بالتفاصيل.. الولايات المتحدة تجدد دعمها الكامل لمغربية الصحراء خلال لقاء بوريطة وروبيو    حين تحدّث الملك فاهتزت الإمبراطورية    هل فشل المبعوث الأممي دي ميستورا في مهمته؟    الأزمة التونسية المغربية إلى أين؟    الترويج لوجهة المغرب: المكتب الوطني المغربي للسياحة يطلق جولة ترويجية كبرى بتورنتو وبوسطن وشيكاغو    اضطرابات جوية مرتقبة وعاصفة "أوليفييه" تقترب من المغرب    الطرق السيارة بالمغرب تتعزز بخط جديد يربط مراكش بآسفي    الذهب يرتفع 2% وسط تراجع الدولار ودخول رسوم جمركية أمريكية حيز التنفيذ    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    بعد أن فضحتها المهندسة المغربية ابتهال.. انتقادات من الداخل والخارج ل "مايكروسوفت" بسبب دعمها إسرائيل    الهزيمة القاسية تغضب أنشيلوتي    السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    كيوسك الأربعاء | تخفيض جديد في أسعار بعض الأدوية منها المسخدمة لعلاج السرطان    من بنجرير وبغلاف مالي بلغ مليار الدرهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث والابتكار    رابطة العلماء تواصل حملة "تمنيع" السجناء ضد التطرف العنيف في سياق "مصالحة"    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    الممثل محمد الشوبي في وضع صحي حرج.. نداء إنساني لإنقاذ حياته    هجوم سيبراني يضرب الموقع الإلكتروني لوزارة التشغيل    لحسن السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    طقس الأربعاء.. أجواء غائمة بمعظم مناطق المملكة    بعد تهديدها للضحية.. أمن مراكش يوقف المعتدية على التلميذة "سلمى"    المنتخب الوطني المغربي للسيدات ينهزم أمام نظيره الكاميروني (1-0)    الصين تتوعد باتخاذ "تدابير حازمة وشديدة" ردا على رسوم ترامب الجمركية    أحزاب مغربية معارضة تطالب بعقد جلسة برلمانية للتضامن مع فلسطين    الولايات المتحدة تجدد تأكيد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء    "سلة الفتح" تفوز على الملعب المالي    الأمن يلقي القبض على مرتكب جريمة قتل بحي المويلحة القديمة بالجديدة    ماكرون يدين استهداف إسرائيل لطواقم الإسعاف في غزة    ديكلان رايس نجم أرسنال ضد الريال    البايرن ميونخ والهزيمة الغير المتوقعة أمام الانتر    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    حادث اصطدام عنيف بين ثلاث سيارات يُخلف مصابين باكزناية    دينامية شبابية متجددة.. شبيبة الأحرار بأكادير تطلق برنامج أنشطتها بروح المبادرة والتغيير    النفط يهبط لأدنى مستوى منذ 4 سنوات.. تراجع سعر البرميل إلى أقل من 60 دولارًا    الجيش يغادر دوري أبطال إفريقيا    الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟    تساؤلات حول مصير سفير الجزائر بواشنطن بعد تجديد الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على صحرائه الغربية    انتخاب المغرب في مكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الاتحاد البرلماني الدولي    دوري أبطال أوروبا.. أرسنال يصعّب مهمة الريال وإنتر يهزم بايرن في ميونيخ    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    دروس ما وراء جبهة الحرب التجارية    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة الطوارئ الصحية: ثلاثة مراسيم وثلاث ملاحظات
نشر في هسبريس يوم 27 - 03 - 2020

الحجر الصحي أو ما يعرف بالعزل، ليس بالأمر الجديد. فقد عرف المسلمون هذا الإجراء حينما منعوا الناس من دخول مدينة حمص نتيجة انتشار مرض الطاعون. فالهدف من الحجر الصحي هو حماية البلد من الأمراض الوافدة إليه من الخارج، والحيلولة في نفس الوقت دون تسرب الأمراض المعدية إلى البلدان الأخرى، مما يخول السلطات إجراء الفحص والتطعيم والتطهير والمراقبة والحجر عند الاقتضاء لكل شخص يظهر أنه مصدر للعدوى.
وقد اتخذت التشريعات الدولية الصحية على عاتقها الحد من هذه الأمراض المعدية، وجميع الأوبئة المهددة للبشرية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. وفي هذا الإطار تندرج التدابير الوقائية المتخذة محليا، تفعيلا للمنظومة الوطنية لليقظة والرصد الوبائي، لمواجهة الوضع الاستثنائي المتعلق بخطر تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19 محليا ودوليا.
