توقّعت شركة "بريتيش بتروليوم" العملاقة للنفط والغاز، الاثنين، أن يكون عصر الازدياد المستمر على الطلب على النفط قد انتهى، لتصبح بذلك أول شركة عملاقة تتحدث عن نهاية حقبة كان كثيرون يعتقدون أنها ستستمر عقداً آخر أو أكثر. وأوردت وكالة "بلومبرغ" للأنباء أن الشركة قالت في تقرير لها إن "استهلاك النفط قد لا يعود أبداً إلى المستويات التي تم تسجيلها قبل جائحة كورونا". تأتي هذه التوقعات في وقت عزّزت فيه السياسات المناخية الطاقة المتجددة لمواجهة تداعيات التغير المناخي، وفي سياق ستترك فيه جائحة فيروس كورونا تأثيراً دائماً على الطلب العالمي على الطاقة. وذكرت الشركة أنه حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً سيبقى الطلب مستقراً بشكل عام خلال العقدين المقبلين في ظل تحول العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري. وبهذه التوقعات، تبتعد شركة "بي بي" كثيراً عن الاعتقاد السائد بأن استهلاك النفط سيظل ينمو لعقود. وتُؤشر توقعات "بي.بي" المرجعية للطاقة الخاصة بسنة 2020 على ملامح الاستراتيجية الجديدة لرئيسها التنفيذي، برنارد لوني، لتجديد الشركة التي يبلغ عمرها 111 عاماً، من خلال التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة والكهرباء. وتتوقع الشركة، التي يُوجد مقرها في لندن، انتعاش النشاط الاقتصادي العالمي بشكل جُزئي فقط بعد الجائحة خلال السنوات القليلة المقبلة مع تخفيف القيود على السفر، ولكن بعض "التأثيرات الدائمة"، مثل العمل من المنزل، ستؤدي إلى إبطاء النمو في استهلاك الطاقة. وترى الشركة العملاقة أن المستقبل سيكون مختلفاً، حيث سيواجه النفط تحدياً لهيمنته وربما يتضاءل في النهاية، وهو ما يُفسر قيام الشركة بخطوات وُصفت بأنها الأكثر جرأةً لمواءمة أعمالها مع أهداف اتفاق باريس للمناخ. وتُشير توقعات "بي بي" إلى تراجع الاستهلاك بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2050 في أحد السيناريوهات، وبنسبة تصل إلى 80 في المائة في سيناريو آخر. ويشمل ذلك ثلاثة سيناريوهات تفترض مستويات مختلفة من السياسات الحكومية التي تهدف إلى الوفاء باتفاقية باريس المناخية لعام 2015 للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين من مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وتتوقع الشركة بمُوجب السيناريو الأساسي أن يؤدي "كوفيد-19" إلى خفض نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2025، ومليوني برميل يومياً بحلول عام 2050. في اثنين من السيناريوهات الجريئة سيُعجل "كوفيد-19" التباطؤ في استهلاك النفط بعد بلوغ ذروته العام الماضي، وفي السيناريو الثالث سيبلغ الطلب على النفط ذروته في عام 2030 تقريباً. وعلى المدى الطويل، من المتوقع تباطؤ الطلب على الفحم والنفط والغاز الطبيعي بشكل كبير. توقعات متفائلة في نظر رشيد أوراز، باحث اقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، فإن التوقعات التي تخص عام 2050 متفائلة شيئاً ما بالنسبة لأنصار البيئة والتحول الطاقي عبر العالم، مشيراً إلى أن الملاحظ بشكل واضح عبر العالم أن بلداناً عديدة بدأت في السنوات الأخيرة الاستثمار في مصادر الطاقات المتجددة مُبتعدةً بذلك عن الطاقات ذات المصادر الأحفورية، ولا يقتصر الأمر على البلدان الغنية فقط بل حتى البلدان الفقيرة، ويُعد المغرب مثالاً في هذا المجال. وأشار أوراز، في حديث لهسبريس، إلى أن السنوات الأخيرة الماضية عرفت أيضاً تراجعاً كبيراً في أسعار النفط على الصعيد العالمي، واعتبر أن "هذا لا يرجع فقط إلى التنافس الشديد بين المنتجين، الذي أدى إلى إغراق الأسواق، ولكن أيضاً إلى تطور مصادر أخرى للطاقة، وخصوصاً الطاقات المتجددة ذات المصادر الريحية أو الشمسية، وتُعتبر هذه المنافسة ضغطاً على سوق الطاقات الأحفورية". وأثار المتحدث أيضاً وجود وعي متنام عبر العالم بضرورة الحفاظ على الموارد الطبيعية والالتزام بالاتفاقات الدولية في هذا المجال، مثل مؤتمر باريس للمناخ وغيره من المؤتمرات التي سبقته. وعبر الخبير الاقتصادي عن اعتقاده أنه رغم انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من اتفاق باريس، فإن أغلب بلدان العالم ما تزال متشبثة به، وزاد قائلاً: "حتى بالنسبة للحالة الأمريكية، قد تعود الإدارة الجديدة إلى الاتفاق إذا استطاع جو بايدن هزم دونالد ترامب خلال انتخابات نونبر المقبلة". والاستعداد لهذا التحول الطاقي يُمكن ملاحظته، حسب أوراز، بشكل واضح في قطاع السيارات مثلاً، حيث لجأت أغلب الشركات لتطوير نماذج سيارات صديقة للبيئة تشتغل بالطاقة النظيفة لأنها تعلم جيداً أن هذا التحول الطاقي قادم لا محالة. تراجع لن يستمر في المقابل، يرى ادريس الفينة، رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، أن آخر المعطيات المتوفرة حول اقتصاديات العالم بخُصوص السنة الجارية تفيد بتراجع الناتج الداخلي العالمي ب4,5 في المائة، بحيث سيصل إلى ناقص 8 في المائة في الدول المتقدمة، وناقص 3 في بالنسبة للدول الصاعدة. وذكر الفينة، في تصريح لهسبريس، أن التراجع المتوقع في الناتج الداخلي العالمي "سببه بالأساس تراجعُ الطلب ومن ثمة الإنتاج"، وزاد قائلاً: "هذه التوقعات غير السارّة ستدفع نحو تراجع الطلب العالمي على البترول". وفي تقدير المتحدث، فإن "هذا التراجع لن يستمر لأكثر من ستة أشهر وسيُعاود ارتفاعه من جديد، لأن التوقعات العالمية تُشير إلى أن نمو الاقتصاد العالمي سينتعش في حدود 5,4 في المائة خلال 2021"، وهو الانتعاش الذي يؤكد أن كل اقتصاديات العالم ستستفيد منه وسيترجم بكل تأكيد بزيادة الطلب العالمي على البترول في حدود 3 إلى 5 في المائة سنة 2021.