يؤكد خالد الرحموني، الباحث في علم السياسية والقانون الدستوري، أن القضية الأساس اليوم في المغرب هي الديمقراطية والعدالة، من حيث أنهما شكلا العنوان الأبرز لمطالب ومسيرات 20 فبراير. وأبرز الرحموني أن أمير المؤمنين يجب أن لا تتعدى كونها صفة للملك، ولا يمكن أن تمنحه صلاحيات تنفيذية في التشريع أو غيره. وقال إن العدالة يجب أن تكون الثابت الخامس من بين الثوابت التي أكدها الخطاب الملكي، وأن ينص الدستور المقبل على أن المال العام مقدس وله حرمته. ودعا إلى حوار مع جميع الأطراف بما فيهم جماعة العدل والإحسان والنهج الديمقراطي، على اعتبار أن المغرب يعيش انعطافة ولا يمكن أن يستمر الإقصاء في المستقبل. فيما يلي نص الحوار: - تثير قضية الهوية والمرجعية نقاشا حيويا في السياق السياسي المغربي الراهن، لا يخلو من بُعد سياسي وحزبي ضيّق أحيانا، ما هو التصور الممكن الذي يجب أن تتضمنه الوثيقة الدستورية المقبلة؟ - ينبغي أن نعي جيدا أولا وقبل كل شيء، أن ما يُطرح اليوم في النقاش العمومي بين مختلف القوى المجتمعية، بما فيهم الفاعلين السياسيين، هو صدى لحركة المد الديمقراطي العربي. ونتيجة كذلك للتفاعل الذي أحدثته حركة 20 فبراير التي نادت إلى إصلاح جوهري لبنية الدولة، ثم 20 مارس التي أكدت أن خطاب 9 مارس يجب أن يتضمن المطالب الجوهرية التي تم التعبير عنها. بأن تعالج إشكالين جوهريين: الأول تركيز السلطة، وهو يمكن أن نسميه الحكم السلطاني المخزني المستبد الذي يسمح بهامش من التنافسية. والثاني تركيز الثروة وما يرتبط بها من فساد ونهب للمال العام. ولهذا شكل مطلبي إعادة اقتسام السلطة، أي الديمقراطية والحرية، وإعادة توزيع الثروة أي الكرامة والعدالة، شكلت مطالب حيوية للجماهير التي خرجت. وهي المطالب التي تؤطر اليوم النقاش الدستوري. والمُلاحظ، في هذا السياق، أن قضية الهوية والمرجعية لم تثيرها مسيرات حركة فبراير، ولم تطرح في الثورة التونسية والمصرية كذلك، لماذا لم تفعل ذلك؟ هذا سؤال مثير للانتباه. لكن ما يعنيني هو التقاط عناوين اللحظة، والتي ليس بينها قضية الهوية التي أعتبرها محسومة، وبالتالي طرحها مجرد مغالطة، ولا يمكن أن نقحمها بأي حال. وخطاب 9 مارس كان واضحا بدوره، فهو اعتبر الثوابت الوطنية، وفي قلبها الإسلام دين الدولة، غير قابلة للمراجعة أو التغيير. ولهذا أتصور أن معركة الهوية في السياق السياسي للمرحلة ليس له أي راهنية، بل أعتبر أنه لا ينبغي أن نفتعل معركة تبعدنا عن طبيعة المطالب والقضايا التي رفعها الشعب المغربي أولوية له، وتعتمل اليوم في عمقه وبين فاعليه. أنا أطرح سؤال أراه جوهري: ما معنى الاعتدال والوسطية الآن؟ أعتقد أن الوسطي المعتدل في اللحظة التي تعيشها الأمة هي أن تكون ديمقراطيا، وأن تطالب بما يطالب به الشعب، والشعب يطالب في اللحظة القصوى إن تنكب الحاكم عن المشروطية وعن الدستور أن يعزل. أضف إلى ذلك، أن المرحلة السياسية للأمة تؤكد أن المرجعية لا يحميها نظام سياسي معين، ولا يتوهم أي طرف أنه بإلغاء المرجعية من الوثيقة الدستورية سيلغيها من المجتمع وإرثه الثقافي والحضاري. إن الأمة هي التي تحمي الدين، والمجتمع هو الذي ينتج آلياته لحماية نفسه ودينه، ولذا أعتبر أن قضية المرجعية محسومة في