شهدت المملكة المغربية تطورا مهما في المجال الحقوقي لفائدة فئات المجتمع منذ بداية التسعينات، في ظل تحولات وطنية ودولية جديدة، مع ما استجد نتيجة لها من تحديات ورهانات على عدة مستويات، حيث تم فتح مجموعة من الأوراش في مجالات قطاعية مختلفة من أجل إعمال حقوق الإنسان وحمايتها عبر مشاريع مختلفة، إن على المستويات التشريعية أو السياسية أو التربوية، لإرساء تلك الحقوق وحمايتها وتعزيزها والنهوض بثقافتها؛ ولعل من ضمنها مشاريع بلورت لفائدة حقوق الأطفال في وضعية إعاقة. فعلى المستوى التربوي والتعليمي، يمكن التأكيد على أن تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة اعتبر من التحديات الكبرى لاستراتيجيات الإصلاح التي أقرتها المنظومة التربوية المغربية، سواء على مستوى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، أو على مستوى مخططات وبرامج ومنتديات الإصلاح؛ مما أفرز مجموعة من المخططات وبرامج العمل في مجال إرساء حق هؤلاء الأطفال في التمدرس، وبالتالي ضمان تمكينهم من المستويات الضرورية لعرض تربوي يتناسب مع خصوصياتهم وحاجياتهم وطموحاتهم في تمدرس دامج وناجح. وبحكم أن الوزارة قد تبنت "من أجل مدرسة مواطنة ودامجة" شعارا لها خلال الموسم الدراسي الجاري 2019/2020، فإن موضوع التربية الدامجة أصبحت له راهنية كبيرة سواء من منطلق حقوق وواجبات المواطنة الكاملة التي يتمتع بها الأطفال في وضعية إعاقة، أو من منطلق خصوصية هذه الفئة وحقها في التربية والتعليم والتكوين. وفي هذا الإطار جاءت الرؤية الاستراتيجية التي وضعها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي من أجل تحقيق تكافؤ الفرص والإنصاف والجودة والارتقاء الفردي والمجتمعي والتدبير الجيد لعملية الإصلاح التعليمي والتربوي في شموليتها، وهي أسس وخيارات كبرى ناظمة للإصلاح، تقدم خارطة طريق بمداخل نسقية وبرافعات للتغيير المستهدف، وتواكب تحديات ورهانات تجديد المنظومة التربوية. وقد نصت الرافعة الرابعة من هذه الرؤية على تأمين الحق في ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة، أو في وضعيات خاصة. ويعتبر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن كسب هذا الرهان يقع في صميم الإنصاف والعدالة الاجتماعية. لذلك، دعا إلى قيام الدولة، لا سيما السلطات الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين، بواجبها تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة، أو في وضعيات خاصة، من أجل ضمان الحق في التعليم والتكوين الجيدين ضمن مختلف مكونات المدرسة، من خلال مخطط عمل يتضمن ما يلي: • إدماج الأطفال المعاقين في المدارس لإنهاء وضعية الإقصاء والتمييز، أخذا بالاعتبار نوعية الإعاقة، مع توفير المستلزمات الكفيلة بضمان إنصافهم وتحقيق شروط تكافؤ فرصهم في النجاح الدراسي إلى جانب أقرانهم. • تربية الأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة وتكوينهم، من خلال: - وضع مخطط وطني لتفعيل التربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة، أو في وضعيات خاصة، على المدى القريب، يشمل المدرسين، والمناهج والبرامج والمقاربات البيداغوجية، وأنظمة التقييم والدعامات الديداكتيكية الملائمة لمختلف الإعاقات والوضعيات، على أن يتم تفعيل هذا المخطط على المدى المتوسط؛ - تكوين مدرسين متمكنين من التربية الدامجة، وإدراجها ضمن برامج التكوين المستمر للأطر التربوية، وتوفير مساعدين للحياة المدرسية؛ - تكييف الامتحانات وظروف اجتيازها مع حالات الأشخاص في وضعية إعاقة؛ تعزيز الشراكة مع القطاع الحكومي المكلف بالصحة ومع المجتمع