الصحراء. ومما ورد في تلك الوثائق الأمريكية، وفق ما جاء في المنبر الفرنسي، أن "رغبة كيسنجر في الانجرار إلى الصراع في الصحراء لم يكن يضاهيها سوى جهله بملف لم يضبطه سوى عند دنو تنظيم المسيرة الخضراء، عندما ظهر له خطر الحرب وشيكا بين المغرب وإسبانيا والجزائر". وذكر المصدر أن أحمد بنهيمة، وزير الخارجية المغربي في ذلك الوقت، قال صراحة لأحد مساعدي كيسنجر: "إذا أصبحت الصحراء مستقلة فهذا يعني أن الجزائر الاشتراكية والموالية للاتحاد السوفياتي سيكون لها مدخل إلى المحيط الأطلسي، والمغرب لا يمكنه القبول بأن يكون معزولا ومحاطا". وأظهرت البرقيات الدبلوماسية الأمريكية في ذلك الوقت كيف كان الملك الراحل الحسن الثاني منشغلا باختلال التوازن العسكري بين المغرب وجارته الشرقية، وبأنه لم يكن يكف عن "التحرش" بضيوفه من واشنطن بقائمة اقتناء دبابات M60 وطائرات F5، وصواريخ، وبنادق 155mm، من أجل منافسة أسلحة الهواري بومدين. ونقلت الوثائق كيف أن بومدين قال يوما إن الحسن الثاني يلعب بالنار، وطالب كيسنجر بضرورة التدخل سريعا لمنع المسيرة الخضراء، لأن الجزائر لن تسمح بها؛ فيما كان جواب واشنطن بأنها "ستقوم بما تستطيع فعله، لكن الحسن الثاني لا ينصت لها، ووسائل الضغط عليه محدودة". بومدين أجاب بالقول: "هذه المسيرة تهدد استقرار المغرب العربي والعالم العربي، والوضعية ستكون كارثية، فالناس سيموتون، والمغرب لا مصلحة له في الدخول في مواجهة الجارة الجزائر، ونحن معتادون على الحرب، وليس لدي عرش حتى أخشى فقدانه مثل الحسن الثاني". حوار بين بوتفليقة وكيسنجر كان لافتا الحوار الذي دار أيضا بين عبد العزيز بوتفليقة، وزير الخارجية حينئذ، وهنري كيسنجر، حول الموضوع ذاته، وذلك في لقائهما بالعاصمة الفرنسية، في الفترة التي استردت فيها المملكة العيون، وانطلقت مناوشات البوليساريو في الصحراء، وهذا مقطع منه: كيسنجر: لنتحدث عن الصحراء. هل سمعت أن السفير الأمريكي في منظمة الأممالمتحدة صرح بأنه إذا سيطر الروس على الصحراء سيكون هناك نقص في الرمال .. "ضاحكا". بوتفليقة: مشكلة الصحراء جدية، ولا يمكنكم التخلي عن الشعب الصحراوي مثل فلسطين وناميبيا.. كيسنجر: لا أفهم معنى تقرير المصير بالنسبة للصحراء .. بخصوص فلسطين نتفهم ذلك، ولكن المشكل مختلف هنا. بوتفليقة: ليس هناك حل سوى الاستفتاء، فالجزائر لن تخفي النتائج كيفما كانت، يمكن للصحراويين اختيار المغرب أو موريتانيا أو الاستقلال. كيسنجر: ليست لدينا أي مصلحة خاصة في هذه القصة .. بوتفليقة مقاطعا: كان بإمكانكم منع المسيرة الخضراء. كيسنجر: ليس صحيحا.. بوتفليقة: نرى العكس من ذلك، فرنسا لعبت دورا واضحا في هذا الموضوع، حركت بورقيبة "الرئيس التونسي"، وسنغور "الرئيس السنغالي"، وبونغو "رئيس الغابون"، وشعورنا أن لديكم موقفا مناوئا للجزائر. كيسنجر: ليست لدينا إطلاقا أي مواقف ضد الجزائر، ولكن منع المسيرة الخضراء كان سيدمر علاقاتنا مع المملكة المغربية. وإن فعلنا كان سيكون مثل حصار.. بوتفيلقة: كان بإمكانكم القيام به. وكان يمكنكم قطع مساعداتكم الاقتصادية والعسكرية للمغرب. كيسنجر: تقصد بكلامك أن نخرب علاقاتنا بالكامل مع المغرب ..