في إطار وثائق وزارة الخارجية الأمريكية التي كان موقع «ويكيليكس» قد أفرج عنها، هناك وثيقة ترصد محادثة بين وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ووزير خارجية أمريكا هنري كيسنجر، الوثيقة تحدث فيها وزيرا الخارجية عن الصحراء المتنازع عنها بين المغرب والجزائر وموريتانيا وعن إسرائيل، وأظهرت الوثيقة العديد من المحاور الأخرى الخاصة بالشرق الأوسط وتبادل السفراء. وقد حضر هذا اللقاء، الذي جرى في 17 دجنبر 1975، كل من عبد العزيز بوتفليقة (وزير خارجية الجزائر)، محمد بجاوي (سفير الجزائر في فرنسا، ومساعد بوتفليقة)، هنري كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي)، عيسى الصباغ (مدير مكتب الشؤون العامة بالسفارة الأميركية بجدة)، بيتر رودمان (مجلس الأمن القومي) n كسنجر : ما هي القضايا العاجلة التي يتعين علينا مناقشتها. p بوتفليقة : أي شيء ترغب في مناقشته. n كسنجر: (موجها كلامه للصباغ) عندما قابلته أول مرة كان رجلا ثوريا والآن صار دبلوماسيا ثوريا. p بوتفليقة : من الضروري أن ينحرف المرء عن مساره في بعض من مراحل حياته. n كيسنجر: لنتحدث قليلا عن المؤتمر.لا يمكن ان نقوم بالكثير حول مشكل الصحراء، لكني أحب أن اسمع وجهة نظرك.ثم أحب أن نتحدث عن الشرق الاوسط. (مشيرا إلى السيد الصباغ) انه مترجمي المفضل و قد حضر جميع مفاوضاتي. p بوتفليقة: أعرفه.كان اشهر مذيع بالعربية في إذاعة البي بي سي خلال الحرب العالمية الثانية. n كيسنجر: يبدو لي أن المؤتمر يتقدم بشكل جيد. p بوتفليقة: النقاشات العامة تبدو بناءة. n كيسنجر: ألا تعتقد بأن خطابي كان شرسا إلى حد ما. p بوتفليقة: لقد كان شرسا ،لكن ليس جدا (ضحك). n كيسنجر: كان علي أن اقول بعض الاشياء قبل أن أكون توافقيا. هذا شرط ضروري لأي مقاربة توافقية (ترجم الصباغ هذا بمثل عربي : كل يغني على ليلاه). p بوتفليقة: هذا أجمل بالعربية. n كيسنجر: هذا قدري. p بوتفليقة: الجميع يغني لليلاه.كيف ترون مجريات المؤتمر واللجان التي ستنبثق عنه. n كيسنجر: اعتقد أن على اللجان أن تبدأ اجتماعاتها خلال اربعة اسابيع، أي في نهاية يناير. آنذاك اظن انه ينبغي ان نبذل ما في وسعنا كي تكون بناءة.من المستحب لو ان بعض الدول غير المنحازة ونحن بقينا على اتصال بكل من الطرفين لتفادي المواجهات. فالسيد روبنسون سيتوجه إلى نيجيريا في فبراير القادم و قد يمر بالجزائر في ذهابه او لدى عودته.نتمنى نتيجة ايجابية، الواقع ان النتيجة الايجابية ضرورية. p بوتفليقة: إذا لم تكن للجان توجيهات، فإنها لن تنتج سوى الخطوط العريضة. n كيسنجر: سيكون من الطيب إذا ما وضعت الخطوط العريضة منذ البداية و قبل المؤتمر، لأنه سيكون هناك نقاش حاد و من الأفضل لو أن المؤتمر ينتهي في جو من التعاون. p بوتفليقة: من يضع التوجيهات؟ n كيسنجر:اللجان نفسها.فاللجنة التحضيرية قد وضعت بعض التوجيهات.أنا آسف لكوننا امضينا هنا يوما ونصف وشرع بعض وزراء الخارجية يغادرون كان ...... p بوتفليقة: لدي حل وسط:يمكن القيام بذلك من طرف رئيسي المؤتمر صحبة رؤساء كل لجنة من اللجان. n كيسنجر:بعد انتهاء المؤتمر؟ p بوتفليقة:نعم. n كيسنجر: هذا ممكن. دعني افكر في الامر لكن دعنا نتحدث عن قضية الصحراء ، ينبغي ان تعلم أننا لم نمارس أي ضغوطات على الإسبان بخصوص أي حل معين. في الحقيقة لقد حاولنا أن نقنع الحسن الثاني بالعدول عن تنظيم المسيرة الخضراء. هل سمعت ما قاله «موينيهان». لقد قال ان الروس إذر ما سيطروا علي الصحراء فسيحدث نقص في الرمال (ضحك) بصراحة نود أن نبقى خارج مشكل الصحراء ، هذا ليس موقفا بطوليا منا. p بوتفليقة: أعتقد بأننا إذا أردنا أن نعالج الموضوع بطريقة سليمة، يتعين علينا أن نتكلم بطريقة صريحة ومباشرة.مشكلة الصحراء سابقة من نوعها في العالم وهي كذلك مشكلة مهمة بالنسبة للشرق الأوسط. n كسنجر: لماذا هي ذات أهمية بالنسبة للشرق الأوسط؟ p بوتفليقة: هل تعتقد أن العرب سيتخلون عن الفلسطينيين في حالة ما إذا حصل اتفاق سلام بين مصر وسوريا والأردن وإسرائيل؟ الأمر سيان، لا يمكن التخلي عن الشعب الصحراوي أو حتى الشعب الناميبي. المغرب وموريتانيا جزء من المشكل وهم يسعون لتسوية القضية وحاليا لدينا قرار محكمة العدل الدولية. n كسنجر: القرار كان ملتبسا. p بوتفليقة :أبدا. المحكمة اطلعت على مذكرة الدعوى فيما يتعلق بطرفي النزاع وخلصت إلى تبني الحل السلمي. n كسنجر: لا أعلم ماذا يعني مفهوم تقرير المصير بالنسبة لمشكل الصحراء، إنني أتفهم الأمر بالنسبة للفلسطينيين لكن الأمر مختلف نوعا ما. p بوتفليقة: إذن فشعب قطر ليس ذا اهمية. n كسنجر: ما الذي سيحدث بالنسبة لقضية الصحراء؟ p بوتفليقة: أود أن أفهم ما إذا كنتم تولون اعتبارا لاقتراح حل ما لأن المسألة ذات أهمية. n كيسنجر: أي حل تقصد؟ p بوتفليقة : هناك حل وحيد إنها مشكلة مبدأ، بالإمكان إجراء استفتاء والجزائر ستقبل بنتائج هذا الاستفتاء. ليس لدى الجزائر أي مشكل إذا ما قرر الصحراويون الانضمام الى المغرب أو موريتانيا أو الاستقلال. n كيسنجر : هل يمكن تنظيم الاستفتاء والمغاربة موجودون في الصحراء.؟ p بوتفليقة: يجب أن تتوفر هناك ضمانات، لا يمكن إجراء الاستفتاء تحت التهديد. لقد كان يمكن إجراؤه تحت رعاية الإسبان نظرا لانهم كانوا سيغادرون الصحراء. n كيسنجر: الموريتانيون هم أيضا في الصحراء. هل تمت مقاسمة الصحراء مناصفة ؟. p بوتفليقة: من المحتمل أنهم قاموا بتقاسمها مناصفة. لكن هناك عدة تجليات للمشكل ، هناك مشكل الصيد البحري والمشكل السياسي والاقتصادي وهناك أيضا المشكل السيادي . من المستبعد جدا أن يطبق المغرب قرارا محكمة العدل الدولية أو قرارات الأممالمتحدة.ساحل العاج لم تحكم بالصواب، لقد قال لي في لاهاي أحد قضاة محكمة العدل الدولية بأن القضية مرتبطة بالتضامن مع الملك. n كيسنجر: وهي أحدى الهيئات الدولية التي ليس لكم نفوذ فيها. p بوتفليقة: نفس الأمر ينطبق على الولايات المتحدة n كيسنجر: أكرر مرة أخرى، ليس لدينا أي مصلحة في القضية في حد ذاتها p بوتفليقة: يجب أن تنظر في المسألة بنفسك n كيسنجر: لماذا؟ p بوتفليقة: لأنك تشتغل ببراعة فائقة . ينبغي أن أقول لك بصراحة، من المرجح أنك لم تنظر في المسألة بنفسك. n كيسنجر : لقد نظرت أنت بنفسك في القضية. p بوتفليقة : من الواضح أن موقفكم موقف مبدأ.