1- شرعية السلطة والصرا ع حول السيادة ثمة شواهد تقول إن صراع السيادة على احتياز القرار السياسي(الاختيارات) ومشروعية منتجيه(شرعية الحاكمين )، والذى ظل معركة رئيسة مفتوحة طوال السنوات الماضية في سياق كان مؤطرا بالنزاع حول مشروعية الحكم والحاكمين ،بين مجمل القوى السياسية ذات الامتداد الشعبي المعتبرحزبيا وبين مراكز النفود في حكم القلة المحيطة بالقصر والمستعملة للقرب الرمزي من السلطان ، سيزداد حدة وسيتطور مدى نوعا وشكلا ، ولكن هذه المرة سيتجلى الصراع بشكل مبطن وخفي من داخل المؤسسات الموكول لها دستوريا تدبير السياسات العمومية وصناعة القرار السياسي وعلى ضفافها أيضا ،مع فارق جوهري هو ادارة الصراع من داخل المشروعية الدمقراطية للحكم ومؤسساته الاجماعية واختياراته السياسية وفق معادلة الاصلاح الديمقراطي في اطار الاستقرار السياسي ،وذلك بالنظر للسياق الديمقراطي الجديد مغربيا والربيع العربي الثوري الفارق والمتفجر اقليميا والوضع الدولي الذي بات يستوعب أكثر مما سلف ماذا يعني العيش في عالم متعدد المراكز وماذا تعني بالنسبة الى عواصمه في الغرب أن تستحصل مصالحها الاقتصادية والسياسية بالانصياع لارادات الشعوب الثائرة والمنتفضة تطلعا للحرية والكرامة والاستقلال في عوالم الجنوب معية نخب ذات الشرعية الدمقراطية المتطلعة لبناء أنظمة سياسية متلائمة مع شعوبها ومنبثقة عن اراداتها الغالبة ومنطلقة لتدبير الشأن العام بمنطق الشراكة لا المنازعة والغلبة وهي تستحضر في ذات الصراع حول السيادة الشعبية منطق موازين القوى وموقعها الجديد داخلها . غير أن هذا التطور يجعل الاطراف المختلفة لذلك الصراع تريد تحقيق أكبر قدر من المكاسب في مصادر السلطة ومجال القرار السياسي حجما ومدى ونطاقا ، وبالتالي الثروة والنفوذ ،حتى لا تؤدي فوائضها ( السلطة والثروة ) الى الارتداد على معادلة الاصلاح في اطار الاستقرار ،وقبل أن يستتب الهدوء النسبى المنتظر ويستقر. فبعد انتهاء دورة الانتخابات التشريعية ( اتضاح معالم المشهد السياسي وخريطة القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة ) وكتابة الدستور على ايقاع الحراك الاصلاحي الشعبي ،وتطلعا لاستكمال البناء المؤسساتي للدولة المأمولة النابعة -كما هو المنشود- من المجتمع والمتصالحة معه والعاكسة لنبضه والمتجلية فيها الارادة العامة ،حيث الشعب سيد على القرار والمصير مباشرة أو من خلال ممثليه الشرعيين والحكام أجراء بناء على عقد الولاية العامة الدستوري ، على ضوء كل ذلك وجملة من المؤشرات الدالة التي سنأتي على تحليل بعضها ،لايمكننا الاطمئنان الى سلاسة الانتقال و لا الى كون ملامح الوضع هي ايذان باسئناف المسير الديمقراطي أو حتى الخلوص الى القراءة المتفائلة للمستقبل السياسي للبلاد في ظل الحراك الثوري العربي الجاري والذي ينبئ باعادة تشكل خريطة النظام الرسمي العربي من جديد عل أنقاض تداعي ركائزه الشمولية والسلطوية . 