نجاة إيخيش* تتحدث عن زواج الفاصرات: تزويج القاصرات هو من الملفات القديمة الجديدة، وقد توقفنا عند كونه ظاهرة تشكل عنفا مجحفا ضد المرأة منذ 2008، في الوقت الذي نظمنا فيه قافلة أزيلال ومع اكتشافنا لحالات زواج قاصرات لم يتجاوزن الثامنة من العمر، عبر زواج «الفاتحة» مثلما أثرنا حينها. واكتشفنا إلى جانب هذه الحالات، رعيلا من الأطفال غير المسجلين في كناش الحالة المدنية، وبدون أوراق ثبوتية رسمية تضمن حقوقهم، وبالتالي محرومون من أبسط حقوق المواطنة. ووقفنا من خلال هذه القافلة على أن ظاهرتي الزاوج بالفاتحة والتطليق شفاهيا أضحيتا منتشرتين بشكل عادي في الكثير من دواوير المنطقة مما يخلق أوضاعا غير طبيعية بالمرة وخارجة عن القانون. وكنا سجلنا حينها أكثر من 60 ألف طفل مولودين خارج إطار الزواج الرسمي وبالتالي خارج سجل الحالة المدنية. هذا في ارتباط بالاستثناء، الذي فتحته المادة 16 من مدونة الأسرة، حيث أتاحت توثيق حالات الزواج السابقة لدخول المدونة حيز التنفيذ منذ 2005، وفي الوقت الذي تنص المادة الأولى من المدونة على أن الوثيقة الوحيدة التي تثبت صحة الزواج هي عقد الزواج الرسمي. إذن، كانت الغاية المؤقتة من المادة 16 هي توثيق عقود الزواج وتسجيل الأطفال المولودين قبل توثيق عقد الزواج في سجل الحالة المدنية. وذلك، ضمانا لحقوق الأم في الحضانة والنفقة ولحقوق الأطفال في إثبات النسب والتمدرس. ففي ظرف 6 سنوات، وهي المدة، التي كانت محددة لعملية توثيق عقود الزواج، وإذا لم تفلح الأمهات في توثيق عقود زواجهن لأسباب مختلفة، فإنهن يتحولن إلى أمهات عازبات مما يعني حرمانهن من النفقة وحرمان أطفالهن من مواصلة الدراسة بصفة رسمية إلى ما بعد المرحلة الابتدائية. وقد طالبنا بتمديد العمل بهذه المادة أو الاستثناء لأجل تصفية هذه الحالات وليس لتعميق وتجذير المشكل بتحويل الاستثناء إلى قاعدة. وكانت شروطنا لأجل تمديد العمل بهذه المادة هي كالتالي: عدم السماح بالتعدد، وبتزويج القاصرات، والعمل على تصفية الحالات القديمة، وعدم السماح لحالات جديدة لأن تُضاف إلى الحالات الموجودة والمحصية. وكلها شروط لم تتم مراعاتها مع انطلاق عمل المحاكم المتنقلة لأجل توثيق عقود الزواج عبر مناطق المغرب، إلا في محكمة واحدة والتي كان يرأسها حينها رئيس محكمة أزيلال في ذلك الوقت، والذي بنظرنا كان يؤمن حقا بحقوق الأطفال والنساء. لكن، وعوض تصفية الحالات الموجودة في الأصل، فسحت هذه المحاكم المجال لتنامي الأعداد مع السماح بتفاقم تزويج القاصرات بل وأصبحت هذه المادة الاستثناء مدخلا للتعدد، الذي قيدته المدونة. وقد نبهنا حينها إلى أن هذه المحاكم المتنقلة، التي كانت مؤسسة إيطو تحضرها بصفة عضو ملاحظ، بدأت تؤسس لحالات التعدد وتزويج القاصرات. ودققنا ناقوس الخطر في 2010، حينما اكتشفنا أن تزويج القاصرات يُمارس بشكل خطير في منطقة إملشيل، التي كانت تعرف تزويج فتيات تترواح أعمارهن بين السابعة والثانية عشرة سنة. وهو ما شكل بالنسبة لنا حينها صدمة حقيقية. علما أن التناسب في الأعمار بين الأزواج لا يُحترم كثيرا، إذ كان يتم تزويج فتيات في التاسعة والعاشرة من العمر لرجال متقدمين في العمر… وقد سجلنا حينها (2010) تزويج 450 طفلة تترواح أعمارهن بين سبع واثنا عشرة سنة. ونددنا بالأمر وطالبنا بوضع حد لظاهرة تزويج القاصرات بوصفه اغتصابا للطفولة بل وبيدوفيليا، يتصف بها من يسمح بتزويج القاصرات مثله مثل من يُمارسها من خلال من الزواج من قاصر. كذلك، من خلال تتبعنا لعمل المحاكم المتنقلة المحدثة لتوثيق الزواج، اكتشفنا أن تزويج القاصرات تتم عن سبق الإصرار. إذ يعمد أولياء أمور الفتيات إلى تزويجهن بالفاتحة ثم يأتون بهن لتوثيق عقود الزواج. وتحول الأمر إلى ما يشبه التحايل أو الحيلة المعتمدة لأجل الحصول على تصريح رسمي بالزواج من قاصر في خرق لمدونة الأسرة التي حددت سن الزواج في 18 سنة. وبالتالي، تحولت المادة ال16 أنجع وسيلة للتحايل على القانون في ما يتعلق بالتعدد أو تزويج القاصرات بما يتعارض والتزامات المغرب الدولية المتصلة بحماية حقوق الطفل. بل وفتحت هذه المادة الباب مشرعا لتنامي ظواهر اجتماعية خطيرة تتعلق بالفساد والرشوة مما دفع بنا