يعيش سكان مركز جماعة تزارين، بإقليم زاكورة، منذ عقود من الزمن، في دوامة من التهميش والإقصاء وركود تنموي مخيف، منتظرين زيارة مسؤول باستطاعته أن ينفض غبار الحكرة والتهميش عنها، وأن يوصلها إلى ركب التنمية وأن ينصفها ويعطيها حقها المفقود في جميع المجالات. سكان مركز هذه الجماعة الترابية، التي أحدثت منذ عهد الاستعمار الفرنسي، يعتبرونها قرية منكوبة بكل المعايير، تشكو ضعف التنمية وتكابد معاناة كثيرة وتفاقم مظاهرة البؤس والتخلف، حيث لا تزال منذ تأسيسها تئن تحت وطأة الحرمان والفقر بسبب العزلة والبطالة التي ضربت بأطنابها بين شباب المنطقة بالمعتقل أو مجمع للموت البطيء. التخلف التنموي، الذي يتخبط فيه مركز جماعة تزارين منذ عقود من الزمن، دفع الجمعويين المحليين إلى وصفها ب"العجوز" التي شاخت ملامحها، نتيجة ما تعيشه من التهميش والإقصاء والإهمال من لدن المسؤولين المحليين المتعاقبين على تدبير شؤون المنطقة. جماعة بمواصفات دوار إن الزائر إلى مركز جماعة تزارين يحسب نفسه أنه أمام بنية ترابية تحتضر وأن المنطقة خاوية على عروضها ولا يسكنها بشر، بسبب افتقارها إلى أبسط ضروريات العيش الكريم، فضلا عن معاناة الساكنة مع القطاعات الحيوية؛ مثل الصحة والتعليم وشوارع وأزقة متهالكة، تشبه منطقة حرب. جريدة هسبريس الإلكترونية تحدثت إلى سكان مركز تزارين، فوجدت أغلبهم ناقمين ومتذمرين إزاء عجز المسؤولين المحليين والإقليميين وحتى الجهويين من تحقيق جزء صغير من الانتظارات التنموية؛ وهو ما يجعل الشباب على الخصوص يفقدون الأمل ويفكرون في الهجرة الجماعية نحو بلدان أوروبا بطرق قانونية أو غير قانونية. خلال الجولة التي قامت بها هسبريس رفقة بعض الشباب إلى مركز تزارين، عدد هؤلاء الشباب جملة من المشاكل التي يتخبطون فيها وعلى رأسها "التهيئة الحضرية"، مشيرين إلى أن زوار المركز يعتقدون للوهلة الأولى بأنهم يقفون على أطلال وآثار مقارنة بوجهها الشاحب الذي تعكسه وضعية الانتشار الفوضوي للقمامات وأكوام مزابل الحيوانات وحالة الطرقات المهترئة وتآكل جدران بيوتها المنسية. أحمد بناصر، فاعل جمعوي بتزارين، أوضح، في تصريح لهسبريس، أن "مركز جماعة تزارين يشبه إلى حد كبير دوارا نائيا معزولا"، مشيرا إلى أن "سكان المنطقة يهددون بكسر حاجز الصمت للتنديد بالتهميش الممارس من طرف المسؤولين المنتخبين عليهم"، داعيا "السلطات الإقليمية عقد لقاء مع الساكنة المحلية والمجلس الجماعي إلى وضع خطة تنموية قادرة على انتشال المنطقة من قوقعة الفقر والتهميش"، على حد تعبيره. وأضاف المتحدث ذاته أن الهجرة الجماعية تنتظر هذه المنطقة إن بقيت الأمور على حالها، لافتا إلى أنه "من العيب أن تبقى جماعة أحدثت من الاستعمار بدون التنمية، خصوصا أنها توجد في موقع جغرافي جد مهم ويقصدها السياح الأجانب الذين يسوقون صورة سوداوية عليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، بتعبيره. تنمية مفقودة ساكنة مركز تزارين تعيش بين أوجاع الحرمان والألم والعوز، ويبدو أن دوامة الحياة تسحبها إلى مكان مجهول، بعيدا عن حسابات مراكز القرار وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، لتقف عاجزة كل العجز أمام صخرة الفقر التي لا تنكسر. بمجرد أن تطأ قدماك مركز هذه الجماعة تستطيع قراءة أول فصول المعاناة وحالة اليأس والإحباط التي تعيشها الساكنة، بسبب الظروف الاجتماعية القاسية والمزرية التي مست جميع جوانب الحياة اليومية.. حياة البؤس والشقاء التي يكابد معاناتها المواطنون. وحسب عدد من الإحصائيات غير الرسمية، يعد مركز جماعة تزارين الأكثر فقرا بدائرة أكدز بإقليم زاكورة، إذ يعيش سكانها تحت خط الفقر، ويعكس معيشهم اليومي