2 - سلطة التعيين في سياق مثير:بين هامش المبادرة وهاجس الاحتياط -مناسبة اثارة هذه القضية بهذا الانطباع المرتاب والمتشائم على مستوى التحليل ،هو السرعة والخفاء التي مرت بهما عملية توزيع أنصبة السلطة من خلال تحديد خريطة التعيينات في المؤسسات العمومية والمقاولات التي سميت استراتيجية ،والتي كانت موضوعا لاول مشروع لقانون تنظيمي رقم 12.02 المتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و92 من دستور 2011 ،والغريب في الامر كما المريب فيه حكما ،أن يغلف ذلك التسارع في الزمن ( من خلال اجازة المشروع في مجلس الحكومة ومجلس الوزراء بلا تداول أو نقاش جدي ومستوفي ) بوقائع وأطوار توحي بامتلاك سلطة تنفيدية فعلية جزئية وحيز معتبر ومقدر منها ،وبمسوغ لدى جزء من قادة التجربة الحكومية من رموز العدالة والتنمية كما بعض من الحواريين هو التأكيد على أننا بصدد بناء الثقة مع مركز السلطة وحائزها الابدي ( المؤسسة الملكية ) فلا معنى للتشويش أو افتعال معارك وهمية في الهامش حسب دعاة هذا المنطق ، كما أن هذا التمرير المحكم من طرف جزء من نخب القرب في مراكز النفوذ والسلطة جاء في سياق تصاعد غير مسبوق في المرحلة الانتقالية الحالية وربما مبرمج ومستهدف وموجه لموجة تتصاعد من الاضطراب الامني والاجتماعي وعدم التحكم في مجريات الامور محليا ، بالموازاة مع فورة في الطلب الاجتماعي الفئوي منه على وجه الخصوص في قطاعات حيوية في البلاد ( التعليم، الصحة ،العدل ،والداخلية ،حركة المعطلين ،السكن العشوائي ،الاعلام ...) مما استدعى اعمال المقاربة الامنية لفض الاشتباك من قبل الحكومة وجعلها تتورط في الاستجابة لتفاصيل المشهد الاحتجاجي ولتداعياته اليومية بعيدا عن الرؤية الشاملة المندمجة المستحضرة لمختلف العناصر المشكلة للوضع الاجتماعي العام والتي تضع في صلب أولويات انشغالاتها الشأن المواطني الموثق والمودع في برنامج الوعد الانتخابي : تفكيك الفساد والاستبداد والسلطوية كنهج في الحكم والفصل بين السلطة والسوق والتوزيع العادل للثروة ، وكأننا هنا أمام قوى تريد أن توسع مجال نفوذها على حساب السلطة المفترض فيها الالتحام بقاعدتها الاجتماعية المسنودة بالشرعية الاقتراعية ، ان قوى الردة والنكوص الديمقراطي تريد أن لا تدع الفرصة تلو الفرصة تمر لتؤكد لنا بأنها لن تنصاع لمنطق المحاسبة والاصلاح وتوحي بأنها تعطي الدليل تلو الدليل على استعصائها وامتناعها عن التواري و الاستسلام صلالح منطق البناء الديمقراطي والتنمية السياسية ،بجملة انها تريد اعطاء الانطباع بأن السلطة التنفيدية المنتخبة من قبل الشعب قاصرة مرتبكة ليست لها الخبرة ولا القدرة على التصرف ازاء الوضع الحالي ،وأنها ليست خبيرة بمجريات الامور ،ولاتستأهل منحها الثقة لتدبير شأن وطن ، مما يستدرجها عمليا وتلقائيا للسماح لتلك القوى المحافضة ولاراكدة لاحتياز مراكز سلطة ونفوذ لصالحها أكثر من السابق والسعي لتوسيعها بعيدا عن جدلية المسؤولية والمحاسبة الديمقراطية والشعبية. 3-الطابع التقليدي لنسق الشرعية :ازدواجية السلطة عائق للسيادة ان جوهر السيادة امتلاك القرار السياسى وبسط النفوذ على كل المؤسسات الدستورية والادارية استحضارا لمبدأ الفصل بين السلط و احتياز منافذ السلطة للقوى ذات المشروعية الديمقراطية ، وهى تكون لمجموع الشعب فى الديمقراطيات العريقة من جماهير وقوى سياسية ومجتمعية وكتل ذات ارتباط بعقد المواطنية ، فتنتظم المؤسسات بحيث تعبر عن ذلك المجموع المشكل بهندسة اجتماعية على قاعدة هوية جامعة ومرجعية عليا ناضمة ، وتخرج قراراتها عاكسة الإرادة السياسية للجماعة الوطنية، التى لا يكون ثمة سلطان إلا لها، وعلى المستوى النظرى المؤسساتي فإن الدستور المغربي يجعل السيادة للشعب حيث يتحدث الفصل الثاني منه على أن السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها.وتختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم.، بيد أنه في واقع الممارسة السياسية للحكم بالمغرب فان النسق السياسي المركزي الذي ينتظم مؤسسات الدولة في حركيتها وادائها وديناميتها وتفاعلاتها والذي يشمل كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الخفية والمعلنة الاجتماعية والسياسية ويضبط صلاحياتها ويحدد إجراءاتها ويدقق مساطرها على نحو يحد من هذه السيادة ويقيدها ، وينقلها لجهات أخرى في عمليات معقدة التفافية في حين ومناورة في أحايين أخرى، بعضها معلن جلي والاخر خفي وظامر ، وهنا الازدواجية المزمنة التي أبقت جوهر السلطة كامنة في البنية التقليدية العميقة للدولة ،وهذا هو المدخل النسقي لفهم مدى استعصاء تلك البنية الصلبة لمركز السلطة على الضبط والتحديد واعادة التركيب في نسق ديمقراطي غير سلطوي ، انه المال الحتمي لنظام سياسي زاوج بين العتاقة في بناء المشروعية التاريخية والدينية لمصادر السلطة فية وبين مقتضيات التكيف مع متطلبات الحداثة السياسية المتمثلة في التخفيف من الطابع الفردي المركزي للسلطة وذلك ما يجعل بعضا من مراكزها ان لم أقل أهمها خاضعا لمنطق المسؤولية والمسائلة . 4-السيادة بين المنطق الاحتكاري للنخب والمنزع التحريري للشعوب: لقد شهدت الأشهر التالية للقاء المغربي –رسميا وشعبيا -مع ربيع الثورات العربي والتي أعقبت التفاعل الشعبي مع مطالب الاصلاح المنبثقة من رحم المجتمع وأدواته من بنى وقوى الدفع التغييري والديمقراطي (20فبراير والقوى التي دعمتها ولم تصطدم مع سقف مطالبها ) وكذا التفاعل الخلاق والذكي للنظام السياسي المغربي( خطاب 9 مارس ،الاصلاح الدستوري ، الاستفتاء بالرغم من الشوائب التي لفته ،الانتخابات التشريعية ;; )، صراعا بين عديد من الاطراف والنخب السياسية والمجتمعية كلها تريد انتزاع السيادة لنفسها أو احتكارها أو اختطافها ومصادرتها لصالحها، ورغم ادعاء الجميع القبول بسيادة الشعب فإن مواقف هذه الأطراف في مجملها كانت دالة على عدم إيمانها بذلك ولا ادراكها لعمق التحول الماثل قيد التشكل في حظيرة شعوب المنطقة برمتها وبالاخص في حالتنا الشع بالمغربي الذي لم يعد يقبل منطق الوصاية عليه ولا مصادرة قراره ولا حتى الوساطة في ذلك -أي منطق السيادة للشعب وولاية الامة على نفسها – هذه النخب تشطرها تعلات تبرر بها وضعها الانتظاري ازاء موقف الشعب من مطالبه في التحرر والكرامة والعدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد والاستبداد ،إما لأنها –النخب-لا تراه أهلا لهذه السيادة، أو لأنها تسعى من خلال تمكنها من السيادة لتحقيق مصالح أفرادها ومراكز القوى والنفوذ السلطوي على الرغم من تعارضها مع المصلحة الوطنية العامة. ويمكن اختزال المواقف ازاء منطق السيادة الشعبية في المستوى الرافض لها أو المتحفظ اتجاهها في تشكيلين قد يبدوان متناقضين ظاهرا متضايفين على مستوى العمق والامتداد : - وأول الرافضين لسيادة الشعب هم بعض أطراف ومكونات النخبة المغربية ، الذين أرادوا إبقاء القرارات السياسية أسيرة المجالات المحفوظة والبنيات المغلقة بعيدة عن صناديق الاقتراع باعتبارها مستودع الارادة العامة ، وتجاوزوا غير ما مرة للدلالات السياسية النتائج الديمقراطية لاستفتاء يوليوز المنصرم بالرغم مما علق به من شوائب مدانة كادت ترجعنا الى مربع الانطلاق الاول (حكم الفرد أو الاقلية ) ، إما بدعوتى الاكتفاء بالبناءات