المجتمع، ولا أحد قادر على المسّ بها. أكثر من ذلك، إن الشعوب إذ تعيد ترتيب أولوياتها باتجاه إرساء الديمقراطية والحرية والعدالة، فهي تعتقد عن وعي أن كرامتها والتعبير عن ذاتيتها بحث رهينة بكسب هذه المعركة. - لكن الخطاب الملكي ليوم 9 مارس لم يغلق النقاش حول قضايا الهوية والمرجعية، وعلى رأسها الفصل 19، بدليل أن النقاش الحزبي والإعلامي يتناول باستمرار هذه القضية، وعليه لا يمكن تجاوزها، مما يقتضي بلورة تصور يوجه مداخل إصلاح هذه القضية؟ - لا أتصور أن إمارة المؤمنين ومسألة البيعة مثلا مرتبطة بقضية الهوية والمرجعية، على الأقل كما يتم تناولها اليوم في النقاش السياسي، بل هي مرتبطة جوهريا بطبيعة إدارة الصراع السياسي من طرف النظام السياسي وخصومه. لقد عاش المغرب مرحلة كاملة من الصراع السياسي استهدف خلاله طرفي المعادلة: أي النظام الملكي من جهة، والمعارضة اليسارية من جهة أخرى، وجود بعضهما البعض. هو صراع وجودي بسبب الخلاف حول من يحكم. النظام السياسي من جهته كان يستخدم كل الأدوات الممكنة، فبالإضافة إلى منهج التحكم والإقصاء وفبركة الأحزاب ونتائج الانتخابات، لجأ النظام إلى الحقل السلطاني التقليدي ليعيد تكييف طبيعته السلطوية والهيمنة على المجال العام، وتجديد أساليب القمع والإخضاع القهري. ومن ذلك اللجوء إلى المتن السلطاني المخزني القديم، ومنها إمارة المؤمنين، حتى أن الحسن الثاني كان يعتقد أن إمارة المؤمنين فوق الدستور. وكان لهذا التصور أثر جذري على طبيعة الهندسة الدستورية القائمة، بحيث أصبح المغرب محكوم بمجالين: مجال تقليدي سلطاني مخزني، ومجال حديث وقانوني. يعبران عن مشروعيتين: مشروعية تقليدية وأخرى حديثة، وكلا منهما أدى إلى إحداث مؤسسات تعبر عنه، وإمارة المؤمنين كانت تُعبر عن السلطة التقليدية، وهي صفة مكنت الملك من تركيز كل السلط في شخصه لكن تنفصل في غيره، بحيث لا يكون موضوعا للمساءلة والمحاسبة، وخطابه لا يُناقش، بل ويحتكر تأويل الدين، ويتدخل في التشريع مع وجود برلمان منتخب، وكل ما نقرأه ونعيشه في ظل الدستور الحالي من مفارقات. - ما المدخل إذن للقطع مع هذه الازدواجية وردهم الهوة بين الحديث والتقليدي في الدستور؟ - المدخل الوحيد الذي أتصوره هو أن تكون السيادة للشعب، وإقرار الإرادة العامة للأمة التي تُعبر عنها من خلال مبدأ الانتخاب، بحيث يصبح القرار السياسي رهين لصناديق الاقتراع، والانتخابات مُؤسسة لموازين قوى حقيقية في المجتمع، وتعبر القوى السياسية عن رهانات، وتتداول فعلا السلطة. ومعنى ذلك، أن نقطع مع الهندسة الدستورية الحالية، وهي هندسة تنتج الوهم، وتسمح بما هو هامشي للقوى الحزبية والمدنية التي لا تملك أدوات الفعل والتأثير الحقيقي. لقد كان النظام السياسي ذكيا بحيث استحدث أدوات لضبط التوازنات، لأنه لا يحب المفاجآت، وكرّس لدى الأحزاب أن المشروعية تأتي منه وليس من الشعب، مما جعل الانتخابات مجرد فُرجة، وديمقراطية خادعة. كل ذلك كان يتم في فضاء مُسيج ومُتحكم فيه. إن الأحزاب في تعريفها الأساسي هي أدوات للتداول على السلطة، لكن الدستور المغربي لا يعتبرها سوى أدوات للتأطير، ولا فرق بينها وبين الجمعيات والنقابات، وهذه من المخاطر التي يجب الحذر منها مستقبلا. الأحزاب في حقيقتها