ويعتبر المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والمتخذ في نطاق الفصول 21 و 24 و81 من دستور2011، استثناء من القاعدة العامة التي تحدد مجال التشريع، وتجعله اختصاصا حصريا على البرلمان طبقا للفصل 71 من دستور 2011. فهو إذن يأتي في ظروف خاصة صادفت العطلة الربيعية للبرلمان، مما يخول الحكومة، حق التشريع بموجب مراسيم قوانين، décret-loi خلال الفترات الفاصلة بين دورتي الخريف والربيع، باتفاق مع اللجان البرلمانية، التي تبقى منعقدة، في انتظار عرض هذه المراسيم على البرلمان قصد المصادقة عليها في الدورة المقبلة.
وهوما يجعلنا نتساءل عن التكييف القانوني لحالة الطوارئ الصحية، للوقوف عند مدى تأطيرها دستوريا (أولا)،قبل إبداء بعض الملاحظات حول المراسيم الصادرة لتنفيذ السياسة الحكومية الرامية إلى التصدي وحصر تفشي فيروس "كورونا كوفيد19" (ثانيا).
أولا: تكييف حالة الطوارئ الصحية من الوجهة الدستورية
يقصد بحالة الطوارئ الصحية، مجموع الإجراءات القبلية والبعدية، التي يجوز للحكومة اتخاذها، بعد التداول فيها في مجلس حكومي، بسبب وجود مخاطر تفشي أمراض معدية أو وباء، يحتاج إلى تدخل مستعجل للحكومة، لاتخاذ ما يلزم من التدابير الكفيلة بالتصدي وحصر المخاطر المحدقة بصحة وسلامة الأشخاص، أو بالنظام العام الصحي أو البيئي.
فهي تختلف عن حالة الحصار، كما هي مقننة في الفصلين 49 و74 من الدستور والتي يمكن الإعلان عنها بظهير يوقعه رئيس الحكومة بالعطف، وفي حدود ثلاثين يوما غير قابلة للتمديد إلا بقانون، بعد التداول في شأنها في مجلس وزاري بسبب حدوث بعض الاضطرابات الناتجة عن الحرب أو التمرد أو العصيان، والتي لا تكون كافية لتبرير اللجوء إلى حالة الاستثناء.
كما تختلف حالة الطوارئ الصحية عن حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 من الدستور، والتي تعطي للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة. فإذا كانت حالة الطوارئ الصحية يفرضها أمر طارئ يهدد سلامة وصحة الأشخاص، فإن حالة الاستثناء يفرضها التهديد المحدق بحوزة التراب الوطني، أو إن بعض الأحداث من شأنها عرقلة السير العادي للمؤسسات الدستورية، مما يُخول الملك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
نخلص في النهاية، إلى أن حالة الطوارئ الصحية غير مقننة في الدستور المغربي، وهي أقل من حالة الحصار، أو حالة الطوارئ أو حالة تطبيق الأحكام العرفية كما تسميها بعض التشريعات الدستورية المقارنة، وهذه الأخيرة أقل بدورها من حالة الاستثناء. ولكن تلتقي هذه التدابير جميعها في كون الإجراءات المتخذة في نطاقها من طرف السلطات المختصة، من شأنها المساس بالحريات والحقوق المدنية والسياسية للأفراد، نتيجة توسيع صلاحيات بعض السلطات الأمنية أو العسكرية، بهدف إرجاع الأوضاع إلى حالها الطبيعي، وحفظ النظام العام، ولو استدعى ذلك المساس ببعض الحقوق والحريات المقررة في الدستور للأفراد، من قبيل تقييد حق التنقل، والتجمع والإقامة، وممارسة الرقابة على حرية التعبير وغير ذلك من الحريات، مع ملاحظة أساسية تتجلى في نسبية مبدأ التضييق من الحريات والحقوق، بالشكل الذي يسمح باحترام منطق التدرج في المساس بهذه الحريات، ذلك أن نطاق وحجم التضييق من الحريات في نطاق الطوارئ الصحية، ليس بنفس الأهمية مقارنة بحالة الحصار، أو حالة الاستثناء كدرجة قصوى في هذا التضييق.
لهذا الغرض، فإن المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، أصبح يوفر غطاء قانونيا لتدخل السلطات الحكومية المختصة بما يكفل مشروعية التدابير التي تراها ضرورية والقابلة للتنفيذ، في إطار المرسوم 293 .2.20 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19، و بالتالي الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين وحمايتها من تداعيات هذا الوباء العالمي.
ولا يهم في هذه التدابير أن تكون ماسة ببعض الحقوق والحريات، فاعتبارات حالة الطوارئ الصحية تبرر ذلك، طالما أن المصلحة العامة هي المحدد في هذه التدابير الاستثنائية التي يجوز اتخاذها بمراسيم أو مقررات تنظيمية أو إدارية أو بمناشير، وعند الاقتضاء، عن طريق البلاغات فقط، باعتبارها أكثر قدرة على تحقيق النجاعة والاستعجال في التدخل للوقاية والحد من تفشي هذا الوباء، بالنظر إلى بساطتها من جهة، وتحللها من الشكليات الإدارية المتعارف عليها من جهة أخرى.
