أشارت ورقة بحثية نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إلى أن الأزمات، القائمة أو المحتملة، التي تخص السدود في عدد من بُلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من العراق مروراً بالسودان ووصولاً إلى المغرب، تكشف عن جُملة من التفاعلات. وذكرت الورقة أن هذه التفاعلات يأتي في مُقدمتها تزايد النزوح الديموغرافي للمتضررين من السيول، ونقص الاحتياطي المائي بسبب تراجع معدلات سقوط الأمطار على نحو يتطلب زيادة عدد السدود، وتضرر القطاع الزراعي نتيجة غرق مدن بكاملها، وفعالية الجوار الجغرافي في دعم المناطق المنكوبة من "غضب الطبيعة". وأكد المركز أن "السدود أثارت مشكلات مائية وبيئية في المنطقة، أبرزها إحداث خسائر بشرية ومادية مختلفة، وتضرر قطاعات متعددة، وخاصة الزراعية منها، وتزايد المخاطر الناتجة عن الانهيار المفاجئ للسدود، مما يستلزم دعم قوى المجتمع المدني ودول الجوار الجغرافي والمنظمات الإغاثية الإنسانية، والتأثيرات البيئية التي قد تطرأ بعد بناء سد النهضة وتشغيله". كما أشارت الورقة البحثية إلى أن بعض الدول تستخدم ورقة السدود لتهديد جيرانها باللجوء إلى قطع مياه النهر المشترك، بما يُؤثر على حصص المياه القليلة إلى الدول الأخرى، وهو ما ينطبق على السياسة التركية تجاه أكراد سورياوالعراق. وأوردت الورقة البحثية بعُنوان: "كيف عكست "أزمات السدود" تفاعلات الشرق الأوسط؟"، أن هناك سبعة أنماط عاكسة لأثر أزمات السدود المختلفة في تشكيل تفاعلات الشرق الأوسط: موجة نزوح تُشير الورقة إلى أن حدوث انهيار مفاجئ لسد بوط، في 3 غشت الجاري، بسبب هطول الأمطار الغزيرة في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرق السودان، قد أدى إلى تدمير ما يقارب 600 منزل، وانهيار مرافق حيوية، وتعرض مناطق عديدة للفيضانات التي حاصرت سكان العاصمة الخرطوم. وأشارت العديد من التقارير الإعلامية، في 10 غشت الحالي، إلى تواصل ارتفاع المياه في مُعظم السدود والخزانات السودانية، ما ينذر بحدوث فيضانات تجتاح مناطق واسعة من البلاد، وهو ما يؤدي إلى ازدياد الخسائر البشرية والمادية، التي تأثرت بها العديد من الولايات السودانية في الفترة الماضية. ووفقاً لما أشارت إليه إحصائيات رسمية، فقد توفي 20 شخصا وأصيب 12 جراء السيول والفيضانات، وانهار حوالي 7 آلاف منزل ومرافق خدمية (صحية وتعليمية). عجز مائي وفي حالة المغرب، يوضح المركز أن الأحواض المائية في المغرب تأثرت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الانخفاض في معدلات سقوط الأمطار منذ عام 2015، في حين تنوي الحكومة زيادة عدد السدود لمعالجة نقص الاحتياطات المائية. وفي هذا الصدد، تشير التقديرات الرسمية إلى أن حجم الواردات المائية إلى كافة سدود المملكة وصل إلى 3,8 مليارات متر مكعب منذ أول شتنبر 2019، وهو ما يعني عجزاً بنسبة 66 في المئة مقارنة بالمتوسط السنوي، ومن ثم، سوف تشهد الفترة المقبلة نشأة المزيد من الأحواض المائية، فضلاً عن استكمال "البرنامج الوطني المتعلق بالماء وتدبيره". جفاف محتمل على الرغم من قلة التحليلات التي تتناول في المرحلة الحالية احتمالات انهيار سد الموصل في العراق، مثلما كان الوضع مثاراً في نهاية عام 2016 وبداية عام 2017، إلا أنه يظل خطراً محتملاً؛ إذ يعاني من مجموعة من المشاكل الفنية التي تتعلق ببنيته الأساسية، حيث أنشئ على تربة هشة وغير صلبة لأنه شيد على الجبس والحجر الجيري الذي يضعف عند تعرضه للماء ويترك تجاويف في الجزء السفلي ويحتاج إلى عملية تدعيم من أجل احتواء مخاطر إمكانية انهياره والأضرار التي من الممكن أن