هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    أخبار الساحة    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة الطوارئ الصحية: ثلاثة مراسيم وثلاث ملاحظات
نشر في هسبريس يوم 27 - 03 - 2020

الحجر الصحي أو ما يعرف بالعزل، ليس بالأمر الجديد. فقد عرف المسلمون هذا الإجراء حينما منعوا الناس من دخول مدينة حمص نتيجة انتشار مرض الطاعون. فالهدف من الحجر الصحي هو حماية البلد من الأمراض الوافدة إليه من الخارج، والحيلولة في نفس الوقت دون تسرب الأمراض المعدية إلى البلدان الأخرى، مما يخول السلطات إجراء الفحص والتطعيم والتطهير والمراقبة والحجر عند الاقتضاء لكل شخص يظهر أنه مصدر للعدوى.
وقد اتخذت التشريعات الدولية الصحية على عاتقها الحد من هذه الأمراض المعدية، وجميع الأوبئة المهددة للبشرية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. وفي هذا الإطار تندرج التدابير الوقائية المتخذة محليا، تفعيلا للمنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي، لمواجهة الوضع الاستثنائي المتعلق بخطر تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19 محليا ودوليا.
ويعتبر المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمتخذ في نطاق الفصول 21 و 24 و81 من دستور2011، استثناء من القاعدة العامة التي تحدد مجال التشريع، وتجعله اختصاصا حصريا على البرلمان طبقا للفصل 71 من دستور 2011. فهو إذن يأتي في ظروف خاصة صادفت العطلة الربيعية للبرلمان، مما يخول الحكومة، حق التشريع بموجب مراسيم قوانين، décret-loi خلال الفترات الفاصلة بين دورتي الخريف والربيع، باتفاق مع اللجان البرلمانية، التي تبقى منعقدة، في انتظار عرض هذه المراسيم على البرلمان قصد المصادقة عليها في الدورة المقبلة.
وهوما يجعلنا نتساءل عن التكييف القانوني لحالة الطوارئ الصحية، للوقوف عند مدى تأطيرها دستوريا (أولا)،قبل إبداء بعض الملاحظات حول المراسيم الصادرة لتنفيذ السياسة الحكومية الرامية إلى التصدي وحصر تفشي فيروس "كورونا كوفيد19" (ثانيا).
أولا: تكييف حالة الطوارئ الصحية من الوجهة الدستورية
يقصد بحالة الطوارئ الصحية، مجموع الإجراءات القبلية والبعدية، التي يجوز للحكومة اتخاذها، بعد التداول فيها في مجلس حكومي، بسبب وجود مخاطر تفشي أمراض معدية أو وباء، يحتاج إلى تدخل مستعجل للحكومة، لاتخاذ ما يلزم من التدابير الكفيلة بالتصدي وحصر المخاطر المحدقة بصحة وسلامة الأشخاص، أو بالنظام العام الصحي أو البيئي.
فهي تختلف عن حالة الحصار، كما هي مقننة في الفصلين 49 و74 من الدستور والتي يمكن الإعلان عنها بظهير يوقعه رئيس الحكومة بالعطف، وفي حدود ثلاثين يوما غير قابلة للتمديد إلا بقانون، بعد التداول في شأنها في مجلس وزاري بسبب حدوث بعض الاضطرابات الناتجة عن الحرب أو التمرد أو العصيان، والتي لا تكون كافية لتبرير اللجوء إلى حالة الاستثناء.
