دعت دراسة وطنية ميدانية إلى إنهاء ظاهرة تزويج الأطفال الذين لم يبلغوا بعدُ ثماني عشرة سنة، لافتة إلى العواقب الصحية والاجتماعية المترتبة عن تزويج القاصرات في المغرب، لا سيما ما يتعلق بالعنف الجسدي والإيذاء الجنسي المُمارس ضد الفتيات القاصرات من لدن أزواجهن. الدراسة الوطنية، المُنجزة من لدن جمعية حقوق وعدالة، أشارت إلى أن 10.79 في المائة من الفتيات القاصرات تزوجن عبر "الفاتحة"، حيث تعتبر المناطق القروية الأكثر تأثرا ب"الزواج العرفي" بنسبة قدرها 13 في المائة، مقابل 6.56 في المائة بالمناطق الحضرية، بينما نسبة الزواج الموثق أمام المحاكم يبلغ 72.76 في المائة. وتتمركز أكبر نسب "زواج الفاتحة" بالمملكة في جهتي درعة-تافيلالت وبني ملال-خنيفرة، إذ رغم الجهود الرسمية الساعية إلى القضاء على الظاهرة فإنها ما زالت قائمة في مجموعة من جهات المملكة؛ ذلك أنها تعادل أحيانا نسب الزواج الموثق أمام المحاكم، كما هو الحال بالنسبة إلى جهتي درعة-تافيلالت والداخلة-وادي الذهب. وتُبرز الدراسة، التي عُرضت نتائجها بمدينة الدارالبيضاء، مساء الاثنين، أن جهة الدارالبيضاء-سطات هي الأكثر تأثّراً بتزويج القاصرات بنسبة 19.86 في المائة، مبرزة أن 8.14 في المائة من الفتيات المُستجوبات تزوجن عن 14 سنة؛ وهو رقم يتمركز في جهتي الدارالبيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة. ووفق الإفادات الميْدانية التي استقتها الجمعية، فإن 51.47 في المائة من الفتيات القاصرات تزوجن في سنّ السابعة عشرة، و29.15 في المائة تزوّجن عن ست عشرة سنة، و11.24 في المائة كان عمرهن لا يتعدى 15 سنة حينما أقدمن على خطوة الزواج. وفي الجانب المتعلق بالميكانيزمات المُتحكّمة في تنامي نفوذ زواج القاصرات، أوردت الدراسة أن البنية الأسرية التقليدية التي يلعب فيها الأب أو الأخ دورا محورياً ما زالت سائدة في الوسط القروي، بينما هذا النمط من التفكير حاضر بقوة أيضا في دور الصفيح بالوسط الحضري، منبّهة إلى استمرار تزويج القاصرات مقابل المال، أو ما يُعرف اختصارا ب"زواج الكُونْطرا"، في العالم القروي. وبشأن المستوى الدراسي للفتيات القاصرات، تبعا للدراسة عينها، فإن معدل متوسط التمدرس لدى المُستجوبات يصل إلى 34.64 في المائة بالوسط القروي مقابل 84.06 في المائة بالوسط الحضري؛ ذلك أن نصف المُستجوبات لم تطأ أقدامهن المدرسة أبدا (48.70 في المائة)، لا سيما في القرى التي تتفاقم بها الظاهرة. عطفاً على ما سبق، تضيف الدراسة أن نصف الفتيات القاصرات لم يتجاوزن السلك الابتدائي، بينما 75.88 في المائة تابعن دراستهن إلى حدود السلك الثانوي الإعدادي، و24.12 في المائة بلغن السلك الثانوي التأهيلي؛ في حين ترتفع هذه النسب في الوسط القروي، لتصل إلى 54.98 بالنسبة إلى الفتيات اللائي انقطعن عن الدراسة في حدود المستوى الابتدائي و79.1 في المائة بالنسبة إلى القاصرات اللائي بلغن السلك الإعدادي. وبخصوص الوسط العائلي التي يسهم في تفاقم الظاهرة، لفتت الدراسة إلى أن 86.47 في المائة من آباء وأمهات الفتيات القاصرات ما زالوا على قيد الحياة، مقابل 13.53 في المائة ترجلوا عن صهوة الحياة. كما أن 6.27 في المائة من الأمهات تطلّقن بصفة رسمية بعدما تزوجن أيضاً دون بلوغ سن الرشد؛ في حين توجد عائلات تخلى عنها الزوج دون أي طلاق رسمي، مؤكدة أن أكبر نسب الطلاق تتمركز في جهتي طنجة-تطوان-الحسيمةوالدارالبيضاء-سطات. وما زالت ظاهرة الأمية تُخيم على المجتمع المغربي؛ ذلك أن 74.35 في المائة من أهالي الفتيات القاصرات أميّون، حيث يتركزون بشكل خاص في جهتي الدارالبيضاء-سطات ومراكش-آسفي، بينما الأمهات اللائي تزوجن أيضا دون بلوغ سن الرشد حينئذ يُقدرن ب71.96 في المائة، تتوزع بين 58.92 في المائة بالوسط الحضري و78.53 في المائة بالوسط القروي، وتأتي جهتا الدارالبيضاء-سطات ومراكش-آسفي في الصدارة. إلى ذلك، تُصرّح الفتيات القاصرات بأن أمهاتهن تزوجن خلال فترة عمرية تتراوح بين 15 و18 سنة (معدل 43.39 في المائة)، حيث يصل "زواج الفاتحة" لدى هذه الشريحة المجتمعية إلى 33.89 في المائة، مقابل 62 في المائة من الزواج الموثق أمام المحاكم. أما آباء الفتيات القاصرات، فتُبرز الدراسة أن 75.72 في المائة يزاولون عملاً مؤدى عنها، يشكل العالم الحضري ما قدره 77.66 في المائة و74.63 في المائة بالعالم القروي؛ بينما الآباء العاطلون عن العمل يناهزون 23.14 في المائة، على أساس أن البطالة تتمحور في جهتي الدارالبيضاء-سطات وفاس-مكناس. هكذا، يتقاضى 32.21 في المائة من آباء الفتيات القاصرات أجرة شهرية تصل إلى 3000 درهم، والنسبة نفسها تتقاضى أجرة أيضا تتراوح بين 2000 و3000 درهم، في ما 30.20 في المائة تتقاضى أجرة شهرية بين 1000 و2000 درهم، بينما 5.37 في المائة لا يتعدى راتبها الشهري ألف درهم. وتشير الدراسة الميْدانية، التي أنجزت بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاستغلال الجنسي، إلى أن 32.02 في المائة من الفتيات القاصرات يقطنّ لدى عائلة الزوج، و45.32 في المائة يسكُنّ في محل سكني يمتلكه الزوج، و20.69 في المائة يقطنّ في محل مُكترى من لدن الزوج. وفي خِتام الدراسة، تلفت جمعية حقوق وعدالة، التي سهرت على إنجاز هذه الدراسة الوطنية، إلى أن العوامل المسؤولة عن تفاقم ظاهرة "الزواج الفاتحة" متعددة الأبعاد، يبقى أبرزها العامل الاقتصادي والاجتماعي؛ أي الفقر وغياب المستوى التعليمي وعدم التصريح بالأبناء في الحالة المدنية لوزارة الداخلية، فضلا عن العامل الثقافي المتجسد في سلطة الأب على الأسرة والرؤية المجتمعية الضيّقة للمرأة التي تلد الإناث، فضلا عن الهالة الاجتماعية المرافقة لغشاء البكارة ومختلف الطابوهات ذات الصلة بالجنس.