لم تسلم الأقاليم الجنوبية للمملكة هي الأخرى من التأثر سلبا بسبب تداعيات فيروس "كوفيد - 19" (كورونا المستجد)؛ فألغيت بسبب انتشاره آلاف الحجوزات، وتوقفت عشرات الرحلات الدولية، وتعطلت معه عديد الوظائف والأعمال المحلية، وما زالت بتداعياته تتسع دائرة الخسائر. جريدة هسبريس الإلكترونية انتقلت إلى مدينة الداخلة، لرصد تأثيرات الوباء العالمي على القطاع السياحي ومحاورة الفاعلين الاقتصاديين بالجهة والمسؤولين عن القطاع وكذا أبناء المنطقة العاملين بالنشاط السياحي المشغل الخامس بها بعد الصيد البحري والوظيف العمومي والفلاحة وتربية المواشي. المنعشون الاقتصاديون لم يستسغ المستثمرون والمنعشون الاقتصاديون بجهة الداخلة وادي الذهب الخسائر المادية التي لحقت مشاريعهم الفندقية، بعد تصنيف فيروس "كورونا" وباء عالمياً من طرف منظمة الصحة العالمية، وما لحقه من قرارات تتعلق بوقف الرحلات السياحية والرياضية التي تستأثر باهتمام السياح الأجانب بخليج الداخلة المصنف عالميا. ولعل من أهم القرارات المتخذة في هذا الإطار إلغاء تنظيم الدورة السادسة للمنتدى الدولي "كرانس مونتانا" الذي أرخى بظلاله على القطاع المهم، وما لحقه من إلغاء للحجوزات الفندقية وتوقف الطلب على البرامج السياحية، خاصة أن المنتدى الدولي يُعد أهم الأنشطة السنوية التي يتساوى فيها الطلب مقابل العرض. وفي هذا الصدد، أكد المتحدث باسم الوحدات الفندقية الأكثر تصنيفا بجهة الداخلة وادي الذهب أن "الوجهات السياحية الرائدة بالداخلة قد تأثرت سلبا بسبب تداعيات فيروس "كورونا" خلال الأيام القليلة الماضية"، موردا أن "مرافقهم العمومية فقدت ما يعادل 1950 إقامة ليلية (nuitées) في شهر مارس الجاري، و950 مبيتا في أبريل المقبل". وأضاف المستثمر، الذي آثر عدم ذكر اسمه، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "من المحتمل فقدان 600 إقامة ليلية المحجوزة سابقا لشهر ماي المقبل بسبب تفشي الوباء الخطير"، لافتا إلى أن "الخسائر المالية التي تسبب فيها وقف الرحلات الجوية وإلغاء البرامج السياحية على المستوى المحلي تناهز 30 مليون درهم" مؤكدا أنهم بصدد "فقدان ما يقدر ب 200 ليلة مبيت في اليوم". ولم يخف المتحدث تخوفه من إغلاق ثلثي الفنادق بجهة الداخلة وادي الذهب بسبب قرارات الإلغاء العالمية، مشيرا إلى أن "أغلب الوافدين الذين كان من المقرر حضورهم إلى مدينة الداخلة في الآونة الأخيرة ينحدرون من أمريكا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا"، وزاد: "هم يفضلون ممارسة لعبة ركوب الأمواج العالمية بخليج الداخلة الذي يستجيب للمعايير الدولية للعبة". وختم حديثه لهسبريس بالقول إن نهاية هذا الأسبوع ستشهد قرارات خطيرة على مستوى جهة الداخلة، مؤكدا "إغلاق جل الفنادق ذات طاقة استيعابية كبيرة"، وزاد: "يؤسفني أن أخبركم أن الوضع يدفعنا إلى تسريح 90 في المائة من العاملين بهذه الفنادق". الوزارة الوصية القطاع السياحي بجهة الداخلة وادي الذهب، الذي يُعول على "السياحة الخارجية"، تضرر بشكل مباشر نتيجة الحد من حركة تنقل الأفراد التي فرضتها الطوارئ الصحية في العالم للحد من انتشار فيروس "كوفيد 19" القاتل؛ وهي نتيجة حتمية لتوالي عمليات إلغاء الحجوزات في الفنادق والطائرات على مستوى العالم التي أثرت سلبا على "حركة السياحة" على المستوى الوطني. ضيف الله اندور، مندوب وزارة السياحة بجهة الداخلة وادي الذهب، قال إن تأثر القطاع السياحي بجهة الداخلة وادي الذهب هو نتيجة حتمية لتوالي عمليات إلغاء الحجوزات في الفنادق والطائرات على مستوى العالم التي أثرت سلبا على "حركة السياحة" على المستوى الوطني، مضيفا أن "الوزارة تُتابع عن كثب حالة