إلى المطالبة بإلغائها بعد أن تحولت عن الهدف الأصلي الذي من أجله تم إحداثها حين إصلاح مدونة الأسرة. مع الإشارة إلى إطلاقنا لعريضة المليون توقيع الخاصة بالتنصيص الصريح في المدونة على سن ال18 سنة كسن أدنى للزواج، والمطالبة بترتيب الجزاء على كل من ساهم وسمح بتزويج قاصر. وقد تبنى هذه العريضة مرصد الأطلس من أجل المساواة والمواطنة، الذي يتشكل من مجموعة من الجمعيات التي توجد بالعالم القروي في معظمها ومؤسسة إيطو هي الجمعية الحضرية الوحيدة ضمنه. وهذا مؤشر أساسي على أن القضية أضحت متبناة من قبل الوسط القروي، ممثلا في مجتمعه المدني، الذي يعيش الظاهرة بشكل أقوى من الوسط الحضري. كما أنه يعكس وعي الساكنة القروية ومكونات المجتمع المدني بالوسط القروي بأهمية الظاهرة، وهو الوعي، الذي خلقه عمل مؤسسة إيطو من خلال القوافل، التي كنا ننظمها للتحسيس بالظاهرة واحتكاكنا بالساكنة واشتغالنا إلى جانبها لأجل التوعية بحقوق الفتيات وتشجيع تمدرسهن، وتغيير النظرة التشيئية لهن من أنهن مجرد عبء اقتصادي واجتماعي وأخلاقي على الأسر، بالنظر إلى أن بعض أولياء الأمور قد يعمدون إلى تزويج صغيرات بالكاد يبلغن التاسعة من العمر فقط لتفادي وقوع محظور من قبيل الاغتصاب وفقدان البكارة. وفي كثير من الحالات، تهجر هؤلاء الزوجات الصغيرات بيت الزوجية من أول ليلة تحت تأثير صدمة الاغتصاب، الذي تتعرضن له ليلة الدخلة.. وقد لا يكترث الآباء للأمر ويعتبرون ما قد يحصل لهن بعد ذلك غير ذي أهمية بما أنهن «دوزوا الفريضة» مثلما يقولون. لقد وقفنا على حالات لفتيات في الثالثة عشرة من العمر، تزوجن وتطلقن لأكثر من مرتين أو ثلاث مرات.. وهو أمر مخجل حقا ووصمة عار في جبين بلدنا. ولكن، ومن جهة أخرى، وعلى سبيل المثال، نجحنا في مؤسسة إيطو في المساهمة في خفض عدد القاصرات، اللواتي يتم تزويجهن في إطار موسم الزواج، الذي تعرفه منطقة إملشيل بشكل كبير. فبعد أن سجلنا تزويج 450 فتاة قاصرا في 2010، تراجع العدد إلى 250 في 2011، ليصبح 150 في 2012، ثم 15 في 2014، لينخفض إلى 5 حالات في 2015، وهذا انخفاض هام، يجعلنا متأكدين من أنه يمكن القضاء على ظاهرة تزويج القاصرات بشكل سريع وناجع في حال تحملت الدولة مسؤوليتها وقامت باللازم لردع المتورطين في انتشار الظاهرة واستمرارها. فإذا كنا نحن كجمعية محدودة التدخل والإمكانات المادية، نجحنا في ذلك بمنطقة إملشيل، التي أضحت تستعر من الظاهرة وتعتبرها مشينة ومسيئة لها على مستويات مختلفة وتضرب تاريخها النضالي، فمن المؤكد أن الدولة يمكنها النجاح في ذلك على نطاق واسع عبر ربوع المملكة في حالة توفرت لديها الإرادة لذلك. بل إنه بإمكانها النهوض بوضعية الفتيات المغربيات بشكل كبير. لكن الدولة لا تتحمل مسؤوليتها بهذا الصدد وتترك الجمعيات تقوم مقامها بأدوارها الطبيعية. والمؤسف في كل هذا، هو أن الدولة تتعامل مع هذه الظاهرة بمنطق تبريري. إذ حينما يصرح مسؤول حكومي، مثل وزير العدل والحريات، قائلا إن تزويج القاصرات يندرج ضمن الأعراف والتقاليد والثقافة المغربية، فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة. لأن سعادة الوزير مسؤول على تطبيق القانون، والظاهرة تعكس على مستويات متعددة خرقا للقانون، الذي من المفترض فيه الحرص على تطبيقه. علما أن الأعراف والثقافة ليستا كلتاهما إيجابيتين في كليتهما، ويتعين غربلتهما بما يتناسب وتطور المجتمع والحقوق. هذا إلا إذا كانت الدولة تبحث عن السلم الاجتماعي بأي ثمن، وهنا، فإنها ومثلما تغض الطرف عن ظاهرة تزويج القاصرات، فإنها ستغضه عن ظواهر اجتماعية خطيرة أخرى.. أيضا، وهذا هو الأنكى، زواج القاصرات يخرق المذهب المالكي، الذي هو مذهب الدولة، بما أنه زاوج متعة في معظم حالاته على الطريقة الوهابية، التي تتيح أشكالا متعددة من الزواج في ضرب لإنسانية المرأة. وأستغلها فرصة لأكرر التأكيد على أن أي تقاعس عن تطبيق القانون أو تواطئ في تزويج القاصرات تحت غطاء العادات والتقاليد ما هو إلا تحايل لأجل تكريس تزويج القاصرات واغتصاب الطفولة وممارسة البيدوفيليا والاعتداء على حقوق النساء المغربيات.
*رئيسة مؤسسة «إيطو» لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف