يزداد الطلب العالمي على المياه بمعدل يقارب 1 في المائة سنويا نتيجة زيادة السكان والنمو الاقتصادي وتغير أنماط الاستهلاك. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الطلب بمعدلات ملحوظة خلال العقدين المقبلين من أجل تلبية الاحتياجات المنزلية والصناعية بوتيرة تتجاوز معدل زيادة الطلب في القطاع الزراعي، على الرغم من استمرار تفرد الزراعة في صدارة القطاعات المستهلكة للمياه. البلدان ذات الاقتصادات النامية أو الناشئة ستكون الرائدة في زيادة الطلب على المياه، وهي في أغلبها تقع في مناطق تعاني من تفاقم الجفاف نتيجة تغير المناخ. وفيما يعيش نحو 3.6 بلايين نسمة حاليا في مناطق تندر فيها المياه بواقع شهر واحد في السنة على الأقل، فإن هذا العدد سيرتفع إلى ما يتراوح بين 4.8 و5.7 بلايين نسمة بحلول سنة 2050. حسب تقرير "البيئة العربية في عشر سنين"، الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفِد) في 2017، تراجعت حصة المواطن العربي السنوية من المياه العذبة المتاحة بنسبة 20 في المائة، من 990 مترا مكعبا في 2005 إلى 800 متر مكعب في 2015. يتراجع المعدل الإقليمي إلى ما دون 500 متر مكعب إذا استثنينا موريتانياوالعراق والسودان ولبنان، في حين أنه يقل عن 200 متر مكعب في 9 دول. وللمقارنة فإن الحصة العالمية للشخص في السنة هي 7525 مترا مكعبا من المياه العذبة، أي نحو عشرة أضعاف المعدل العربي. إن 16 بلدا عربيا تقع حاليا دون خط الفقر المائي، بل إن 13 بلدا عربيا هي ضمن البلدان العشرين ذات الموارد المائية العذبة الأكثر ندرة في العالم. وفي حال استمر النمو السكاني على ما هو عليه الآن، فمن المتوقع في سنة 2030 أن تكون العراق وجزر القمر وموريتانيا وربما السودان هي البلدان العربية الوحيدة الباقية فوق خط الفقر المائي. علما أن هذه التقديرات لا تأخذ في الاعتبار مسألة تغير المناخ، التي من المتوقع أن تؤدي في سنة 2030 إلى تراجع مصادر المياه المتجددة بمقدار 20 في المائة. مخزونات السدود تتناقص وفقا لمعطيات منظمة الفاو لسنة 2015، يبلغ مجموع السعة التخزينية للسدود في العالم العربي 393 بليون متر مكعب، حيث تتشارك مصر والعراق نحو 80 في المائة من هذه السعة، وتليهما السودان وسورية والمغرب بما نسبته 5 في المائة لكل منها. تبنى السدود استنادا إلى نماذج الهطول المطري التاريخية، إلا أن تغير المناخ وزيادة تكرار دورات الجفاف، بالإضافة إلى تراكم الطمي والمشاريع المائية لدول المنبع، تجعل الجدوى من هذه السدود في حدودها الدنيا. فقد انخفضت السعة التخزينية للسدود في الأردن، على سبيل المثال، من 46 في المائة في 2010 إلى 33 في المائة في 2011. وفي المغرب تراجعت السعة من 75 في المائة إلى 20 في المائة خلال الفترة بين 1986 و2004. مؤسسة الموارد العالمية، وهي منظمة دولية غير حكومية مقرها في واشنطن، نشرت مؤخرا معلومات مقلقة عن بعض السدود في العالم، واختارت سدي المسيرة المغربي والموصل العراقي كحالتين نموذجيتين. سد المسيرة، الذي يعد ثاني أضخم سد في المغرب بعد سد الوحدة، شهد تقلصا في مساحته السطحية بمقدار 60 