بعد معاناتها من واحدة من أوائل وأشرس حالات تفشي وباء كورونا في أوروبا، بدت إيطاليا كنموذج يحتذى به غير متوقع في التعامل مع الجائحة. وتمكنت البلاد من الحد من الإصابات بشكل كبير في يونيو ويوليوز بعد شهرين من الإغلاق الصارم، في حين انخفض معدل الوفيات، الذي كان ذات يوم أحد أعلى المعدلات في العالم، إلى حفنة من الحالات في اليوم. ووفقا لوكالة "بلومبرغ" للأنباء، أشادت منسقة التعامل مع أزمة فيروس كورونا في البيت الأبيض، ديبورا بيركس، وكبير خبراء الأمراض المعدية، الأمريكي أنطوني فاوتشي، بتعامل إيطاليا مع الوباء في الأيام الأخيرة. ومع زيادة تفشي الفيروس في أوروبا، حيث يرتبط الكثير من الحالات بالمسافرين الشباب العائدين من العطلات الصيفية، فقد يكون نجاح إيطاليا الآن في خطر؛ إذ سجلت البلاد 1071 حالة أمس السبت، وهو أكبر عدد منذ منتصف ماي، لكنها ما تزال أقل بكثير من الأعداد القياسية الجديدة المسجلة في إسبانيا وفرنسا. ويُنظر إلى شدة ومدة الإغلاق في إيطاليا على نطاق واسع على أنها من الأسباب التي أدت إلى استمرار انخفاض عدد الحالات بعد بدء رفع القيود تدريجيا في أوائل ماي الماضي. وتم الإبقاء على القيود لمدة ستة أسابيع كاملة بعد أن بلغت أعداد الإصابات الجديدة ذروتها، ولم تتم إعادة فتح المدارس، على عكس فرنسا أو ألمانيا. ومن المفارقات أن حقيقة كون الوباء ضرب إيطاليا أولا، وبقوة، عززت استجابتها للأزمة .. وبدأت مشاهد مثل مشاهد شاحنات الجيش المحملة بنعوش الموتى في مدينة بيرغامو، شمال البلاد، بالانتشار في ذروة العدوى في مارس، ولعبت دورا في تأكيد خطورة الوضع. وتم إلى حد كبير احترام القواعد التي تنص على استخدام الكمامات، وهو أمر غير مألوف إلى حد ما في إيطاليا. وصار من المعتاد أن ترى الناس يرتدونها في الشوارع، وداخل المباني وفي المتاجر والمكاتب، فهي موجودة في كل مكان تقريبا. ومع ذلك، فإن هذه الإنجازات معرضة للخطر الآن، وتشهد إيطاليا تزايدا في حالات الإصابة الجديدة مثل بقية أوروبا. وذكرت بلومبرغ أن الحكومة الإيطالية عملت على وقف العدوى، حيث أصبحت واحدة من أولى الدول الأوروبية التي تطلب إجراء الفحوص للقادمين من وجهات شهيرة مثل اليونان وإسبانيا. ثم زادت من الحرص بإغلاق النوادي الليلية والمطالبة بارتداء الكمامات بعد الساعة السادسة مساء في مناطق التجمعات العامة. ولكن وزير الصحة، روبرتو سبيرانزا، قال في مقابلة مع "راديو وتليفزيون إيتاليانا" (راي)، إنه على الرغم من الزيادة في الحالات، فإن الوضع لا يبرر فرض المزيد من القيود مثل إغلاق جديد أو حظر السفر بين المقاطعات. وأضاف أن رؤساء المقاطعات سوف يجتمعون اليوم الأحد لمناقشة مسألة تفشي الفيروس. واعتبر أن "الوضع مختلف عن المرحلة الأولى"، مشيرا إلى أن كلا من فرنساوألمانيا امتنعا عن اتخاذ خطوات جديدة على الرغم من معدلات الإصابة الأعلى، موردا أنه "سوف تتم إعادة فتح المدارس، وهذا أمر مؤكد". وكان سبيرانزا قال في منشور على "فيسبوك" في 17 غشت الجاري: "لا يمكننا أن نهدر كل التضحيات التي قدمناها في الأشهر الماضية. إن أعداد المصابين في إيطاليا، رغم أنها من بين الأعداد الأدنى في أوروبا، آخذة في الارتفاع". وأفاد المعهد الوطني للصحة بأن ما يقرب من ثلث الحالات الجديدة في إيطاليا في الأسبوع المنتهي في 16 غشت، كانت واردة من الخارج. وقال جوليو جاليرا، وزير الصحة بإقليم لومبارديا، في 18 غشت، إن النسبة ترتفع بمقدار النصف تقريبا في منطقة ميلانو، وخاصة الوافدين من كرواتيا ومالطا وإسبانيا واليونان. كما أن حقيقة أن معظم المصابين لا تظهر عليهم أعراض وأن متوسط عمر الحالات الجديدة 30 عاما، تزيد الأمور تعقيدا. وفي الأيام الأخيرة كثفت إيطاليا عمليات الفحص وتتبع المخالطين. ووصلت الفحوص اليومية الآن إلى المستويات التي سجلت في أوائل يونيو، في حين إن معدل الإصابات بين الحالات التي يتم فحصها ما يزال منخفضا-أقل من 1,5%، مقارنة بأكثر من 3% في فرنسا وإسبانيا. ومع ذلك، ما يزال انتقال العدوى محليا يمثل مشكلة. وذكرت صحيفة "كوريري ديلا سيرا" في 20 غشت أن نحو 30% من الحالات في منطقة لاتسيو حول روما مرتبطة الآن بالوافدين من جزيرة سردينيا الإيطالية، مما دفع الحكومة إلى النظر في فرض بعض قيود السفر.