تُحاول موريتانيا إيجاد موقع قدم لها في النزاع الميداني، الذي تشهده منطقة الكركرات المُسترجعة من طرف القوّات المغربية، حيث تسعى إلى تجاوز لعب دور "المتفرّج" إلى فاعل "مؤثّر" تتخطى بموجبهِ لحظة التّردد والانبهار التي طبعت مراحل سابقة. وطالما شكّلت ورقة الصّحراء أحد المفاتيح الرئيسة لفهم جودة العلاقات بين الرباط ونواكشوط، خاصة أن قواعد اللعب الحالية أصبحت متمركزة في الحدود المغربية الموريتانية، وهو ما يحتم القطع مع مرحلة الضبابية. وأجرى الملك محمد السادس، الجمعة، اتصالا هاتفيا مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، عبرا من خلاله عن ارتياحهما الكبير للتطور المتسارع الذي تعرفه مسيرة التعاون الثنائي، كما تطرقا إلى مستجدات الوضع الإقليمي. الباحث في الشأن الاستراتيجي والأمني كريم عايش يؤكد أنه "صار واضحا التّهديد الخطير الذي أضحت تشكله عناصر البوليساريو على الأمن والسلام بالمنطقة، خاصة فيما يتعلق بالثغور الحدودية المغربية الجنوبية". وأضاف أنّ "العالم كان شاهدا على الأعمال التي تصنف ضمن خانة الإجرام والعصابات وقطع الطرق، وهو ما خلف خسائر على مستوى الأنشطة التجارية بين المغرب وموريتانيا، وأدى إلى التهاب أسعار المواد الغذائية وبروز المضاربة والندرة في الأسواق الموريتانية". وسجل الباحث ذاته أن "موقف المتفرج على ما يقع داخل الكركرات، الذي تبنته من قبل موريتانيا، وبعد ذلك الحياد كرد فعل عقب تنظيف المنطقة من عصابات البوليساريو، لم يكن سلوكا دبلوماسيا ولا رسميا مفيدا لموريتانيا". وقال عايش إن استغلال الجزائر لذلك عبر الترويج لطريق تندوف - أزويرات ليس بالفائدة والفعالية الاستراتيجية لطريق الكركرات، ويمكن موريتانيا من الانفتاح على العالم بربطها بالمغرب وأوروبا على أبعد الحدود". وهناك نقاش داخلي في موريتانيا بخصوص ضرورة التخلي عن تبني قضية خاسرة وغير ذات فائدة، أي قضية العلاقة مع ميليشيات البوليساريو، التي برهنت على العقلية الإرهابية التي تغذي تحركاتها، وإمكانية تحول منطقة شمال موريتانيا إلى امتداد لخطوط تجارة تهريب المخدرات والأسلحة والبشر، يقول عايش. ويعتقد المحلل ذاته أن تبني الطرح الانفصالي لم يعد مفيدا في ظل اعتبار موريتانياوالجزائر طرفين في ملف الصحراء، وفق القرار الأممي الأخير، مشيرا إلى أن موريتانيا تخسر كل يوم أكثر مما يمكن أن تجنيه من عدم إغضاب الجزائر وقيادة الرابوني. وسجّل عايش أن "الأقاليم الجنوبية تعرف نهضة اقتصادية واجتماعية، وهو ما تحتاج إليه موريتانيا لتنسجم في النسيج الاقتصادي لمنطقة شمال غرب أفريقيا حتى ترفع من تنافسية اقتصادها وفعاليته، وتستفيد من الخبرة المغربية، واستثمارات المغرب واستثمارات حلفائه". واعتبر الأستاذ الجامعي أن "إعادة تعبيد معبر الكركرات وبناء مسجد وتحسين الخدمات المقدمة للسائقين والعابرين تشكل النواة الأولى لتطوير هذا المعبر الحدودي، في أفق ربط شمال المغرب بجنوبه، وإحداث أقطاب اقتصادية جديدة مبنية على التجارة العابرة للحدود".