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية، نتيجة الجفاف الشديد الذي أصاب البلاد في 2016 وتأخر هطول الأمطار في 2017. وكانت الفترة بين 2005 و2008 آخر مرة عرف فيها السد تراجعا مماثلا في منسوب المياه. حينها، عانى 700 ألف مغربي من آثار الجفاف، وتناقص إنتاج الحبوب بمقدار 50 في المائة. لا يوجد تقدير دقيق للمخاطر التي سيتسبب بها الجفاف وتراجع مخزونات السدود في المغرب مع زيادة الطلب على المياه، لكن الأمر من دون شك مثير للقلق. فالتنافس على موارد المياه المحدودة أمر مرجح خلال السنوات المقبلة، حيث سيزداد طلب المدن المغربية الكبرى على المياه سنة 2050 بمقدار 60 إلى 100 في المائة، وفقا لتقديرات البنك الدولي. في العراق، تراجعت مناسيب السدود نتيجة سوء إدارة الموارد المائية في البلاد ودورات الجفاف القاسية التي أصابت المنطقة خلال السنوات الماضية. كما ارتبط التراجع الحاد لتدفق المياه في نهري الفرات ودجلة ضمن الأراضي العراقية مع مشروع جنوب شرق الأناضول (غاب) الذي تنفذه الحكومة التركية، ويضم 22 سدا و19 محطة كهرومائية. ووفقا لتقديرات الحكومة العراقية، أدى مشروع "غاب" إلى تناقص غزارة نهري دجلة والفرات بمقدار 80 في المائة حتى الآن. حسب معطيات مؤسسة الموارد العالمية، تراجعت المساحة السطحية لسد الموصل بمقدار 60 في المائة اعتبارا من تسعينات القرن الماضي. وهذا يؤشر إلى الوضع الخطير الذي وصلت إليه الموارد المائية السطحية في العراق، علما أن ملايين العراقيين يعتمدون بشكل كامل على نهري دجلة والفرات لتأمين احتياجاتهم من ماء الشرب والري الزراعي والطاقة والانتقال. وكما هي الحال في سورية، توجد العديد من الدراسات التي ترى الجفاف وقلة الموارد المائية من بين العوامل التي أشعلت نار الصراع في العراق. ومن المتوقع أن يزداد الإجهاد المائي في البلاد خلال السنوات المقبلة، نتيجة النمو السكاني وتغير المناخ، ما سيجعل استمرار النزاعات المتصلة بالمياه أمرا غير مستبعد. أما في مصر، فمن المتوقع أن يؤدي ملء سد النهضة الأثيوبي إلى تراجع حصة البلاد من مياه النيل، التي تبلغ 55.5 بليون متر مكعب سنويا حسب اتفاقية 1959. وفي حال جرى ملء السد في فترة خمس سنوات فإن معدل التراجع سيصل إلى 25 في المائة، وعندها ستضطر مصر إلى تعويض 70 في المائة من النقص الحاصل من خلال الاعتماد على مخزون بحيرة ناصر. خلال هذه الفترة، ستنخفض الكهرباء المتولدة من السد العالي بمقدار الثلث. وعلى الرغم من قرب انتهاء تشييد سد النهضة، لا تزال هناك الكثير من القضايا الغامضة المرتبطة بالمشروع، لاسيما الخطط الأثيوبية في توظيف هذا السد في مشاريع الري. فمن المستبعد أن يتم بناء سد بهذا الحجم لتوليد الكهرباء فقط، كما هو معلن. وبالتالي لا توجد تقديرات موثوقة عن حجم انخفاض حصة مصر والسودان من مياه النيل خلال فترة استثمار السد، خاصة وأن أثيوبيا بحاجة لتوفير المياه المنتظمة لأراضيها الغربية والجنوبية من أجل الزراعة. استنزاف المياه الجوفية وكما هي الحال بالنسبة إلى المياه السطحية، تتشارك الدول العربية، فيما بينها ومع دول الإقليم المجاورة، معظم الأحواض المائية الكبرى. وهذا ما يجعل