هي أدوات للديمقراطية، تُنتج برامج بها تتعاقد مع الجماهير وتُنفذها إذا حصلت على تفويض من الإرادة العامة، كما أنها مشاتل لإنتاج النخب الحقيقية. وأمير المؤمنين في تصور يمنح السيادة الشعبية، لا يجب أن يتجاوز كونه رمزا للأمة، يرمز لاستمرارية الجماعة السياسية، ولموقعها في المنتظم الإقليمي والدولي، ولأمنها القومي. أعتقد أن الفكر السياسي المغربي يحتاج إلى تجديد. إن الوثيقة الدستورية هي ميثاق للتعاقد، ومن يحكم يجب أن يُحاسب ويُراقب ويُعزل. وإمارة المؤمنين ليست حقلا للتداول بل حقلا للإجماع، لذا فهي صفة للملك ولا ينبغي أن تكون مؤسسة، بحيث لا تمنح الملك أية صلاحيات تنفيذية. ومن مقتضيات الدولة الديمقراطية، أن من يحكم فيها يحاسب، فهي تنضبط لجدلية المسؤولية والمحاسبة، وتنافي جدلية القداسة والاستقرار التي تحيل عليها رمزية أمير المؤمنين. والإحالة على استمرارية الدولة لا يحيل بالضرورة على الدين الذي يُحمى في المجتمع من قبل القوى الحاملة له. وأعتبر، كما سبق أن أشرت، حسمت قضية المرجعية منذ إقرار العهد الملكي سنة 1958 حين نص أن دين الدولة هو الإسلام بما هو مرجعية عليا. لكن هناك نقطة أخرى يجب حسمها كذلك، أقصد الفصل بين القداسة والسلطة، لأن السلطة متحولة ومرتبطة برهانات، وممارستها تخضع للمحاسبة والمراقبة، لكن إذا تداخلت مع القداسة تُشخصن السلطة ثم الدولة، وهذا من مداخل الاستبداد التي يجب أن تُغلق نهائيا. والتدافع السياسي يجب أن يُمارس في إطار الدستور وليس خارجه، وإلا فإن الصراع يتجاوز حده السياسي، والدستور يجب أن يكون مرجعا لجميع الأطراف في حد ذاته. وليس الدخول مرة أخرى في حرب التأويلات بناء على معطيات خارج الوثيقة المٌتعاقد عليها، وهي آلية استُعملت ضد اليسار في السابق وتُستعمل ضد الإسلاميين اليوم. - في هذا السياق، ثمة اختلاف في تصور ما يجب أن تكون عليه المؤسسة الملكية، حيث تطرح حاليا خيارات منها "الملكية البرلمانية" أو "الملكية الدستورية الحقة" أو "الملكية الديمقراطية"، ما هو الممكن والديمقراطي الذي يلبي تطلعات الجماهير التي خرجت في 20 فبراير؟ - هناك ثلاث مبادئ مُؤسسة ومحددة بالنسبة للمستقبل، إذا أرادت القوى السياسية بمعية الدولة أن تنخرط في انتقال حقيقي وعميق نحو الديمقراطية. المبدأ الأول هو السيادة الشعبية، وحاكمية الأمة على نفسها، وعلينا الوعي أنه لا صيغة توفيقية بين الحكم الوراثي والديمقراطية إلا في ظل الملكية البرلمانية. الديمقراطية تعني أن شرعية مُجمل الاختيارات السياسية في تدبير السلطة وتوزيع الثروة يُحسم عبر صناديق الاقتراع، ولا شرعية حقيقية إلا في ظل الديمقراطية، ولا يتصور أحد أن الأمة ستمنح الشرعية لمن يُعارض مدركاتها وهويتها وثوابتها، فالأمة ليست قاصرة كما قد يعتقد البعض. بناء على ذلك، لا أتصور ملكية ديمقراطية إلا إذا كانت برلمانية، بل لا أتصور استمرار أي نظام ملكي إلا في ظل الديمقراطية الحقة. وهذا، يستدعي القطع مع كل مصادر الالتباس والغموض في ممارسة السلطة. المبدأ الثاني، أن تكون الانتخابات مُؤسسة لرهانات، وأن تكون التنافسية بين مختلف القوى نابعة من المجتمع ومبني على تصورات وبرامج وخيارات واضحة. والانتخابات تكون لحظة اختيار بين مسارات، وأعتقد أن أزمة المشاركة تعالج في هذا الإطار، أي بوجود خيارات ومسارات حقيقية ترتبط بمصير الفرد والمجتمع تدفعه إلى الانحياز لجهة معينة ضد أخرى بشكل ديمقراطي. والمعطى الثاني في هذا السياق هو الجهوية، لأنها تعيد توزيع السلطة بين المركز والجهات، وهي إعادة تعريف للوحدة والاستقرار بالاختيار والإرادة الحرة كذلك، والدرس اليمني جلي وبارز حيث دعاة الانفصال أصبحوا من دعاة الوحدة إذا توفرت الديمقراطية الحقة. ومبدأ الانتخاب يقتضي التعميم بحيث تنعكس الإرادة الشعبية في كل المؤسسات العامة، سواء كانت مؤسسات القضاء أو مؤسسات العلماء أو مؤسسات الجامعة والتعليم، ومؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات الشباب والطلاب، لأن الانتخاب قضية حيوية ذات أثر على الإرادة العامة للأمة ومحركة للنهوض إن هي مورست بشروطها ومقتضياتها. أما المبدأ الثالث، فهو المحاسبة. بحيث تتم عبر المؤسسات التمثيلية والمؤسسات الشعبية والمؤسسات الوظيفية. والأحزاب هنا تحتاج إلى تمكينها من أدوات ناجعة للفعل والاقتراح وإنجاز البرامج الفعالة والمنتجة. وكذلك الاعتراف بالقوى المدنية والشبابية والطلابية والنسائية، بترقية دورها في التأطير والتمثيل المجالي، وأن يمنحها الدستور الوسائل الكفيلة بذلك، حتى لا يُختطف نبض الشارع. المُحاسبة تقترن بالرقابة، بحيث أن أعمال الحُكام وسياستهم يجب أن تراقب، ويحاسبهم عليها الشعب، ومرة أخرى، هذه المبادئ تتنافى مع الازدواجية، ومع الحكم الرئاسي. وهنا أقول إن الفصل 19 إذا لم يلغ نهائيا، فيجب التنصيص فيه على أن يمارس الملك صلاحياته في إطار الدستور، ومضمون البيعة هي الوثيقة الدستورية نفسها. - من بين القضايا التي أثارتها القوى الشعبية قضية الفساد ونهب المال العام، والملاحظ أن آليات الرقابة التي يتيحها الدستور الحالي قاصرة عن محاربة الفساد المالي، كيف تتصور هذه المسألة في الدستور المقبل؟ - فعلا، هذه قضية جوهرية. ما فتئت تُطرح من قبل القوى الشعبية، التي تُؤكد على ضرورة إقرار مبدأ المحاسبة والمراقبة، ودسترة مبدأ من أين لك هذا؟. وأعتقد أن ملفات الفساد المالي التي تم فضحها، تؤكد ضرورة ودسترة مبدأ "قدسية المال العام وحرمته". وتجريم نهب المال العام، بحيث لا ينبغي أن يكون تولي المسؤوليات مدخلا للاغتناء والفساد، بما يقتضيه ذلك تحديد الأجر الأدنى والأجر الأقصى، ودسترة مضمون مبدأ الفصل بين التجارة والإمارة، ومنع تولي المسؤولية العمومية وتحمل مسؤولية مؤسسات اقتصادية ربحية. وهذا يتطلب توسيع صلاحيات مؤسسات الرقابة، مثل المجلس الدستوري والمجلس الأعلى للحسابات ومجلس المنافسة ومؤسسات الافتحاص والرقابة. لقد أصبح الفساد محصنا بشكل قوي جدا داخل مؤسسات الدولة، حتى أصبح يهدد هذه المؤسسات نفسها، ولو كان عندنا سلطة قضائية نزيهة ومستقلة، لما رأينا حجم الفساد الذي بات متفشيا، وما يُفضح منه ليس سوى النزر القليل. الوثيقة الدستورية لن تغير في بنية السلطة ولكن في بنية الدولة، كما أُعلن عن ذلك، ولعل هذا يقتضي في نظري إضافة ثابت آخر بالإضافة إلى الإسلام والملكية والوحدة الترابية والوطنية والخيار الديمقراطي ألا هو العدالة. بما تعنيه من حقوق اجتماعية واقتصادية، وعلى رأسها الحق في التعليم وإلزاميته، والحق في