عزز المغرب وروسيا عبر التاريخ علاقات متينة تقوم على التعاون والتبادل الثقافي، إذ تعود أولى الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين إلى القرن الثامن عشر، وشهدت العلاقات تطورًا ملحوظًا في مختلف المجالات، من السياسة والاقتصاد إلى الثقافة والتعليم. وفي هذا الإطار، شهد المركز الثقافي الروسي بالرباط، اليوم، افتتاح "النادي التاريخي لحظة الحقيقة"، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على الذاكرة التاريخية المشتركة بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة المغربية والروسية في الحرب العالمية الثانية والدفاع عن قيم الحرية والسلام. وجاء افتتاح النادي في سياق إحياء الذكرى الثمانين ل"النصر الكبير"، بحضور شخصيات ثقافية وإعلامية من المغرب وروسيا، ووفقًا لإدارة المركز الثقافي الروسي، فإن النادي سيكون منصة تفاعلية لنقل صفحات من التاريخ إلى الأجيال الجديدة، عبر تنظيم ندوات فكرية، ومعارض فوتوغرافية، وعروض أدبية لمؤلفين من البلدين، مما يجعله فضاءً مفتوحًا أمام المهتمين بالتاريخ، سواء من المغاربة أو أفراد الجالية الروسية بالمملكة. وقد تضمن برنامج الافتتاح تقديم عرض تحت عنوان "روسيا والمغرب: الحقيقة التاريخية وذاكرة الأجيال"، حيث تم استعرض المساهمات البطولية للجنود المغاربة في تحرير أوروبا من النازية، كما افتُتح معرض فوتوغرافي، من تنظيم وكالة "تاس" الروسية، يعرض أعمال المصور الحربي السوفياتي يفغيني خالدي، التي توثق لحظات فارقة من معارك الجيش الأحمر ضد النازية ومسيرته نحو تحرير أوروبا. ألكسندر سن، مدير المركز الثقافي الروسي بالرباط، أكد أن الاحتفاء بذكرى النصر لا يقتصر على استذكار التاريخ، بل يشكل فرصة لإعادة قراءة الدروس المستفادة منه، مشددًا على أن "الجنود السوفييت لم يدافعوا فقط عن وطنهم، بل ساهموا في تحرير أوروبا من تهديد الفاشية، وقد ساهم في هذا التحرير الجنود المغاربة بوصفهم شركاء في هذا الكفاح"، وأضاف المتحدث أن "تاريخ الحرب العالمية الثانية لا يمثل ماضيًا فقط، بل يحمل رسائل تحذيرية للمستقبل، خاصة في ظل التحديات الراهنة التي تواجه العالم". وأوضح سن، أن المملكة ورسيا يسعيان دائمًا نحو تعزيز التقاليد الديبلوماسية العريقة التي تشكل تاريخ وثقافة البلدين، ومواكبة تاريخ المشترك الذي يعمق هذه التقاليد. وفي سياق متصل عبر مدير المركز الروسي، عن احترامهِ لمشاركة الجنود المغاربة في الحرب العالمية الثانية، مشيدًا بدورهم في إحلال السلام والمساعدة في حفظ أمن الشعوب الأوروبية، مستحضرًا خسائر الحرب وفضاعتها على الملايين من المدنيين، الذين دمرت مدنهم وقتل ذوايهم. ومن جهته، أبرز مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن العلاقات المغربية الروسية لها أبعاد تاريخية وثقافية وروابط سياسية عميقة، مشيرًا إلى أن التعاون بين المندوبية السامية والمركز الثقافي الروسي، يهدف إلى ترسيخ هذه الذاكرة المشتركة، من خلال مشاريع ثقافية تسهم في توثيق الإرث التاريخي للبلدين. وقال الكثيري، رغم خضوع المغرب للحماية الفرنسية ، إلا أنه اختار أن يكون جزءًا من الجهود العالمية للدفاع عن السلام، مشيرًا في السياق ذاته إلى أن "الجنود المغاربة خاضوا معارك بطولية، مازال التاريخ العالمي يشهد بها مثل: معركتي "جونكلوا" و"كيبين"، حيث قدم هؤلاء الجنود تضحيات كبيرى في سبيل الانتصار على النازية". وأكد المتحدث أن الاحتفال بذكرى "النصر الكبير" هو مناسبة لتجديد الالتزام بقيم التضامن والسلام ورفض جميع أشكال انتهاك حقوق الإنسان، "مشيدًا بدور السلطان محمد الخامس الذي كان من بين القادة الذين آمنوا بهذه القيم وسعوا إلى تعزيزها عالميًا"، مشددًا على أن "تثمين الذاكرة التاريخية فرصة لمكافحة التطرف وتعزيز ثقافة السلام والحوار بين الشعوب".