يحدثها حينذاك. وقد أشارت بعض التحليلات التي تنطلق من السيناريو الأكثر سوءاً إلى أنه من الممكن أن تغرق مدن بكاملها كالموصل وتكريت وسامراء، وحتى أطراف العاصمة العراقيةبغداد، الأمر الذي يهدد حياة ملايين البشر الذين يقطنون فيها، فضلاً عن الخسائر المادية والأضرار الاقتصادية التي من الممكن أن تحل بجميع القطاعات على مختلف المستويات ومنها القطاع الزراعي. دور المجتمع وبحسب الورقة البحثية، تتطلب الأزمات التي تكشفها حالات غضب الطبيعة، مثل تصدع أو انهيار السدود، مشاركة مختلف الأطراف، مثل الحكومات المركزية والأجهزة المحلية والمجتمع المدني. وفي هذا السياق، وجه والي الخرطوم أيمن خالد نمر، بعد انهيار سد بوط، بالشروع فوراً في إجراء معالجات هندسية إسعافية سريعة لتصريف المياه، وتم إرسال مواد غذائية للأسر المتأثرة والبدء في إجلاء المواطنين الذين حاصرتهم السيول وترحيلهم إلى مناطق آمنة، داعياً منظمات المجتمع المدني إلى تقديم العون السلعي وتوفير الإيواء للأسر المتأثرة. دعم الجوار تظهر فعالية الجوار الجغرافي مدى تماسك أو هشاشة العلاقات بين دول الجوار، وخاصة في فترات الكوارث الطبيعية، على نحو ما كشفه جلياً انهيار سد بوط، حيث أعربت مصر عن تضامنها مع السودان، وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية "وقوف مصر جنباً إلى جنب مع الأشقاء في السودان لمواجهة تداعيات هذا الحادث، وذلك من منطلق الروابط الأخوية التي تربط شعبي وادي النيل والعلاقات التاريخية ووحدة المسار والمصير التي تجمع البلدين". كما قام رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي بزيارة إلى السودان، على رأس وفد رفيع المستوى من وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، والموارد المائية والري، والصحة والسكان، والتجارة والصناعة، في 15 غشت الجاري، حيث التقى نظيره عبد الله حمدوك، لنقل رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قيادات الدولة في السودان بالحرص الشديد على تقديم كل سبل الدعم الممكن في كل مناحي القطاعات التي تخدم المواطن السوداني، سواء في مجالات التعامل مع آثار الفيضانات التي حدثت، أو قطاع الصحة، والقطاعات التنموية المهمة على غرار قطاع الكهرباء والموارد المائية والري، وكذا مجالات التجارة والصناعة. توتر سياسي يتجلى هذا التوتر، حسب الورقة البحثية، في تعنت الموقف الإثيوبي؛ إذ على الرغم من بناء أديس أبابا العديد من السدود الصغيرة على نهر النيل منذ عام 2000، إلا أن بنائها سد النهضة أثار إشكاليات عديدة تتعلق بمدى ملء السد وتوقيته، وهنا تشير صور من الأقمار الصناعية إلى أن أثيوبيا بدأت فعلياً في ملء السد قبل استكمال المفاوضات مع مصر والسودان. ورقة ابتزاز يرتبط هذا الابتزاز بتزايد التمدد التركي، حيث أوردت الورقة البحثية أن أنقرة توظف سلاح المياه في مواجهة خصومها في كل من سوريا (أكراد سوريا) والعراق، حيث قامت ببناء عدة سدود على نهري دجلة والفرات، وهو ما يؤثر بدوره على حصص المياه القليلة التي تصل إلى كل من سورياوالعراق. ومن أبرز تلك السدود إليسو الضخم الذي تسبب في انخفاض حصة العراق من مياه النهر، وقد يصل التراجع إلى نسبة 60 في المئة بسبب تشغيل مولدات الكهرباء على هذا السد. وتجدر الإشارة إلى تعارض ممارسات تركيا بشأن مياه نهري دجلة والفرات مع القوانين الدولية، خاصة الاتفاقيتين الدوليتين لعامي 1966 و1997 من القرن الماضي، وأيضاً مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع سورياوالعراق. لذا تستخدم الحكومة التركية تعبير "المياه العابرة للحدود" بدلاً من "الأنهار الدولية".