يعد الأمن الصحي من بين مكونات النظام العام الذي تسهر على حمايته السلطات العمومية المختصة تطبيقا لمجموعة من النصوص التشريعية. ويقصد بالأمن الصحي مجموع الإجراءات والتدابير التي تتخذها السلطات العمومية للحفاظ على الصحة العامة. وضمان الأمن الصحي لا يعد اختصاصا حصريا لقطاع الصحة وإنما يتدخل لتحقيقه مجموعة من القطاعات والفاعلين، فإلى جانب السلطات الصحية تتولى مجموعة من السلطات الأخرى وعلى رأسها السلطات الأمنية القيام بأدوار في غاية الأهمية وذلك بغية تطبيق ومراقبة وفرض احترام التوجيهات الصحية والتعليمات الصادرة من السلطات العمومية والتي تتوخى الحماية والوقاية من جميع المخاطر والأسباب التي يمكن أن تساعد على تفشي أو انتشار الأمراض والأوبئة. ويعتبر الأمن الصحي أحد عناصر النظام العام وهو أحد مكونات الأمن الإنساني الشامل إلى جانب الأمن الغذائي والأمن المائي...، حيث إن المخاطر الصحية خصوصا في حالة الأوبئة مثلا تصبح مخاطر عابرة للقارات ولا تعترف بالحدود الجغرافية بين الدول، والدليل على ذلك هو الانتقال السريع وغير المتوقع لوباء كورونا فيروس –كوفيد 19 والذي ظهر في "ووهان " بالصين الشعبية، وفي وقت وجيز انتقلت العدوى لأغلبية دول العالم. وقبله كان العالم قد عاني من مخاطر إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير... وتعرف منظمة الصحة العالمية الأمن الصحي العالمي بأنه مجموع البرامج والتدابير التي تهدف إلى أن تخفض إلى أدنى حد مخاطر وتأثيرات الأحداث الصحية المهددة لسلامة سكان المناطق الجغرافية أو العابرة للحدود. وتؤكد المنظمة أن صحة البشر شرط أساسي لتحقيق الأمن والسلام، وأنه يعتمد على التعاون الكامل بين دول وسكان العالم كافة. ولا يقتصر تأثير الأوبئة والطوارئ الصحية وضعف المنظومات الصحية في إزهاق الأرواح البشرية فقط؛ بل يمثل تهديدا للأمن والاقتصاد العالميين. وبالنظر لأهمية الأمن الصحي وارتباطه بمختلف مكونات النظام العام، وبالنظر لآثار الأمن الصحي على الاقتصاد والتنمية، فالدول المتقدمة هي التي تجعل الأمن الصحي للمواطن أحد أهم مرتكزات الأمن الشامل لها وللمجتمعات الإنسانية عامة. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل جل دول العالم على إيلاء بالغ العناية بصحة مواطنيها باعتبار الصحة من أولى أولوياتها، وباعتبارها قضية مجتمعية تهم كل مكونات المجتمع بمختلف فئاته. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة لكون المخاطر التي كشف عنها فيروس كورونا – كوفيد 19، هي التي كانت دافعا للسلطات العمومية قصد اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير الهادفة لمواجهة جائحة كورونا والحد من المخاطر الناتجة عنه. فغاية ضمان وحماية الأمن الصحي هي الدافع الرئيسي لإعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، وهذا ما تؤكده المادة الأولى من مرسوم القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والتي نصت على أن "يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، أو بمجموع أرجاء التراب الوطني عند الاقتضاء، كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية، واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض، والحد من انتشارها، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها". وتأكيدا للأمن الصحي كدافع رئيسي لإعلان حالة الطوارئ الصحية فقد تضمن المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، النص على أن ما تقتضيه الضرورة الملحة من تدابير يجب اتخاذها لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19، هي سبب إعلان حالة الطوارئ الصحية. كما أن غاية حماية النظام العام الصحي شكلت أساس المادة الثالثة من مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية، حيث نصت هذه المادة على أنه "عملا بأحكام المادة الثانية أعلاه، يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ الصحية المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض حجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجمعهم، أو إغلاق المحلات المفتوحة للعموم، أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية". ولضمان الأمن الصحي، تتولى مجموعة من السلطات والجهات ممارسة مجموعة من الصلاحيات كل في مجال اختصاصها، فالسلطات الصحية تصدر التوجيهات والتعليمات الصحية، كما تتولى إجراء الفحوصات الضرورية ومتابعة وعلاج الأشخاص المصابين، وتقدم كل المعلومات المتعلقة بالحالة الوبائية والإجراءات الصحية المتخذة لمواجهتها... وهذه المهمة الصحية لا تقتصر على السلطات الصحية وإنما تقوم بها أيضا القوات المسلحة الملكية بناءً على تعليمات من القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية الملك محمد السادس الذي أصدر تعليماته للقوات المسلحة الملكية لتعبئة وسائل الطب العسكري لتعزيز الهياكل الطبية المخصصة لتدبير الوباء من خلال الطاقم الطبي وشبه الطبي للقوات المسلحة الملكية بهدف التغلب على بعض أشكال الخصاص الذي تمت معينته في محاربة الوباء، كما سبق لجلالة الملك بالأمر بوضع المراكز الطبية المجهزة التي سبق لجلالته أن أمر بإحداثها لهذا الغرض، بمختلف جهات المملكة، رهن إشارة المنظومة الصحية، بكل مكوناتها، إن اقتضى الحال وعند الحاجة... ولضمان نجاعة الأمن الصحي وحماية النظام العام، تقوم السلطات الأمنية من شرطة وقوات مساعدة، والإدارة الترابية، والقوات المسلحة الملكية...كلها تقوم بأدوار في غاية الأهمية من خلال ممارسة مهام الضبط وفرض احترام القانون والإجراءات المعلن عنها لتفادي انتشار الوباء. كما تتولى السلطة القضائية، القيام بدور هام في تطبيق القانون في مواجهة كل الأشخاص الذين يخرقون التدابير والإجراءات المعلن عنها من قبل السلطات الصحية والأمنية وكل الأشخاص الذين ينشرون الأخبار الزائفة ويزرعون الرعب والفتنة من داخل المجتمع. ومن خلال مجموع هذه التدابير التي تقوم به السلطات العمومية ومختلف المؤسسات المدنية والعسكرية، يتبين بأن مسؤولية ضمان الأمن الصحي في هذا الظرف الخاص، يعتبر من مسؤولية جميع الفاعلين الرسميين كل في حدود اختصاصاته. كما أن حماية الأمن الصحي يندرج ضمن مسؤولية الأفراد ومختلف الفاعلين الاجتماعيين من أحزاب ونقابات وجمعيات ومقاولات... وتأسيسا على ذلك فكل خرق للتدابير المعلن عنها من قبل السلطات العمومية والمتعلقة بحالة الطوارئ الصحية لا يعد اعتداءً على حق شخصي فقط بقدر ما هو اعتداء على المجتمع برمته ويشكل مساسا فعليا بالأمن الصحي وبالنظام العام. ولهذا الاعتبار فمسؤولية ضمان الأمن الصحي هي مسؤولية جميع مكونات المجتمع، حيث يتحمل كافة الأفراد مسؤولياتهم إلى جانب مختلف السلطات العمومية وباقي الفاعلين الرسميين. ولا تقتصر المسؤولية هنا فقط على مجرد الالتزام بالتدابير المعلن عنها من قبل السلطات العمومية واحترامها الفعلي في الممارسة، وإنما يتطلب الأمن الصحي أيضا انخراط جميع مكونات المجتمع من أفراد ومؤسسات ومقاولات خاصة وعامة في المساهمة في تمويل النفقات الضرورية لمواجهة جائحة كورونا من خلال المساهمة في الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا فيروس – كوفيد 19، وهذا ما يتطلب تعزيز التضامن المجتمعي من خلال تفعيل مقتضيات الفصل 40 من الدستور الذي يقر بأن "على الجميع أن يتحمل بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد". *أستاذ باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية