"الإدارة الناجحة هي فن الاقتصاد بالوقت" - غازي القصيبي- غداة انتشار وباء كورونا، عمدت السلطات المحلية ببلادنا إلى تبني إجراءات الحجر الصحي، ومن ضمنها إقرار ضرورة الحصول على رخص التنقل بين المدن والجهات، وذلك في أفق الحد من حركة التنقل بغية محاصرة الوباء ومنع انتشاره. قد تبدو هذه الخطوة مفهومة في ظل حرص السلطات على صحة المواطنين في إطار استراتيجيتها للقضاء على الوباء اللعين، خاصة في بداياته الأولى، لكن بعد التخفيف من إجراءات الحجر، ما زالت تحركات المواطنين مرهونة بالحصول على الرخص الاستثنائية، والحال أن هؤلاء المواطنين الذين يجدون أنفسهم مدفوعين إلى السفر هم إما مرضى يطلبون العلاج بالمدن الكبرى أو مهنيون وتجار يريدون التبضع من المراكز الاقتصادية أو أفراد من الجالية المغربية يودون الرجوع إلى أوروبا، أو طلبة وتلاميذ يرغبون في الالتحاق بكلياتهم ومعاهدهم، إضافة إلى مواطنين تكون لديهم انشغالات عائلية أو ما شابه...الخ. أما مسألة السياحة الداخلية فقد تراجعت أعداد المقبلين عليها إما لأسباب مادية أو نفسية أو وقائية. وعليه، فإن حركة التنقل بين المدن والقرى تكاد تكون عادية، ومهما تكن الأسباب والدواعي، فإن هذه الحركة لا ولن تتوقف في يوم من الأيام. وما دام الأمر كذلك، في نظري لم يعد هناك مسوغ لاشتراط هذه الرخص الاستثنائية الخاصة بالتنقل، خاصة إذا ما علمنا العنت الذي يلاقيه المواطنون في الحصول عليها في أغلب مقار السلطات المحلية، مما يترتب عنه تعطيل مصالحهم وتضييع وقتهم، علاوة على غياب شروط الوقاية والتباعد بسبب الاكتظاظ والتزاحم بين المرتفقين، ناهيكم عن إنهاك الموظفين بعمل روتيني قد لا تكون له ضرورة أو منفعة ملموسة تنعكس على الصالح العام، على الأقل في الوقت الحاضر. وبدلا من هذا، ينبغي على الجهات المسؤولة أن تضاعف مجهوداتها المبذولة في توعية الناس بخطورة هذا الوباء، وحثهم-من خلال تسخير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في ذلك-على تبني الإجراءات الاحترازية والوقائية منه، والتزام شروط الصحة والسلامة. لقد أثبتت الوقائع والأحداث أننا ما زلنا بعيدين عن مطمح دولة الحق والقانون، حيث ما زالت بعض الممارسات، سواء من قبل المواطنين أنفسهم أو من قبل بعض القائمين على تدبير الشأن المحلي، تعطي صورة سلبية عن مجتمعنا ككل. ومن المفترض أن يكون هذا المجتمع بكافة التناقضات والسلبيات التي تكتنفه، هو الحكم الفيصل الذي يقيّم أداء مؤسّسات الدولة، ويختبر مدى نجاحها أو فشلها في النهوض بالمسؤوليات الملقاة على كاهلها، وبالتالي استحقاق البلاد من عدمه لصفة دولة الحق والقانون.