المدني، قصد إحداث وحدات صحية متعددة الاختصاصات، لتشخيص وتتبع حالات الإعاقة بين المتعلمين والمتعلمات، وتمكينهم مما يلزم من رعاية طبية؛ - الانفتاح على شراكات أكاديمية مع مؤسسات أجنبية في سياق إرساء تكوينات في هذا المجال، بمؤسسات جامعية مغربية من قبيل كلية علوم التربية. • إدماج محاربة التمثلات السلبية والصور النمطية عن الإعاقة في التربية على القيم وحقوق الإنسان، وفي الإعلام بمختلف أنواعه وقنواته. • سياسة عمومية في مجال الإدماج الاجتماعي للأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال مخطط عمل استراتيجي وطني على ضوء التوجهات الاستراتيجية الجديدة للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، ونتائج البحث الوطني حول الإعاقة 2014 ، يعتمد على المكونات الآتية: - وضع إطار تشريعي شامل ومندمج يهدف إلى تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؛ - معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء والأمهات، وللأطفال والأشخاص المسنين ووقايتهم؛ - إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية-حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات. - تعزيز دور المجتمع المدني في النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. ورغم الجهود التي بذلتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي من أجل توفير بعض الصيغ التنظيمية لتنزيل مقتضيات البرنامج الوطني للتربية الدامجة بدء من تغيير هيكلة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من خلال إحداث مصلحة التربية الدامجة بناء على المراسلة 530/19، إلى تنزيل مشروع اتفاقية الشراكة بناء على المذكرة 134/19ن مرورا بعملية استقبال وتسجيل التلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة من خلال إصدارها للمذكرة رقم 656/19، إلا أنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية: هناك نقص في الجانب التأطيري للممارسات الإدارية والتربوية، فإلى حدود الساعة تنعدم برامج التكوين المستمر لمختلف الفئات المتدخلة من أطر المراقبة التربوية وأطر الإدارة التربوية والمدرسين والمدرسات. إذا كان تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة يقتضي مقاربة تشاركية بين الفاعلين التربويين والفريق الطبي وشبه الطبي والأسرة وجمعيات المجتمع المدني، فإن عدة مظاهر من عدم التنسيق قد تم تسجيلها، حيث غلبت مظاهر اللاتكامل، بل وأحيانا التنافر بين أشكال التدخل المقدمة من طرف هؤلاء المتدخلين جميعا. - عدم وجود تصور واضح للتدبير الديداكتيكيي، من خلال تدبير التعلمات انطلاقا من التصور الفارقي والتجانس في الإجراءات البيداغوجية والديداكتيكية، وفي الممارسات المهنية للمدرسين عموما. - غياب مقاربة بيداغوجية واضحة في مجال التقويم والمعالجة بأقسام الإدماج، وذلك سواء على مستوى اعتماد أدوات تقويم التعلمات المتكيفة مع كل صنف من أصناف القصور وتحديد أنماط المعالجة، أو على مستوى التقويم من أجل اتخاذ قرار الانتقال من مستوى دراسي إلى أعلى، وبالتالي على مستوى إجراءات الامتحانات الإشهادية )مع استثناء الوضع بالنسبة لأطفال الإعاقات البصرية والسمعية(. - عدم تحديد مجالات ومضامين التعلمات الأساسية والداعمة بحسب أصناف الإعاقات المتواجدة واعتماد كلي أو جزئي على بعض المضامين غير المنسجمة مع طبيعة الإعاقة المستهدفة، والتي تقتطع من بعض الكتب المدرسية وكراسات التعليم الأولي والابتدائي، كما لوحظ أن تقديم الأنشطة يتم بشكل ارتجالي من غير استناد إلى أسس بيداغوجية دقيقة وواضحة. *إطار متدرب بمسلك الإدارة التربوية