ثانيا: ملاحظات حول المراسيم المؤطرة لحالة الطوارئ الصحية
سنكتفي في هذا الصدد، بإبداء ثلاث ملاحظات تنسجم مع زاوية التحليل الذي ننطلق منها، من دون أن نجزم بحصرية هذه الملاحظات التي تبقى كثيرة بالمناسبة.
-الملاحظة الأولى: بداية مجهولة ونهاية معلومة
تنصب هذه الملاحظة، على صمت المرسوم 293 .2.20 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19، في معرض حديثه عن مدة سريان مفعولها في المادة الأولى، عن بيان تاريخ بداية حالة الطوارئ الصحية، مكتفيا بالإعلان عن تاريخ نهايتها.
ومعلوم أن احتساب المدة الواجب إسقاطها نتيجة توقف المدد والآجال القانونية، يرتبط أشد الارتباط بتاريخ الانطلاق في ترتيب حالة الطوارئ الصحية لآثارها الموقفة بموجب الفقرة الأولى من المادة 6 من المرسوم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
وإذا كانت الفقرة الأولى أعلاه تطرح إشكال عدم تحديد نقطة بداية احتساب الآجال الموقفة، فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من دستور 2011، تحمل من جهتها جوابا حاسما مؤداه أن "ليس للقانون أثر رجعي."
ولأن المرسوم المذكور لم ينشر في الجريدة الرسمية إلا في 24 مارس الجاري، فإن هذا التاريخ هو المعتد به قانونا لبداية العمل بالتدابير التي جاء بها، تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل 70 الذي، بعد أن قرر أن البرلمان يمارس السلطة التشريعية، نص في الفقرة الثالثة على مايلي:
"للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها. غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما."
وابتداء من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية كإجراء قانوني وجوهري، يحق للحكومة، أن تتخذ جميع التدابير اللازمة للحد من تفاقم الحالة الوبائية للمرض، خاصة تلك المنصوص عليها في المادة 3 من المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، والتي تمنع التجمع أو التجمهر أو مجرد اجتماع غير مبرر ، أو مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم، أو تنقلهم خارجه، باستثناء حالات الضرورة القصوى للعمل حينما تقتضيه حيوية المرفق المعني بقرار من السلطة الحكومية المختصة، أو التنقل لاقتناء حاجيات المعيشة اليومية أو للتطبيب، أو لأسباب عائلية ملحة تستدعي مساعدة أشخاص في وضعية صعبة، أو في حاجة إلى إغاثة.
عمليا، تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بواسطة بلاغ لوزير الداخلية صادر في 19 مارس 2020، محددا البداية الفعلية لها في اليوم الموالي على الساعة السادسة مساء.
انسجاما مع ما سبق، سنكون أمام نوعين من الآجال:
- الأول تسري عليه الأحكام القانونية المنصوص عليها في المادة 6 من المرسوم 292 .2.20 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والتي تقضي بإيقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، ولا تستأنف إلا في اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.
- وأما النوع الثاني من الآجال، والذي يتعلق بالفترة مابين صدور بلاغ وزير الداخلية في 19 مارس إلى غاية تاريخ نشر المرسوم المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها في الجريدة الرسمية(أي 24 من مارس)، فهو غير معني إلا ببلاغ وزارة الداخلية المعلن لحالة الطوارئ في نطاق اختصاصها بالحفاظ على النظام والأمن العموميين طبقا للمادة الأولى من المرسوم رقم 1086-19-2 الصادر في 4 جمادى الآخرة 1441(30 يناير 2020) بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، مع التذكير بأن المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية، أعاد التأكيد على مقتضيات المرسوم الملكي المؤرخ في 26 يونيو1967 بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء عليها. كإطار قانوني للبلاغ المذكور.
ومن ثمة، فإن المدد والمواعيد الإجرائية المعنية بهذه الفترة، ستطرح العديد من المنازعات الهادفة إلى تأمين الأمن القانوني للمتقاضين، وسيكون للقضاء فيها كلمة الفصل بعد إعمال سلطته في التفسير والاجتهاد، خاصة وأن مرفق القضاء نفسه قد بادر مبكرا إلى اتخاذ تدابير ترمي إلى الوقاية والتصدي لهذا الوباء، فكان من نتائجها تعليق الجلسات. ولم يستثنى من قاعدة وقف سريان مفعول الآجال القانونية، سوى آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية، والاعتقال الاحتياطي.