صحافتكم -النيوزويك والنيويورك تايمز-كانت جد موضوعية في تناولها للمشكل.إننا نرى بأن الولايات المتحدة كان بإمكانها أن توقف المسيرة الخضراء، لقد كان بوسع أميركا أن توقف المسيرة الخضراء أو تدعمها. n كيسنجر: هذا غير صحيح. p بوتفليقة : على النقيض من ذلك نعتقد أن فرنسا لعبت دورا يتسم بعدم النضج، لم تكن هناك كياسة أو براعة في التعامل مع القضية. لقد سعى بورقيبة وسنغور الى توظيف ما تبقى من نفوذ لفرنسا وعمر بونغو لم يكن لديه أي فطنة أو تحر عن الموضوع. لا أعلم إن كان هذا يتطابق مع موقفكم . لقد كان لدينا انطباع وكنا متأثرين إزاء الأمر لأننا اعتقدنا بأنه كان موقفا مناوئا للجزائر. n كيسنجر: نحن ليس لدينا أي موقف مناوئ للجزائر، المسألة كانت فقط كيف نطوق الأزمة.إعاقة المسيرة الخضراء كان سيعني تقويض العلاقات بشكل كامل مع المغرب.كان سيعني فعليا وقف العلاقات. p بوتفليقة: كان بامكانكم فعل ذلك.بامكانكم وقف المساعدات الاقتصادية و العسكرية. n كيسنجر: لكن كان ذلك سيفسد تماما علاقاتنا مع المغرب. p بوتفليقة: لا لكن لم يكن الحسن الثاني ليلجأ إلى السوفيات. n كيسنجر: لكن ليست لدينا مصالح بهذا الحجم في الصحراء. p بوتفليقة: لكن لديكم مصالح في إسبانيا والمغرب. n كسنجر : وفي الجزائر. p بوتفليقة: وأنتم تدعمون أحد الأطراف. n كيسنجر: لا أعتقد أننا نمنح الإمتياز لطرف على حساب الآخر، بل نحاول أن نظل على حياد. p بوتفليقة: لا يمكن بتاتا أن يكون دوركم هامشيا أو مجردا من المصلحة، لأنه كان من الواضح وجود تعاون عسكري بينكم وبين المغرب، وبناء على ذلك، فإن لا يمكن أن تكونوا على حياد في تدخلكم بين المغرب والجزائر، وبالتالي فإنني أدرك أنه كان عليكم أن تكونوا، أو تظهروا أنكم، تفضلون المغرب لذلك السبب. n كيسنجر: [موجها كلامه للصباغ الذي كان مكلفا بالترجمة] لكن ما يشتكي منه وزير الخارجية هو كوننا لم نمنح الامتياز للجزائر. ولنتبنى هذا الموقف، كان يتعين علينا قلب الأوضاع بشكل كامل. p بوتفليقة: ربما كان سيكون من الأسهل لو تم تبني مبدأ تقرير المصير كمنطلق. لقد أصبح لدينا الآن بلد جار له حدود متحركة - مع موريتانيا، مع النيجر ومع الجزائر. بعد عشر سنوات قبلنا بموريتانيا في المنطقة. لو أن المغرب يحتلها بأدنى معايير الشرعية، فسيشكل الأمر سابقة بارزة. وإن كانت في المنطقة هذه السابقة المتمثلة في الحدود الممزقة، فثمة خطر حدوث نزاع. الوقت لم يفت بعد بالنسبة لكم لكي تساعدوا على تمهيد الطريق لإيجاد حل ما. سيستدعي الأمر توفير أقصى الضمانات الأممية لتنظيم استفتاء، وستقبل الجزائر بذلك. لا محكمة العدل الدولية ولا الأممالمتحدة تعترف بحقوق المغرب أو موريتانيا. n كيسنجر: دعني أفكر في هذا الأمر وسأتصل بك من خلال سفيرنا. متى ستبعثون سفيرا إلى واشنطن؟ p بوتفليقة: ملاحظتكم مهمة بالتأكيد. سنعين سفيرا في مستهل السنة. أعتقد بكل صدق أنه من مصلحتنا اختيار الشخص المناسب. سأحل المشكل بأسرع ما يمكن. n كيسنجر: سيكون من المفيد أن يكون ثمة سفير في واشنطن. p بوتفليقة: أريد إيجاد شخص في المستوى الذي يناسب هذا المنصب. n كيسنجر: سيحظى بكامل الترحيب في واشنطن. p بوتفليقة: هذه هي نظرتنا إلى الموضوع، د. كيسنجر. ولقد بنينا هذه العلاقة المميزة بناء على التعاون. وعلى الصعيد الاقتصادي، قمنا بإقامة تعاون هائل لا يمكن أن ننساه أبدا. أما على الصعيد السياسي والشرق الأوسط، لا أعتقد أنه ستكون للدكتور كيسنجر أية احتجاجات. n كيسنجر: أبدا، أنتم متعاونون للغاية. p بوتفليقة: لو كان لديكم أي مشكل مع كوبا، أو فييتنام أو كمبوديا، فسنكون سعداء، وبشكل سري... n كيسنجر: رجالنا في الأممالمتحدة لا يفهمون دائما علاقتنا. لكنني أتفق معكم على أنه تربطنا علاقة جد إيجابية، أقدرها جيدا. p بوتفليقة: أكرر وأؤكد أننا أصدقاء حقيقيون. ليس ثمة ما نخفيه ولا نناور. ومجرد وجودنا هنا حول هذه المائدة كضيوفكم دليل على ذلك. كان بإمكانكم القول: «لنغادر إلى مكان آخر». n كيسنجر: تماما. دعني أنظر في مسألة الاستفتاء، سيما إن كانت لا تستدعي الانسحاب قبل تنظيمه. p بوتفليقة: نعم، لقد قلتم أن وجود انسحاب ليس عاملا. لكن لا بد من الانسحاب، حينها ستكون ثمة ضمانات كبيرة بأن يقوم السكان باتخاذ قرارهم بكل حرية. أنتم تعلمون أن الاغتيالات قد تكثر. لا نود أن يبقى هناك أي مشكل. كوقوع إبادة جماعية. n كيسنجر: في الصحراء؟ p بوتفليقة: أنا متفائل تماما. المشكل مشكل مصالح. لا أعرف لماذا تريد موريتانيا حدودا من ذلك القبيل، أو لماذا ينبغي أن تكون الجزائر في موضع الخائف. هذا أمر غير سوي. ولو تقاسم المغرب وموريتانيا ذلك، فإن الأمر لم يعد من السياسة. n كيسنجر: إننا لم نلعب بعد دورا جد نشيط، لأننا نواجه ما يكفي من المشاكل دون أن نضيف إليها المزيد. لكن سأنظر في الأمر وسنكون على اتصال. p بوتفليقة: فكروا في الأمر. n كيسنجر: سأفعل. p بوتفليقة: لا أعتقد أنكم تريدون دولة أخرى في المنطقة. n كيسنجر: لو أنها تطورت، لقبلنا بها. لقد سبق وقبلنا بظهور غينيا بيساو والرأس الأخضر. p بوتفليقة: ثمة ثروة كبيرة. في ظرف عشر أو اثتني عشرة سنة ستصبح بمثابة كويت المنطقة. n كيسنجر: لكننا لم نعترض عليها. لم تكن لدينا أية مصلحة معينة. p بوتفليقة: لا بد من الحفاظ على التوازن الذي عملنا من أجله في المنطقة، لا أعتقد أن مصالحكم في المنطقة تتماشى ووقوع الفوضى. n كيسنجر: أتفق معكم. p بوتفليقة: لقد انهشت عندما وجدت أن فرنسا وتونس يشتغلان معا ك «قوى متوسطية». الحديث عن حوض المتوسط، في ظل المشاكل التي يتخبط فيها الشرق الأوسط وقبرص والمشاكل الموجودة في المنطقة المغاربية، يظل معطى تفاؤليا. n كيسنجر: لقد كنا غير نشيطين البثة. لم نكن نقم بالشيء الكثير على كلتا الواجهتين. لم نقدم لكم المساعدة، كما لم نقدمها للمغرب. p بوتفليقة: لقد عاينتم وضعية احتلال الأرض في منطقة الشرق الأوسط، وسياسة الأمر الواقع، والجميع يتحدث عن المفاوضات. لو تحدثتم إلى الموريتانيين، فليس ثمة أي سبب لرفض قرار محكمة العدل الدولية. ما من سبب لعدم الوثوق بقرار محكمة العدل الدولية. n كيسنجر: دعنى أفكر في ما يمكن القيام به. سأنظر في الأمر. لا أحبذ أبدا أن أعد بشيء لا يمكنني القيام به.