خلّف انضمام نشطاء أمازيغ إلى حزب التجمع الوطني للأحرار نقاشا داخل الحركة الأمازيغية، توزّع بين طرف اعتبر أن الانخراط في الأحزاب السياسية لن يعود بأي نفع على القضية الأمازيغية، وطرف يرى ألّا مناص من دخول غمار اللعبة السياسية، والاشتغال من داخلها، لتغيير ما يمكن تغييره. المعارضون: خطوة بدون جدوى منذ إعلان التحاق فاعلين من جبهة العمل السياسي الأمازيغي بحزب التجمع الوطني للأحرار، صفّق البعض للخطوة، واعتبرها آخرون "بدون جدوى"، بداعي أن الأحزاب السياسية المغربية دأبت على استغلال القضية الأمازيغية عند كل محطة انتخابية، وتقديم وعود للأمازيغ سرعان ما تتبخر بعد الانتخابات. سعيد الفرواح، واحد من النشطاء الأمازيغ الذين يتبنّون هذا الطرح، وهو يرى أن انخراط بعض الوجوه من الحركة الأمازيغية في حزب التجمع الوطني للأحرار ليس إيجابيا بالمطلق، بل هو في غاية السلبية، سواء بالنسبة للأمازيغية أو للحزب نفسه، مضيفا أن "هذا الانخراط خلق ردودا عكسية داخل الحركة الأمازيغية، وسيزيد من تنفير نشطائها من الأحزاب". وذهب الفاعل الأمازيغي إلى القول إن انخراط محسوبين على الحركة الأمازيغية في الأحزاب السياسية خطوة تكررت مرارا، وأصبح عدد منهم يتحملون مسؤوليات داخل المؤسسات المنتخبة محليا وجهويا وحتى داخل البرلمان، "ولكن الفرق بين الأمس واليوم هو أن لا أحد انخرط سابقا في حزب مُوظفا علانية وقسرا اسم الحركة الأمازيغية، أو محاولا جعل الأمازيغية ورقة انتخابية". الفرواح أضاف أن الحركة الأمازيغية ستظل متشبثة بموقفها من الانتخابات، "ولا يجب توظيفها بشكل مجانب للصواب"، مشيرا إلى أن "القضية الأمازيغية من المفروض أنها، مثل كل القضايا الوطنية، عليها إجماع وطني، ويفترض أن تكون فوق الحسابات الانتخابية والصراعات السياسية، وقد دعا الملك نفسه في أحد خطاباته بالبرلمان إلى جعل الأمازيغية فوق الحسابات الضيقة". وفي الوقت الذي يعتقد المنتسبون إلى الحركة الأمازيغية، الذين قرروا دخول غمار العمل السياسي من الباب الحزبي، أن عملهم سيكون قيمة مضافة للأمازيغية، وأن النزول إلى المعترك السياسي أجدى من الجلوس في المدرجات، يرى آخرون يخالفونهم الرأي عكس ذلك، ويعتقدون أن الأحزاب لا تنظر إلى الأمازيغية إلا كورقة انتخابية. ومن بين الأسباب التي يرى الفرواح أنها تجعل انخراط الفاعلين في الحركة الأمازيغية في الأحزاب بدون جدوى عدم إثمار تجارب سابقة من هذا النوع لأي نتيجة، وعدم تأثيرها إيجابا على واقع الأمازيغية، "رغم أن كثيرا منهم وصل إلى المؤسسات المنتخبة". وفسّر المتحدث ذاته سبب عدم تأثير العمل السياسي على مسار الأمازيغية بكون القرار المتعلق بهذه الأخيرة "ظل يخضع دوما لطرفين، أولهما الفعل النضالي للحركة المدنية الأمازيغية، والطرف الثاني هو المؤسسة الملكية، التي تنفرد بالقرار في القضايا الوطنية الكبرى"، معتبرا أن التفاعل بين هذين الطرفين "هو ما أنتج كل ما تحقق للأمازيغية على علاته". المؤيدون: خطوة مجدية في المقابل، يُبدي المؤيدون لانخراط الفاعلين في الحركة الأمازيغية في الأحزاب السياسية حماسا كبيرا لتكريس هذا التوجه، ويعتقدون أن العمل من داخل المؤسسات الحزبية سيُعطي الحركة الأمازيغية دفعة إضافية، ويقرّب مطالبها أكثر إلى أصحاب القرار. وتدافع أمينة بن الشيخ، رئيسة التجمع العالمي الأمازيغي، بقوة عن قرار التحاقها، بصفة فردية، بحزب التجمع الوطني للأحرار، وتؤكد بحماس اقتناعها التام بهذه الخطوة، قائلة: "لو لم يكن لدي إيمان تام بهذا القرار لما اتخذته". وتوضح رئيسة التجمع العالمي الأمازيغي، في تصريح لهسبريس، أن الدافع الأساسي وراء انخراطها في العمل الحزبي "هو صيرورة العمل الذي ينهجه حزب التجمع الوطني للأحرار في قضايا الأمازيغية"، مضيفة "أنا مقتنعة تماما بأن العمل من داخل الأحزاب السياسية، في إطار ما هو مسموح به، أفضل من السكون والانتظار والتباكي". وفي بيان توضيحي نشرته على صفحتها في منصة "فيسبوك"، قبل يومين، دافعت أمينة بن الشيخ عن انخراطها في حزب التجمع الوطني للأحرار، وتلقت انتقادات عديدة من طرف متابعيها، لكن ظلت متشبثة بقرارها، وتَقول إن الحزب الذي اختارته "أبان في عدد من التجارب بأنه يتقاسم معنا همّ النهوض بالأمازيغية". هل قدّم حزب التجمع "ضمانة" للفاعلين الأمازيغ الذين ارتأوا الانضمام إليه، بأن يعمل على تحقيق مطالب الحركة الأمازيغية؟ تجيب المتحدثة ذاتها على السؤال بالقول: "الضمانة هي الأهداف التي أحددها لنفسي من خلال عملي من داخل الحزب، ثم إن ما عاينّاه، من خلال ملفات مختلفة، يثبت أن هذا الإطار السياسي يحمل هم الأمازيغية". وأشارت رئيسة التجمع العالمي الأمازيغي إلى مسألة التنصيص في القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية على كتابة اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ، قائلة: "لولا الفريق البرلماني لحزب التجمع الوطني للأحرار ومواكبة مكونات الحركة الأمازيغية من خلال الملاحظات، لكانت هذه المسألة مبهمة، فحتى حزب الحركة الشعبية، الذي كان ينتمي إليه وزير الثقافة آنذاك، لم يكن موقفه واضحا". وفيما يستمر السجال بين معارضي ومؤيدي انخراط الفاعلين المنتسبين إلى الحركة الأمازيغية في الأحزاب السياسية، يُبدي البعض مخاوفه من أن يؤدي هذا الاختلاف في وجهات النظر إلى تصدّع داخل الحركة الأمازيغية، غير أن أمينة بن الشيخ تستبعد ذلك. وتوضح المتحدثة ذاتها قائلة: "الحركة الأمازيغية ليست جمعية أو إطارا موحّدا مثل الأحزاب السياسية لكي تتصدع أو تنشق، بل هي منظومة مبادئ وقيَم من قبيل الحداثة والعقلانية"، ذاهبة إلى القول إن الحركة الأمازيغية "أكبر بكثير من مسألة التشرذم بسبب انخراط فاعلين فيها في الأحزاب، لأن هذا الانخراط ليس عاملا سلبيا، بل هو إضافة للحركة القوية باختلاف الآراء السائدة داخلها، وبوحدة المبادئ العامة التي تأسست عليها".