قبيل الانتخابات يفتعل حزب العدالة والتنمية دائما إشكاليات أخلاقية يجعلها نواة خطابه السياسي ومركز حملته الانتخابية ووسيلة لجلب أصوات الناس ولو كان ذلك بالباطل والكذب والبهتان. والتاريخ القريب يشهد كيف كان حزب العدالة والتنمية يحارب مبادرات وطنية باسم الأخلاق والدين وطبق فيما بعد مضامينها بحذافيرها بعد تحمله المسؤولية . والنموذج على ذلك محاربته سابقا الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، التي اعتبرها خطة صهيونية ودخيلة تسعى إلى تفكيك الأسرة وتحليل ما حرم الله وتكفير كل مدافع عنها. لكن بمجرد ما تحمل المسؤولية طبق كل مضامينها، بل اجتهد وأبدع في ذلك لدرجة أنه تناقض مع فهمه لبعض النصوص الدينية. كما أن رفعه فيما بعد شعار محاربة الفساد لم يكن الغرض منه القضاء عليه وتخليق الحياة العامة، بل فقط دغدغة مشاعر الناخبين وجلب أصواتهم لأن الممارسة أثبتت العكس، حيث أصبح الفساد مؤسسا، كنموذج الجمع بين المناصب، وهو ما كان يروج له من طرف أعضاء حزب العدالة والتنمية على أنه نوع من الفساد مرتبط بالتسيير والتدبير، غير أنه عندما أصبح أعضاء الحزب يراكمون بين تعويضات وامتيازات الوزارة وعضوية الجهات ورئاسة المجالس المنتخبة أصبح الأمر مشروعا ولا يعتبر فسادا. أما في هذه المرحلة، التي تبتعد بسنة وأشهر عن الانتخابات، فتسعى الآلة الانتخابية مجددا إلى إيهام الناس بأن الحزب يدافع مرة أخرى عن تخليق الحياة العامة من خلال إثارة القضية المتعلقة بالإثراء غير المشروع، والتي تم اختيارها بعناية وبدقة من بين 85 مادة اقترحت لتعديل مشروع القانون الجنائي لكي تكون نقطة انطلاقة حملة سابقة لأوانها لعدة أسباب: - أن جميع الناس يتفقون على أن الثراء الفاحش مرفوض ويدل على عدم وجود عدالة اجتماعية، لكن علينا أن نبدأ بأعضاء حزب العدالة والتنمية أنفسهم، الذين قال فيهم بنكيران إن أحسنهم كان يملك فقط سيارة مرسيديس 190، إلا أن مؤتمرهم الأخير أظهر أنهم يركبون آخر ماركات السيارات وأجودها ويشربون فقط الماء المعدني ويلبسون آخر صيحات الماركات العالمية. - أن بعض الأحزاب السياسية في إطار التدافع السياسي الإيجابي اقترحت أن يكون هناك قانون يتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع ويشمل جميع المواطنين وليس فقرة وحيدة داخل القانون الجنائي، وفي هذه النقطة بالذات تمت شيطنة آراء هذه الأحزاب وتسفيه المخالفين وتحويل أفكارهم للاستهلاك الانتخابي، مما يوحي بأن كل هذه الأحزاب مع الفساد ولا تريد محاربة الإثراء غير المشروع، وأن حزب العدالة والتنمية وحده ضد الفساد، علما أن بعض أعضاء الحزب تبدلت أحوالهم ومساكنهم وأكلهم وطريقة عيشهم بين عشية وضحاها، مما يستدعي تفعيل "من أين لك هذا؟". - أن خطاب الطهرانية يجد صداه في قلوب الناس وصالح لاستمالة الناخبين، لكن هناك فرقا بين الأقوال والأفعال، وعلى حزب العدالة والتنمية أن يبقى وفيا لخطابه لا أن يصل إلى مراكز القرار، ويقولون إنهم لم يتركونا نعمل. وآنذاك يصبح أعضاؤه "يأكلون الغلة ويسبون الملة". الإثراء غير المشروع مرفوض ووجب أن يكون بالفعل ويقطع مع الفساد لا أن يكون ورقة انتخابية تتبخر بمجرد انتهاء الانتخابات.