الدستورية العتيقة العميقة التي تبقي على المنطق الابوي المكرس لازدواجية السلطة والمبقي على التأويل المحافظ اللادمقراطي أولا ،أوالمكيفة للاصلاح الدستوري بمنطق يوسع من نطاق المجال الملكي المحفوظ لصالح تأويل رئاسي يبقي على الغموض في المبادئ الدستورية الدمقراطية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة ، أو بقبولهم فيما بعد تأخير اعمال منطق الانتخابات المكرس لنتائج دالة أدانت عهدا من التحكم بأكمله في الحين، لما بعد الانتهاء من استكمال عملية البناء المؤسساتي بشكل يوحي بعملية التفاف مناور وظرفي لمصادرة السلطة والحفاظ على طابعها الفردي أو الاقلوي وتجييرها لصالح مصالح ضيقة ، أو بهما معا، وهذا المسعى خاطئ و خطير، لأن الساعين لتكريسه لا يستندون لقوة مادية ولا لشرعية اجتماعية تمكنهم من فرض انحيازاتهم ومرادهم، وهم إن نجحوا فى تجاوز إرادة الشعب التي أرسلها مرات عديدة لهم - سواء من خلال مطالب حركة 20فبراير أو من خلال انتخابات أنتجت حزب العدالة والتنمية كأمل وحيد للتجاوب مع نداءات بناء مغرب الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية - فلا شك من فشلهم فى المرات التالية، ولا مناص من خضوعهم لسيادة مجموع المغاربة ولغلبة الارادة العامة الشعبية .بالشكل الذي يصالح الدولة مع المجتمع ويخلق الشروط السياسية والدستورية للنهضة الدمقراطية الشاملة . - وثانيهما مؤسسات السلطة العميقة ، وهى القلب الصلب للدولة المغربية ، والتى استُنِد إليها فى تسيير الأمور حتى مع موات السياسة كخدمة عمومية وكتنافس نبيل لجعل الدولة نابعة من المجتمع ومعبرة عن قواه الحية كما كان الشأن أثناء تدبير الشأن العام بمنهجية تدبير الشأن الخاص بمنطق القبيلة والغنيمة والاقطاع ثم المقاولة والضيعة على امتداد العقود الاربعة الماضية منذ الاستقلال السياسي الاعرج للبلاد، وامتلكت بالتالى مفاتيح القرارات السياسية المهمة والفاصلة ، هذه الدولة العميقة قلبها النابض والمحرك هي المؤسسة الأمنية بشبكاتها الاجتماعية والادارية والمعلوماتية (الجيش، والداخلية، والمخابرات)، والتي تؤسس للنموذج السلطوي في التسيير كنظام للحكم ، هذه البنية لها أذرع فى المؤسسات الأخرى للدولة سواء المالية أو القضائية أو الإعلامية، أو الخارجية، وليس خافيا على أحد تبعية الأذرع والشرايين لمركز القلب الذي هو النابض والعصب (جزئيا على الأقل)، 5-آلية اشتغال البنية العميقة للسلطة :نماذج تفسيرية وخلاصات ويمكن توضيح دينامية عمل الاجهزة العميقة للدولة وبنيتها العتيقة والتمثيل على طريقة اشتغالها ببعض النماذج : -فالجسم القضائي مثلا يختزن عددا لا بأس به من مقاومي الاصلاح من مكوناته وتشكيلته (راهنية مطلب نزاهة واستقلالية القضاء معا )، -ووزارة الخارجية كنموذج جلي علي ذلك تصبح أقرب لجهة تنفيذ سياسات ترسمها جهات ولاؤها خارج نطاق السيطرة المؤسساتية والرقابة الشعبية ولا ولن تستجيب للنقد الرقابي للمؤسسة البرلمانية كفضاء يرفد تطلعات ممثلي الامة لرسم معالم السياسة الخارجية من خلال تحديد خريطة الحلفاء والاعداء وقوانين السلم والحرب الخ ،،، بل يتمحض انضباطها –أجهزة صنع السياسة الخارجية -حصرا لبنيات المجال التقليدي المحفوظ للسلطة أولا ،كما تجد -ثانيا-لحركتها صدى خارج فضاءات صنع القرار السياسي و السيادي والدبلماسي بحيث تكون فوق المراقبة الشعبية ،ولا علاقة لصنع السياسات