القطاع عن طريق مندوبياتها الجهوية للوقوف على التطورات الميدانية التي يعرفها قطاع السياحة في ظل الوضع العالمي المتأزم". وكشف اندور، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن "التحريات الأولية التي قامت بها المندوبية الجهوية للسياحة بالداخلة أوضحت تراجعا كبيرا في نسبة الحجوزات الخارجية"، ويعود السبب -بحسب المتحدث- إلى حظر الطيران وعدم استقبال مجموعات سياحية من الدول الأوروبية، خاصة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا". وقدر المسؤول الجهوي عن القطاع السياحي بالداخلة إلغاء حجوزات سياحية بنسبة زادت على 15% خلال شهر مارس الجاري، وتسجيل تراجع كبير في إقبال الوافدين على الوحدات الفندقية بنسبة تتراوح بين 30 الى 35 في المائة، وانخفاض نسبة الطلب على البرامج السياحية. واستغل المتحدث المناسبة للتذكير ب"الجهود التي تقوم بها وزارة السياحة والسلطات الجهوية، من خلال تتبع الوضع المفزع وتدارس كافة الاحتمالات والتدابير التي يستلزم اتخاذها في المكان والوقت المناسبين، في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها القطاع يوما بعد يوم". شباب المنطقة بدأت جهة الداخلة وادي الذهب، خلال العقد الأخير، في اكتساب إشعاع عالمي على مستوى الرياضات البحرية بفضل المواقع الملائمة لممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية وأصبحت تستهوي أعدادا مهمة من ممارسي هذه الرياضات من بلدان أوروبية؛ مثل فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، والدول الإسكندنافية. وبالمقابل، شهدت الحركة الاستثمارية في المنشأة السياحية المتخصصة في هذه الرياضات تطورا متزايدا على امتداد الضفاف الشمالية والشرقية للخليج، حيث المواقع المناسبة لاستقبال الداخلة سنويا أطوار منافسات البطولة العالمية في ركوب الأمواج. ومع تقدم المنشآت السياحية، تطورت الحركة الاستثمارية بالمنطقة لتُخلق معها فرص عمل وخدمات جديدة؛ كالنقل بواسطة سيارات الدفع الرباعي، التي باتت مصدر دخلٍ قارٍ لعدد من أبناء جهة الداخلة. علي سالم الطالب بويا، أحد أبناء مدينة الداخلة، 34 سنة، يمتهن النقل السياحي عبر سيارة للدفع الرباعي، قال إن خدمة النقل السياحي تعرف انخفاضا كبيرا منذ انتشار خبر تفشي فيروس "كوفيد 19" (كورونا المستجد)، مؤكدا أن "البطالة باتت تهدد أزيد من 50 في المائة من الشباب العامل في القطاع غير المهيكل". وأضاف الطالب بويا، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "أغلب العاملين في خدمة النقل من حاملي الشواهد الجامعية، وأن 80 في المائة منهم من أبناء الداخلة الأصليين"، لافتا إلى أن "وتيرة الطلب على الخدمة السياحية عرفت تراجعا حادا منذ بداية شهر مارس الجاري". وفي رده على سؤال العائدات المالية من الخدمة السياحية، أكد المتحدث أن "العائد المادي يتراوح غالبا بين 4000 و5000 درهم، و6000 درهم في أفضل الحالات"، مشيرا إلى أن "العمل مع الوحدات الفندقية يتسم بالكثير من التعقيدات، خاصة أن الفندق من يحتكر تكاليف الخدمة عن السياح الأجانب"، وزاد: "نرجو من الوزارة الوصية على القطاع الاهتمام بهذه الشريحة التي باتت تُعول كثيرا على تقنين المجال وتحسين دخلها وضمان سيرورته". فبالرغم من عدم تسجيل أية حالة إصابة بفيروس "كورونا" القاتل بالأقاليم الجنوبية، يتضح جليا أن قطاعات حيوية قد تأثرت بشكل متواتر؛ ما يرجح فرضية اعتماد جهة الداخلة وادي الذهب على السياحة الخارجية والبرامج الرياضية الدولية فقط، الشيء الذي قد يزيد الوضع تعقيدا أمام الوضع التنموي الهش الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية، وسرعة انتشار فيروس "كوفيد 19".