سلاسلُ حديدية أُحكمت على المعاصم في كل ركن من أركان هذا الكوكب، سوف نجلس هنا زهاء ما لا ندري حتى نتعفَّن بالملل كما قال "فان كوغ".. وسوف تتطاير منا أرواحنا في ساعات الهجر. ولن نفلت من سأم مريع، قاس حد اشتهاء النوم الأبدي. المشهد برُمّته كان محتملا، لكننا هربنا منه مرارا لفظاعته، فكنا نستبعد أن يكون هذا مآلنا، لأننا كنا نعتقد أننا أطفال العالم المهذبون الطيعون الوديعون السُّذّج، الذين يلهو آباؤهم بمؤامرات الحروب وتفجير القنابل وتوسيع ثقب الأوزون.. آباؤونا الذين لم نختر، آباؤنا الكارهون لسلالة البشر.. ها نحن نموت تباعا: منّا من نخَر الفيروس اللامرئيُّ رئتيه، ومنا من مات بسبب ألم فقد من مات، ومنا من مات بسكتة عقل أمام فداحة المشهد التراجيديّ العالميّ لكوكب الأرض، ومنا من يَعُدُّ أيامَه الأخيرة بأصابع يده الزرقاء التي دب فيها الموت رويدا رويدا، ومنا من تتقافز في بِلَّور ساعاته خيالاتٌ وأفكار مهووسة عن الهروب، ولكن: إلى أين؟ ليْتهم فتحوا السماء لنهرب إلى مجرّة أو نجمة.. يصعب الآن التكهُّن بغد من نحاس، سنعود إلى غد الحَجَر، سوف ينزل العالم إلى حضيضه، وسنعلن بصوت جماعي مزعج متعفن أننا نريد الخروج، وسنضحك من أنفسنا بمرارة ونعيد لوثة السؤال: إلى أين؟ سيتردد صدى الأشجار والعشب واليرقات وعبّاد الشمس والسنابل والداليات... إلى هنا.. إلى الغابة.