الخارجية ذات الصلة بالعلاقات الدولية بالبنيات الرسمية السياسية والادارية الا ما فضل على مستوى واجهة الفعل الدبلماسي ، ان ولائها الاضافي ومصادرها العميقة والكامنة لن يكون- أخيرا -الا لاجهزة الأمن القومى الداخلي والخارجي منها لجهة صنع السياسات العمومية الموكول لها دستوريا رسم معالم الدبلماسية المغربية وتحديد أدواتها وبنياتها المؤسسية التابعة للسلطة التنفيدية حكما،بما يعنيه من تحمل للمسؤولية السياسية كاملة وبمنطق الشراكة ، وثمة كلام يتناقله البعض في عديد من الاوساط الصحفية والسياسية من غير تأكيد أو نفى من المؤسسات الرسمية مفاده أن جزءا من النخب ذوي الصلة بجهات نافذة في الدولة وعدد لا بأس به من الصحفيين والإعلاميين النافذين والاطر الجامعية والبروقراطية والتقنقراطية كانت لهم علاقات قوية بجهازى الداخلية والخارجية والعئلات الممتدة ذات النفوذ والوجاهة والريع ،أعيد توظيفهم واستعمالهم –عقب الربيع العربي من خلال ترتيب الوضع الداخلي للخارجية المغربية –في متن السلطة وعلى ضفافها لاعادة امتلاك القرار الاستراتيجي وكبح القادمين الجدد في ردهات وزارة الخارجية ولجم حركتهم داخلها والعمل على تجريدهم من الامكانات والمقدرات والادوات الكفيلة بتفعيل دورهم واحتياز قرارهم واحتلال المساحة الكاملة في حدودد المسؤولية عن الملف ، ، وبناءا على هذه العلاقات المحددة لإمكانياتهم المهنية كان الاستناد فى تقريبهم وادماجهم في منطق المناكفة والكبح. لا الاشراك في القرار وبناء السياسات . -هذه البنيات العميقة للدولة تسعى للحفاظ على التحكم الاداري والسياسي وبناء منطق ورؤية معكوسين للسيادة الشعبية ،امتلكتهما الدولة عمليا من قبل التحولات التي طرأت على المشهد السياسي والمجتمعي عقب ربيع الثورات العربي لسببين، أولهما اعتقادها بأنها مؤهلة دون المدنيين والسياسيين الذين أفرزتهم العملية الديمقراطية لإدارة دفة القرار السيادي والاشتغال باحتكار القضايا الاستراتيجية، وإيمانها المطلق بدورها الرسالى فى الحفاظ على الأمن الوطني والمصالح العليا لبنيات لنظام السلطوي المحافضة التي تعتبرها مصالح عليا للوطن وفق تعريفها له، وعدم ثقتها فى المدنيين ولا السياسيين المنتخبين كفاءة ونزاهة واعتبارها لقيم الولاء لمركز السلطة، وثانيهما سعيها للحفاظ على مصالحها، وقد أدت عقود التقارب بين المغرب وأعدائه وخصومه الاستراتيجيين ( جزء منهم القوى الاستعمارية ذات التطلع الامبراطوري ) لأن ترتبط بعض هذه الجهات بعلاقات مع جزء من المركبات المصلحية الاقتصادية والادارية والعسكرية والسياسية لبعض تلك القوى امعانا في تكريس مسار الالحاق والتبعية وضرب امكانيات الاستقلال والبناء المنافس والحر والموحد ، بغية أن ترتبط مصالحها مصيريا بهم، كما أدى طول الركود وغياب الرقابة لأن تفسد بعض هذه المؤسسات، وتصير توجهاتها تبعا وإن جزئيا لمصالح قاداتها لا المصالح العامة للبلاد ( والمعطيات في هذا الشأن شحيحة ). 