الْإِدَارَةُ الْأَمْرِيكِيَّةُ بَيْنَ لُعْبَةِ خَلْقِ أَزْمَةِ الْعُنْصُرِيَّةِ وَفَشَلِ إِدَارَةِ أَزْمَةِ الْاقْتِصَادِ فِي ظِلِّ الجائحة لا يوجد خطابٌ يتذكره الأميركيون لترامب يجعلهم يشعرون بالطمأنينة، وبأنّ قيادة بلادهم تقوم بكل ما في وسعها لمحاربة الفيروس؛ بل إنّ ترامب أنكر وحاول حتى الآن التقليل من أهمية التقارير الإعلامية التي تشير إلى خطورة الوضع، وذهب إلى حدّ القول بأنّ فيروس كورونا ليس أخطر من الإنفلونزا العادية، وسخر ممن يحذرون من خطورته. لكن خطورة ترامب لا تكمن في شخصه فقط، بل بالآلة السياسية والاقتصادية والإعلامية المحيطة به، والتي لها نفوذ ربما هو الأوسع في الولاياتالمتحدة، فعلى سبيل المثال؛ استمرّ بعض المذيعين في قناة "فوكس نيوز" اليمينية، أكثر محطة شعبية في الولاياتالمتحدة والمفضلة لترامب، بوصف التقارير عن انتشار فيروس كورونا وخطورته، بأنها "خدعة ليبرالية" مصممة لإسقاط الرئيس وكجزء من الخطط لعزله. حيث كذّب مذيعوها وقللوا من خطورة الفيروس، وكرروا على مسامع الملايين مقولات؛ مثل "إنّ أسوأ سيناريو لانتشار الفيروس وخطورته، لن يكون أسوأ من الإنفلونزا، وحتى بدون لقاح (للكورونا)، فإنّ الإنفلونزا (التي يوجد ضدّها لقاح) تسبب الوفيات أكثر من كورونا". وعندما لم يكن أمام القناة مفرًّا، كما هو الحال بالنسبة لترامب، غيروا الأسطوانة للحديث عن خطورة الفيروس، ولكن مع محاولة عنصرية لتحميل الصين المسؤولية عن انتشاره، وتمّ تغيير اسمه إلى "الفيروس الصيني"، وهو ما فعله ترامب، وما تردّده وسائل الإعلام اليمينية. تدارك الرئيس الأميركي الأمر متأخرًا، وبدأ بتخصيص الحزمات والمليارات لدعم قطاع الاقتصاد، البنوك، وبورصة "وول ستريت" وغيرها، وكذلك القطاع الصحي وغيره من القطاعات المتضررة. كما أعلن حالة الطوارئ، إضافة إلى تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي للحصول على الإمدادات الطبية اللازمة لمكافحة وباء كورونا، ويمنح هذا القانون، الرئيس القدرة على تحريك القطاع الخاص لتلبية احتياجات الأمن الوطني في وقت الأزمات. حيث تواجه الولاياتالمتحدة في ظلّ هذه الأزمة تحديات كثيرة تحت إدارة رئيس كترامب، حيث يأتي ذلك فيما يقارن كثيرون أثر وتبعات الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الولاياتالمتحدة جرّاء كورونا، بأثر أزمتين أخريين مجتمعتين، هما هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001م، وأزمة العقارات عام 2008م، لا بل إنّ بعض التقديرات تشير إلى أنّ الوضع قد يكون أسوأ بكثير مما خلفته الأزمتين. كذلك، وافق الكونجرس الأميركي لتقديم حزمة مساعدات بقيمة ترليون دولار للأميركيين، وذلك في إطار تعويم الاقتصاد، واستباق الكساد والأزمة المالية المقبلة، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن الحزمة فيما تظهر التفاصيل مدى استيعاب الإدارة الحالية لمسؤوليتها، وما تعلمته من دروس سابقة بما فيها هجمات سبتمبر وتبعاتها الاقتصادية. مَا هُو الْمَخْرَجُ لِلْإِدَارَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ؟ هل خلق أزمة جديدة سوف تتمكن من لفت الأنظار عن فشل السياسة الاقتصادية؟ الإجابة: نعم وخير مثال لذلك؛ هو خلق أزمة العنصرية، فهل نجحت؟ ترى الأمم المتّحدة وشبكة حقوق الإنسان الأمريكيّة أنّ "التمييز في الولاياتِ المتّحدة يتخلّل جميع جوانب الحياة ويمتدّ إلى جميع الأعراق غير البيضاء". لكن تغيّرت طبيعة وجهات النظر التي يتبنّاها الأمريكّيون العاديّون بشكلٍ كبير، فقد وجدت الدراسات الاستقصائيّة التي أجرتها منظمات مثل (ABC News) على مدى العقود العديدة الماضية، أنّ هناك قطّاعات كبيرة من الأمريكيّين تعترف بتبنّي وجهات نظرٍ تمييزيّة حتّى في أمريكا الحديثة، فعلى سبيل المثال ذَكَر مقال نشرته (ABC) في عام 2007م، أنّ واحدًا من كلّ عشرة أمريكييّن أقرّ بأنهّ يحمل تحيّزاتٍ ضدّ الأمريكيين اللاتينيين واللاتينيين، وأنّ واحدًا من كل أربعة لديه تحيّز ضد العرب الأمريكيين. كما وجد استطلاع للرأي أجرته (YouGov / Economist) عام 2018م، مفاداه أنّ: 17٪ من الأمريكيين يعارضون الزواج بين عرقين مختلفين، و19٪ يعارضون الزواج من المجموعات العرقية "الأخرى"، و18٪ يعارضون الزواج من السود، و17٪ يرفضون الزواج من البيض، و15٪ يرفضون الزواج من اللاتينيين. وعلى جانب آخر، رأى بعض الأمريكيّون أنّ ترشيح باراك أوباما للرئاسة كأول رئيس أسود للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين متتاليتين من عام 2008م إلى عام 2016م كان دليلًا على دخول الأمّة في عصرٍ جديد، (عصر ما بعد العنصريّة). ظلّ المجتمع الأمريكي يعاني من مستويات عالية من العنصريّة والتمييز خلال العشر سنواتٍ الأولى من الألفية الثالثة، فكانت إحدى الظواهر الجديدة في المجتمع هي صعود حركة اليمين البديل (alt-right)؛ وهي عبارة عن تحالف قومي أبيض يسعى إلى طردِ الأقلّيّات الجنسيّة والعرقيّة من الولاياتالمتحدة. وفي شهر أغسطس/ آب من عام 2017م، حضرت هذه المجموعات مسيرة في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، وكانت تهدف إلى توحيدِ مختلفِ الفصائل القوميّة البيضاء ضد الأقليّات العرقيّة، وخلال تلك المسيرة قاد متظاهر عنصريّ أبيض سيّارته باتّجاه مجموعةٍ من المتظاهرين المضادّين؛ مما أسفر عن مقتل شخصٍ واحد وإصابة 19 آخرين، اعتبرت وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي منذ منتصف عام 2010م، أنّ العنف العنصري الأبيض هو التهديد الإرهابي الداخلي الرئيسي في الولاياتالمتحدة. من هذا المنطلق جاءت فكرة خلق أزمة جديدة؛ من أجل الخروج من الأزمة الحقيقية؛ وهي فشل الإدارة الأمريكية في وضع السياسات الاقتصادية الملائمة؛ نتيجة الأزمة الاقتصادية التي مست جميع القطاعات في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ بسبب وباء كورنا، حيث جاءت فكرة العنصرية الثقافية في سياسة ترامب الأرعن. كذلك، فإن تلك الاضطرابات كشفت عن التفاوت الاجتماعي العميق داخل المجتمع؛ جاءت لتكون مخرجًا لفشل إدارة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بأمريكا الآن. والسؤال هنا؛ هل نجحت الإدارة الأمريكية فعليًا في حجب الأنظار عن الأزمة الحقيقية في بنية الاقتصاد الوهمي الأمريكي، والتي بدأت الصين تحتل مكانته الدولية؟ الإجابة: الأيام القادمة سوف تجيب على هذا السؤال ولكن بعد فوات الأوان يا سيد ترامب.