شهدت المجتمعات حراكا في شتى المناحي،ولم يبق مجال إلا و أثار نقعا،و حقل الأدب واحد من هذه المجالات؛حيث إنه طرح مجموعة من الأسئلة التي قيل إنه كان مسكوتا عنها،ومن بين هاته الأسئلة ما سمي بالكتابة النسائية،والتي أسالت مدادا مدرارا بين راغب فيها وراغب عنها،وقبل أن نسترسل في الموضوع،نتساءل ما الكتابة النسائية؟ وما الذي يعطيها هذه الصفة؟ تجيبنا زهور كرام"إن خطاب المرأة هو تجربة حضارية و فكرية تتطلب إصغاء باعتبار المرأة،الصوت المغيب تاريخيا،تؤسس من خلال إنتاجها المعرفي شكلا مغايرا في التعامل مع مواد العالم" ،إذا الكتابة النسائية تجربة حضارية وفكرية مغايرة لتجربة الرجل،وتتمثل هذه المغايرة في كونها"كتابة...تقتحم البنية الذهنية قبل أن تثير موضوعها الأساس،تغير نمط القراءة السائدة حين تكسر مفهوم الخط الأفقي..و تخلق الدهشة،و الحيرة في التلقي،والإنزعاج في الإستماع إلى كلام عار من الحشمة المفترضة،اجتماعيا وعرفيا،في المرأة" ،ونستخلص من هذا الشاهد أن الكتابة النسائية استحقت أن توسم بهذا لأنها خلقت الدهشة والحيرة،انطلاقا من تفجيرها للغة تتناول المحرم في الجسد؛أي لغة عارية من الحشمة والوقار،مقوضة أعراف المجتمع،وتضيف معللة"تحول ضمير المرأة(هي)من مفعول به إلى فاعل،من موقع ينظر إليه وتصاغ حوله رؤية محددة بطبيعة الموقع المرسل إلى موقع ينتج الرؤية،ويرسل الخطاب،من شأنه أن يخلق الإختلاف في صوغ عوالم جديدة" ،فضلا عن لجوئها إلى لغة تنافي قيم المجتمع،فقد انتقلت من مفعول به إلى فاعل،وهذا ما يضمن لها صفة المغايرة من منظور كرام. عودا على بدء،الكتابة فعل إنساني أولا وأخيرا،يرفض التحقيب والتجنيس،فهي في حد ذاتها مؤنثة ولا تحتاج لمن يؤنثها(نقول هذه كتابة) إذا كان حريا أن نقو ل كتابة رجالية حتى يستقيم التجنيس،بل هناك من يرفضن مناقشة التسمية بدعوى أن الأمر بات متجاوز،والحال أن الامر ما يزال بحاجة إلى نقاش مستفيض،يقنعنا بوجود أدب رجالي و آخر نسائي،فقبل بناء البيت لا بد من التصميم،ونفس الامر ينسحب على أي تسمية،فلا بد لنا من هندستها وخلفيتها. و تعليقا على ما قالته الأستاذة زهور كرام،لا بد أن نعيد التساؤل؛هل المرأة غابت أم غيبت؟،وإن كان هذا التغييب من منظورها يعطي للكتابة النسائية شكلا مغايرا في التعامل مع مواد العالم،فإنه لا يعطيها شيئا يميزها عن الكتابات الأخرى عامة أو يجعلنا نقر بوجود كتابة نسائية،فمثلا لو أحضرنا رواية وطمسنا اسم مؤلفها،كيف سأحدد هويتها النسائية أو الرجالية؟ إذا كما قلنا الكتابة فعل إنساني ينسل من شرنقة التجنيس،و نزكي ما قلناه بمثال حي،أين نصنف رواية زهرة المنصوري الموسومة بالغثاء علما أنها سردت بلسان المذكر؟ وهذا يحيلنا مباشرة إلى قول الروائية الأردنية عفاف البطاينه"إن بإمكان المرأة أن تكتب عن الرجل أحسن منه،وبإمكان الرجل أن يكتب عن المرأة أحسن منها" ،ثم إن المغايرة هي سمة تطبع جميع الكتابات،وإلا فإن الأدب سيكون قد مات منذ زمن،وسيصبح الإجترار هو الكائن لا غير،ولعل الروايات التي يدور قطب رحاها حول موضوع واحد مع اختلاف طريقة التمثل لها يجعل من تمثل المرأة للعالم شيئا طبيعيا،دون أن يكون ذلك امتيازا لها عن غيرها،فكل واحد يمتلك رؤيا للعالم كما يسميها غولدمان. و تقول في الشاهد الثاني ما مضمونه أن الذي يميز كتابة المرأة عن الرجل،انفلاتها من عقال المجتمع و كسرها لمفهوم الخط الأفقي،ما مكنها من إنتاج لغة أقلقت المجتمع و أزعجته،بعدما دهست بلغتها الأعراف،التي تفترض فيها الحشمة،وقالت أيضا ما مضمونه في كتابها الآنف الذكر إن المرأة أعطت دلالات جديدة للرجل و للمرأة أيضا و للحب... علاوة على تحولها من ذات راغبة بعدما كان مرغوبا فيها. إلا أن هذا لا يقنعنا البتة بوجود كتابة نسائية،فالتجديد في لغة الأدب داخل في سيرورته التاريخية التي تنتج خيالات مختلفة،فلكل منا تصوره للأدب والحب والرجل والمرأة،دون أن يعطي ذلكم للكتابة أي انتماء،أما في ما يخص اللغة الجنسية فالمجتمع حظرها على الجنسين معا-أتحدث عن مجتمعنا العربي- مايجعل خروجهما معا عن لغة الحياء ضربا في الأعراف وخدشا لها،وها هنا يستوقفنا سؤال هل المرأة تكتب في الجنس فقط؟هل الكتابات الرجالية التي تناولت الجنس نسائية إذا؟ألا يمكن القول إن العزف على أوتار المحرم لدليل على ضعف هذه الكتابة؟أم إنها لا تعدو أن تكون سعيا للشهرة؟ثم إذا كانت لغة الكتابة النسائية تخلق انزعاجا لدى المتلقي جراء توسلها بما يخدش الحياء وكسرها جدار الحياء،أين نضع الخبز الحافي لمحمد شكري ومحاولة عيش لمحمد زفزاف مثلا؟ لنفترض أن مثليا كتب عن اشتهائه للآخر؛ليس فاعلا و لكن مفعولا به،فالمثلي غالبا ما يثير ذكره الإشمئزاز والتقزز،فما بالك إن كتب رواية..أين سنضعه أفي صف الرجال..أم النساء..؟ الموضوع طويل،ويحتاج إلى بحث أعمق،لكن سنؤمن بكتابة نسائية،أولا حين تنتج أبجديات خاصة بها،تجعلنا نصنف أي كتابة كانت بغض النظر عن صاحبها ضمن الكتابة الفلانية أو العلانية،ثم إذا كانت المرأة تنادي بالمساواة،ألا يمكن اعتبار الكتابة النسائية ضربا من الشوفينية العزلة الإختيارية أم إنها اعتراف بقوة الكتابة الذكورية التي حجبت اسم المؤنث؟
كرام،زهور:في ضيافة الرقابة:منشورات الزمن،د.م،2001،الكتاب24،ص 36 نفس المرجع،ص56 نفس المرجع صفحة 58 برنامج الملف 28 مارس2010 قناة الجزيرة