كما تختلف حالة الطوارئ الصحية عن حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 من الدستور، والتي تعطي للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. فإذا كانت حالة الطوارئ الصحية يفرضها أمر طارئ يهدد سلامة وصحة الأشخاص، فإن حالة الاستثناء يفرضها التهديد المحدق بحوزة التراب الوطني، أو إن بعض الأحداث من شأنها عرقلة السير العادي للمؤسسات الدستورية، مما يُخول الملك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
نخلص في النهاية، إلى أن حالة الطوارئ الصحية غير مقننة في الدستور المغربي، وهي أقل من حالة الحصار، أو حالة الطوارئ أو حالة تطبيق الأحكام العرفية كما تسميها بعض التشريعات الدستورية المقارنة، وهذه الأخيرة أقل بدورها من حالة الاستثناء. ولكن تلتقي هذه التدابير جميعها في كون الإجراءات المتخذة في نطاقها من طرف السلطات المختصة، من شأنها المساس بالحريات والحقوق المدنية والسياسية للأفراد، نتيجة توسيع صلاحيات بعض السلطات الأمنية أو العسكرية، بهدف إرجاع الأوضاع إلى حالها الطبيعي، وحفظ النظام العام، ولو استدعى ذلك المساس ببعض الحقوق والحريات المقررة في الدستور للأفراد، من قبيل تقييد حق التنقل، والتجمع والإقامة، وممارسة الرقابة على حرية التعبير وغير ذلك من الحريات، مع ملاحظة أساسية تتجلى في نسبية مبدأ التضييق من الحريات والحقوق، بالشكل الذي يسمح باحترام منطق التدرج في المساس بهذه الحريات، ذلك أن نطاق وحجم التضييق من الحريات في نطاق الطوارئ الصحية، ليس بنفس الأهمية مقارنة بحالة الحصار، أو حالة الاستثناء كدرجة قصوى في هذا التضييق.
لهذا الغرض، فإن المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، أصبح يوفر غطاء قانونيا لتدخل السلطات الحكومية المختصة بما يكفل مشروعية التدابير التي تراها ضرورية والقابلة للتنفيذ، في إطار المرسوم 293 .2.20 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19، و بالتالي الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين وحمايتها من تداعيات هذا الوباء العالمي.
ولا يهم في هذه التدابير أن تكون ماسة ببعض الحقوق والحريات، فاعتبارات حالة الطوارئ الصحية تبرر ذلك، طالما أن المصلحة العامة هي المحدد في هذه التدابير الاستثنائية التي يجوز اتخاذها بمراسيم أو مقررات تنظيمية أو إدارية أو بمناشير، وعند الاقتضاء، عن طريق البلاغات فقط، باعتبارها أكثر قدرة على تحقيق النجاعة والاستعجال في التدخل للوقاية والحد من تفشي هذا الوباء، بالنظر إلى بساطتها من جهة، وتحللها من الشكليات الإدارية المتعارف عليها من جهة أخرى.
ثانيا: ملاحظات حول المراسيم المؤطرة لحالة الطوارئ الصحية
سنكتفي في هذا الصدد، بإبداء ثلاث ملاحظات تنسجم مع زاوية التحليل الذي ننطلق منها، من دون أن نجزم بحصرية هذه الملاحظات التي تبقى كثيرة بالمناسبة.
-الملاحظة الأولى: بداية مجهولة ونهاية معلومة
تنصب هذه الملاحظة، على صمت المرسوم 293 .2.20 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19، في معرض حديثه عن مدة سريان مفعولها في المادة الأولى، عن بيان تاريخ بداية حالة الطوارئ الصحية، مكتفيا بالإعلان عن تاريخ نهايتها.
ومعلوم أن احتساب المدة الواجب إسقاطها نتيجة توقف المدد والآجال القانونية، يرتبط أشد الارتباط بتاريخ الانطلاق في ترتيب حالة الطوارئ الصحية لآثارها الموقفة بموجب الفقرة الأولى من المادة 6 من المرسوم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
وإذا كانت الفقرة الأولى أعلاه تطرح إشكال عدم تحديد نقطة بداية احتساب الآجال الموقفة، فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من دستور 2011، تحمل من جهتها جوابا حاسما مؤداه أن "ليس للقانون أثر رجعي."
