خلال استقبال رئيس الحكومة السيد العثماني للسيدة بومزيلي ملامبو نغوكا، نائبة الأمين العام لهيأة الأممالمتحدة والمديرة التنفيذية لهيأة الأممالمتحدة للمرأة، يوم الخميس 27 فبراير 2020، التي زارت المغرب للمشاركة في المؤتمر العالمي الخامس للمدن والمساحات العامة الآمنة حول موضوع المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة الذي انعقد في الرباط ما بين 26 و28 فبراير 2020، تفاخر سعادته بما حققه المغرب لفائدة نسائه مؤكدا" أن المغرب منخرط في تحسين أوضاع النساء وتحقيق أهداف هيأة الأممالمتحدة للمرأة، ويعمل على ضمان المساواة بين الجنسين، ومكافحة العنف ضد النساء، خصوصا ضد الفتيات". كم هو جميل أن نرى رئيس حكومتنا يتحدث، بافتخار، عن المساواة بين الجنسين، وعن مكافحة العنف ضد النساء والفتيات. ومن يراه ويسمعه يعدّد مكاسب النساء التي جاءت بها مدونة الأسرة أو الاتفاقيات الدولية التي رفع المغرب تحفظاته عن موادها، أو التزام المغرب بالنهوض بحقوق الطفل، أو الجهود المبذولة لملاءمة التشريعات الوطنية مع المواثيق الدولية المصادق عليها وخاصة اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 ... من يسمع كل هذا سيعتقد أن رئيس الحكومة مقتنع فعلا بحقوق النساء والأطفال وحريص على توسيعها وحمايته، وكذلك يعتقد أن حزبه انخرط في النضالات السياسية والحقوقية للنهوض بحقوق وأوضاع النساء والأطفال. ما تُفاخِر به اليوم السي العثماني، بصفتك رئيس الحكومة وأمين عام حزب العدالة والتنمية لا فضل لك فيه أو لحزبك وللحكومة التي ترأسها بنكيران وتترأسها أنت اليوم. فأنت، السيد رئيس الحكومة، ينطبق عليك المثل العربي "كالحادي وليس له بعير". إذ لم يكن لك ولحزبك شرف النضال من أجل حقوق النساء التي تفاخر بها اليوم وفاخرت بها بسيمة الحقاوي حين تحملت حقيبة وزارة الأسرة. كان حزبكم وقياداته، وأنت ضمنهم، تجولون المغرب طولا وعرضا لتجييش المواطنات والمواطنين ضد مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي انبثقت عنها مدونة الأسرة. وأنت تخاطب المسؤولة الأممية، ألم تسترجع بيانات حزبكم وفتاوى فقهائكم التكفيرية ضد واضعي ومؤيدي المشروع؟ ألم تتذكر مشهد قياداتكم وهي تتصدر مسيرة 12 مارس 2000 بالدار البيضاء ضد المشروع؟ دعني أذكر سعادتك ببعض مواقف حزب العدالة والتنمية وقياداته الذكورية والنسائية والمذكرة التي رفعها للجنة الملكية التي أشرفت على تعديل المدونة. من أبرز مواقفكم تلك: الرفض المطلق لرفع سن الزواج لدى الفتيات إلى 18 سنة، واعتبرتموه تشجيعا على "الفاحشة". وبسبب ذلك الرفض أبقت مدونة الأسرة على زواج القاصرات كاستثناء صار فيما بعد قاعدة مشجّعه عليه، بحيث انتقل من 18341 حالة عام 2004 إلى 35152 عام 2013، ثم انخفض قليلاً إلى 30 ألف حالة زواج في 2017. هل يُدرك رئيس الحكومة خطورة تزويج 35 ألف طفلة قاصر وحرمانهن من حقهن في التعليم والتربية والنمو العقلي والجسدي والوجداني؟ كيف لك ولحزبك أن تحاربوا العنف ضد النساء وخاصة الفتيات وأنتم شرعنتموه وناهضتم ولا زلتم تناهضون كل المطالب النسائية والحقوقية بتجريم زواج القاصرات؟ هل صارحْتَ المسؤولة الأممية أنك وحزبك وذراعه الدعوية كنتم السبب الرئيسي في استمرار زواج القاصرات وكل أشكال العنف المترتبة عنه؟ فكيف يستقيم حديثك عن المساواة بين الجنسية ومكافحة كل أشكال العنف ضد النساء والفتيات وأنت وحزبك وحركتك لم تراجعوا مواقفكم؟ لا يحق لك، السيد رئيس الحكومة، الحديث عن المساواة وأنت وحزبك والحركة الدعوية رفضتم ولاية المرأة على نفسها في الزواج وأفْتَيتم ببطلان الزواج بدون ولي. فعقيدتكم الإيديولوجية متناقضة مع منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية سواء تعلق الأمر بحقوق النساء أو الأطفال أو حتى الرجال. فطالما لم تراجعوا عقيدتكم تلك فلن يستقيم حديثكم مع مواقفكم ولن تقبلوا ببعض الحقوق النسائية إلا كرها. لقد ناهضتم حق الزوجة في اقتسام الممتلكات الزوجية واعتبرتموه "أكل أموال الناس بالباطل"، كما ناهضتم الطلاق القضائي الذي يعطي الحق للزوجة أن تطلق زوجها واعتبرتموه تشجيعا على تخريب الأسر. عقيدتكم، سيدي، تمنعكم من وضع الثقة في المرأة والإيمان بقدراتها العقلية وكفاءاتها المهنية، لهذا تفرضون عليها الوصاية والولاية وتناهضون مطالب النساء بالمناصفة والمساواة. عقيدتكم الإيديولوجية تلك، والتي تعادي النساء، هي التي جعلتكم تثورون ضد رفع المغرب للتحفظات عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية. أليس حركتكم الدعوية هي صاحبة البيان المندد برفع التحفظات عن هاتين المادتين بحجة أن مقتضياتهما (تتعارض مع أحكام الإسلام وتتناقض مع أحكام الدستور وتخالف صراحة بنود مدونة الأسرة وتجهز على مكتسبات ثابتة للمرأة)؟ فما الذي تغيّر حتى تتحدّث سيادتك أمام المسؤولة الأممية عن حرص الحكومة على المساواة ومحاربة العنف ضد النساء والفتيات؟ فالإسلام هو الإسلام، ودستور 2011 هو نفسه، ومدونة الأسرة هي نفسها. هل يعلم السي العثماني أن حكومته وحكومة سلفه بنكيران لم تُصدرا حتى الآن القوانين المنظمة لهيئة المناصفة؟ أليس تعطيلا للدستور ومناهضة لحقوق النساء؟ دع عنك، السي العثماني كل هذا وأخبر الممثلة الأممية أن حكومة حزبك، السابقة والتي تترأسها، جاءت بمشروع قانون جنائي يشرعن كل أشكال العنف ضد النساء، بل يشجع على قتل النساء باسم جرائم الشرف، وخفّض عقوبة القتل من الإعدام والمؤبد إلى السجن بضع سنوات أو شهور قد تكون موقوفة التنفيذ. إن القانون الجنائي المغربي الذي يطالب عموم الشعب المغربي وقواه الحية بتغييره، لا يتضمن جرائم الشرف ولا يشرعنها، بينما مشروع القانون الجنائي الذي جاء به الرميد ولا زال يضغط للمصادقة عليه، أقحم قوانين غريبة عن المجتمع المغربي، وهي شبيه بقوانين داعش وطالبان. فحتى قانون العنف ضد النساء 13/103 جاءت به الحقاوي كسيحا ولا يشمل كل حالات العنف رغم المطالب النسائية والحقوقية في هذا الإطار. لهذا لم تكلف بسيمة الحقاوي الوزيرة السابقة للتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة نفسها القيام بزيارة مواساة ومؤازرة وتضامن من الأسر التي تعرضت بناتها للقتل بكل وحشية كما لو أن الأمر لا يهمها ولا أنت السي العثماني ولا سلفك بنكيران قدمتم واجب العزاء والمؤازرة لأسر الضحايا بينما تطيران على وجه السرعة لتقديم العزاء وذرف الدموع حين يتعلق الأمر بطلبة أعضاء في حزبكم. فما أبعد حزبكم عن قيم المواطنة والمساواة والكرامة.