6- دعوى هيبة الدولة :المؤسسات الضامنة للمواطنة والانتماء الجامع لقد كان التجلى الأول والابرز لسعى بنيات الدولة العميقة لفرض سيطرتها على المجموع المواطني ولاستبقاء سيادتها حصرا على أجهزتها ونخبها هو شعار (هيبة الدولة خط أحمر) حتى على حساب كرامة المواطن ،والذى استخدمته قوى المحافظة ومقاومة التغيير –دوما- بغاية التنحى الظرفي في مواجهة عاصفة الربيع الديمقراطي الثوري واتقاء شر عصفها المستطير وانعكاس ذلك على أسلوب التفاعل السياسي الرسمي بالمغرب مع التحولات النوعية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لتلافي المأزق الذي سقطت فيه الانظمة السلطوية . لقد أرادت قوى التسلط والاستبداد اعادة انتاج تجارب فاشلة على مستوى التدبير العمومي وادارة التنمية من أعلى ومصادرة التطلع الشعبي للحرية والديمقراطية ،غير أن ما سلف ذكره من أثار مدمرة لهذا النهج التحكمي من أعلى على الدولة والمجتمع جعل الحكم يراجع عشرية بأكملها من التحكم كانت ستؤدي الى ما قد يعصف بالدولة جميعها ،غير أن النخب المولوية حاولت التكيف المرن من جديد مع معطيات الضرفية قاصدة توجيه النقد للنخب ذات القرب من المؤسسة الملكية كحائزة للسلطة المطلقة ( بكل ما يرتبط بها من بنيات مدنية ودينية وعسكرية وادارية على حد السواء)، ومحاولة إسكات المطالبين بتقييدها وملائمتها ومحاسبتها كما هو الحال فى الديمقراطيات الحديثة وبالتحديد الملكيات البرلمانية ، وكما تقتضى سيادة الشعب تحت رقابة أصحاب السيادة الديمقراطية وممثلي الامة والشعب، لكن المحاولات لم تنتج الا تجذرا للمطلب الديمقراطي في تعميق منازع الكرامة وتأكيد التطلع لبناء فضاء الحريات العامة ، بطريقة لا تؤدى لامتهان المؤسسة الملكية ولا النيل من رمزيتها ، ولا تخل بمنطق الائتمان الوطني والاستقرار الاجتماعي والمواطنية الكاملة . -بالرغم من كل ذلك لابد من التسليم بابقاء المؤسسة العسكرية ممثلة في الجيش رأس مؤسسات الدولة خارج نطاق السيطرة والنزاع كما أنها من الواجب أن تكون عصية عن دوائر النفوذ ، الى جانب المؤسسة الدينية التي هي موطن مرجع اجماعي ومناط التزام موحد وضامن للامن الروحي والانتماء الهوياتي الجامع ، لا بد من إبقائهما جميعا بعيدا عن منطق التنافر والتنافس الحزبي والمناطقي والطائفي ليتمكن من الدفاع عنها المجتمع برمته ، وهو ما لا نقصده أو نتمناه أن يحصل مع وزارة الداخلية والمؤسسة الامنية من خلال منع إعادة هيكلتها وتفكيك بنيتها السلطوية باعمال آليات الحكامة الأمنية والرقابة المؤسساتية والشعبية عليها ، والتي ترمز لاستمرارية النظام السياسي الامني التسلطي المهيمن على الحياة السياسية والاجتماعية ، وكذا مع مؤسسات الإعلام العمومي وغيره من مؤسسات الدولة العميقة التى أرادت قوى التغيير الشعبي السلمي والعلني ممثلة في 20فبراير وغيرها من القوى التي تناضل من أجل فرض نسق من الاصلاحات الجذرية إعادة هيكلتها بما يضمن خضوعها للإرادة الشعبية وتحقيقها للمصالح الوطنية وكفاءتها الفنية وذلك باعادة امتلاكها شعبيا وتوجيهها لصالح مخطط اعادة اكتشاف وبناء وطن معافى من طوق الاغلال السلطوية والنظام السياسي الذي يفرض الريع ويؤكد قيم واليات التحكم والسيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع. 7-قوى المحافظة السلطوية واستعادة المبارة للتحكم الناعم من جديد لقد ظل الصراع بين القوى والنخب المطالبة بالديمقراطية وتوسيع نطاق الحريات وأقلية الدولة العميقة ذات البنية العتيقة أي بين نموذج دولة السيادة الشعبية والرعاية الاجتماعية و نموذج دولة الطغيان السياسي والتحكم المجتمعي ، ممتدا طوال السنوات الماضية وتركز أكثر بكثافة في غضون الشهور القليلة الماضية ،حيث أعادت النخب توجيه مطالب الإصلاح إلى ما عداها من واقع الركود والانتظار ، واستغلت قلق المدنيين المتبادل من بعضهم لأن