ولأن المرسوم المذكور لم ينشر في الجريدة الرسمية إلا في 24 مارس الجاري، فإن هذا التاريخ هو المعتد به قانونا لبداية العمل بالتدابير التي جاء بها، تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل 70 الذي، بعد أن قرر أن البرلمان يمارس السلطة التشريعية، نص في الفقرة الثالثة على مايلي:
"للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها. غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما."
وابتداء من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية كإجراء قانوني وجوهري، يحق للحكومة، أن تتخذ جميع التدابير اللازمة للحد من تفاقم الحالة الوبائية للمرض، خاصة تلك المنصوص عليها في المادة 3 من المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، والتي تمنع التجمع أو التجمهر أو مجرد اجتماع غير مبرر ، أو مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم، أو تنقلهم خارجه، باستثناء حالات الضرورة القصوى للعمل حينما تقتضيه حيوية المرفق المعني بقرار من السلطة الحكومية المختصة، أو التنقل لاقتناء حاجيات المعيشة اليومية أو للتطبيب، أو لأسباب عائلية ملحة تستدعي مساعدة أشخاص في وضعية صعبة، أو في حاجة إلى إغاثة.
عمليا، تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بواسطة بلاغ لوزير الداخلية صادر في 19 مارس 2020، محددا البداية الفعلية لها في اليوم الموالي على الساعة السادسة مساء.
انسجاما مع ما سبق، سنكون أمام نوعين من الآجال:
- الأول تسري عليه الأحكام القانونية المنصوص عليها في المادة 6 من المرسوم 292 .2.20 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والتي تقضي بإيقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، ولا تستأنف إلا في اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.
- وأما النوع الثاني من الآجال، والذي يتعلق بالفترة مابين صدور بلاغ وزير الداخلية في 19 مارس إلى غاية تاريخ نشر المرسوم المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها في الجريدة الرسمية(أي 24 من مارس)، فهو غير معني إلا ببلاغ وزارة الداخلية المعلن لحالة الطوارئ في نطاق اختصاصها بالحفاظ على النظام والأمن العموميين طبقا للمادة الأولى من المرسوم رقم 1086-19-2 الصادر في 4 جمادى الآخرة 1441(30 يناير 2020) بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، مع التذكير بأن المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية، أعاد التأكيد على مقتضيات المرسوم الملكي المؤرخ في 26 يونيو1967 بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء عليها. كإطار قانوني للبلاغ المذكور.
ومن ثمة، فإن المدد والمواعيد الإجرائية المعنية بهذه الفترة، ستطرح العديد من المنازعات الهادفة إلى تأمين الأمن القانوني للمتقاضين، وسيكون للقضاء فيها كلمة الفصل بعد إعمال سلطته في التفسير والاجتهاد، خاصة وأن مرفق القضاء نفسه قد بادر مبكرا إلى اتخاذ تدابير ترمي إلى الوقاية والتصدي لهذا الوباء، فكان من نتائجها تعليق الجلسات. ولم يستثنى من قاعدة وقف سريان مفعول الآجال القانونية، سوى آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية، والاعتقال الاحتياطي.
الملاحظة الثانية: الحاجة إلى قانون مالي تعديلي لمالية 2020
تكملة للملاحظة الأولى، من حيث إيقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، بحيث لا تستأنف إلا في اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة، أي ابتداء من 21 أبريل المقبل، فإن الصيغة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 6 من المرسوم 292 .2.20 جاءت على سبيل الإطلاق، من حيث شمولها لجميع الآجال القانونية المنظمة بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية، الشيء الذي يجعل مواعيد التصريحات والأداءات الضريبية والجمركية وغيرها مما هو مستحق للدولة و غيرها من أشخاص القانون العام، مشمولة هي الأخرى بالإيقاف، من دون تمييز بين الملزمين بالضريبة على أساس رقم الأعمال، مما سيؤثر لا محالة على موارد الدولة المرتقبة خلال النصف الأول من السنة المالية 2020. وهو ما يسمح لنا بالقول أن ثمة مبررات موضوعية وجدية للتفكير في مشروع قانون تعديلي لمالية 2020، استنادا إلى المادة 4 من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، وبما يكفل الانسجام مع المبادئ المؤطرة للمالية العمومية، لاسيما صدقية المعطيات المقدمة من حيث الموارد والنفقات من جهة، و مبدأ التوازن المالي من جهة أخرى.
