تقول جوديث بولبان، مالكة فندق سان سامويل في البندقية، إنها لم تشهد منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة أياما بلغت فيها حركة العمل في الفندق المستوى الحالي من السوء. فقبل شهر واحد من عطلة عيد القيامة التي تعد من أكثر العطل ازدحاما في أوروبا، تلقت بولبان إلغاءات لأكثر من 80 في المئة من الحجوزات في فندقها الواقع في قلب مدينة البندقية، بل وتبخرت الحجوزات المنتظرة مستقبلا. فقد انتشر فيروس "كورونا"، الذي ظهر في مدينة ووهان بوسط الصين في أواخر العام الماضي، في مختلف أنحاء العالم، وزاد عدد حالات الإصابة الجديدة به خارج الصين عنه في داخلها. وإيطاليا هي أشد بلدان أوروبا تأثرا بانتشار الفيروس، وقد قررت إغلاق المدارس ودور السينما والمسارح بعد وفاة أكثر من 100 شخص وتأكد إصابة أكثر من 3000 آخرين بالفيروس. وتقول بولبان (46 عاما) فرنسية الأصل: "الناس مرعوبون؛ البعض رحل قبل انتهاء إقامته وآخرون لم يحضروا وغيرهم اتصلوا لطلب رد أموالهم". وتدير بولبان الفندق منذ العام 2006، لكنها تعمل في هذا المجال منذ ما يقرب من 25 عاما. وتُبرزُ مشاكل بولبان الفوضى التي دبت في صناعة السياحة والسفر العالمية؛ إذ عمدت الشركات إلى تقييد سفر العاملين فيها، وألغيت معارض تجارية كبرى، واختار أصحاب العطل البقاء في بيوتهم أو تأجيل خططهم لحجز رحلاتهم في عطل الربيع والصيف. قطاع ضخم دفعت سرعة انتشار الفيروس بصناعة السياحة والسفر، التي تمثل أكثر من عشرة في المئة من النمو الاقتصادي العالمي، إلى واحدة من أسوأ الأزمات العالمية، وفقا لما تبين من خلال مقابلات مع أكثر من عشرة من الخبراء وأصحاب الفنادق ومديري الرحلات السياحية. ويقول المجلس العالمي للسفر والسياحة إن هذه الصناعة أتاحت حوالي 319 مليون وظيفة، أي نحو عشرة في المئة من مجمل الوظائف العالمية في 2018. ومنيت شركات الطيران بأشد الخسائر منذ بدأ انتشار المرض، غير أن المؤسسات الفندقية مثل "هيات" للفنادق، وشركات تشغيل السفن السياحية مثل مؤسسة "كارنيفال"، وشركات الرحلات مثل "توي"، مُنيت بخسائر أيضا. وتقول بولبان: "لا نعلم متى سينتهي هذا" الوباء. توقعات قاتمة يرسم الخبراء صورة قاتمة في الأجل القريب. وتقول شركة "توريزم إيكونوميكس" الاستشارية إنه من المتوقع أن تنخفض حركة السفر الدولي بنسبة 1.5 في المئة هذا العام لتسجل أول هبوط منذ 2009 في ذروة الأزمة المالية العالمية. وخلال انتشار مرض "سارس" في 2003، انخفضت معدلات السفر بنسبة 0.3 في المئة فقط. ولأن الصين في قلب الأزمة الأخيرة، ستكون منطقة آسيا والمحيط الهادي الأشد تأثرا؛ إذ تتوقع "توريزم إيكونوميكس" انخفاضا يبلغ 10.5 في المئة في عدد الزائرين القادمين إليها في 2020. ويبين تحليل أجرته الشركة أن الناس أصبحوا أكثر تكيفا مع الأزمات الصحية في السنوات العشر الأخيرة أو نحو ذلك؛ إذ أصبحت عودتهم إلى السفر والعطل سريعة بمجرد احتواء انتشار المرض. غير أن فيروس "كورونا" لم يسبق له مثيل في انتشاره الجغرافي. وتستخدم الشركة مرض "سارس" كأساس للمقارنة، وهو ما يعني أنها تتوقع احتواء الفيروس بنهاية النصف الأول من العام الجاري. ويقول ديفيد جودجر، العضو المنتدب لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط في "توريزم إيكونوميكس"، لرويترز، إن معدلات حركة السفر ستبدأ في ظل هذا السيناريو في الانتعاش ابتداء من شهر يوليو تقريبا، لكنها لن تتعافى بالكامل إلا في 2021-2022. وقالت الشركة في تقرير نشر هذا الأسبوع: "إذا استمر انتشار فيروس كورونا، فإن آثاره على السياحة قد تستمر لفترة أطول وتكون أشد قسوة من سارس". آثار جانبية للأزمة آثار جانبية تتجاوز قطاع السياحة. وتعاني أنشطة تجارية بالقرب من فندق في جزيرة تناريف الإسبانية، تم إغلاقه على من فيه من مئات السياح منذ 24 فبراير، من غياب الزبائن. وقالت مصففة الشعر بيفرلي فينس، القادمة من إنجلترا وصاحبة صالون "بامبو" الواقع منذ سبع سنوات في مركز تجاري أمام الفندق، إن حركة العمل في الصالون "تأثرت بشكل هائل" بإغلاق الفندق. وأضافت في تصريح لرويتز وهي تمسك بدفتر المواعيد الخالي: "في الأسبوع الماضي كله، صففت شعر عدد من الزبائن يعادل عدد من أصفف شعرهم في ساعتين تقريبا". ولجذب الزبائن للحجز في الفترة المقبلة، قالت سلاسل فنادق كثيرة، منها "ميليا هوتيلز" و"بانجي جروب"، إنها تعرض خصومات وتخفف من سياسة إلغاء الحجز. ولعدم وجود أي حجوزات في الأشهر المقبلة، يعرض فندق "كا باجان" في وسط مدينة البندقية خصما يصل إلى 60 في المئة خلال مارس و30 في المئة في أبريل، حسبما قال مالك الفندق جاكومو بوساتو. وأضاف: "بعض الإيطاليين فقط سيأتون. لا أجانب". وربما تغري تلك التدابير في النهاية السياح بالعودة، غير أن الأرجح أن يحجز الناس رحلاتهم في اللحظة الأخيرة انتظارا لمعرفة مدى انتشار الفيروس وأماكنه.