الملاحظة الثانية: الحاجة إلى قانون مالي تعديلي لمالية 2020
تكملة للملاحظة الأولى، من حيث إيقاف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية، بحيث لا تستأنف إلا في اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة، أي ابتداء من 21 أبريل المقبل، فإن الصيغة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 6 من المرسوم 292 .2.20 جاءت على سبيل الإطلاق، من حيث شمولها لجميع الآجال القانونية المنظمة بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية، الشيء الذي يجعل مواعيد التصريحات والأداءات الضريبية والجمركية وغيرها مما هو مستحق للدولة و غيرها من أشخاص القانون العام، مشمولة هي الأخرى بالإيقاف، من دون تمييز بين الملزمين بالضريبة على أساس رقم الأعمال، مما سيؤثر لا محالة على موارد الدولة المرتقبة خلال النصف الأول من السنة المالية 2020. وهو ما يسمح لنا بالقول أن ثمة مبررات موضوعية وجدية للتفكير في مشروع قانون تعديلي لمالية 2020، استنادا إلى المادة 4 من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، وبما يكفل الانسجام مع المبادئ المؤطرة للمالية العمومية، لاسيما صدقية المعطيات المقدمة من حيث الموارد والنفقات من جهة، و مبدأ التوازن المالي من جهة أخرى.
وفي غياب مبادرة في هذا الصدد، قد لا نستبعد وقفا كليا لتنفيذ نفقات الاستثمار تطبيقا للمادة 62 من القانون القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13، تحت تأثير الظروف الاقتصادية والمالية المستجدة نتيجة التداعيات السلبية لفيروس "كورونا كوفيد 19" على مجموع القطاعات الإنتاجية في البلاد.
تجدر الإشارة إلى أنه في إطار الجهود المبذولة لمحاصرة تفشي فيروس "كورونا كوفيد 19"، بادرت الحكومة تطبيقا لمقتضيات المادة 26 القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، والمادة 29 من قانون المالية للسنة المالية 2020، والمادة 25 من المرسوم المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، إلى إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس "كورونا كوفيد-19." وقد أحدث هذا الصندوق بموجب مرسوم، بعد المصادقة عليه في مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ 16 مارس 2020.
-الملاحظة الثالثة: خضوع التدابير الحكومية لمواجهة فيروس "كورونا "كوفيد-19" للتقييم والمساءلة
بالاطلاع على المرسوم المحدث "للصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19"، يتضح أنه أشار ضمن أسباب نزوله إلى " الطابع الاستعجالي والضرورة الملحة وغير المتوقعة" للوباء الذي بدأ في اجتياح بلدان المعمور، مما يفرض إعادة النظر في بعض أولويات السياسة العمومية تكملة وتصويبا للأهداف المسطرة في قانون المالية لسنة 2020.
ولا خلاف، على أن حالة الطوارئ الصحية، تتعلق بموضوع حيوي يتصل بأهم السياسات الاجتماعية والقطاعية، وأكثرها حساسية لاتصالها بعموم المواطنين وبمبادئ وقواعد المنظومة الصحية من جهة؛ والحريات والحقوق الأساسية من جهة أخرى، لذا فإنه يتعين على الحكومة، وهي بصدد اتخاذ التدابير الاستعجالية لمواجهة تفشي الوباء، أن تحرص على ضمان استمرارية المرافق العامة، وأن تبادر إلى تعبئة جميع الموارد والوسائل الرامية إلى ضمان سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع طبقا للفقرة الثانية من الفصل 21 من الدستور. وتخضع الحكومة في هذا الصدد للمساءلة طبقا للفصل 101 من الدستور الذي ينص على مايلي:
" يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.
تُخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها".
وبالنظر إلى أن الأمر يتعلق بتدبير أزمة يتداخل فيها ما هو صحي بما هو اقتصادي واجتماعي وإداري وقانوني ومالي، فإن الضرورة وحالة الطوارئ قد تفرضان اتخاذ قرارات وإجراءات أخرى تنصرف إلى معالجة التداعيات والآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية، لاسيما بعد توقيف مجموعة من الأنشطة المهنية والتجارية، والحد من حرية التنقل داخليا و خارجيا نتيجة إغلاق المجال الجوي والحدود البرية.
وهكذا، فالمرسوم 292 .2.20 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، يخول للحكومة بموجب المادة الخامسة حق سن و اتخاذ تدابير ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وبيئية في إطار تفعيل "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19 "،ومنها مواكبة المقاولات التي توجد في وضعية صعبة، ودعم القدرة الشرائية للأجراء الذين توقفوا مؤقتا عن العمل عن طريق صرف تعويض شهري خلال الفترة الممتدة مابين 15 مارس و30 يونيو، مع أحقيتهم في الاستفادة من التعويضات العائلية، والتأمين الإجباري عن المرض، وغيرها من التدابير الأخرى التي تهم القطاع البنكي والضرائب والجمارك والصرف.
*أستاذ باحث كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.