يعتقد الكثيرون أن موضوع الإفطار العلني وحتى السري في رمضان وليد اليوم، نتيجة الصراعات الإيديولوجية بين "المعسكر الديني المحافظ" من جهة و"الحلف الحداثي العلماني" من جهة أخرى، أو أن سبب إثارته أملاه تصاعد الموجة الحقوقية الحديثة وما رافقه من تناسل الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان. الحقيقة عكس ذلك تماما، فبالتوغل في عمق الثقافة الأمازيغية، وخاصة في منطقة الجنوب الشرقي المغربي، نكتشف أن "قضية إفطار رمضان" ضاربة في القدم، إلى درجة أوصلتها إلى الأسطورية ونسج "الخرافات" حولها من خلال "أسطورة طيط صضيص". تقول هذه الأسطورة المنتشرة في أوساط قبائل الجنوب الشرقي المغربي (وربما في مناطق أخرى من المغرب) إن النجمات الست التي تظهر ليلا كانت أخوات عذراوات، استقر رأيهن ذات يوم من أيام رمضان على الإفطار نهارا "غير جهار"، وكي يتسترن على جريمتهن دخلن إلى إحدى الغرف وغلقن الباب والنوافذ حتى يسود الظلام، معتقدات ألا أحد كان يراهن أو يراقبهن، وانتقاما منهن ومن فعلتهن المشينة مسخهن الله نجمات ليكن عبرة لمن يتجرأ على الإفطار في نهار رمضان!!. ولأن الصوم لم يرتبط بظهور الإسلام ولا بشهر رمضان تحديدا كما هو معلوم، بل عرفته ديانات وحضارات قديمة، فإنه من المرجح أن يكون تاريخ هذه الأسطورة أقدم بكثير من تاريخ وصول الإسلام إلى هذه المناطق، بل أقدم من تاريخ الإسلام نفسه، إذ من غير المستبعد أن تكون متداولة عند أمازيغ ما قبل الإسلام؛ إلا أنها ظلت ترتبط في أذهان المؤمنين بها بإفطار رمضان، أي بالإسلام وبالله وليس بإله آخر. وللعلم فإن "طيط صضيص"Tit Sdis بالأمازيغية تقابلها بالعربية "الثريا"، وهي عبارة عن عنقود نجمي سمي بذلك الاسم نسبة إلى الرقم 6 المعروف في الأمازيغية بSdis؛ إذ يعتقد بعضهم أن هذا العنقود مكون من ست نجمات والبعض الآخر يقول إنها سبع أو أكثر. والغريب أن الفلكي الفرنسي شارل سمييه سماها هو الآخر في فهرسه الذي خصصه للمذنبات والنجوم ب"الشقيقات السبع"!. نسجت مجموعة من الأساطير حول الثريا في حضارات وشعوب مختلفة كالإغريق والصينيين والأمازيغ والأتراك والهنود والعرب… والمفارقة العجيبة الثانية أن هذه الأسطورة الأمازيغية في شق منها قريبة جدا مما كان متداولا عند الإغريق وحضارات الأمريكيتين كما سنرى لاحقا، حيث نجد في المثيولوجيا الإغريقية أن الثريا عبارة عن سبع أخوات، وبعد لقاء مع الجبار أو الصياد *أصبح يلاحقهن هن ووالدتهن دائماً عبر السماء، ومن باب الرحمة بهن وسعيا إلى حل مشكلتهن قام الإله زيوس* بعد رجاء من أرتميس* بتحويلهن إلى سرب من الحمام فتمكن من الهرب منه والطيران إلى السما. أما العرب فكانوا يُسمون الثريا بهذا الاسم لأنهم كانوا يَتبركّون بها وبشروقها ويقولون إن المطر الذي يحدث في أثناء شروقها أو غروبها يَجلب الثروة (الثريا من الثروة). وللسكان القدامى للأمريكيتين أيضا أساطيرهم حول الثريا، فبعضهم يعتقد أنها كانت سبع عذراوات طَرن إلى السماء بواسطة الروح العظيمة لإنقاذهن من دببة عملاقة. هذه الأسطورة التي مازالت متداولة إلى يومنا هذا تطرح معها مجموعة من الأسئلة على سبيل المزاح، من قبيل ماذا لو تتحقق في يومنا هذا؟ كم من "وكالي ووكالات رمضان" سواء علنا أو سرا في المراحيض سيمسخون نجوما؟. لحسن حظ العذراوات "الآكلات" لرمضان أنهن مسخن "مسخا إيجابيا" إلى نجمات وليس إلى قردة، وهذا ربما يلهم ويشجع "وكالين رمضان" على التمادي في "جريمتهم" لأن أعز ما يطلب عندهم أن يتحولوا إلى نجوم ترفع إلى السماء خير لهم من الوقوع بيد "شرطة الأخلاق" من مجتمعهم وأهلهم المحافظين الذين سيلفظونهم لفظا إذا سمعوهم يمضغون الطعام خفية في ركن من الأركان!