هشاشة هذا الركن من الوطن. داود حامدي ، فاعل جمعوي وحقوقي بمركز تزارين، قال، في تصريح لهسبريس، بلهجة متحسرة ومتذمرة وساخطة على الوضع المعيشي الذي يتخبط فيه سكان جماعة تزارين منذ عقود، إن المسؤولين المحليين غير مهتمين بمشاكل السكان القاطنين بهذه الجماعة، وخصوصا مركزها، كاشفا أن السكان يعيشون حرمانا حقيقيا من أبسط ضروريات العيش الكريم، مذكرا بأن الجمعيات راسلت أكثر من مرة الجهات المسؤولة محليا وإقليميا ووصفوا لهم حياتهم المتردية في هذه المناطق النائية، وطالبوا بوجوب استدراك النقص الحاصل في جميع المجالات، إلا أن الظاهر هو أن تلك المراسلات يكون مصيرها سلة المهملات، ولا تحمل على محمل الجد، ولم توقظ الضمير المهني لمن صوّتوا عليهم ذات يوم وولوهم زمام أمورهم، حسب تعبير المتحدث. خدمات صحية متدنية "مراسلاتنا وطلباتنا تلقى في المهملات"، بهذه العبارة بدأ جمال حسيوي، فاعل جمعوي بتزارين، حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية، مشيرا إلى أن المسؤولين يقدمون وعودا معسولة للسكان إبان الأعراس الانتخابية، ويحلفون بأغلظ الأيمان أنهم سيقومون بتحسين الظروف المعيشية للناخبين ودفع عجلة التنمية بالمنطقة، مذكرا أن تلك الوعود الشفهية تبقى شفهية ولا تتجسد على أرض الواقع، بدليل غياب مرافق اجتماعية ضرورية بالمنطقة، حسب تعبير المتحدث. وأبدى المتحدث ذاته استياءه من سياسة التهميش والإقصاء والتجاهل التي تنهجها السلطات المنتخبة في حق السكان، مستغربا ومتسائلا في الوقت نفسه عن الأسباب التي حالت دون استفادة مركز تزارين من البرامج التنموية، شأنها شأن باقي المناطق الأخرى بإقليم زاكورة، مذكرا بأن قطاع الصحة لوحده يعاني أزمة حقيقية بهذه الجماعة. الفاعل الجمعوي ذاته قال، في تصريح لهسبريس، إن غياب التجهيزات الطبية والأطر الطبية والأدوية الضرورية، يجعل السكان يعيشون في دوامة الخوف، خصوصا أن أقرب مستشفى يوجد على بُعد 150 كيلومترا، بتعبير المتحدث ذاته. وأشار المتحدث إلى أن هذه الجماعة تعاني خصاصا مهولا في الجانب الصحي، ويتمثل بالأساس في نقل الأطر الطبية ونقص شديد في الأدوية، لافتا إلى أن السياسة التي تتعامل بها الجهات المسؤولة مع جماعة تزارين غير معقولة ويجب مراجعتها لتفادي احتقان شعبي جديد وفق تعبيره. تهيئة المركز والطرق مشكل اهتراء الطرقات واحد من بين المشاكل المطالب بحلها من قبل سكان جماعة تزارين، من أجل تسهيل تنقلاتهم سواء على أرجلهم أو على العربات. وقد كشف السكان عن الحجم الكبير من المعاناة والعذاب مع طرقات لم تعرف يوما تعبيدا أو تزفيتا، لا سيما خلال فصل الشتاء حيث تتحول تلك الطرقات إلى أوحال يعجزون عن استعمالها وتجبرهم على انتعال الأحذية البلاستيكية. وتبقى الجماعة القروية تزارين من بين الجماعات الأكثر تضررا من حيث غياب الطرقات المعبدة. وفي هذا السياق، يشدد محمد العلوي، فاعل جمعوي، على أن المنطقة في أمس الحاجة الى تعبيد الطرقات، فضلا عن توسيع الطريق الرئيسية التي تخترق مركز الجماعة. وفي هذا الصدد، يضيف المتحدث ذاته، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن "أهم ما يتحسر عليه سكان مركز الجماعة هو الحالة التي توجد فيها الأزقة والشوارع"، متهما المسؤولين بمختلف درجاتهم بالتخاذل والتقاعس عن أداء مهامهم والصمت وإهمال مطالبهم ووضعهم المزري، محذرا من "مغبة استغفالهم ومواصلة سياسة سد الآذان حيال مطالب السكان، باعتبارهم لن يبقوا صامتين بل سيخرجون لا محالة ذات يوم عن صمتهم"، وفق تعبيره. ومن أجل نيل تعليق رئيس الجماعة الترابية لتزارين في الموضوع ذاته، حاولت هسبريس الاتصال به أكثر من مرة دون مجيب، كما زارت مكتبه ولم تجده أيضا.