المياه السطحية والجوفية عرضة للتجاذب والنزاع بين الدول، خاصةً أن مياه الأحواض المشتركة هي في أغلبها غير متجددة. ويشير تقرير "البيئة العربية والتنمية المستدامة" الصادر عن أفِد في 2016 إلى أن الدول "المتشاطئة" لم تقم، في مجمل الحالات تقريبا، بتوقيع اتفاقيات ومعاهدات حول تقاسم الموارد المائية وإدارتها بشكل عادل. هذا الأمر يهدد استقرار المنطقة العربية وأمنها الغذائي، ويزيد من مصاعب تخطيط وإدارة الموارد المائية على المستوى الوطني. في سنة 2016 ، وفرت المصادر السطحية 81 في المائة من المتطلبات المائية العربية، في حين كانت مساهمة المصادر الجوفية نحو 14 في المائة. لكن إذا استبعدنا الدول التي تجتازها الأنهار الكبرى، سنجد اعتمادا كبيرا من باقي الدول العربية على المياه الجوفية. في شبه الجزيرة العربية تزيد مساهمة المصادر الجوفية في توفير الاحتياجات المائية عن 80 في المائة، وفي الأردن ولبنان وتونس تبلغ أكثر من 50 في المائة. ويتخوف برنامج الأممالمتحدة الإنمائي من زيادة الطلب على المياه الجوفية نتيجة تناقص المياه السطحية وتراجع نوعيتها. وفي كثير من الحالات لا يتعلق الأمر بتكاليف ضخ المياه من التشكيلات الجيولوجية العميقة، بل في كونها مياهاً أحفوريةً غير متجددة تجمعت في جوف الأرض قبل آلاف السنين. تعتمد الدول العربية، لاسيما في دول شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي، على المصادر الجوفية المتجددة وغير المتجددة لتلبية الطلب المتزايد على مياه الشرب والري الزراعي. ويصل الأمر إلى درجة الاستنزاف كما في السعودية، التي تعتمد بنسبة 85 في المائة على المياه الجوفية غير المتجددة لري محاصيلها الزراعية. ويتسبب ضخ المياه من المصادر الجوفية، بكميات تفوق معدلات تجددها، في استنزافها بسرعة، ويزيد من ملوحتها نتيجة تداخلها مع مياه البحر. ويزيد الأمور سوءا تعرض الموارد المائية الجوفية في معظم الدول العربية للتلوث الناتج عن الزراعة وباقي الأنشطة البشرية. ولا يقتصر استنزاف المياه الجوفية على تراجعها في الكم والنوع، بل يتسبب أيضا بآثار بيئية سلبية واسعة مثل جفاف الينابيع والعيون، وتراجع الموائل الطبيعية والنظم البيئية المحيطة، والإضرار بالمناطق ذات القيمة الحضارية والتاريخية المرتفعة، كما أن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية يستنزف أيضاً الأصول الوطنية، ويؤدي إلى تآكل الموارد الطبيعية للبلاد ويهدد استدامة المناطق المروية في المدى البعيد. ومن بين الحلول المقترحة التي يمكن تطبيقها في العالم العربي لمواجهة العجز المائي التوجه نحو تحسين الكفاءة وتخفيف الهدر، ورفع الإنتاجية الزراعية، واعتماد المزروعات التي تتطلب كميات أقل من المياه، ومعالجة مياه الصرف لإعادة استخدامها. ويتلازم هذا مع زيادة الاستثمارات في حماية الأنظمة البيئية التي تعيد تدوير المياه كالمستنقعات والغطاء النباتي، بما فيها تغيير الممارسات الزراعية التي تتيح احتفاظ التربة بالمزيد من الرطوبة والعناصر المغذية، وجمع مياه الأمطار، وإعادة ملء خزانات المياه الجوفية، واستعادة السهول الفيضية، وتحويل الأسطح إلى حدائق.