تتجه أنظار الرأي العام الوطني وخاصة متتبعي الشأن الحزبي بداية شهر فبراير القادم صوب محطة المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة، هذا المؤتمر العادي في شكله لكن الاستثنائي في مدخلاته ومخرجاته المرتَقبة، إذ يقبل مناضلات ومناضلو البام على هذا المؤتمر بعد حراك داخلي هو الأول من نوعه داخل الحزب، والأكثر إثارة في المشهد السياسي الوطني خلال العقدين الأخيرين وخاصة بعد مخاض عسير عاشته أشغال اللجنة التحضيرية، تكللت أخيرا بالنجاح بعدما وصلت حدة التدافع التنظيمي إلى القطيعة والنفور بين قيادات الحزب وحتى بين قواعده فانتقل هذا الخلاف من تدافع تنظيمي داخل مؤسسات الحزب إلى معركة علنية و حامية الوطيس أمام الملأ بدون طابوهات ولا تحفظ و في بعض الأحيان تجاوز التدافع أدبيات العمل السياسي النبيل، لينتهي الأمر بالجميع إلى الاحتكام إلى صوت العقل والانضباط إلى روح التأسيس كصمام أمان لاستمرارية مشروع البام الأصيل. سيلتئم البام في المحطة المقبلة بعد أزمة داخلية أرخت بضلالها على المشهد السياسي برمته لكنها حركت المياه الراكدة وأماطت اللثام عن العديد من المؤامرات بتواطؤ من بعض الأطراف من داخل البيت البامي لتقزيم الحزب والدفع به إلى الانحراف عن مساره الأصيل، ذلك المسار الذي ظل وفيا لروح التأسيس ومتشبثا بالضرورة الموضوعية والتاريخية التي جعلت منه بديلا طبيعيا للمد الأصولي وحصنا امنا من الهيمنة الأوليغارشية على المشهد السياسي. يدخل البام هذا المنعطف التاريخي مثقلا بتراكمات عقد كامل من التواجد داخل المشهد السياسي، عقد غزير بالانتصارات والإخفاقات تمكن خلاله من تحقيق الكثير من الغزوات الانتخابية الكبرى مما جعل منه رقم صعب وحاسم في العديد من التوازنات السياسية المصيرية لمستقبل الوطن، كل هذا يجعل من هذا المؤتمر المحطة المناسبة لتصحيح المسار وتصفية التركة الثقيلة حيث اضحى البام مطالبا اكثر من أي وقت مضى بتصفية هذه التركة والتدقيق فيها لأنها تعيق تحوله الطبيعي من أداة سياسية إلى حزب جماهيري وطني ينصت لنبض الشارع ويتفاعل مع التحولات الاجتماعية السريعة وله ما يكفي من الآليات لاستيعاب التعبيرات السياسية الجديدة وكذا العمل إلى جانب الأحزاب الوطنية لمواصلة المساهمة في بناء الوطن المنشود وفق الفكرة النبيلة التي أسست للبام وأيضا بكل وفاء للجيل المؤسس .هذا الجيل الأصيل الذي يتطلع اليوم إلى جيل جديد من القيادات داخل البام بعقليات جديدة تتماشى مع التحديات الكبرى للوطن، جيل جديد من السياسين القادرين على الانخراط في بام الجيل الجديد الذي أصبح ميلاده وشيكا وحتميا مع اقتراب المؤتمر الوطني الرابع للحزب. أصبح من الصعب مواصلة الطريق بنفس البوصلة، والمؤتمر الوطني القادم يشكل لا محالة الفرصة الأخيرة لتصحيح المسار. نعم لا يكمن أن نتنكّر للجيل المؤسس وللجيل الأول من القيادات التي سيرت الحزب تحت القصف، نعم حققنا الكثير من الانتصارات الميدانية لكنها غير كافية لتحصين الحزب من الأزمات الداخلية التي أصبحت هي الوضع العادي داخل تنظيمات الحزب ولعل هذا المخاض الذي يعيشه بيتنا اليوم هو مخاض الولادة الطبيعية الذي لم يمر منه حزبنا لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية مرتبطة بسياق التأسيس ورهانته الآني. هذا السياق هو ما صنع من البام ما هو عليه اليوم، بحسناته وبسيئاته لكن يبقى البام ضروري ومحوري لتحصين الانتقال الديمقراطي والدفع بالفاعلين السياسيين إلى المزيد من الجرأة والمسؤولية من أجل خدمة الوطن والمساهمة في تجاوز التحديات التي تهدد سلمه الاجتماعي وتعيق استمرارية النموذج المغربي الأصيل. *مهندس دولة وعضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة