كثّفت السّلطات المغربية حملتها ضدّ الأصوات السّلمية بموجة جديدة من الاعتقالات التعسفية ومقاضاة الأفراد، وفق تقرير "حالة حقوق الإنسان في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2019"، الذي قدّمته منظّمة العفو الدولية فرع المغرب اليوم الثلاثاء بالرباط. و"مسّت هذه الاعتقالات التعسفية والمقاضاة"، وفق "أمنستي"، صحافيّين ومغنّي "راب" ومدوّني "يوتوب"، الذين "استُهدف الكثير منهم لمجرّد انتقادهم الملك أو مسؤولين آخرين". وقال محمد السكتاوي، الكاتب العام لمنظّمة العفو الدولية، إنّ بلدان المنطقة استمرّت السنة الماضية 2019 "بلا خجل بين حملات قمع بلا هوادة لسحق المعارضة وقمع المحتجين والمدونين الشباب والمعارضين السياسيين، بدعم غير معلن من حلفاء أقوياء". وأضاف السكتاوي في كلمته في الندوة الصحافية ل"أمنستي" أنّ آلاف المعارِضين والمنتقدين سلميا في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا وقعوا "ضحايا انتهاكات صارخة للحكومة، وسط صمت من المجتمع الدولي"، في "حملة قمع للمعارضة والمجتمع المدني ازدادت حدة بشكل كبير، خاصة في الجزائروالعراق وإيران ولبنان وفلسطين المحتلة". وفي تفاعل مع سؤال عن المبادرة المغربية من أجل الدفاع عن الحقّ في التّنظيم، قال السكتاوي إن العديد من فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مازالت محرومة من الوصل المؤقّت، ثم استرسل قائلا إنّ منظمة العفو الدولية فرع المغرب لم تتسلّم وصلها المؤقّت منذ سنة، وهو ما يمكّن السلطات من التعامل مع أنشطتها بانتقائية بمنع بعضها والسماح بتنظيم البعض الآخر. وذكر السكتاوي أنّ المغرب أقفل أبوابه في وجه باحثي "أمنستي" الدّوليين حول انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب منذ أربع سنوات، ووصف هذا ب"الوضع غير الطبيعي"، ووسَمه ب"التّعسّف في استعمال السّلطة". وقال المدير العام ل"أمنستي" فرع المغرب إنّ هناك "قمعا بلا هوادة من حكومات المنطقة للمدونين الشباب بشكل خاص والمدافعين عن حقوق الإنسان"، في "حملة انتقلت من الشوارع إلى الفضاء الأزرق"، قبل أن يضيف في وقت لاحق: "نحن أمام دفق كبير لمجرى التاريخ لا يمكن أن تقف دونه الجدران". ومع "خروج مئات الآلاف من المواطنين يطالبون بالعدالة الاجتماعية"، ووجود "تصميم قوي مع الأسف للعديد من الحكومات على سحق الحقوق بوحشية"، يرى السكتاوي أنّ المنطقة تشهد ربيعا عربيا آخر من المستحيل التنبؤ بعدد وحجم احتجاجاته القادمة، ثمّ استدرك قائلا: "لكن إذا استمرت الحكومات في مزيد من القمع، ودفن رؤوسها في الرمال بدل الاستجابة لمطالب المحتجين (...) سيزيد هذا من اليأس ويقود المنطقة إلى شفير الهاوية". بدوره تحدّث صلاح عبدلاوي، المدير العام لمنظّمة العفو الدولية فرع المغرب، عن أنّ من بين ما تغيّر في المنطقة السنة الماضية 2019 "زيادة شراسة تعامل السلطة مع الاحتجاجات الشّعبية المميتة أحيانا، خاصة في العراق وإيران"، ووضع "قيود شديدة على حرية التعبير ومنظمات المجتمع المدني" بها. و"في الجانب الإيجابي"، قال عبدلاوي إنّ هناك "بشائر أمل" لأن "هذا العام كان عام تحد ويظهر أن الأمل مازال حيّا"، لما عبّر عنه الناس من "ثقة في العمل الجماعي والجهود من أجل التغيير"، مستحضرا "الجموع الحاشدة التي تدفّقت إلى الشوارع مخاطرة بحياتها ومطالبة بحقوقها الإنسانية والكرامة الاجتماعية وإنهاء الفساد". وذكر المتحدّث أن إسرائيل لم تستطع رغم دعمها بصفقة ترامب، وقمعها وتجويعِها المناطق المحتلّة، أن توقف "احتجاج النساء على العنف ضد النوع الاجتماعي والاحتلال الإسرائيلي"، كما سجّل لجوء جبهة البوليساريو إلى تكميم الأفواه الغاضبة عبر المحاكمة، وتقاعُسها في ضمان محاسبة مسؤولين عن الانتهاكات في المخيمات الخاضعة لسيطرتها. وقال عبدلاوي إنّ المغرب لم يكن استثناء في هذا المشهد بالمنطقة ب"نقل القمع إلى ميدان حرية التعبير على الإنترنت"، ومتابعة "مدونين ونشطاء وفنانين بسبب تعليقات اعتبرتها تنطوي على تهديد السلطات"، واستعمال "القوة المفرطة وغير الضرورية لتفريق التظاهرات"، واحتجاز آلاف المهاجرين وإعادتهم قسرا لجنوب المغرب رغم المرونة المؤقّتة في التّعامل معهم سابقا، كما تحدّث عن استمرار مواجهة المرأة "التمييز، بما في ذلك العنف الجنسي"، ومواصلة الشرطة في "مضايقة أفراد مجتمع الميم"، واعتبار "العلاقات بين البالغين جريمة جنائية". وأوصت منظّمة العفو الدولية حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ب"توحيد الجميع حول قضايا حقيقية مثل الصّحّة والإسكان والعمل المستقرّ"، لأن "حرمان النّاس من حقوقهم الإنسانية الأساسية يولّد اليأس والإحباط وبالتّالي انتفاضات الغضب"، كما دعت إلى "إطلاق سراح جميع معتقلي الرّأي بدون قيد أو شرط".