تدخلهم فى صراعات استنفدت الوقت والجهد، فيما تراهن حركات الاصلاح وتفكيك السلطوية على الصمود والبقاء ،ظلت بنى الدولة العميقة العتيقة منسجمة قوية متماسكة تستعد لاسترجاع المبادرة من جديد ، وقد أجلت غير مرة المعارك التى لم تستطع حسمها بالنظر للسياق السياسي الاقليمي والوطني الذي يدفع في اتجاه تأكيد المنزع الديمقراطي وبناء مغرب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية بشكل يقطع مع بنيات الفساد والاستبداد ، وكمؤشر على ذلك معركة الاصلاح الدستوري والسياسي التى أرادت تلك القوى حسمها مبكرا بشكل معزول عن منطق الحراك الديمقراطي من خلال الابقاء على فجوات في الوثيقة الدستورية (ازدواجية السلطة )، ثم اضطرت تحت ضغط شعبى لتأجيلها على الرغم من أنها استطاعت المناورة لبعض الوقت . لتكييفها على مستوى التأويل السلطوي للمقتضيات الدستورية . ومع دنو أجل الانتخابات الجماعية من أجل استكمال البناء المؤسساتي بعد وضع الدستور واجراء الانتخابات التشريعيةالسابقة لاوانها والتي أنتجت قوى سياسية شعبية وبديلة ( توج حزب العدالة والتنمية في صدارة المشهد السياسي ) ، تسارعت وتيرة المعارك السياسية من جديد ، وبدت إشارات يمكن أن تمر كل منها منفردة بتفسيرات بريئة ( اضرابات فئوية ،وحراك على شكل انتفاضات صغرى بعيديد من المدن والقرى ،بالاضافة الى التصعيد المتواتر لحركة المعطلين سواء في العاصمة أو في هوامش المدن والقرى ...)، غير أن اجتماع هذه المعطيات والتطورات وتلاحقها المتسارع على النحو الذى شهدته الأيام الماضية يصعب معه هذا التفسير بالمنطق الاعتيادي ، فقد صدرت تصريحات وقرارات من طرف قوى تفتح الباب أمام الطعن فى الشرعية السياسية والدستورية للخطوات الاولى سواء للبرلمان أو السلطة التنفيذية الوليدة ، ورغم أن المسألة تتعلق بقضايا إجرائية أو مسطرية ،فقد تم تقديمها كتشكيك فى الشرعية الديمقراطية والدستورية لها ، من قبل قوى سياسية ضاعت بوصلتها السياسية وفقا لمنطق السياق السياسي الحاكم المتمثل في مواجهة السلطوية والفساد، هذه الحركات المريبة للبعض يساهم في فتح أبواب لاستمرار تدخل غير المنتخبين من سلطويين اتين من الزمن الردئ الغابر متوسلين بتقنقراط فاشلين فى إدارة السياسة (لأن شرعية المنتخبين محل شك ونقض حسبهم )، ويمكن بنيات السلطوية العميقة التقليدية من مقايضة المؤسسات الدستورية النابعة من الشرعية الانتخابية والديمقراطية (برلمانا وحكومة ) على وضعها الاعتباري -فى السياسة كما في الدستور -اعمالا لتأويل وتنزيل تحكميين ولا دمقراطيين للوثيقة التعاقدية التي هي الدستور، ويضع لها ضمنيا خطوطا حمراء لا يتخطاها فى القضايا الاستراتيجية والكبرى السياسية التي تعطي معنى للسياسة كرهانات و اخيارات وللشعب كمناط للسلطة ، سواءا بسواء . فتحت مسمى الخطوط الحمراء وهيبة الدولة العميقة صودرت ارادة الشعب في رسم السياسيات العمومية في الميادين المختلفة ذات الصلة ببرنامج القطع مع الفساد والاستبداد كشعار مؤطر للمرحلة السياسية ، والتي تعنى بتأكيد ارادة الامة في الاختيار لا الفرد واستعادة سلطة الشعب على حكامه واسترجاع تحكمه في ثرواته . 8- تمرير مشروع القانون التظيمي رقم 12.02 :الارادة الالتفافية والانتظارية المترددة لقد لمسنا تمظهرات ارادة الالتفاف والاحتراز من جهة ،والذهول المتجلي في منطق الانتظارية والتردد والموغل في المبالغة في تعظيم منطق الثقة عوضا عن منطق التعاقد الدستوري الواضح من جهة ثانية ،في سعي بعض القوى المتحالفة من أجل إعطاء نفس جديد لنسق التحكم والسيطرة من أعلى على مفاصل الدولة بدون محاسبة وبعث الحياة في منطق المحافظة والتأويل السلطوي للدستور ،لقد كانت أية ذلك في الطرق التي تم بها تمرير مشروع القانون التظيمي رقم 12.02 المتعلق بالتعيين على رأس 20 مؤسسة عمومية و19 مقاولة عمومية ذات الطبيعة الاستراتيجية وتضطلع بأدوار في الميادين الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، المتعلق بتطبيق أحكام الفصلين 49 و 92 من دستور2011 بدون أن يخضع للنقاش العمومي ولا للتداول لا في المؤسسات الدستورية و لاخارجها . وبالتوازى مع ذلك، ورغم افتقاد الدليل الكيدي المباشر بأن عديدا من الوقائع والحوادث ذات صلة بالحراك الحالي منذ تعيين الحكومة الحالية وتنصيبها برلمانيا ،فانها تؤشر على أن هناك جهة ما ان لم نقل جهات تلعب دور اليد الخفية المدبرة ،فالقرائن تشير لذلك وتؤكده، والتوقيت والعلاقة بالأحداث الأخرى قرينة على احتمال وجود تواطؤ والتقاء موضوعي على الأقل من قبل أطراف تشتغل في صميم بنية الدولة العميقة بقلبها الأمنى السلطوي ، وهي فى جل الحالات تعمل على توجية رسائل مضمونة مفادها أن ثمة ملفات لا ينبغى لرئيس الحكومة، القادم من حز بالعدالة والتنمية المعارض ،المنبثق من الشرعية الشعبية ،والنابع من صناديق الاقتراع، فتحها ولا محاولة القرب منها لتغيير منطق الحكم المشخصن الذي كان يشهد مركزة مفرطة للسلطة والثروة ،وفى الحالات كلها هي رسالة بأن ثمة خطوطا حمراء لابد من التوقف عندها، وهى رسالة ليس المقصود بها المستهدفين فحسب، وإنما من وراءهم من المهتمين بالشأن العام وبناء منطق السيادة الشعبية ، أملا فى أن يدفعهم القلق من إرباك بنى الدولة العميقة العتيقة وإغضاب أربابها وأركانها ،و إرغام القوى المترددة على التراجع عن الخوض فى قضايا بعينها (ملفات الحكامة الامنية، وماضي الانتهاكات ،وناهبي المال العام، واقرار العدالة ، وانجاز مهام التحول الديمقراطي ...). 9-بل الشعب هو مناط السيادة والسلطة لقد كان رد المناضلين المطالبين بسيادة الشعب على شعار (الدولة خط أحمر) عبقريا، إذ قالوا فى هتافاتهم وواقع حالهم (يسقط حكم الاقلية المكيافيلية المنتفعة الماصة لدماء المستضعفين ، بل الشعب هو الخط الأحمر)، فالشعب لا الاقلية المتمترسة خلف بنى الدولة والمحشورة حشوا في مؤسساتها هو صاحب السيادة، هو صاحب السلطة التأسيسية ،هو حائر المرجعية الاولى في البناء الديمقراطي ،وهو صاحب الكلمة النهائية التى لا يمكن تخطيها، وهذه السيادة تقتضى إنهاء حكم الدولة العميقة العتيقة ، وإعادة هيكلة مؤسساتها وتطهيرها من الفاسدين، وبنائها على أسس من الالتزام الدستورى والقانونى والاستقلال المهنى والتبعية السياسية للسلطة المنتخبة ،على أساس التمايز البنيوي في السلطات والتخصيص الوظيفي للقيم والموارد ومنافد السلطة ، وإعادة تنظيم المؤسسات الدستورية بما يضمن مراقبة المنتخبين على غيرهم، وتمكين الشعب من محاسبة القادة والزعماء ، وهو ما لا يمكن تحقيقه بغير توحد الإرادة الشعبية، ورأب الصدع بين القلب الصلب لقوى التغيير والاصلاح الفاعلة كسلط مضادة من جهة ،والأغلبية البرلمانية المنتخبة ديمقراطيا من جهة أخرى. *باحث في العلوم السياسية عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية