مرة أخرى أقدمت شرذمة من الانفصاليين المرتزقة "المأجورين" على فعلتها الجبانة، وقامت بحرق العلم الوطني وصورتي الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس.. في قلب فرنسا، التي استيقظت غريزتها الاستعمارية من جديد، من خلال استخدام عملاء مرتزقة للتهييج الإعلامي، الذي لا تخطئه العين. في المقابل مؤسساتنا الإعلامية ربما تحتاج إلى منشط الفياغرا..لتتخلص من عجزها..وتظهر لنا القليل من الفحولة الإعلامية في الدفاع عن الوطن ومصالحه، وتكف عن تسمية خصوم المغرب بالأصدقاء..وهذه هي وظيفة الصحافة وليس رمي الورود، لأن الدبلوماسية لها قنواتها ومؤسساتها الخاصة..ولا يمكن للإعلام أن يستخدم السكر حين يكون المطلوب هو الملح. فرنسا وأوروبا والغرب الاستعماري في أزمات اقتصادية، تريد رميها إلى ما تتوهم أنها حدائقها الخلفية، ومناجمها الشرعية. هكذا تم عقد مؤتمر برلين، بين الدول التي تعتبر ليبيا كعكة ناعمة يسهل اقتسام ثرواتها بين الكبار في النهب، وتم إقصاء المغرب والجارة تونس، علما أن اتفاق الصخيرات الذي انعقد بالمملكة في 17 دجنبر 2015 بإشراف الأممالمتحدة هو حجر الأساس لإنهاء الصراع في ليبيا، ومنح سيادتها للشعب الليبي. وما جرت بعد ذلك من مياه ملوثة تحت الجسر هي لاغتيال دور المغرب في حل الأزمة الليبية. كتاب "الوجه الخفّي للثورات العربية" يفضح التدخّل الغربي الخفّي في ما يُسمَّى "الربيع العربي"، الذي وإن بدأ جماهيرياً ضد الفساد والاستبداد، إلا أن الغرب الإمبريالي تمكَّن من اختراقه وتوجيه مساراته. وبدل الحرب على الفساد اندست بين المحتجين الأبرياء فيالق العملاء التي شرعت في الحرب على البلاد، وعوض الإطاحة بالسياسيين الفاسدين، شرعت في تدمير الدولة، وتخريب البنى التحتية، وتدمير ونهب المتاجر والمؤسسات ونشر الفوضى والرعب..والأمثلة الواقعية كثيرة (ليبيا، سوريا، العراق، لبنان..). لا يمكن منح الشرعية للعنف، ولا يمكن تبرير فعل الحرق..فالذي يطالب ببناء مدرسة لا يمكنه أن يحتج بتخريب مدرسة..والذي ينتقد سرقة المال العام، لا يمكنه أن يقوم بالسطو على مؤسسة بنكية، أو نهب متجر بقالة مواطن فقير. في المغرب مازال المغاربة متشبثين بأمل العفو عن معتقلي حراك الريف..جرادة.. وكل سجناء الرأي، الذين خرجوا في مظاهرات سلمية ضد الفساد، ضد الرشوة، ضد الابتزاز، ضد الاحتقار، ضد التهميش.. ضد تجميد الجهوية المتقدمة.. نعم أنا مغربي من الطبقة الكادحة، غير أني مهووس بحب وطني إلى درجة الهيام..في المغرب ولدت.. وترعرعت طفلا فقيرا..في سنة 1979 كان عمري ست سنوات..أتذكرني في سوق شعبي. وأنا أرتدي قميصا صوفيا تلاشت ألوانه وسروال جينز أزرق ممزقا فقرا لا موضة..وصندلا بلاستيكيا أبيض أسود بوحل أرضية السوق..أحمل بيدي أكياسا بلاستيكية.. وأصيح بصوتي الطفولي: "ميكا.. ميكا"، ولقصر قامتي لا أحد كان يلتفت إلي..كنت غير مرئي..تجمعت حينها دموع الإحساس بالقهر في عيني..شرعت بالبكاء بتلقائية.. انتبهت لي امرأة أنيقة..مسحت بأصابعها دموعي.. وقالت لي أتدرس؟ أجبتها: لا.. قالت لا تبك ستكبر وتكون ناجحا..واشترت مني كيسا هي ليست في حاجة إليه.. واصلت نضالي في الحياة وتابعت دراستي..كنت ومازلت ناقما على الفساد..لكني دائما أحب وطني..التقيت مع مناضلين كثر..حين أقارن قصتي مع قصصهم التراجيدية..تبدو تجربتي ترفا اجتماعيا مع كفاحهم المرير..وحبهم الكبير للمغرب.. مشكلتنا مع الفساد..وسنحارب الفساد لا البلاد..نعم حجم الفساد في المغرب ضخم..لكن الفساد لا يحارب بأدوات فاسدة..العلم الوطني رمز بلادي وقرة عيني المغرب.. والمؤسسة الملكية خط أحمر..لأنها من الثوابت الوطنية، وسأشرحها للمغرر بهم..المغرب بلد متنوع الأعراق والإثنيات والثقافات، وقوته في اختلافه الثقافي وتمايزه الهوياتي، لكن بعض المرتزقة يحاولون عبثا أن يحولوا الاختلاف الثقافي إلى خلاف دموي، والتمايز الهوياتي إلى تمييز عنصري..لهؤلاء نقول: مخططاتكم لن تنجح، لأننا ببساطة كلنا جنود الوطن. الملك محمد السادس أعلنها صريحة: "لا يوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة"، وبالتالي هو أكثر جرأة من الأحزاب السياسية الضعيفة والمتملقين والإعلام المنبطح. يمكن تقديم النصيحة للمؤسسة الملكية لمراجعة اشتغالها، والمطالبة بإصلاحها ليست جريمة، لكن يجب التمييز بين النقد البناء وبين التهجم الهدام.. والمؤسسة الملكية هي الضمانة الفعلية لوحدة المغرب، وإفشال مخطط المرتزقة الانفصاليين الذين يريدون تحويل البلد إلى دويلات قزمية. لا تفاوض مع الانفصاليين، وهنا أقدم تعامل حكومة إسبانيا مع انفصاليي كاتلونيا، لذلك أنوه بموقف ناصر الزفزافي ووالده بشجبهما فعل شرذمة الانفصاليين الخونة، وتبرؤهما من أفعالهم الجرمية الشنيعة. ختاما العفو الملكي ليس مجرد جرة قلم..العفو الملكي عن سجناء الرأي وكلهم شباب هو المصالحة مع الذات.. المصالحة مع الوطن..هو تلاحم الشعب المغربي من أجل مغرب الديمقراطية..مغرب المواطنة الحقة..مغرب العدالة الاجتماعية والاقتصادية..مغرب الكرامة.