الصحة العمومية، والحق في السكن. ولذلك، أعتبر أن المغرب يعيش لحظة انعطافة تقتضي إشراك جميع القوى السياسية والمجتمعية في النقاش القائم، والانفتاح عليه بدون استحضار سقف معين، وأدعو إلى فتح حوار مع جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي، من أجل فتح نقاش سياسي حقيقي، كان المفروض أن يكون حوار سياسي بين كامل الفرقاء السياسيين، وأن يرفع المخزن يده عن العملية السياسية. وبالمقابل يجب الابتعاد عن نزعتين: النزعة المغامرة التي لا تقدر مكاسب الدولة والمجتمع، ولا تستحضر حجم التحولات التي طرأت عليهما. والنزعة المغالية في المحافظة، وفي الانضباط للسقوف الواطئة التي تعتقد أن الاستقرار رهين باستمرار الهندسية الدستورية القائمة. - لكن ثمة غموض، إذ في الوقت الذي يطالب الشعب المغربي بأن يكون القضاء سلطة مستقلة تقترح الأحزاب أن يكون المجلس الأعلى للقضاء تحت رئاسة الملك مثلا، أليس هذا يناقض استقلالية القضاء عن باقي السلط؟ القضاء ينبغي أن يكون مستقلا ونزيها أيضا، قد يكون هناك تداخل بين السلطة التنفيذية والتشريعية، لكن القضاء قوته في استقلاليته وفي نزاهته، وهذا ما يعطي للقضاة نوعا من الاعتبار الرمزي داخل المجتمع، قوتهم في استقلاليتهم ونزاهتهم. والقضاء بهذا الاعتبار يجب أن يكون مبنيا على مبدأ الانتخاب، بحيث تعكس مؤسستهم الإرادة العامة للقضاة، وهو ما يفترض مراجعة تكوين وطريقة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، بحيث يمثل فيه كل الهيئات ذات الصلة. إن العهد الجديد الذي بدأ فعلا لا ضمانة له إلا الضمانة الشعبية، التي ينبغي أن نعترف لها بأنها المخولة بتحديد أولويات المرحلة، وأن نقطع مع التسويات الرخيصة والانعزالية، التي تكبت تطلعات الشعب. خطاب 9 مارس أعلن استجابة ملكية لإيقاع المرحلة ونبض الشارع، وأعطى لهذا النبض معنى مختلفا للموجة التي تشهدها الدول العربية. لكن ثمة إجراءات منتظرة، إذ لا معنى لاستمرار المعتقلين السياسيين، ومعتقلي ما يسمى السفلية الجهادية في أقبلية السجون، ولا معنى كذلك لإبقاء على الاعتقال السياسي. ولا معنى لأن يستمر الاحتقان الاجتماعي في مستواه الذي هو عليه، كما لا معنى لأن يستمر الحزب السلطوي في سلوكاته البائدة. الشعب المغربي خرج في مسيرات يرفع شعارات دقيقة وواضحة من قبيل الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد، ويريد دستور ديمقراطي الذي يعني ملكية برلمانية. وإذا لم نستوعب هذه الإشارات فإن المجرى الطبيعي للتاريخ قد يجرف كل ما نتوهم أنه كاف للالتفاف على أحلام الجماهير. والمرحلة الجديدة تقتضي تعاقدا ديمقراطيا جديدا بين الملكية برصيدها الرمزي والكفاحي والتحرري، والقوى الديمقراطية الحقيقية التي خرجت من رحم الشعب، وهذا التعاقد الجديد يحدث بسبب تدخل الشعب الذي قرر أن يعيد ترتيب أولويات الفاعلين. نحن نعرف أن الإرادات التي بنت نظام التسلط والتحكم والاستبداد والريع والفساد لن تستسلم وتريد إجهاض مطالب الشعب، ولكن نعرف أيضا أن مواجهتها تقتضي تشكيل كتلة ديمقراطية تنصت وتتعلم من شباب 20 فبراير، وتعيد ترتيب أولوياتها وبرامجها وفق مطالب شعبها، لا كرامة إلا بالديمقراطية، كما لا استقرار ولا وحدة ولا تنمية إلا بالديمقراطية.