وفي غياب مبادرة في هذا الصدد، قد لا نستبعد وقفا كليا لتنفيذ نفقات الاستثمار تطبيقا للمادة 62 من القانون القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13، تحت تأثير الظروف الاقتصادية والمالية المستجدة نتيجة التداعيات السلبية لفيروس "كورونا كوفيد 19" على مجموع القطاعات الإنتاجية في البلاد.
تجدر الإشارة إلى أنه في إطار الجهود المبذولة لمحاصرة تفشي فيروس "كورونا كوفيد 19"، بادرت الحكومة تطبيقا لمقتضيات المادة 26 القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، والمادة 29 من قانون المالية للسنة المالية 2020، والمادة 25 من المرسوم المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، إلى إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس "كورونا كوفيد-19." وقد أحدث هذا الصندوق بموجب مرسوم، بعد المصادقة عليه في مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ 16 مارس 2020.
-الملاحظة الثالثة: خضوع التدابير الحكومية لمواجهة فيروس "كورونا "كوفيد-19" للتقييم والمساءلة
بالاطلاع على المرسوم المحدث "للصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19"، يتضح أنه أشار ضمن أسباب نزوله إلى " الطابع الاستعجالي والضرورة الملحة وغير المتوقعة" للوباء الذي بدأ في اجتياح بلدان المعمور، مما يفرض إعادة النظر في بعض أولويات السياسة العمومية تكملة وتصويبا للأهداف المسطرة في قانون المالية لسنة 2020.
ولا خلاف، على أن حالة الطوارئ الصحية، تتعلق بموضوع حيوي يتصل بأهم السياسات الاجتماعية والقطاعية، وأكثرها حساسية لاتصالها بعموم المواطنين وبمبادئ وقواعد المنظومة الصحية من جهة؛ والحريات والحقوق الأساسية من جهة أخرى، لذا فإنه يتعين على الحكومة، وهي بصدد اتخاذ التدابير الاستعجالية لمواجهة تفشي الوباء، أن تحرص على ضمان استمرارية المرافق العامة، وأن تبادر إلى تعبئة جميع الموارد والوسائل الرامية إلى ضمان سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع طبقا للفقرة الثانية من الفصل 21 من الدستور. وتخضع الحكومة في هذا الصدد للمساءلة طبقا للفصل 101 من الدستور الذي ينص على مايلي:
" يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.
تُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها".
وبالنظر إلى أن الأمر يتعلق بتدبير أزمة يتداخل فيها ما هو صحي بما هو اقتصادي واجتماعي وإداري وقانوني ومالي، فإن الضرورة وحالة الطوارئ قد تفرضان اتخاذ قرارات وإجراءات أخرى تنصرف إلى معالجة التداعيات والآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية، لاسيما بعد توقيف مجموعة من الأنشطة المهنية والتجارية، والحد من حرية التنقل داخليا و خارجيا نتيجة إغلاق المجال الجوي والحدود البرية.
وهكذا، فالمرسوم 292 .2.20 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، يخول للحكومة بموجب المادة الخامسة حق سن و اتخاذ تدابير ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وبيئية في إطار تفعيل "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19 "،ومنها مواكبة المقاولات التي توجد في وضعية صعبة، ودعم القدرة الشرائية للأجراء الذين توقفوا مؤقتا عن العمل عن طريق صرف تعويض شهري خلال الفترة الممتدة مابين 15 مارس و30 يونيو، مع أحقيتهم في الاستفادة من التعويضات العائلية، والتأمين الإجباري عن المرض، وغيرها من التدابير الأخرى التي تهم القطاع البنكي والضرائب والجمارك والصرف.
*أستاذ باحث كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.